هذا ما فعله إميل حبيبي، خلق ذاتاً متحدية لموضوع الزمن الأغبر الذي تعيشه هذه الذات، متخطّية الحدود التقليدية للرواية. فالقضية عند إميل حبيبي ليست موضوعاً يعرفه الناس والعالم أجمع؛ كموضوع اللاجئين، وموضوع أصحاب هذه الأرض التي عاشوا فيها آلاف السنين جيلاً بعد جيل، وليست موضوع الأرض مقابل السلام، ولا موضوع سجلات الأمم المتحدة التي تدين المعتدي وتنادي بعودة الحق إلى أصحابه، وجودها ليس مرهوناً بحقيقة يثبتها التاريخ، ولا بوثيقة ملكية تثبّت الملك، ولا بقرار دولي يؤكد شرعية هذا الملك، بل بنبض مستمر تحيا به الذات، فتدرك حق وجودها ليصبح إرادة خارج إرادة الآخرين الذين ينكرون هذا الوجود.الذات في أدب إميل حبيبي أشبه بأسطورة الخلق تنسلّ من وسط الركام منادية ليس فقط بالوجود بل بديمومة تتحدّى الآنية والمحلية.نحسّ عندما نقرأ لإميل حبيبي أنّ كتابته تتحرّك بين قطبين في دائرة: الأول هو البحث، والثاني هو العبث، وتتخلّل هذه الحركة سخرية وعبثية ليست مألوفة. كل هذا يجري دون أن يكون أحد القطبين سبباً، والآخر نتيجة، بل إنّ كليهما سبب وكليهما نتيجة في آن واحد. وتذكّرنا كتابات إميل حبيبي أيضاً بمقولة فيرجينيا وولف:إنّ أي موضوع يصلح مادة لكتابة الرواية وإنّه ليس ضرورياً أن يكون شاملاً عاماً حائزاً على اهتمام السلف وانتباه الخلف.ينطلق إميل حبيبي من واقع لا منطق له ولا مثيل له. أين يمكن أن تجد الذات نفسها في مثل هذا التناقض، لا علاقة لداخلها بخارجها في هذا الواقع. فالمرء إمّا أن يكون له بيته ووطنه وأرضه، وإمّا أن يكون غريباً على الديار والأوطان مهاجراً، مسافراً، زائراً، ضيفاً، إلى آخر ذلك. أمّا أن يكون الاثنين معاً فهذا أمر لا يقبله عقل.