من لطف اللّه- تعالى - بعباده انه اخبر على لسان الانبياء والرسل بالغيب، فاخبر بما ينتظر الانسان فى اليوم الاخر حيث اهوال القيامه ولهيب النار ونعيم الجنه، واخبر باساليب الشيطان والقاءاته الى قيام الساعه، كما اخبر بمضلات الفتن، مقدماتها ونتائجها، واخبر بالامور العظيمه التى ما زالت فى بطن الغيب، والاخبار بالغيب حجه بذاته، وبه يمتحن اللّه-تعالى- عباده، قال عز وجل: (ليعلم اللّه من يخافه بالغيب) «المائده: 94»، وقال: (وليعلم اللّه من ينصره ورسله بالغيب) «الحديد: 25». وان اى حدث لا بد ان تكون له مقدمه يترتب عليها نتيجه، والناس عند صنعهم لمقدمه الحدث، كبيرا كان او صغيرا، يعلمون جانب الحلال فيه وجانب الحرام، بما اودعه اللّه فيهم من الفطره، ولان اللّه-تعالى-، وهو العليم المطلق، يعلم مصير هذه المقدمه وما يترتب عليها من نتائج ما زالت فى بطن الغيب، يخبر -سبحانه- على لسان الانبياء والرسل بما ينتظر الناس من نتائج، لكى ياخذوا باسباب الهدى ويتجنبوا اسباب الضلال، وباختصار: فان من اخذ باسباب الدجال سقط فى سلته، وهوى فى نار جهنم يوم القيامه، ومن اخذ باسباب الهدى شرب من حوض النبى(ص). ان اللّه-تعالى- يمتحن الناس باخذهم الاسباب، وهم تحت مظله الامتحان والابتلاء يتمتعون بحريه الاخذ بها، وكل مسيره -على امتداد الزمان- يتخللها ماض وحاضر ومستقبل، والماضى يحمل دائما فى احشائه الزاد، ومهمه الحاضر ان يستمد منه اسباب الهدى، وينطلق بها الى المستقبل، فمن ادركه الموت وهو على هدى، بعثه اللّه على نفس السبب، وكل انسان سيصل الى ما هاجر اليه، وان اخبار الغيب التى جاء بها رسول اللّه(ص) كشفت المسيره، وظهر ما فى بطونها من زاد الماضى، واذا وقف الحاضر امام هذا الزاد ثم رجع القهقرى بتحليل الحوادث التاريخيه، يصل الى المقدمه فى الماضى البعيد، فاذا امعن النظر فيها وجد انها تحتوى على اصول القضايا واعراقها التى يراها فى حاضره، فكما تكون المقدمه تكون النتيجه، والدعوه الال-هيه الخاتمه امرت باتقاء الفتن، وهذا لا يتحقق الا بالبحث فى اصول القضايا، قال تعالى: (يا ايها الذين آمنوا استجيبوا للّه وللرسول اذا دعاكم لما يحييكم واعلموا ان اللّه يحول بين المرء وقلبه وانه اليه تحشرون واتقوا فتنه لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصه) «الانفال: 24-25»، والنبى(ص) بين ان الحاضر اذا رضى بانحراف الماضى، شارك بالمشاهده وان لم يحضر، قال(ص): (اذا عملت الخطيئه فى الارض، كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها)(1).