في تقديمه لكتاب (الانتصار) في بحث ممتع: - إمام الصادق علیه السلام کما عرفه علماء الغرب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام الصادق علیه السلام کما عرفه علماء الغرب - نسخه متنی

نورالدین آل علی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

في تقديمه لكتاب (الانتصار) في بحث ممتع:


(يجب ألا ننسى الدور الهام الذي اضطلعت به المعتزلة في هذه الفترة في ميادين العلوم والدين والسياسة.


وقد توافقت بداية ظهورهم مع قيام الدولة العباسية، وازداد نشاطهم واتسع نفوذهم ولا سيما في أيام المأمون والمعتصم والواثق الذين استعانوا بالمعتزلة وأسندوا إليهم مناصب حكومية هامة فأصبح رجالهم من أصحاب الرأي والمشورة.


















فهذا أحمد بن أبي دؤاد، وهو من زعماء المعتزلة، أصبح قاضي القضاة ووزيراً للخليفة العباسي بالإضافة إلى المنزلة التي كان يحتلها عند المعتزلة.


وهكذا أصبح المعتزلة الحزب الذي يظفر بالتأييد الرسمي، كما كان أقوى المذاهب والطوائف آنذاك، حتى أن أصحاب الحديث والسنة من معارضيهم واجهوا مشكلات كثيرة انتهت بمحنة، كما حدث للإمام أحمد بن حنبل إمام الحنابلة الذي سجنه المعتصم وأفرج المتوكل عنه.


واستمر نفوذهم إلى ما بعد وفاة الواثق الذي أعطاهم من الأهمية أكثر مما أعطاهم الخلفاء الذين سبقوه، فلما جاء المتوكل، واتخذ سبيلاً مختلفاً من أسلافه من حيث احترام أهل المذاهب والنحل، احتضن أهل السنة وأصحاب الحديث الذين طالما ترصدوا لهم، فهاجموهم شر هجوم، وانتقموا منهم أقسى انتقام.


فأخذت المعتزلة تدافع عن نفسها وآرائها، وكتب الجاحظ كتابه: (فضيلة المعتزلة) في هذه الفترة.


















وقد مر بنا أن ابن الراوندي وضع كتابه (فضيحة المعتزلة) في الرد على هذا الكتاب، ثم جاء الخياط ووضع كتابه (الانتصار) الذي بين أيدينا رداً على ابن الراوندي.


وللاستزادة من البحث نحيل القارئ إلى ما كتبه نيبرغ: H.
S.
Nyberg, (Preface de Kitab AlIntisanr Abu Al Husayn B.


Othman Al-Khayyat) Edition les lettres Orientales, Beyrouth,1957















ابن الراوندي والكيمياء:















كان ابن الراوندي، كما أشرنا من قبل، من الأفذاذ القلائل الذين تبحروا في العلوم المتداولة في عصرهم، ومنهم الكيمياء.


ولا ننسى أنه كان من الطبقة الثانية من تلامذة الصادق (عليه السلام)، إذ أخذ العلم من أمثال جابر بن حيان.


















وإذا قلنا إنه كان كيميائياً، فإنما نقصد به أنه كان خبيراً في خواص المواد والعناصر منفردة ومركبة، شأنه في ذلك شأن علماء الكيمياء في عصرنا الحاضر، ولا نقصد أنه كان يستخرج الذهب من المعادن الخسيسة كما قد يتبادر إلى الذهن كلما جرى الحديث عن الكيمياء في القديم.


















والواقع أن الكيميائيين في القديم قد فشلوا أيضاً في استخراج الذهب من العناصر الأخرى، وأنفقوا من المال والجهد في سبيل الظفر بهذا المعدن الأصفر ما يفوق بكثير قيمة الذهب نفسه.


ولم يختلف الوضع في العصور المتأخرة بالنسبة للكيميائيين الذين اجتهدوا في تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب.


















ومن هؤلاء الكيميائيين في العصور الوسطى (نيقولا فلامل) الذي وضع كتاباً في الكيمياء، وعاش في النصف الثاني من القرن الرابع عشر الميلادي، أي بعد وفاة ابن الراوندي بستة قرون.


ومما قاله في كتابه (قانون استخراج الذهب أو تحويل العناصر الأخرى إلى الذهب) ما يلي:















(في اليوم السابع عشر من يناير سنة 1382، أخذت كمية من الجير الأبيض مع روح الجمر (الآكل) ونركتهما في قارورة من البلور، ووضعتهما فوق نار هادئة حتى أخذت تفور وتغير لونها إلى سواد، ومنه إلى بياض ناصع، ثم أخذ يشتد ويتحول إلى اصفرار، ثم وضعته في قارورة فيها زئبق، فبعدما سخنت الزئبق واختلط بالمادة التي أضفتها إليه، تكونت مادة غليظة بلون الذهب.


فرفعت القارورة من النار، واندهشت إذ تبينت أن هذه المادة بعدما مالت إلى البرودة كانت ذهباً، ولكنها أقل منه صلابة.


فكنت أتصرف فيها وأطويها كما أشاء، وهذه حقيقة).


















وليس ثمة ريب في أن (نيقولا فلامل) قام بمحاولات عدة لتحويل العناصر المختلفة إلى ذهب، ولكن المؤكد أن الذي توصل إليه ليس بذهب.


ولم يعد أحد يحفل بالقيام بمثل هذه التجربة لأن فشلها معروف سلفاً.


وإن رغب أحد في إجراء هذه التجربة، فليدرك أن الزئبق يتحول بالحرارة إلى غاز سام.


















وقد قيل إن ابن الراوندي كان كيميائياً، أي كان على علم بطريقة تحويل المعدن الخسيس إلى ذهب.


















ولو صح هذا القول، لما احتاج ابن الراوندي إلى القيام بعمل الوراقين في استنساخ الكتب مقابل أجر زهيد.


















وحياة ابن الراوندي الأصفهاني في منتصف القرن الثالث الهجري شبيهة إلى حد بعيد بحياة (إرازموس) المسيحي الهولندي الذي عاش في أوائل القرن السادس عشر الميلادي، واشتهر بكتابيه (ثناء الجنون) و(الأمثال).


وقد غلبت على (إرازموس) صفة التدين والنسك على خلاف ما اشتهر به ابن الراوندي، ولا سيما من خلال كتابه (الفرند).


ومع ذلك، فقد جاءت نهاية إرازموس شبيهة بنهاية ابن الراوندي، من حيث اتهام كليهما بالكفر والزندقة.


















وقد ترجم (إرازموس) الكتب المسيحية المقدسة من اللغة اليونانية، وأتاح لأتباع المسيح الملتزمين الحصول على نص دقيق للعهدين القديم والجديد اللذين يتألف منهما (الكتاب المقدس).


















ولما شاعت ترجمة إرازموس للعهد الجديد الذي يضم الأناجيل الأربعة، دهش المسيحيون إذ وجدوا أن هذا الكتاب المقدس خلا من التناقضات، وأن شخصيات أصحاب الأناجيل الأربعة ظهرت من خلال هذه الترجمة واضحة مستقلة.


وبهذا قدم إرازموس خدمة جليلة إلى المسيحية والمسيحيين بعمله هذا، وكافأه عليه كثير من الملوك المسيحيين بما أرسلوه إليه من الهدايا التقديرية.


وأنشأت جامعة (لوون) في بلجيكا كرسي أستاذية يحمل اسم (إرازموس) تقديراً واحتراماً، كما أن له تمثالاً ينتصب في حديقة محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا.


















ولكن، كيف تتهم شخصية علمية دينية من طراز إرازموس بالكفر والإلحاد؟ إن الجواب على هذا السؤال كامن في الأسلوب الذي انتهجه إرازموس، فلولا جهده في كشف المتناقضات وإيضاح المبهمات في الكتب المقدسة وصياغتها في قالب يسهل على الجميع فهمه، لما ظهر المذهب البروتستانتي الإصلاحي.


















صحيح أن إرازموس لم يكن من مؤسسي هذا المذهب، ولكن ترجمته مهدت الطريق لظهوره.


لذلك أن القس الألماني مارتن لوثر، لم يكد يقرأ ترجمة إرازموس للعهد الجديد، حتى هب إلى نقل هذا السفر المقدس إلى اللغة الألمانية إعجاباً به وتسهيلاً لفهم المسيحية على حقيقتها من جانب الشعب الألماني.


ولعل لوثر لم يفكر آنئذ في الدعوة إلى مذهب جديد في المسيحية، ولكن ترجمته الجديدة كانت حافزاً على النهضة الدينية التي أطلق عليها اسم (البروتستانتية)، بمعنى الاعتراض على التقاليد الدينية السائدة وإصلاحها.


















ولما انتشرت ترجمة مارتن لوثر للأناجيل الأربعة نقلاً عن ترجمة إرازموس، وشاعت بين الناس، انبرى بعض المتزمتين والمتعصبين من المسيحيين إلى اتهام (إرازموس) بأنه أدخل البدعة، ورموه بمحاولة إشاعة الفرقة بين المسيحيين من خلال ترجمته للعهدين القديم والجديد، وحكموا عليه بالهرطقة والكفر.


















ولكن جماعة أخرى من الآباء المسيحيين المتنورين نفت عنه هذه التهمة وأيدته، وأرسل البابا (آدرين السادس) رسالة إلى (إرازموس) قال فيها إنه لا يشك في حسن نيته في ترجمة الكتاب المقدس، ولكن عليه إظهاراً لسلامة موقفه ودفعاً للشبهات أن يوضح رأيه في الحركة البروتستانتية.


















ولم يكن إرازموس يفكر في مناصبة لوثر أو الحركة البروتستانتية الجديدة العداء، إلا أن رسالة البابا دفعته إلى نشر كتاب مفتوح نفى فيه تأييده للوثر وللحركة البروتستانتية.


ومع ذلك، ما زال كثير من المهتمين بالدراسات المسيحية في هذا القرن (العشرين) يعتبرون إرازموس من مؤسسي الحركة الإصلاحية البروتستانتية.


















أوردنا ما تقدم لكي نوضح أن أوجه الشبه بين (أرازموس) و(ابن الراوندي) في العقيدة الدينية قليلة إن لم تكن معدومة لأن الأول كان من رجال الدين الأتقياء، ولم يتوخ بترجمته للعهدين القديم والجديد إشاعة الفرقة بين المسيحيين، حتى وإن ظن أن هذا كان مقصده، في حين أن ابن الراوندي كان على النقيض منه تماماً من حيث الإيمان والسلوك.


















والواقع أن ظهور ابن الراوندي في القرن الثالث الهجري كان من آثار حرية الرأي والبحث التي أرست مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) دعائمها، وجادت بيانع الثمار في النهضة العلمية الفريدة التي ظهرت في عصر الدولة العباسية.


وقد حرص الشيعة على هذه الحرية، فكانت من أسباب استقرارهم وتوسعهم وتقدمهم، ولم نقرأ في تاريخ الشيعة أن حكم الإعدام قد نفذ في أحد لمجاهرته برأي يخالف العقيدة السائدة، ولا أن تهم الزندقة والإلحاد قد وجهت إلى أحد بسبب رأي فلسفي ذهب إليه أو خلاف في أمور العقائد، وغاية ما في الأمر أن الشيعة كانت تسمي معارضيها بالمخالفين أو المعاندين وحسب.


















وقد وفق ابن الراوندي إلى تقديم كتابه (الفرند) إلى الخليفة العباسي المتوكل، الذي ألقى عليه نظرة متفحصة سريعة ولم يطالعه بتدقيق وإنعام نظر، ولكن هذه النظرة السريعة كانت كافية لإثارة غضبه وانتباهه، لأن ابن الراوندي ضمن كتابه فصلاً عن تاريخ شجرة السرو في كاشمر، وكان المجوس ينظرون إليها نظرة تبجيل اعتقاداً منهم بأن الزردشت هم الذين غرسوها(9).


















ومما رواه ابن الراوندي أيضاً أن المسلمين كانوا بدورهم يقدسون هذه الشجرة ويجلونها، وهو قد كان يهدف من عرض القضايا التاريخية والاجتماعية إلى تعزيز رأيه الفلسفي، كما كان يقصد من عرضه لتاريخ شجرة السرو الكاشمرية أن يقول إن هذه الشجرة اكتسبت قداسة وألوهية عند الناس.


















فلما قرأ المتوكل هذا الكلام، غضب غضباً شديداً، وقال: ما كنت أعلم أن في خلافتي وفي دار الإسلام شجرة خضراء يعبدها الناس، وفي سورة غضبه، طلب قطع هذه الشجرة واقتلاعها من جذورها خشية أن تنبت من جديد.


وبعث بأوامره إلى طاهر بن عبد الله بن طاهر واليه على خراسان، طالباً منه أن يتحقق من هذا الأمر ويوافيه بتقرير عاجل.


















فأوفد طاهر بن عبد الله جماعة لكي تتحرى صحة هذا الأمر، ثم كتب إلى الخليفة قائلاً: نعم، الشجرة قائمة، والناس يكنون لها احتراماً دون أن يعبدوها.


وأضاف أنه لم يجد في خراسان أحداً يقول بألوهية هذه الشجرة.


















ومما رواه القزويني أن الخليفة أمر بقطع الأشجار ونقل أغصانها وفروعها إلى بغداد، ومن غرائب المصادفات أن الأشجار المقطوعة وصلت إلى بغداد في نفس اليوم الذي قتل فيه المتوكل بيد ابنه المنتصر (236) هـ، وقيل وقتها إن المنجمين حذروا المتوكل من قطع هذه الشجرة لئلا يتعرض لحادث مؤلم.


















ويقال إن مؤبد المؤبذان (الحراق) بخراسان دعا بالموت(10) على الخليفة عندما سمع أنه أمر بقطع هذه الشجرة.


















أما النقطة الثانية التي أثارت نقمة المتوكل وحيرته في كتاب (ابن الراوندي) فهي كلامه عن آراء الناس في الله وفي التوحيد، فسأل الخليفة ابن الراوندي: هل قرأ كتابك هذا غيري؟ فأجابه: نعم، فزاد هذا في دهشته ونقمته، وقال: كيف يترك مثلك حراً بعد هذا الكفر؟















ثم قال لابن الراوندي: أنت أنكرت وجود الله، وتقول إن ما تعتقده الناس في الله أسطورة من الأساطير انتقلت من جيل إلى جيل؟ كيف تقول هذا؟ ومن خلق الخلق وأوجد العالم إذا كانت هذه الحقيقة في رأيك أسطورة؟















فلزم ابن الراوندي الصمت خوفاً من غضب السلطان وتحاشياً لنقمته وعقابه.


فقال له الخليفة: إن من ينكر وجود الله، عليه إقامة الحجة على ذلك، ولولا هذا لأمرت بقتلك، فأجاب ابن الراوندي: يجب تصحيح قولي بأن أعظم الأساطير في حياة الإنسان هو تصوره عن الخالق.


















فسأله المتوكل: ما قصدك من هذا الكلام؟















قال: إن تصورات الإنسان عن الخالق والمبدأ محاطة بالأوهام والأساطير، لأن فكر الإنسان يعجز عن إدراك الخالق أو معرفة أوصافه.


















فقال المتوكل: إنني أقبل منك هذا الرأي والتوضيح، لكن عليك أن تضيفه إلى كتابك وتسجله بنفسك.


















واستطرد ابن الراوندي يقول: من أعظم الأساطير في حياة الإنسان تلك الصورة التي يرسمها الإنسان بوهمه عن الخالق.


















قال المتوكل: فإذن أنت تعترف بوجود الله، وتراه خالق كل شيء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين.


أعترف بذلك.


















فأخذ المتوكل يسأله عن النقطة الثالثة في كتابه (الفرند)، التي تدور حول النبوة وإرسال الرسل، وكان بعض الشيعة قد تصدى للرد على ابن الراوندي حول هذا الموضوع، ولكن المتوكل كان خالي الذهن عن ذلك.


















وكان ابن الراوندي قد طعن في حجة المتكلمين حين أقاموا البرهان على وجوب إيفاد الرسل لإرشاد الخلق وهدايته، قائلاً: ليس بواجب على الله أن يرسل الرسل أو يبعث أحداً من خلقه ليكون نبيه ويرشد الناس إلى الصواب والرشد، لأن في قدرة الله وعلمه أن يجعل الإنسان يرقى ويمضي إلى رشده وصلاحه بطبعه، كما خلق الشجر والنبات وهي تنمو وتثمر دون أن يجعل لها نبياً.


















فقال المتوكل: أنت أنكرت ضرورة إرسال ومهمة الأنبياء، وأنت بهذا تنكر أصلاً من أصول الإسلام؟















وعلى الفور انتقل ابن الراوندي إلى ما كتبه بعض الشيعة في الرد عليه، وبدأ يوضح للخليفة أنه يقصد من هذا الكلام الرد على المعتزلة، وأنه لا يشك في أن الإنسان يختلف عن الحيوان والنبات، وأنه بحاجة إلى رعاية وتربية منذ الولادة إلى آخر يوم من أيام حياته، وأن الإنسان خلق ليعيش مع غيره ويستأنس بمثله، يقتدي به ويقلده ويأخذ عنه، ومن مقتضى العقل أن يكون الأخذ والتقليد من الإنسان الكامل، فكيف لو كان نبياً مرسلاً؟ وهكذا ينتظم المجتمع الإنساني، ويرقى الإنسان ويسير نحو الكمال.


















فقال الخليفة: فإذن أنت مقر برسالة الأنبياء والكتب المرسلة؟















قال ابن الراوندي: نعم.


















فطلب منه الخليفة أن يسجل هذا بخط يده، ففعل.


















الموت في رأي ابن الراوندي:















من المسائل الهامة التي تعرض لها ابن الراوندي في كتابه (الفرند) مسألة الموت، وقد استثار هذا الرأي انتباه المتوكل، فسأله: ما معنى هذا الكلام الذي تنسبه إلى الحكيم فيثاغورث حيث يقول: (ما دمت موجوداً، فلا موت، وإن جاء الموت، فلا وجود لي، فلا داعي إذن للتفكير في أمر ليس لي به شأن وأنا حي؟) أو ليس هذا هو كلام المشركين الذين ينكرون حقيقة الموت والبعث؟ أو ليس هذا كلام حكماء اليونان الملحدين؟















فأجاب ابن الراوندي قائلاً: يا أمير المؤمنين، لم أحاول أن أطرح هذه المسألة من الناحية الدينية، وإنما أوردت آراء الحكماء السابقين في الموت، وكيف أن سر الموت لا سبيل إلى معرفته، فالإنسان منذ ما خلق وهو يبحث عن سر الموت لكي يحول دون وقوعه، فأخفق حتى الآن في هذا السعي، وقد لا يوفق في الاهتداء إلى سره إلى الأبد.


















فقال المتوكل: إذا عرف المرء كيف يحافظ على توازن جسمه، وكيف ينهار هذا التوازن، فلعله يعرف سر الموت ويحول دون وقوعه.


















فدهش ابن الراوندي لذكاء المتوكل ودقة تعبيره، وعقب عليه قائلاً: يا أمير المؤمنين، هذه وظيفة الأطباء الحكماء والمتكلمين.


















فقال المتوكل: إن التحقق من سر الموت ومعرفة مصير الإنسان لا ينحصر في الأطباء وحدهم، لأن لعلماء الدين والتفسير دوراً أهم في معرفة سر الموت من خلال تفسير الآيات القرآنية، وتدبر معانيها وما ترمز إليه.


















ويفهم من كلام المتوكل هذا أن المسلمين كانوا في هذه الحقبة التاريخية يعتقدون بأن للآيات القرآنية معاني ظاهرة ودلالات خفية أو معاني باطنية، وأن استكناه المعاني غير الظاهرة ليس في مقدور أي مسلم أو أي إنسان.


















ومنذ ما ظهر الاعتقاد بالوجه الظاهري والوجه الباطني للآيات القرآنية في مطلع القرن الثاني الهجري، وهذا الاعتقاد آخذ في الاتساع ولا سيما في القرنين الثالث والرابع للهجرة، حتى لقد ظهرت فرقة إسلامية عرفت ب (الباطنية)، لأنها كانت تفسر الآيات القرآنية وتؤلها بمعانيها غير الظاهرة.


















ويتصور البعض أن الشيعة وحدهم هم الذين يعتقدون بوجود معان باطنية أو غير ظاهرة للقرآن الكريم، في حين أن هذا الاعتقاد كان شائعاً لدى المسلمين منذ القرن الثاني للهجرة، وكانوا يستشهدون على وجود المعاني الظاهرة والباطنة بآية قرآنية تشير إلى هذا(11).


















وكانوا يعتقدون كذلك بأن لكل من يعرف المعاني الباطنية والخفية في القرآن الكريم مرتبة تدنو من مرتبة النبي (صلّى الله عليه وآله)، لأن النبي (صلّى الله عليه وآله) كان يعلم حقائق القرآن بالوحي، فإن عرفها غيره كانت له مرتبة رفيعة في العلم.


ومن رأي الشيعة أن الأئمة كانوا يعرفون حقائق القرآن بفضل اقترابهم من الرسول (صلّى الله عليه وآله) وتوارثهم لعلمه وفضله.


















وكان لابن الراوندي آراء في الموت تسترعي الاهتمام وتثير الدهشة، منها قوله في نظرية له بأن (الناس جميعاً لا يعلمون كيف يموتون، ولو جرب الإنسان الموت ما أدركه أو عرفه حق المعرفة، وإن معاينة موت الآخرين لا تعلم الإنسان شيئاً عن أسرار الموت).


















وله نظرية ثانية تقول: (لا يسع أحداً أن يعد نفسه ميتاً، لأن هذه الحالة تستحيل مع الحياة، لأن المرء إن تخيل أو ظن بأنه ميت، كان هذا التخيل أو الظن في حد ذاته دليلاً على أنه حي وليس بميت، لأن التفكير والتخيل والظن هي من خصائص الأحياء).


ومؤدى نظريته الثالثة أنه (لا يسع أحداً أن يشعر بعد موته بأنه جسد ميت، لأن هذا الشعور يتنافى مع الموت الحقيقي الذي يموت معه كل شعور أو إحساس).


















ويضيف ابن الراوندي إلى ذلك قائلاً (إن الميت ينسلخ من شعوره الباطني أو ضميره، لأن الضمير من خصائص الحياة.


ولو أن ميتاً عرف نفسه، وشعر بأنه في حالة معينة، لكان معنى ذلك أنه ليس بميت، لأن الميت لا يشعر بشيء ولا يفطن إلى من حوله، ولا يعرف أهله والمجتمعين من حوله، ولا يشعر ببكاء الغير على فقدانه، ولو حدث شيء من هذا القبيل، لكان غير ميت).


















وتقول النظرية الرابعة لابن الراوندي إنه (لا يسع الميت أن يتصور نفسه في العالم قبل الموت، ولو مات أبو الحسن (كنية ابن الراوندي نفسه) ووضع في قبره، لم يتأت لهذه الجثة الهامدة أن تتصور نفسها في عالم ما قبل الموت، أو أن تشعر بأنها أبو الحسن).


















وأما النظرية الخامسة لابن الراوندي، فمؤداها (أن النظريات الأربع التي سبق إيرادها مستمدة من كون الإنسان عاجزاً عن إقناع نفسه بأنه سيموت، وبأنه سينعدم من هذا الوجود، فلدى الإنسان شعور بأنه لن يموت أبداً، وأنه حين يثوي في قبره سيعيش ويبقى حياً، وإن يكن ذلك بطريقة أخرى وبنشأة تختلف عما كان عليه في هذه الدنيا).


















ومما يعزز هذا الاعتقاد أن الإنسان يرقد نائماً في كل يوم ثم يصحو من نومه، مما يجعله يعتقد بأن الموت شبيه بالنوم، وبأنه سينهض منه كما ينهض كل صباح من نومه، ثم إن الأحلام التي يراها النائم تعزز هذه الفكرة بدورها وتطرد من مخيلته فكرة الموت أي العدم) ويقول ابن الراوندي في كتابه (الفرند): (إن الإنسان قد يرى نفسه ميتاً في الحلم، في حين هو حي، فيزيده ذلك اعتقاداً بأن حالة النوم لا تختلف عن الموت في شيء، وبأن الموت شبيه بالنوم الطويل العميق، وبأن الإنسان الراقد في سبات الموت يعرف نفسه ويرى ما حوله ويدرك ما يجول في خاطره.


















ولكن الواقع خلاف ذلك، لأن الجسم البشري متى فارقته الروح وأدركه الموت، يفقد كل شعور وإحساس، ثم تدب فيه عناصر البلى شيئاً فشيئاً، ويتحول إلى عناصر وأجسام أخرى، كما أن الشعور والأحلام والخواطر إن هي إلا من فعل الجسم البشري الحي).


















وفي هذا المقام يستشهد ابن الراوندي بما درج عليه المصريون القدماء من تحنيط أجساد الموتى اعتقاداً منهم بأنهم عائدون إلى الحياة من جديد، ولهذا فإنهم كانوا يحاولون الاحتفاظ بالجسم سليماً ليتسنى للروح العودة إليه بعد ذلك متى أرادت.


ولكنه يأخذ على المصريين تجريدهم أجسام الموتى المحنطة من الأمعاء والقلب، قائلاً: كيف لجسم كهذا أن تدب فيه الروح متى عادت إليه مرة أخرى؟















هذه طائفة من الآراء الجريئة التي نادى بها ابن الراوندي وأحدثت ضجة كبيرة في بغداد كادت تنتهي بقتله بتهمة الإلحاد والكفر، لولا توبته في محضر الخليفة المتوكل.



















1 - يقابل هؤلاء اليوم، المستكتبون في الصحف الذين يكتبون بالنيابة عن رئيس التحرير أو صاحب الصحيفة.










2 - وهي بمثابة الفنادق أو النزل اليوم.










3 - (متعهدوا النشر والتوزيع).










4 - مدينة استراسبورغ Strasbourg مدينة أوروبية تحتضن جامعتها مركز الدراسات الدينية المتعمقة، ومنها الدراسات الإسلامية التي يضم هذا الكتاب بعضاً منها.


وقد ولد غوتنبرغ (1400ـ 1468م) في هذه المدينة حيث اخترع المطبعة الحديثة التي تطبع بحروف منفصلة، فأحدث ثورة في حركة نشر الكتب.


واستراسبورغ هي اليوم عاصمة أوروبا الغربية.


(المترجم).










5 - الجسم المضاد يعرف في الإنكليزية باسم ANTIBODIES وفي الفرنسية باسم Anticorps







6 - الخلية Cellule هي الوحدة الحيوية الصغرى، فإذا انقسمت، تولدت خليتان سرعان ما تكتمل كل منهما نموها، وتعاودان الانقسام وهكذا دواليك إلى أن يزداد عدد الخلايا الناشئة عن سلسلة الآنقسامات هذه ملايين في فترة قصيرة.


(المترجم).










7 - التوكسين سموم تولدها الأجسام كما تولدها المواد الغذائية الدسمة التي تولد كمية كبيرة من الطاقة دون استهلاك الجسم لها.


(المترجم).










8 - هذا الفصل بحث قام به مترجم هذا الكتاب.










9 - أورد القزويني في كتابه (آثار البلاد) وصفاً لهذه الشجرة وما تحظى به من تبجيل من الناس، ولكن يؤخذ من هذا الوصف أنها ليست شجرة سرو بل شجرة (وهي الأثل) المعروفة بضخامة جذوعها وقدرتها على التعمير قروناً طويلة، ولا سيما في منطقة خراسان، وما زال الناس يشاهدون هذه الشجرة في جنوبي خراسان ويولونها من التبجيل ما استأثرت به في أزمنة التاريخ المختلفة.


(المترجم).










10 - يقول الأستاذ نوبخت، وهو من الأدباء المعاصرين، إن شجرة السرو التي أمر المتوكل بقطعها كانت في (كشم)، وهي قرية في ناحية (بست) من توابع نيسابور، وهناك كشم أخرى في سيستان، والثالثة جزيرة في الخليج الفارسي.


(جريدة خاك وخون /24 بهمن 1347) (المترجم).










11 - الآية المقصودة هي السابعة في سورة آل عمران وقد جاء فيها: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم).



























/ 39