آفاق الروایة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

آفاق الروایة - نسخه متنی

محمد شاهین

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


ومن خلال هذا السحر، وهو ليس بجديد على الفن القصصي الذي تتزعّمه شهرزاد، ينفذ الطيب إلى أعماق الشخصية، ليودع فيها السرّ الأزلي، طاقة كامنة تصبح على مدى الزمن مصدر جاذبية وإلهام للقارئ. والسرّ هو ما لا يستطيع القارئ الوصول إليه بالرغم من كل ما يروى عنه، وبالرغم من كل مافي السر القصصي من سحر يشدّ القارئ إلى الحدث والراوي والشخصية. وهذا النوع من السرّ يختلف عن السرّ الذي يتعلق بالخيال العلمي أو بالحوادث الخارقة للطبيعة، فنحن مثلاً لا نقف متسائلين كثيراً أمام ما يحصل للسندباد من عجائب، وربّما يصيبنا الفزع، ولكنَّنا لا نحتار في سبب ما يحدث، ونكتفي بأنَّ الحوادث مفزعة، إذ أنَّه لا يدخل في حسابنا أمر فزعها، ولا وجود علّة لحدوثها، وكأنَّ تعاقد القارئ مع الحكايات الخارقة للطبيعة يتميّز بنوع من تصفية الحساب، يخفّف من إشكالية التماس بين القارئ والحدث. وهكذا، فإنَّ السرّ لا يكون مشكلة عندما يكون السرد القصصي حدث وحسب، ويكون الحدث مفرّغاً من الشخصية ومقوّماتها البشرية، فالسندباد حدث نتخيّله لا شخصية نتصوّرها، لهذا نطلق له العنان ليفعل ما يشاء، دون حساب أو تساؤل، لأنَّنا لا نَعْرف أنفسنا، ولا نعرّفها من خلال شخصيته وسلوكه، وهو لا يقرّبنا من عالمه واقعياً، بل إنَّه يظلّ بعيداً عنّا بعد الحدث الذي يقوم به ويعبّر عنه. وعندما حاول جويس أن يسمّي السندباد بأسماء عدّة، من خلال تغيير الحروف الأولى في يوليسيز، روايته المشهورة، كان من بين ما هدف إليه التذكير بأنَّ السندباد ليس إلاَّ مجرّد اسم أو لفظ لا يؤثّر استبداله باسم آخر يتشكّل من حروف مختلفة. وينسحب هذا الأمر على القصص والحكايات التي يكون الحدث فيها هو الذي يتحكّم في العملية القصصية، إذ تتقزّم الشخصية، وتصبح مجرّد حدث يحدث فقط. والتطوّر الهائل الذي حدث في الرواية الحديثة، يمكن تلخيصه في التوجّه الجاد نحو الشخصية، وصرف النظر عن الحدث كمركز للثقل في الرواية. وقد أصبح من الواضح أنَّ هذا التوجَّه يشكّل تحدياً هاماً في العلاقة بين القارئ والرواية، عندما أصبحت الشخصية لا الحدث هي حلقة الوصل، وبذا صارت المسافة قريبة وبعيدة في الوقت نفسه، معروفة وغير معروفة، ظاهرة وباطنة في آن واحد، وأصبح السرّ يُروى ولا يُقال ولا يُعرف، يُعرف ولا يوضَّح... إلى آخر ذلك.

والذي يشدّنا إلى موسم الهجرة هو السرّ الذي يطوّق الرواية منذ أن يقابلنا الراوي بعودته من بلاد الصقيع إلى أن يودّعنا بمنظره وهو يطفو في مياه نهر النيل مقهقهاً، وكأنَّه يجذّف في قارب النجاة، وكأنَّه يقول لنا أيضاً إنَّه أفلت من لعبة القدر الذي انتهى بمصطفى سعيد مختفياً في مياه النيل في موسم الفيضانات، إنَّه أخيراً اختطَّ مصيراً لنفسه مغايراً لمصير مصطفى سعيد الذي اختفى إلى الأبد، ليخلّف وراءه مصيراً غامضاً يظلّ مصدر سؤال وتساؤل إلى ما لا نهاية.

/ 137