بیشترلیست موضوعات آفـــاق الروايــــة السندباد: حكاية العودة:
من الشعر إلى القصة المصادر ألف ليلة وليلة: إشكالية المتلقي الخصم عودة الروح... آمال عظام موسم الهجرة إلى الشمال دائرة السر الاسطوري وما بعدها المصادر سراب عفان حصاد المرايا المهشمّة المصادر إميل حبيبي ذات جماعيّة باقية المصادر مدن الملح: الأخدود والكنز المفقود الواقعية في صورة الواقع المصادر ذاكرة ليست للنسيان المصادر توضیحاتافزودن یادداشت جدید بعد ذلك يقدم لنا الراوي صورة المكان من خلال مشاعر وداد، إحدى الشخصيات الرئيسية في الرواية، ليبيّن لنا التفاعل بين المكان وإحساس الشخصية به، إذ تصبح العلاقة بين الاثنين علاقة عضوية كلاهما يتأثر بالآخر ويؤثّر به:"بدت موران في عيني وداد، وهي تنظر إليها من الشبّاك في الصباح الباكر، مدينة منفّرة، فالبيوت متلاصقة، واطئة، متتابعة وكأنّها سلسلة لا نهاية لها من كتل طينية صمّاء، وأشجار النخيل القليلة المتباعدة ميتة الخضرة، عارية، أو أقرب إلى العري، حتى أنسام الفجر، رغم طراواتها، كانت جافة ومثقلة برائحة الغبار. نظرت إلى هذه اللوحة وزفرت من أعماقها. أمّا وهي تشرب القهوة مع زوجها على الشرفة، وقبل أن يستيقظ الأولاد، فقد كانت تشعر بالراحة والرضا والقلق والخوف معاً. كانت مشاعرها مختلطة مضطربة، وأقرب إلى التشوّش، وبين رشفة وأخرى كانت تنظر إليه، تريد أن تراه في ضوء النهار"(منيف، 35).وهنالك صورة أخرى لمدينة موران بين الماضي والحاضر، بين حياة الألفة والبساطة ماضياً، وحياة الضياع والاضطراب حاضراً، بين موران الشعر وآيات القرآن وقصص الأقدمين، وموران القصور والطرق المعبّدة والسيارات الفخمة. هكذا يسجّل الراوي ما حلّ بموران بعد الخمسينات من القرن العشرين:"موران في تلك السنين التي أعقبت منتصف القرن، لا تزال بعيدة منسية: لم تبلغ المدينة وإن تجاوزت القرية، فهي أقرب إلى البلدات الكثيرة المنتشرة على طرق التجارة أو الواحات الكبيرة. الناس يعيشون حياة متواضعة، أقرب إلى الخشونة. يتوارثون أباً عن جدة نظرة بسيطة إلى الحياة والموت، ولأنهم لا يؤملون الكثير من الحياة، ولا يخافون الموت، فإنهم خلال السنين التي يقضونها على الأرض يكدحون لانتزاع اللقمة، ومع أنّ اللقمة صعبة أو بعيدة أغلب الأحيان، فقد كانوا، مع ذلك، يجدون وقتاً طويلاً يصرفونه لتأمل ما حولهم، ويلهون أنفسهم بحفظ الشعر وآيات القرآن وقصص الأقدمين. وفي ليالي الصيف الطويلة يجدون أرواحهم ترحل إلى ما وراء الحياة والموت، وعيونهم تجوب السماء تحدّد مواقع النجوم ومسارها، أو تقرأ في الرياح علائم الغبار والمصائب والجراد.ولأنّ موران في ذلك الموقع النائي المعزول، فلا أحد يصلها إلاّ إذا كان يقصدها، لذلك ألف الناس بعضهم بعضاً، وعرفوا القرابات والعلاقات، وصارت جزءاً من حياتهم. فإذا جاء الغريب لا يمكنه أن يخترق القشرة الصلبة التي تغلّف الناس والحياة هنا، وإذا استطاع فبعد وقت طويل وبكثير من المعاناة القاسية المجهدة. وأهل موران الذين رأوا عدداً من الغرباء، جاءوا أو مرّوا، كانوا، أغلب الأحيان، لا يبدون قلقاً أو خوفاً، ففي داخل تلك الشرنقة التي تحمي وتدفئ، وفي ظل تلك العلاقات الصلبة الراسخة، يعرفون كيف يحمون أنفسهم، وكيف يجب أن تكون ردود أفعالهم تجاه كل ما يحصل حولهم؛ لأنهم على ثقة أنّ هؤلاء الغرباء لا يمتلكون الصبر، ولا يعرفون الدروب الخفيّة إلى دواخل البشر والصحراء، ولذلك فإنّ إقامتهم لن تطول. أمّا الذين جاءوا بهدف الاستقرار، فما يلبث القلق أن يخامرهم، ثمّ يبدأ الخوف يفتك بهم، حتى إذا جاءت تلك الأيام اللافحة المثقلة بالغبار والحرارة، تصل أرواحهم إلى حلوقهم، عندها إمّا أن يستسلموا أو أن يرحلوا. فالذين لا يمتلكون غير هذا المكان، ويمتلؤون إصراراً على البقاء، يتحوّلون شيئاً فشيئاً إلى نمط من الناس لا يختلف عن أهل موران، بالنظرة، بالسلوك، بملامح الوجوه، وبتلك الرغبة التي تولد القوة على التحمّل والاستمرار. أمّا الذين أكل الحنين قلوبهم وعقولهم، ولسعت ملوحة المياه ومرارتها ألسنتهم، وشعروا أنهم محاصرون، وقد اقترب منهم الموت ولابدّ أن يدركهم، فعندئذ، وفي ليلة من ليالي الصيف، ومع قافلة أو رعية جمال، يرحلون، دون أن يقولوا، ودون أن يفطن لهم أحد، وبرحيلهم تنقطع أخبارهم، ويغيبون تماماً، حتى إنّه لم يصادف أن عاد إلى موران، بعد أن يكون قد تركها.