عبَّر محمود درويش عن قضية الذات أبلغ تعبير في رثائه لإميل حبيبي عندما قال في عبارة موجزة بليغة:"فها أنذا أراك تغمر المشهد بنظرتك الشقيّة لا لشيء، إلاّ لأنّك تعرف نفسك وتعرفنا واحداً واحداً منذ أقدم الفاتحين حتى آخر العائدين، وتعرف أنّ الذات، لا الموضوع، هي ما يجعل المرء يركض من المهد إلى اللحد بحثاً عن ذاته التي لا تجد ذاتها إلاّ إذا امتلأت بخارجها". (مشارف، 32).يوجز محمود درويش فلسفة المنظّرين الذين خلفوا البنيوية، ويرى هذه الفلسفة وقد تجسّدت في أعمال إميل حبيبي. ولا بُدّ إذن من وقفة عند هذا الإيجاز تتطلّبها لغة محمود درويش الجزلة المكثّفة ونظرة إميل حبيبي الثاقبة. لتبيان مدى قدرة الشاعر الناقد على تقييم الراوي المبدع الذي انتشل الذات من الرماد وكأنّها الفينيق يحيا من جديد.هذا هو منظور إميل حبيبي: الذات لا الموضوع، على حسب تعبير محمود درويش الذي أوجز فأوفى. اتّخذ المحدثون من روائيي هذا القرن الذات محوراً للتجديد في أعمالهم الروائية. هذه فرجينيا وولف مثلاً توجّه انتقاداً لاذعاً للروائيين التقليديين أمثال أرنولد بينيت، وجون جولز ويرثي، و هـ. ج. ولز؛ لأنهم استمرّوا في التعامل مع الموضوع والتركيز عليه وإبراز مادّيته وكأنّ ما يعنيهم من أمر الرواية هو ما يحدث خارج الذات، وقالت وولف عبارتها المشهورة وهي أنّ كل شيء يصلح أن يكون موضوعاً للرواية؛ بمعنى أنّ الموضوع الروائي ذاتٌ متجدّدة لا موضوعات مألوفة ومطروحة أكل الدهر عليها وشرب، يطرقها الكتّاب فقط لأنّها مألوفة عند القرّاء الذين يسرّهم قراءة ما ألفته أذواقهم. وعندما نقرأ رواية جويس صورة الفنان في شبابه، نحسّ أنها من أوّلها إلى آخرها ذاتٌ امتلأت بخارجها. وأنّ عبارة محمود درويش تسعف القارئ وتعينه على تقنية جويس المعقّدة، وينسحب هذا على روايتيه الأخريين يوليسيز وصحوة فينجيان. أمّا لورانس، فقد انتقد الرواية التقليدية لأنها تعنى بموضوع الذات القديمة الجامدة (Old stable ego) وكتب الرواية بمنظور يصوّر الذات التي ينبض الدم في عروقها وأسماها (life of the blood) وعندما كتب فورستر كتابه النقدي أركان الرواية (1927) نادى بصريح العبارة بأهمية الذات، الشخصية في الرواية، وانتقد التركيز التقليدي على السرد والحبكة والأحداث الخارجية، ووضع حدّاً مميّزاً بين المؤرّخ الذي يسجّل حوادث حدثت في الماضي والروائي الذي يخلق ذاتاً تتحدّى الزمن وموضوع الحدث الخارجي.