وهناك فرضية ثالثة اخترعها المستشرقون لتكوّن مذهب الشيعة في المجتمع الاِسلامي، وهذه الفرضية كسابقتيها تعتمد اعتبار حداثة هذا المذهب قصداً أم جهلاً، فقادها هذا التصوّر الخاطىَ إلى اعتماد نظرية تقول بفارسيّة المبدأ أو الصبغة لمذهب التشيّع، وهذا الترديد بين الاَمرين مرجعه رأيان لاَصحاب هذه النظرية في المقام: 1 ـ إنّ التشيع من مخترعات الفرس؛ اخترعوه لاَغراض سياسية ولم يعتنقه أحد من العرب قبل الفرس، ولكنّهم لما أسلموا اخترعوا تلك الفكرة لغاية خاصّة.2 ـ إنّ التشيّع عربي المبدأ، وإنّ لفيفاً من العرب اعتنقوه قبل أن يدخل الفرس في الاِسلام، ولمّا أسلموا اعتنقوه وصبغوه بصبغة فارسية لم تكن من قبل.وهذان الرأيان هما اللّذان عبّرنا عنهما في العنوان بما عرفت، وإليك تفصيل أمرهما: أمّا النظرية الاَُولى: فقد اخترعها المستشرق دوزي، وملخّصها: أنّ للمذهب الشيعي نزعة فارسية؛ لاَنّ العرب كانت تدين بالحرّيّة، والفرس تدين بالملك والوراثة، ولا يعرفون معنى الانتخاب، ولمّا انتقل النبيّ إلى دار البقاء ولم يترك ولداً، قالوا: علي أولى بالخلافة من بعده.وحاصله: أنّ الانسجام الفكري بين الفرس والشيعة ـ أعني: كون الخلافة أمراً وراثياً ـ دليل على أنّ التشيّع وليد الفرس.وهذا التصوّر مردود لجملة واسعة من البديهيات، منها: أوّلاً: أنّ التشيّع حسبما عرفت ظهر في عصر النبيّ الاَكرم، وهو الذي سمّى أتباع عليّ بالشيعة، وكانوا موجودين في عصر النبيّ وبعده، إلى زمن لم يدخل أحد من الفرس ـ سوى سلمان ـ في الاِسلام.بلى، فإنّ روّاد التشيّع في عصر الرسول والوصي كانوا كلّهم عرباً ولم يكن بينهم أيّ فارسيّ سوى سلمان المحمّدي، وكلّهم كانوا يتبنّون فكرة التشيّع.وكان لاَبي الحسن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب7 أيام خلافته ثلاثة حروب: حرب الجمل، وصفّين، والنهروان. وكان جيشه كلّه عرباً ينتمون إلى أُصول وقبائل عربية مشهورة بين عدنانية وقحطانية، فقد انضمّ إلى جيشه زرافات من قريش والاَوس والخزرج، ومن قبائل مذحج، وهمدان، و طي، وكندة، وتميم، ومضر، بل كان زعماء جيشه من رؤوس هذه القبائل كعمّار بن ياسر، وهاشم المرقال، ومالك الاَشتر، وصعصعة بن صوحان وأخوه زيد، وقيس بن سعد بن عبادة، وعبد الله بن عباس، ومحمّد بن أبي بكر، وحجر بن