بيع و الميراث شركه)، و فى النسخ: (فى شركه) بالتاء موضع الضمير.(و الاستئناس) اتخاذ الانيس ضد الاستيحاش.و (السام) بالتحريك، الملال.و (التصريف) التغيير و تحويل الشى ء من حال الى حال و من وجه الى وجه.و (الثقل) بالكسر كما فى بعض النسخ و كعنب كما فى بعضها، ضد الخفه.و (لم يمله) على صيغه الافعال، اى لم يجعله سئما، و فى بعض النسخ: (و لا يمله).و ذكر السرعه لان الافناء لا يستدعى زمانا طويلا اذا كان عن قدره كاملا، او لانه اذا كان عن ملاله من البقاء يكون بسرعه.و (اتقنها) احكمها.و (الالتماس) الطلب، و المراد طلب علم مجهول.و (الضعه) بالفتح كما فى النسخ و بالكسر، انحطاط الدرجه ضد الرفعه.و الضمير فى قوله- عليه السلام- (يعيدها) راجع الى الدنيا كالضمائر السابقه، و جوز بعض شارحى النهج عودها الى (الامور) فى قوله- عليه السلام- (اليه مصير جميع الامور)، و على اى حال ظاهره انعدام جميع المخلوقات حتى الارواح و الملائكه ثم عودها فيدل على جواز اعاده المعدوم، و قد سق الكلام فيه فى المجلد الثالث.اقول: قد مرت الخطبه بتمامها و شرحها فى كتاب التوحيد.تتميم: اعلم ان ظاهر هذا الخبر فناء جميع الخلوقات عند انقضاء العالم كما هو مذهب جما
عه من المتكلمين، قال شارح المواقف: قد سبقت فى مباحث الجسم اشاره الى ان الاجسام باقيه غير متزايله على ما يراه النظام، و قابله للفناء غير دائمه البقاء على ما يراه الفلاسفه قولا بانها ازليه ابديه، و الجاحظ و جمع من الكراميه قولا بانها ابديه غير ازليه، و توقف اصحاب ابى الحسين فى سحه الفناء، و اختلف القائلون بها فى ان الفناء باعدام معدم او بحدوث ضد او بانتفاء شرط.اما الاول فذهب القاضى و بعض المعتزله الى ان الله- تعالى- يعدم العالم بلا واسطه فيصير معدوما كما او جده كذلك فصار موجودا، و ذهب ابوالهذيل الى انه- تعالى- يقول له: افن فيفنى، كما قال له: كن فكان.و اما الثانى فذهب جمهور المعتزله الى ان فناء الجوهر بحدوث ضد له هو الفناء، فذهب ابن احشيد الى ان الفناء و ان لم يكن متحيزا لكنه يكون حاصلا فى جهه معينه، فاذا احدثه الله- تعالى- فيها عدمت الجواهر باسرها، و ذهب ابن شبيب الى ان الله- تعالى- يحدث فى كل جوهر فناء ثم ذلك الفناء يقتضى عدم الجوهر فى الزمان الثانى، و ذهب ابوعلى و اتباعه الى انه يخلق بعدد كل جوهر فناء لا فى محل فتفنى الجواهر، و قال ابوهاشم و اشياعه: يخلق فناء واحد لا فى محل فيفنى به الجواهر باسرها.و اما ال
ثالث و هو ان فناء الجوهر بانقطاع شرط وجوده فزعم بشر ان ذلك الشرط بقاء يخلقه الله- تعالى- لا فى محل، فاذا لم يخلقه الله- تعالى- عدم الجوهر.و ذهب الاكثرون من اصحابنا و الكلبى من المعتزله الى انه بقاء قائم به يخلقه الله حالا فحالا، فاذا لم يخلقه الله- تعالى- فيه انتفى الجوهر.و قال اما الحرمين: انها الاعراض التى يجب اتصاف الجسم بها، فاذا لم يخلقها الله - تعالى- فيه فنى.و قال القاضى فى احد قوليه: هو الاكوان التى يخلقها الله فى الجسم حالا فحالا، فمتى لم يخلقها الله فيه انعدم و قال النظام: انه ليس بباق بل يخلق الله حالا فحالا فمتى لم يخلق فنى.و اكثر هذه الاقاويل من قبيل الاباطيل، سيما القول بكون الفناء امرا محققا فى الخارج ضدا للبقاء قائما بنفسه او بالجوهر، و كون البقاء موجودا لا فى محل، و لعل وجه البطلان غنى عن البيان.ثم القائلون بصحه الفناء و بحقيه حشر الاجساد اختلفوا فى ان ذلك بالايجاد بعد الفناء او بالجمع بعد تفرق الاجزائ؟ و الحق التوقف، و هو اختيار اما الحرمين حيث قال: يجوز عقلا ان تعدم الجواهر ثم تعاد، و ان تبقى و تزول اعراضها المعهوده ثم تعاد بنيتها و لم يدل قاطع سمعى على تعيين احد هما، فلا يبعد ان يغير
اجساد العباد على صفه اجسام التراب، ثم يعاد تركيبها الى ما عهد، و لا يحيل ان يعدم منها شى ء ثم يعاد، و الله اعلم.احتج الاولون بوجوه: الاول: الاجماع على ذلك قبل ظهور المخالفين كبعض المتاخرين من المعتزله و اهل السنه.ورد بالمنع كيف و قد اطبقت معتزله بغداد على خلافه؟ نعم كان الصحابه يجمعون على بقاء الحق و فناء الخلق بمعنى هلاك الاشياء و موت الاحياء و تفرق الاجزاء لا بمعنى انعدام الجواهى بالكليه لان الظاهر انهم لم يكونوا يخوضون فى هذه التدقيقات.الثانى: هو قوله- تعالى-: (هو الاول و الاخر) اى فى الوجود، و لا يتصور ذلك الا بانعدام ما سواه، و ليس بعد القيامه و فاقا فيكون قبلها، و اجيب بانه يجوز ان يكون المعنى: هو مبدء كل موجود و غايه كل مقصود، او هو المتوحد فى الالوهيه، او فى صفات الكمال، كما اذا قيل لك: هذا اول من زارك او آخرهم؟ فتقول: هو الاول و الاخر، و تريد انه لا زائر سواه، او هو الاول و الاخر بالنسبه الى كل حى، بمعنى انه يبقى بعد موت جميع الاحياء، او هو الاول خلقا و الاخر رزقا، كما قال (- تعالى-): (خلقكم ثم رزقكم).و بالجمله فليس المراد انه آخر كل شى ء بحسب الزمان للاتفاق على ابديه الجنه و من فيها.الثالث: ق و له- تعالى-: (كل شى ء هالك الا وجهه) فان المراد به الانعدام، لا الخروج عن كونه منتفعا به لان الشى ء بعد التفرق يبقى دليلا على الصانع، و ذلك من اعظم المنافع.و اجيب بان المعنى انه هالك فى حد ذاته لكونه ممكنالا يستحق الوجود الا بالنظر الى العله، او المراد بالهلاك الموت، او الخروج عن الانتفاع المقصود به اللائق بحاله، كما يقال: هلك الطعام اذا لم يبق صالحا للاكل و ان صلح لمنفعه اخرى.و معلوم ان ليس مقصود البارى - تعاى- من كل جوهر الدلاله عليه و ان صلح لذلك كما ان من كتب كتابا ليس مقصوده بكل كلمه الدلاله على الكاتب.او المراد الموت كما فى قوله- تعالى-: (ان امرو هلك)، و قيل: معناه: كل عمل لم يقصد به وجه الله- تعالى- فهو هالك اى غير مثاب عليه.الرابع: قوله- تعالى-: (و هو الذى يبدو الخلق ثم يعيده) (و قوله- تعالى-:) (كما بد انا اول خلق نعيده).و البدو من العدم فكذا العود، و المراد بابداء الخلق الايجاد و الاخراج عن العدم، بل الجمع و التركيب على ما يشعر به قوله - تعالى-: (و بدا خلق الانسان من طين).و لهذا يوصف بكونه مرئيا مشاهدا كقوله- تعالى-: (اولم يروا كيف يبدى الله الخلق (ثم يعيده، ان ذلك على الله يسير)- قل سيروا فى ال
ارض فانظروا كيف بدا الخلق).و اما القول بان الخلق حقيقه فى التركيب تمسكا بمثل قوله- تعالى- (خلقكم من تراب) اى ركبكم (و قوله- تالى-) (و تخلقون افكا) اى تركبونه، فلا يكون حقيقه فى الايجاد دفعا للاشتراك، فضعيف جدا لاطباق اهل اللغه على انه احداث و ايجاد مع تقدير، سواء كان عن ماده كما فى خلقكم من تراب او بدونه كما فى خلق الله العالم.الخامس: قوله- تعالى-: (كل من عليها فان) و الفناء هو العدم.و اجيب بالمنع بل هو خروج الشى ء من الصفه التى ينتفع به عندها كما يقال: فنى زاد القوم و فنى الطعام و الشراب.و لذا يستعمل فى الموت مثل افناهم الحرب.و قيل: معنى الايه: كل من على وجه الارض من الاحياء فهو ميت.قال الامام: و لو سلم كون الفناء و الهلاك بمعنى العدم فلابد فى الايتين من تاويل، اذلو حملتا على ظاهر هما لزم كون الكل هالكا فانيا فى الحال و ليس كذلك، و ليس التاويل بكونه آئلا الى العدم على ما ذكرتم اولى من التاويل بكونه قابلا له، و هذه منه اشاره الى ما اتفق عليه ائمه العربيه من كون اسم الفاعل و نحوه مجازا فى الاستقبال، و انه لابد من الاتصاف بالمعنى المشتق منه.و انما الخلاف فى انه هل يشترط بقاء ذلك المعنى؟ و قد توهم صاحب ا
لتلخيص انه كالمضارع يشترك بين الحال و الاستقبال، فاعترض بان حمله على الاستقبال ليس تاويلا و صرفا عن الظاهر.و احتج الاخرون بوجوه: الاول: انه لو كان كذلك لما كان الجزاء و الصلا الى مستحقه، و اللازم باطل عندنا سمعا للنصوص الوارده فى ان الله لا يضيع اجر من احسن عملا، و عقلا عند المعتزله لما سبق من وجوب ثواب المطيع و عقاب العاصى.و بيان اللزوم ان المنشا لا يكون هو المبتدا بل مثله لا متناع اعاده المعدوم بعينه.و رد بالمنع و قد مر بيان ضعف ادلته، و لو سلم فلا يقوم من يقول ببقاء الروح او الاجزاء الاصليه و اعدام البواقى ثم ايجادها و ان لم يكن الثانى هو الاول بعينه بل مغايرا له فى وصفه الابتداء و الاعاده او باعتبار آخر، و لا شك ان العمده فى الاستحقاق هو الروح على ما مر، و قد يقرر بانها لوعدمت لما علم ايصال الجزاء الى مستحقه لانه لا يعلم ان ذلك المشحور هو الاول اعيد بعينه ام مثل له خلق على صفته.اما على تقدير الفناء بالكليه فظاهر، و اما على تقدير بقاء الروح و الاجزاء الاصليه فلا نعدام التركيب و الهيئات و الصفات التى بها يتمايز المسلمون سيما على قول من يجعل الروح ايضا من قبيل الاجسام، و اللازم منتف لان الادله قائمه على و صول الجزاء الى المستحق.لا يقال: لعل الله يحفظ الروح و الاجزاء الاصليه عن التفرق و الانحلال، بل الحكمه تقتضى ذلك ليعلم وصول الحق الى المستحق لانا نقول: المقصود ابطال راى من يقول بفناء الاجساد بجميع الاجزاء بل اجسام العالم باسرها ثم الايجاد و قد حصل و لو سلم فقد علمت ان العمده فى الحشر هو الاجزاء الاصليه لا الفضليه و قد سلمتم انها لا تتفرق فضلا عن الانعدام بالكليه، بل الجواب ان المعلوم بالادله هو ان الله - تعالى- يوصل الجزاء الى المستحق و لا دلاله على انا نعلم ذلك عند الايصال البته و كفى بالله عليما.و لو سلم فلعل الله - تعالى- يخلق علما ضروريا او طريقا جليا جزئيا او كليا.الثانى: و هو للمتزله ان فعل الحكيم لابد ان يكون لغرض لامتناع العبث عليه و لا يتصور له غرض فى الاعدام اذ لا منفعه فيه لاحد لانها انما تكون مع الوجود بل الحياه، و ليس به ايضا جزاء المستحق كالعذاب و السوال و الحساب و نحو ذلك و هذا ظاهر.ورد بمنع انحصار الغرض فى المنفعه و الجزاء، فلعل لله فى ذلك حكما و مصالح لا يعلمها غيره، على ان فى الاخبار بالاعدام لطفا للمكلفين و اظهارا لغايه العظمه و الاستغناء و التفرد بالدوام و البقاء، ثم الاعدام تحقيق لذل
ك و تصديق.الثالث: النصوص الداله على كون النشور بالاحياء بعد الموت و الجمع بعد التفيرق كقوله- تعالى- (و اذ قال ابراهيم رب ارنى كيف تحيى الموتى- الايه) و كقوله- تعالى-: (او كالذى مر على قريه و هى خاويه على غروشها قال انى يحيى هذه الله بعد موتها)- الى قوله-: (و انظر الى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحما) و كقوله- تعالى-: (كذلك النشور) (و قوله- تعالى-:) (و كذلك تخرجون) و (قوله- تعالى-:) (كما بداكم تعودون) بعد ما ذكر بدء الخلق من الطين و على وجه نرى و نشاهد مثل (قوله- تعالى-:) (او لم يروا كيف يبدى الله الخلق (ثم يعيده، ان ذلك على الله يسير)- قل سيروا فى الارض فانظروا كيف بدا الخلق)، و كقوله- تعالى-: (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث و تكون الجبال كالعهن المنفوش).الى غير ذلك من الايات المشعره بالتفريق دون الاعدام.و الجواب انها لا تنفى الانعدام و ان لم تدل عليه، و انما سيقت لكيفيه الاحياء بعد الموت و الجمع بعد التفريق لان السوال وقع عن ذلك، و لانه اظهر فى بادى النظر و الشواهد عليه اكثر، ثم هى معارضه بالايات المشعره بالاعدام و الفناء.انتهى كلامه.و الحق انه لا يمكن الجزم فى تلك المساله باحد الجانبين لتعارض الظواهر
فيها، و على تقدير ثبوته لا يتوقف انعدامها على شى ء سوى تعلق اراده الرب- تعالى- باعدامها، و اكثر متكلمى الاماميه على عدم الانعدام بالكليه لا سيما فى الاجساد.قال المحقق الطوسى- رحمه الله- فى التجريد: و السمع دل عليه و يتاول فى المكلف بالتفريق كما فى قصه ابراهيم- عليه السلام-.انتهى.و اما الصور فيجب الايمان به على ما ورد فى النصوص الصريحه، و تاويله بانه جمع للصوره كما مرمن الطبرسى و قد سبقه الشيخ المفيد- رحمه الله- فهو خروج عن ظواهر الايات بل صريحها، اذ لا يتاتى ذلك فى النفخه الاولى، و يابى عنه ايضا توحيد الضمير فى قوله - تعالى-: (و نفخ فيه اخرى) و اطراح للنصوص الصيحه الصريحه من غير حاجه.و قد قال سيد الساجدين- صلوات الله عليه- فى الدعاء الثالث من الصحيفه الكامله: و اسرافيل صاحب الصور الشاخص الذى ينتظر منك الاذن و حلول الامر فينبه بالنفخه صرعى رهائن القبور.
خطبه 229 -در بيان پيشامدها
ايضاح: قال ابن ابى الحديد: قالت الاماميه: هذه العده هم الائمه الاحد عشر من ولده- عليه السلام-، و قال غيرهم، انه عنى الابدال الذين هم اولياء الله.انتهى.و ظاهر ان ذكر انتظار فرج الشيعه كما اعترف به بعد هذا لا ارتباط له بحكايه الابدال.و اما كون اسمائهم فى الارض مجهوله فلعل المراد به ان اكثر الناس لا يعرفون قدرهم و منزلتهم، فلا ينافى معرفه الخواص لهم و ان كانوا ايضا لا يعرفونهم حق معرفتهم، او اراد به جهاله اسمائهم فى وقت ايراد الكلام، و التخصيص فى الاحتمال الاخير اقل منه فى الاول.قوله- عليه السلام- (و انقطاع و صلكم) جمع (وصله) اى تفرق اموركم المنظمه.و المراد باستعمال الصغار تقديمهم على المشايخ و ارباب التجارب فى الاعمال و الولايات.قوله- عليه السلام- 0حيث يكون المعطى) على بناء المجهول (اعظم اجرا من المعطى) على بناء الفاعل، لان اكثر الاموال فى ذلك الزمان يكون من الحرام، و ايضا لا يعطونها على الوجه المامور به للاغراض الفاسده.و اما المعطى فلما كان فقيرا ياخذ المال لسد خلته لا يلزمه البحث عن المال و حله و حرمته، فكان اعظم اجرا من المعطى.و قيل: لان صاحب المال لما كان يصرفه فى اغلب الاحوال فى الفساد فاذا اخذه الفقير فقد فوت عليه صرفه فى القبائح فقد كفه بالخذ المال من ارتكاب القبيح، و لا يخلو من بعد.و (النعمه) بالفتح، غضاره العيش، و فى بعض النسخ بالكسر، اى الخفض و الدعه و المال.قوله- عليه السلام- (من غير احراج) اى من غير اضطرار الى الكذب، و روى بالواو.قوله- عليه السلام- (اذا عضكم البلاء) يقال: (عض اللقمه)- كسمع و منع- اى امسكها باسنانه، و (عض بصاحبه) اى لزمه، و (عض الزمان و الحرب) شدتهما.و (القتب) بالتحريك، معروف.و (الغارب) ما بين العتق و السنام.و قال ابن ابى الحديد: هذا الكلام غير متصل بما قبله كما هو عاده الرضى.و قد ذكر- عليه السلام- بين ذلك ما ينال من شيعته من البوس و القنوط و مشقه انتظار الفرج.و قوله- عليه السلام- (ما اطول هذا العناء و ابعد هذا الرجاء) حكايه كلام شيعه- عليه السلام- انتهى.فيكون المراد بالرجاء رجاء ظهور القائم- عليه السلام- و قال ابن ميثم: يحتمل ان يكون الكلام متصلا، او يكون قوله- عليه السلام- (ما اطول هذا العناء) كلاما مستانفا فى معنى التوبيخ لهم على اعراضهم عنه و اقبالهم على الدنيا و اتعابهم انفسهم فى طلبها، و تنفير لهم عنا بذكر طول العناء فى طلبها و بعد الرجاء لما يرجى من
ها.قوله- عليه السلام- (القوا) اى القوا من ايديكم ازمه الاراء الافسده و الاعمال الكاسده التى هى كالنوق و المراكب فى حمل التبعات و الاثام.(و لا تصدعوا) اى لا تتفرقوا.و (السلطان) الامير و الامام.و (غب كل شى ء) عاقبته.و (فور نار الفتنه) و هجها و غليانها.و (اميطوا) اى تنحوا.و (السنن) الطريقه.قوله- عليه السلام- (و خلوا) اى دعوها تسلك طريقها، و لا تتعرضوا لها فتكونوا حطبا لنارها.
خطبه 231 -ايمان
بيان: قال ابن عبدالبر فى الاستيعاب و غيره: اجمع الناس كلهم على انه لم يقل احد من الصحابه و لا احد من العلماء هذا الكلام.و قال ابن ميثم: كنى بشغر رجلها عن خلو تلك الفتنه من مدبر.قال الجوهرى: (بلده شاغره برجلها) اذا لم تمنع من غاره احد.و (شغر البلد) اى خلا من الناس.و قال ابن الاثير: (شغر الكلب) رفع احدى رجليه ليبول، و قيل: (الشغر) البعد.و قيل الا تساع.و منه حديث على- عليه السلام-: قبل ان تشغر برجلها فته.انتهى.و قوله- عليه السلام- (تطا فى خطامها) قال ابن ميثم: استعاره بوصف الناقه التى ارسلت خطامها و خلت عن القائد فى طريقها فهى تخبط و تعثر و تطامن لقيت من الناس على غير نظام من حالها.(و تذهب باحلام قومها) قال بعض الشارحين: اى يتحير اهل زمانها فلا يهتدون الى طريق التخلص عنها، و يحتمل ان يريد انهم ياتون اليها سراعا رغبه و رهبه من غير معرفه بكونها فتنه.(هذا بيان آخر فى شرح الكلام:) بيان: (العوارى) جمع (العاريه) بالتشديد فيهما كانها منسوبه الى العار فان طلبها عار و غيب.قال ابن ميثم- رحمه الله-: قوله - عليه السلام- (فمن الايمان... )الى آخره قسمه للايمان الى قسمين: احدهما الثابت المستقر فى الق و ب الذى صار ملكه، و ثانيهما ما كان فى معرض الغير و الانتقال.و استعار - عليه السلام- لفظ (العوارى) لكونه فى معرص الاسترجاع و الرد.و كنى- عليه السلام- بكونه بين القلوب و الصدور عن كونه غير مستقر فى القلوب و لا متمكن من جواهر النفوس.و قال ابن ابى الحديد: اراد- عليه السلام- من الايمان ما يكون على سبيل الاخلاص و منه ما يكون على سبيل النفاق.و قوله - عليه السلام- (الى اجل معلوم) ترشيح لاستعكاره العوارى و هذه القسمه الى القسمين هى الموجوده فى نسخه الرضى- رضى الله عنه- بخطه و فى نسخ كثير من الشارحين و نسخ كثيره معتربه ثلاثه اقسام هكذا: (فمن الايمان ما يكون ثابتا مستقرا فى القلوب، و منه ما يكون عوارى (فى القولب، و منه ما يكون عوارى) بين القلوب و الصدور الى اجل معلوم.و قال ابن ابى الحديد فى بيانها: ان الايمان اما ان يكون ثابتا مستقرا بالبرهان و هو الايمان الحقيقى، او ليس بثابت بالبرهان بل بالدليل الجدلى ككثير ممن لم يحقق العلوم العقليه و هو الذى عبر - عليه السلام- عنه بقوله (عوارى فى القلوب) فهوو ان كان فى القلب الذى هو محل الايمان الحقيقى الا ان حكمه حكم العاريه فى البيت و اما ان يستند الى تقليد و حسن ظن بالاسلاف.و قد جعله- عليه السلام- عوارى بين القلوب و الصدور، لانه دون الثانى فلم يجعله حالا فى القلب.و رد قوله - عليه السلام- الى اجل معلوم الى القسمين الاخيرين لان من لم يبلغ درجه البرهان ربما ينحط الى درجه المقلد، فيكون ايمان كل منهما الى اجل معلوم، لكونه فى معرض الزوال.(فاذا كانت لكم برائه... )الخ قيل: اى اذا اردتم التبرى من احد فاجعلوه موقوفا الى حال الموت، و لا تسارعوا الى البرائه منه قبل الموت، لانه يجوز ان يتوب و يرجع، فاذا مات و لم يتب جازت البرائه منه، لانه ليس له بعد الموت حاله تنتظر.و ينبغى ان تحمل هذه البرائه على البرائه المطلقه لجواز التبرى من الفاسق و هو حى و من الكافر و هو حى، لكن بشرط الا تصاف باحد الوصفين، بخلاف ما بعد الموت.و قيل: المعنى: انتظروا حتى ياتيه الموت فانه ربما يكون معتقادا للحق و يكتم ايمانه لغرض دنيوى، و قيل: هذا اشاره الى ما كان يفعله رسول الله - صلى الله عليه و آله- فى الصلاه على المنافقين، فاذا كبر اربعا كانوا يعلمون انه منافق، و اذا كبر خمسا كانوا يعلمون انه مومن، فاشار- عليه السلام- الى انه عند الموت تقع البرائه و تصح بعلامه تكبيراته الاربع.و كلا الوجهين كما ترى.و الظاهر ان المراد بالبرائه قطع العلائق الايمانيه التى يجوز معها الاستغفار كما يومى اليه قوله - سبحانه-: (ما كان للنبى و الذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين و لو كانوا اولى فربى... )الى قوله- تعالى-: (فلما تبين له انه عدو لله تبرا منه) (و الهجره قائمه... )الخ، و اصل الهجره المامور بها الخروج من دار الحرب الى دار الاسلام.و قال فى النهايه: فيه لا هجره بعد الفتح و لكن جهادونيه.و فى حديث آخر: (لا تنقطع الهجره حتى تنقطع التوبه).(الهجره) فى الاصل اسم من (الهجر) ضد الوصل، و قد هجره هجرا و هجرانا.ثم غلب على الخروج من ارض الى ارض و ترك الاولى للثانيه، يقال منه: هاجر مهاجره.و الهجره هجرتان: احدا هما التى وعد الله عليها الجنه فى قوله (ان الله اشترى من المومنين انفسهم و اموالهم بان لهم الجنه).فكان الرجل ياتى النبى - صلى الله عليه و آله- و يدع اهله و ماله لا يرجع فى شى ء منه، و ينقطع بنفسه الى مهاجره، و كان النبى- صلى الله عليه و آله- يكره ان يموت الرجل بالارض التى هاجر منها، فمن ثم قال: (لكن البائس سعد بن خوله)، يرثى له ان مات بمكه، و قال حين قدم مكه (اللهم لا تجعل منايانا بها).فلما فتحت مكه صارت دار اسلام كالمدينه، و انقطعت الهجر
ه.و الهجره الثانيه من هاجر من الاعراب و غزا مع المسلمين، و لم يفعل كما فعل اصحاب الهجره الاولى، فهو مهاجر و ليس بداخل فى فضل من هاجر تلك الهجره، و هو المراد بقوله: (لا تنقطع الهجره حتى تنقطع التوبه).فهذا وجه الجمع بين الحديثين، و اذا اطلق فى الحديث ذكر الهجرتين فانما يراد.بهما هجره الحبشه و هجره المدينه.انتهى.و قال ابن ابى الحديد: هذا كلام من اسرار الوصيه يختص به على- عليه السلام- لان الناس يروون ان النبى- صلى الله عليه و آله- قال: (لا هجره بعد الفتح)، فشفع عمه العباس فى نعيم بن مسعود الاشجعى ان يستثنيه فاستثناه، و من هذه الهجره التى اشار اليها اميرالمومنين- عليه السلام- ليست تلك بل هى الهجره الى الامام.و قال بعض الاصحاب: تجب المهاجره عن بلد الشرك على من يضعف عن اظهار شعائر الاسلام مع المكنه و يستحب للقادر على اظهارها تحرزا عن تكثير سواد المشركين، و المراد بها الامور التى تختص بالاسلام كالاذان و الاقامه و صوم شهر رمضان و غير ذلك.و الحق بعضهم ببلاد الشرك بلاد الخلاف التى لا يتمكن فيها المومن اقامه شعائر الايمان مع الامكان.و لو تعذرت الهجره لمرض او عدم نفقه او غير ذلك فلا حرج لقوله- تعالى-: (الا المستض
عفين من الرجال و النساء و الولدان لا يستطيعون حيله و لا يهتدون سبيلا فاولئك عسى الله ان يعفو عنهم و كان الله عفوا غفورا.و الظاهر ان قوله- عليه السلام- (ما كان لله فى اهل الارض حاجه) كنايه عن بقاء التكليف كما يدل عليه قول النبى - صلى الله عليه و آله- (لا تنقطع الهجره حتى تنقطع التوبه).و للتجوز مجال واسع و فى الصحيفه السجاديه: (و لا ترسلنى من يدك ارسال من لا خير فيه، و لا حاجه بك اليه).و قيل: كلمه (ما) هيهنا نافيه و وجهوه بتوجيهات ركيكه.و (السر) ما يكتم و (استسر) اى استتر و اختفى، فالمختفى حينئذ كمن لا يختفى بل يعلن نفسه لانه لا يخاف و لا يتقى لدينه او غيره، و قيل: اى ممن اسردينه او اظهره و اعلنه، و (من) لبيان الجنس، و قيل: زائده، و لو حذفت لجر المستسر بدلا من اهل الارض.(لا يقع اسم الهجره... )الخ، اى يشترط فى صدق الهجره معرفه الامام و الاقرار به.و المراد بقوله (فمن عرفها... )الخ انه مهاجر بشرط الخروج الى الامام و السفر اليه او المراد بالمعرفه المعرفه الستنده الى المشاهده و العيان، و يحتمل ان يكون المراد ان مجرد معرفه الامام و الاقرار بوجوب اتباعه كاف فى اطلاق اسم الهجره كما هو ظاهر الجزء الاخير من الكلام و يدل عليه بعض اخبارنا، فمعرفه الامام و الاقرار به فى زمانه قائم مقام الهجره المطلوبه فى زمان الرسول- صلى الله عليه و آله.و قال بعض الاصحاب: الهجره فى زمان الغيبه سكنى الامصار لانها تقابل الباديه مسكن الاعراب، و الامصار اقرب الى تحصيل الكمالات من القرى و البوادى فان الغالب على اهلها الجفاء و الغلظه و البعد عن العلوم و الكمالات كما روى عن النبى- صلى الله عليه و آله- ان الجفاء و القسوه فى الفدادين، و قيل: هى الخروج الى طلب العلوم فيعم الخروج عن القرى و البوادى، و الخروج عن بلد لا يمكن فيه طلب العلم.(و لا يقع اسم الاستضعاف.. )الخ، (الاستضعاف) عد الشى ء ضعيفا او وجدانه ضعيفا و (استضعفه) اى طلب ضعفه.و (الحجه) الدليل و البرهان، و يعبر به عن الامام لانه دليل الحق، و المراد به هنا اما دليل الحق من اصول الدين او الاعم او الامام بتقدير مضاف اى حجه الحجه.قال القطب الراوندى - رحمه الله- يمكن ان يشير بهذا الكلام الى احدى آيتين: احدا هما: (ان الذين توفيهم الملائكه ظالمى انفسهم قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعيفين فى الارض.قالوا: الم تكن ارض الله و اسعه فتهاجروا فيها؟!! فاولئك ماويهم جهنم و سائت مصيرا).فيكون مراده ژ
- عليه السلام- على هذا انه لا يصدق اسم الاستضعاف على من عرف الامام و بلغته احكامه و وعاها قلبه، و ان بقى فى ولده و اهله لم يتجشم السفر الى الامام، كما صدق على هولاء المذكورين فى الايه.و الثانيه قوله- تعالى- بعد ذلك: (الا المستضعفين من الرجال و النساء- الايه).فيكون مراده على هذا ان من عرف الامام و سمع مقالته و وعاها قلبه لا يصدق عليه اسم الاستضعاف كما صدق على هولاء، اذ كان المفروض على الموجودين فى عصر الرسول المهاجره بالابدان دون من بعدهم، بل يقنع منهم بمعرفته و العلم بقوله بدون المهاجره اليه بالبدن.و قال ابن ميثم- رحمه الله- بعد حكايه كلامه: و اقول: يحتمل، ان يريد بقوله ذلك انه لا عذر لمن بلغته دعوه الحجه فسمعتها اذنه فى تاخيره عن النهوض و المهاجره اليه مع قدرته على ذلك و لا يصدق عليه اسم الاستضعاف كما يصدق على المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان حتى يكون ذلك عذرا له، بل يكون فى تاخره ملوما مستحقا للعقاب كالذين قالوا: كنا مستضعفين فى الارض، و يكون مخصوصا بالقادرين على النهوض دون العاجزين، فان اسم الاستضعاف صادق عليهم.انتهى.و اقول: سياتى شرح هذا الكلام فى اخبار كثيره و ان المراد به ان المستضعف المعذور
فى معرفه الامام فى زمان الهدنه فى الجمله، انما هو اذا لم تبلغه الحجه و اختلاف الناس فيه، او بلغه و لم يكن له عقل يتميز به بين الحق و الباطل، كما سنذكر تفصيله ان شاء الله- تعالى-.(ان امرنا صعف مستصعب)، (الصعب) العسر و الابى الذى لا ينقاد بسهوله ضد الذلول، و (استصعب الامر) اى صار صعبا، و (استصعبت الامر) اى وجدته صعبا.و (حملته و احتملته) بمعنى، و (حملته) بالتشديد، فاحتمله.و (الامتحان) الاختبار و (امتحن الله قلبه) اى شرحه و وسعه.قال ابن ابى الحديد: قال الله- تعالى-: (اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى) يقال: (امتحن فلان لامر كذا) اى جرب للنهوض به، فهو قوى على احتمال مشاقه و يجوز ان يكون بمعنى المعرفه لان تحقيقك الشى ء انما يكون باختباره، فوضع موضعها فيتعلق اللام بمحذوف، اى كائنه له، و هى اللام التى فى قولك (انت لهذا الامر) اى مختص به و يكون مع معمولها منصوبه على الحال، و يجوى ان يكون المعنى: ضرب الله قلوبهم بانواع المحن لاجل التقوى، اى ليثبت و يظهر تقواها و يعلم انهم متقون، لان التقوى لا يعلم الا عند الصبر على المحن و الشدائد او اخلص قلوبهم للتقوى اى اذابه و صفاه.و (وعيت الحديث) اى حفظته و فهمته و الغرض
فظ الحديث عن الاذاعه و ضبط الاسرار عن افضائها الى غير اهلها او الاذعان الكامل به، و عدم التزلزل عند العجز عن المعرفه التفصيليه به، فيكون كالتفسير لما قبله.و (الحلم) بالكسر، الاناه و العقل.و (الرزانه) الوقار.و حاصل الكلام ان شانهم و ما هم عليه من الكمال و القدره على خوارق العادات صعب لا يحصل لغيرهم، مستصعب الفهم على الخلق، او فهم علومهم و ادراك اسرارهم مشكل يستصعبه اكثر الخلق، فلا يقبله حق القبول بحيث لا يخرج الى طرف الافراط بالغلو او التفريط بعدم التصديق، او القول بعدم الحق لسوء الفهم الا قلب عبد شرحه الله و صفاه للايمان، فيحمل كلما ياتون به على وجهه اذا وجد له محملا و يصدق اجمالا بكل ما عجز عن معرفته تفصيلا و يرد علمه اليهم- عليهم السلام-.و المراد بطرق السماء الطرق التى يصعد منها الملائكه و يرفع فيها اعمال العباد، او منازل سكان السماوات و مراتبهم، او الامور المستقبله و ما خفى على الناس مما لا يعلم الا بتعليم ربانى فان مجارى نزولها فى السماء، او احكام الدين و قواعد الشريعه و على ما يقابل كل واحد منها يحمل طرق الارض.و (شغر البلد) - كمنع- اذا خلا من حافظ يمنعه، و (بلده شاغره برجلها) لم تمنع عن غاره احد، و (شغرت المراه) رفعت رجلها للنكاح، و (شغرتها) فعلت بها ذلك، يتعدى و لا يتعدى، و (شغر الكلب) اذا رفع احد رجليه ليبول، و قيل: (الشغر) البعد و الا تساع، و قيل كنى بشغر رجلها عن خلو تلك الفتنه عن مدبر يردها و يحفظ الامور و ينظم الدين.و يحتمل ان يكون كنايه عن شمولها للبلاد و العباد من الشغر بمعنى الا تساع، او من شغر الكلب، او من شغره المراه كنايه عن تكشفها و عدم مبالاتها بظهور عيوبها و ابداء سوئتها.و (الوطء) الدوس بالرجل.و (الخطم) بالفتح من الدابه، مقدم انفها، و (الخطام)- ككتاب- ما يوضع فى انف البعير ليقتادبه.و الوطء فى الخطام كنايه عن فقد القائد و اذا خلت الناقه من القائد تعثر و تخبط، و تفسد ما تمر عليه بقوائمها.(و تذهب باحلام قومها) اى تفسد عقول اهلها فكانت افعالهم على خلاف ما يقتضيه العقل، فالمراد باهلها المفسدون، او يتحير اهل زمانها فلا يهتدون الى طريق التخلص عنها، فاهلها من اصابته البليه، او ياتى اهل ذلك الزمان اليها رغبه و رهبه و لا يتفحصون عن كونها فتنه لغفلتهم عن وجه الحق فيها.
خطبه 232 -سفارش به ترس از خدا
بيان: (لا يثنيه) اى لا يصرفه و لا يعطفه.بيان: (الارماس) جمع (الرمس) و هو القبر.و (الابلاس) الياس و الانكسار و الحزن.و قال الجزرى: (المطلع) مكان الاطلاع من الموضع العالى، و منه الحديث: (لا فتديت من هول المطلع) اى الموقف يوم القيامه، او ما يشرف عليه من امر الاخره عقيب الموت بالمطلع الذى يشرف عليه من موضع عال.و (اختلاف الاضلاع) كنايه عن ضغطه القبر، اذ يحصل بسببها تداخل الاضلاع و اختلافها.و (الضريح) الشق فى وسط القبر، و اللحد فى الجانب.و (الصفيح) الحجر، و المراد بردمه هنا سد القبر به.(ان ما سياتى هنا بحوث و دراسات فى احوال البرزخ و القبر و عذابه و سواله بمناسبه البحث حول القيامه. )(تذييل) ثم اعلم ان عذاب البرزخ و ثوابه مما اتفقت عليه الامه سلفا و خلفا، و قال به اكثر اهل الملل و لم ينكره من المسلمين الا شرذمه قليله لا عبره بهم، و قد انعقد الاجماع على خلافهم سابقا و لا حقا.و الاحاديث الوارده فيه من طرق العامه و الخاصه متواتره المضمون، و كذا بقاء النفوس بعد خراب الابدان مذهب اكثر العقلاء من المليين و الفلاسفه، و لم ينكره الا فرقه قليله كالقائلين بان النفس هى المزاج و امثاله ممن لا يعبابهم و لابكلامهم، و قد عرفت ما يدل عليه من الاخبار الجليه و قد اقيمت عليه البراهين العقليه، و لنذكر بعض كلمات علماء الفريقين فى المقامين.قال نصير المله و الدين- قدس الله روحه- فى التجريد: عذاب القبر واقع لامكانه و تواتر السمع بوقوعه.و قال العلامه الحى- نور الله ضريحه- فى شرحه: نقل عن ضرار انه انكر عذاب القبر، و الاجماع على خلافه.و قال الشيخ المفيد- رحمه الله- فى اجوبه المسائل السروريه- حيث سئل: ما قوله- ادام الله تاييده- فى عذاب القبر و كيفيته؟ و متى يكون؟ و هل ترد الارواح الى الاجساد عند التعذيب ام لا؟ و هل يكون العذاب فى القبر او يكون بين النفختين؟- الجواب: الكلام فى عذاب القبر طريقه السمع دون العقل.و قد ورد عن ائمه الهدى- عليهم السلام- انهم قالوا: ليس يعذب فى القبر كل ميت، و انما يعذب من جملتهم من محض الكفر محضا، و لا ينعم كل ماض لسبيله، و انما ينعم منهم من محض الايمان محضا، فاما ما سوى هذين الصنفين فانه يلهى عنهم.و كذلك روى انه لا يسال فى قبره الا هذان الصنفان خاصه، فعلى ما جاء به الاثر من ذلك يكون الحكم ما ذكرناه.فاما عذاب الكافر فى قبره و نعيم المومنين فيه فان الخبر ايضا قد ورد بان الله - تعالى- يجعل روح
المومن فى قالب مثل قالبه فى الدنيا فى جنه من جناته ينعمه فيها الى يوم الساعه، فاذا نفخ فى الصور انشا جسده الذى بلى فى التراب و تمزق ثم اعاده اليه و حشره الى الموقف، و امر به الى جنه الخلد، فلا يزال منعما ببقاء الله - عز و جل- غير ان جسده الذى يعاد فيه لا يكون على تركيبه فى الدنيا، بل تعدل طباعه، و تحسن صورته، فلا يهرم مع تعديل الطباع، و لا يمسه نصب فى الجنه و لا لغوب، و الكافر يجعل فى قالب كقالبه فى الدنيا فى محل غذاب يعاقب به، و نار يعذب بها حتى الساعه، ثم انشى جسده الذى فارقه فى القبر و يعاد اليه، ثم يعذب به فى الاخره عذاب الابد، و يركب ايضا جسده تركيبا لا يفنى معه، و قد قال الله- عز و جل اسمه-: (النار يعرضون عليها عدوا و عشيا و يوم تقوم الساعه ادخلوا آل فرعون اشد العذاب) و قال فى قصه الشهداء: (و لا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون).فدل على ان العذاب و الثواب يكونان قبل يوم القيامه و بعدها، و الخبر و ارد بانه يكون مع فراق الروح الجسد من الدنيا، و الروح ههنا عباره عن الفعال الجوهر البسيط، و ليس بعباره عن الحياه التى يصح معها العلم و القدره لان هذه الحياه عرض لا يبقى و لا يصح ال
اعاده فيه فهذا ما عول عليه بالنقل و جاء به الخبر على ما بيناه.ثم سئل- رحمه الله-.: ما قوله- ادام الله تمكينه- فى معنى قول الله- تعالى-: (و لا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون)؟ اهم احياء فى الحقيقه على ما تقتضيه الايه ام الايه مجاز؟ و ان اجسادهم الان فى قبورهم ام فى الجنه؟ فان المعتزله من اصحاب ابى هاشم يقولون: ان الله- تعالى- ينزع من جسد كل واحد منهم اجزاء قدر ما يتعلق به الروح، و انه- تعالى- يرزقهم على ما نطقت به الايه، و ما سوى هذا من اجزاء ابدانهم فهى فى قبورهم كاجساد سائر الموتى.الجواب: هذا المحكى عن اصحاب ابى هاشم لان المحفوظ عنه الانسان المخاطب المامور المنهى هو البنيه التى لا تصح الحياه الا بها و ما سوى ذلك من الجسد ليس بانسان و لا يتوجه اليه امر و لا نهى و لا تكليف، و ان كان القوم يزعمون ان تلك البنيه لا تفارق ما جاورها من الجسد فيعذب او ينعم فهو مقال يستمر على ان البنيه التى ذكروها هو المكلف المامور المنهى و باقى جسده قى القبر، الا انهم لم يذكروا كيف يعذب من عذب و يثاب من اثيب؟ افى دار غير الدنيا ام فيها؟ و هل يحيى بعد الموت او تفارق الجمله فى الدنيا فلا يلحقه موت؟ ث
م لم يحك عنهم فى اى محل يعذبون و يثابون؟ و فيما قالوه من ذلك فليس به اثر و لا يدل عليه العقل، و انما هو يخرج منهم على الظن و الحساب، و من بنى مذهبه على الظن فى مثل هذا الباب كان بمقالته مفتريا، ثم الذى يفسد قولهم من بعد ما دل على ان الانسان المامور المنهى هو الجوهر البسيط، و ان الاجزاء المولفه لا يصح ان تكون فعاله، و دلائل ذلك يطول باثباتها الكتاب، و فيما او مانا اليه منها كفايه فيما تعلق به السوال و بالله التوفيق.و سئل عنه- قدس الله روحه- فى المسائل العكبره عن قول الله- تعالى- (و لا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله- الايه) هل يكون الرزق لغير جسم؟ و ما صوره هذه الحياه؟ فانا مجمعون على ان الجواهر لا تبلى شيئا، فما الفرق حينئذ فى الحياه بين المومن و الكافر.فاجاب - رحمه الله- بان الرزق لا يكون عندنا الا للحيوان، و الحيوان عندنا ليسوا باجسام بل ذوات اخرجوا فى هذه الدار الى الاجساد، و تعذر عليهم كثير من الافعال الا بها، فان اغنوا عنها بعد الوفاه جازان يرزقوا مع عدمها رزقا يحصل لهم به اللذات، و ان افتقروا اليها كان الرزق لهم حينئذ بحسبه فى الدنيا على السواء.فاما قوله (ما صوره هذه الحياه؟) فاحياه لا صوره لها لانها
عرض من الاعراض و هى تقوم بالذات الفعاله دون الاجساد التى تقوم بها حياه النمودون الحياه التى هى شرط فى العلم و القدره و نحو هما من الاعراض.و قوله (انا مجمعون على ان الجواهر لا تبلى شيئا) فليس ذلك كما ظن، و لو كان كما توهم لم يمتنع ان توجد الحياه لبعض الجواهر و ترفع عن بعض، كما توجد حياه النمو لبعض الاجساد و ترفع من بعض بالاتفاق، و لو قلنا: (ان الحياه بعد النقله من هذه الدار تعم اهل الكفر و الايمان) لم يفسد ذلك علينا اصلا فى الدين، فكانت الحياه لاهل الايمان شرطا فى وصول اللذات اليهم، و الحياه لاهل الكفر شرطا فى وصول الالام اليهم بالعقاب.انتهى.و قال شارح المقاصد: اتفق الاسلاميون على حقيقه سوال منكر و نكير فى القبر و عذاب الكفار و بعض العصاه فيه، و نسب خلافه الى بعض المعتزله، قال بعض المتاخرين منهم: حكى انكار ذلك عن ضرار بن عمرو، و انما نسب الى المعتزله- و هم براء منه- لمخالطه ضرار اياهم، و تبعه قوم من السفهاء من المعاندين للحق و نحوه، قال فى المواقف: و قال المحقق الدوانى فى شرح العقائد العضديه: عذاب القبر للمومن و الفاسق و الكافر حق لقوله- تعالى-: (النار يعرضون عليها عدوا و عشيا- الايه).و قوله (ربنا امتنا اث
نتين و احييتنا اثنتين)، و لقوله- صلى الله عليه و آله-: (ان احدكم اذا مات عرض عليه مقعده بالغداه و العشى، ان كان من اهل الجنه فمن الجنه، و ان كان من اهل النار فمن النار، فيقال: هذا مقعدك حتى نبعثك يوم القيامه)، و قوله - صلى الله عليه و آله-: (استنزهوا من البول فان عامه عذاب القبر منه)، و قوله- صلى الله عليه و آله-: (القبر اما روضه من رياض الجنه، او حفره من حفر النيران).و نقل العلامه التفتازانى عن السيد ابى الشجاع ان الصبيان يسالون و كذا الانبياء - عليهم السلام- و قيل: ان الانبياء لا يسالون لان السوال على ما ورد فى الحديث عن ربه و عن دينه و عن نبيه، و لا يعقل السوال عن النبى- صلى الله عليه و آله- من نفس النبى، و انت خبير بانه لا يدل على عدم السوال مطلقا بل عدم السوال عن نبيه فقط، و ذلك ايضا فى الذى لا يكون على مله نبى آخر.و اختلف الناس فى عذاب القبر فانكره قوم بالكليه و اثبته آخرون، ثم اختلف هولاء فمنهم من اثبت التعذيب و انكر الاحياء و هو خلاف العقل، و بعضهم لم يثبت العذاب بالفعل بل قال: تجتمع الالام فى جسده فاذا حشر احس بها دفعه، و هذا انكار لعذاب القبر حقيقه، و منهم من قال باحيائه لكن من غير اعاده الروح، و منهم من قال بالاحياء و اعاده الروح و لا يلزم ان يرى اثر الحياه فيه حتى ان الماكول فى بطن الحيوانات يحيى و يسال و ينعم و يعذب و لا ينبغى ان ينكر لان من اخفى النار فى الشجر الاخضر قادر على اخفاء العذاب و النعيم.قال الامام الغزالى فى الحياء: اعلم ان لك ثلاث مقامات فى التصديق بامثال هذا.احدها- و هو الاظهر و الاصح- ان تصدق بان الحيه مثلا موجوده تلدغ الميت و لكنا لا نشاهد ذلك، فان ذلك العين لا يصلح لمشاهده تلك الامور الملكوتيه، و كل ما يتعلق بالاخره فهو من عالم الملكوت، اما ترى ان الصحابه كيف كانوا يومنون بنزول جبرئيل- عليه السلام-، و ما كانوا يشاهدونه، و يومنون انه- صلى الله عليه و آله- يشاهده؟ فان كنت لا تومن بهذا، فتصحيح الايمان بالملائكه و الوحى عليك اوجب، و ان آمنت به و جوزت ان يشاهد النبى- صلى الله عليه و آله- ما لا تشاهده الامه فكيف لا تجوز هذا فى الميت؟ المقام الثانى ان تتذكر امر النائم فانه يرى فى نومه حيه تلدغه و هو يتالم بذلك حتى يرى فى نومه يصيح و يعرق جبينه، و قد ينزعج من مكانه.كل ذلك يدرك من نفسه و يتاذى به كما يتاذى اليقظان، و انت ترى ظاهره ساكنا و لا ترى فى حواليه حيه، و الحيه موجوده فى حقه، و ال
عذاب حاصل، و لكنه فى حقك غير مشاهد، و ان كان العذاب الم اللدغ فلا فرق بين حيه تتخيل او تشاهد.المقام الثالث ان الحيه بنفسها لا تو لم بل الذى يلقاك منها هو السم، ثم السم ليس هو الالم، بل عذابك فى الاثر يحصل فيك من السم، فلوحصل مثل ذلك من غير سم فكان ذلك العذاب قد توفر، و قد لا يمكن تعريف ذلك النوع من العذاب الا بان يضاف الى السبب الذى يفضى اليه فى العاده، و الصفات المهلكات تنقلب موذيات و مولمات فى النفس عند الموت فتكون آلامها كالام لدغ الحيات من غير وجود الحيات.فان قلت: ما الصحيح من هذه المقامات الثلاثه؟ فاعلم ان من الناس من لم يثبت الا الثالث، و انما الحق الذى انكشف لنا من طريق الاستبصار ان كل ذلك فى حيز الامكان، و ان من ينكر بعض ذلك فهو لضيق حوصلته و جهله باتساع قدره الله و عجائب تدبيره منكر من افعال الله- تعالى- ما لم يانس به و لم يالفه و ذلك جهل و قصور، بل هذه الطرق الثلاثه فى التعذيب ممكن و التصديق بها واجب، و رب عبد يعاقب بنوع واحد من هذه الانواع الثلاثه.هذا هو الحق فصدق به.ثم قال: و سوال منكر و نكير حق لقوله- صلى الله عليه و آله-: (اذا اقبر الميت اتاه ملكان اسودان ازرقان يقال لاحدهما: منكر و للاخر:
نكير، يقولان: ما كنت تقول فى هذا الرجل؟ فان كان مومنا فيقول: هو عبدالله و رسوله، اشهد ان لا اله الا الله و اشهد ان محمدا رسول الله، فيقولان: قد كنا نعلم انك تقول هذا، ثم يفسح فى قبره سبعين ذراعا فى سبعين ذراعا، ثم ينورله فيه، ثم يقال له: نم، فيقول: ارجع الى اهلى فاخبرهم؟ فيقولان: نم كنومه العروس الذى لا يوقظه الا احب اهله، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك.و ان كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون، فقلت مثله، لا ادرى؟ فيقولان: قد كنا نعلم انك تقول ذلك، فيقال للارض: التئمى عليه، فتلتئم عليه فتختلف اضلاعه، فلا يزال فيه معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك.و انكر الجبائى و ابنه و البلخى تسميه الملكين منكرا و نكيرا و قالوا: انما المنكر ما يصدر من الكافر عند تلجلجه اذا سئل، و النكير انما هو تقريع الكافر، و هو خلاف ظاهر الحديث.و الاحاديث الصحيحه الداله على عذاب القبر و نعيمه و سوال الملكين اكثر من ان تحصر بحيث يبلغ قدره المشترك حد التواتر و ان كان كل منها خبر الاحاد، و اتفق عليه السلف الصالح قبل ظهور المخالف.و انكره مطلقا ضرار بن عمرو و اكثر متاخرى المعتزله و بعض الروافض متمسكين بان الميت جماد فلا يعذب، و ما سبق حجه عليهم ، و من تامل عجائب الملك و الملكوت و غرائب صنعه- تعالى- لم يستنكف عن قبول امثال هذا، فان للنفس نشات و فى كل نشاه تشاهد صورا تقتضيها تلك النشاه، فكما انها تشاهد فى المنام امورا لم تكن تشاهد فى اليقظه فكذا تشاهد فى حال الانخلاع عن البدن امورا لم تكن تشاهد فى الحياه.و الى هذا يشير من قال: الناس نيام فاذا ماتوا انتبهوا.انتهى كلامه.و لا يخفى على احد ان ما نسبه هو و غيره الى الشيعه فى هذا الباب فريه بلامريه.و لا يوجد من ذلك فى كتبهم عين و لا اثر، و قد سمعت بعض كلماتهم فى ذلك، و لعله راى ذلك فى بعض كتب الملاحده من الاسماعيليه و غيرهم الملصقين بهذه الفرقه المحقه فنسب ذلك اليهم مجملا، و هذا تدليس قبيح و لا سيما من الفضلاء.ثم اعلم انه روى العامه فى كتبهم عن ابى امامه الباهلى ان النبى- صلى الله عليه و آله- قال: (اذا مات احدكم و سويتم عليه التراب فليقم احدكم عند قبره ثم ليقل: يا فلان بن فلانه فانه يسمع و لا يجيب، ثم ليقل: يا فلان بن فلانه - الثانيه- فيستوى قاعدا، ثم ليقل: يا فلان بن فلانه، فانه يقول: ارشدنا رحمك الله، فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا: شهاده ان لا اله الا الله، و ان محمدا عبده و رسوله، و انك رضيت با
لله ربا، و بالاسلام دينا، و بالاسلام دينا، و بمحمد نبيا، و بالقرآن اماما.فان منكرا و نكيرا يتاخر كل واحد منهما فيقول: انطلق فما يقعدنا عند هذا و قد لقن حجته؟) فقال: يا رسول الله! فان لم يعرف امه؟ قال: فلينسبه الى حواء.و قال الشيخ البهايى- قدس الله روحه-: قد يتوهم ان القول بتعلق الارواح بعد مفارقه ابدانها العنصريه باشباح اخر كما دلت عليه الاحاديث قول بالتناسخ، و هذا توهم سخيف لان التناسخ الذى اطبق المسلمون على بطلانه هو تعلق الارواح بعد خراب اجسادها باجسام اخر فى هذا العالم، اما عنصريه كما يزعم بعضهم و يقسمه الى النسخ و المسخ و الفسخ و الرسخ، او فلكيه ابتداء او بعد ترددها فى الابدان العنصريه على اختلاف آرائهم الواهيه المفصله فى محلها.و اما القول بتعلقها فى عالم آخر بابدان مثاليه مده البرزخ الى ان تقوم قيامتها الكبرى فتعود الى ابدانها الاوليه باذن مبدعها اما بجمع اجزائها المتشتته او بايجادها من كتم العدم كما انشاها اول مره فليس من التناسخ فى شى ء، و ان سميته تناسخا فلا مشاحه فى التسميه اذا اختلف المسمى، و ليس انكارنا على التناسخيه و حكمنا بتكفيرهم بمجرد قولهم بانتقال الروح من بدن الى آخر، فان المعاد الجسمان
ى كذلك عند كثير من اهل الاسلام، بل بقولهم بقدم النفوس و ترددها فى اجسام هذا العالم و انكارهم المعاد الجسمانى فى النشاه الاخرويه.قال الفخر الرازى فى نهايه العقول: ان المسلمين يقولون بحدوث الارواح و ردها الى الابدان لا فى هذا العالم، و التناسخيه يقولون بقدمها و ردها اليها فى هذا العالم و ينكرون الاخره و الجنه و النار، و انما كفروا من اجل هذا الانكار.انتهى كلامه ملخصا.فقد ظهر البون البعيد بين القولين.انتهى كلامه، زاد الله فى اكرامه.ثم اعلم ان مقتضى قواعد العدليه و ظواهر النصوص الماضيه و الاتيه انه انما يسال فى القبر المكلفون الكاملون لا الاطفال و المجانين و المستضعفون، و اما الانبياء و الائمه- عليه السلام- و ان كان المفهوم من فحوى عدم سوال من لقن و امثالهم و مامر انه يسال و هو مضغوط على بعض محتملاته و غيره مما يدل على رفعه شانهم عدم السوال عنهم، لكن لما لم نرفيه نصا صريحا فلاولى عدم التعرض له نفيا و اثباتا، و لذا لم يتعرض له علمائنا - رضوان الله عليهم-.قال صاحب المحجه البيضاء فى مذهب آل العباء: اختلف اهل السنه فى ان الانبياء- عليه السلام- هل يسالون فى القبر ام لا؟ و كذا فى الاطفان؟ فقيل: الاصح ان الانبياء
- عليه السلام- لا يسالون.و قال الصفار: ليس فى هذا نص و لا خبر و لا دليل فانتفى ذلك عنهم، و ما روى عنه- صلى الله عليه و آله- من الاستعاذه عن عذاب القبر فذلك للمبالغه فى اظهار الافتار الى الله- تعالى- و قيل: هو تحكم محض لجواز ان يقال: (آمن الرسول بما انزل اليه من ربه) فكما جاز ان يسال المومن عما آمن به فيقال: من ربك و ما دينك؟ فكذا الرسول يسال عما آمن به.فعلم ان حمل الاستغاذه على المبالغه تحكم بغير دليل، و لان النبى- صلى الله عليه و آله- صاحب عهده عظيمه لانه انما بعث لبيان الشرائع و صرف القلوب الى الله- تعالى- فلم لا يجوز ان يسال عما كان فى عهدته؟ حتى قيل: و سوالهما الانبياء بهذه العباره: على ماذا تركتم امتكم؟ و الحق ان الائمه كالانبياء- صلوات الله عليهم اجمعين- فى هذه الامور كلها، و لم ار فى كتب الاماميه هذه المساله لا نفيا و لا اثباتا، و الذى يطمئن اليه قلبى انهم مع الائمه- سلام الله عليهم- مستثنون من هذه الاحكام.انتهى.و قال الصدوق- رحمه الله- فى رساله العقائد: اعتقادنا فى المساء له فى القبر انها حق لابد منها، فمن اجاب بالصواب فاذا بروح و ريحان فى قبره و بجنه نعيم فى الاخره و من لم يات بالصواب فله نزل من
حميم فى قبره و تصليه جحيم فى الاخره.و اكثر ما يكون عذاب القبر من النميمه و سوء الخلق و الاستخفاف بالبول، و اشد ما يكون عذاب القبر على المومن مثل اختلاج العين او شرطه حجام، و يكون ذلك كفاره لما بقى عليه من الذنوب التى تكفرها الهموم و الغموم و الامراض و شده النزف عند الموت.فان رسول الله- صلى الله عليه و آله- كفن فاطمه بنت اسد فى قميصه بعد ما فرغت النساء من غسلها و حمل جنازتها على عاتقه حتى اوردها قبرها، ثم وضعها و دخل القبر و اضطجع فيه ثم قام فاخذها على يديه و وضعها فى قبرها، ثم انكب عليها يناجيها طويلا و يقول لها: ابنك ابنك، ثم خرج و سوى عليها التراب، ثم انكب على قبرها فسمعوه و هو يقول: اللهم انى او دعتها اياك.ثم انصرف.فقال له المسلمون: يا رسول الله! انا رايناك صنعت اليوم شيئا لم تصنعه قبل اليوم؟! فقال: اليوم فقدت بر ابى طالب انها كانت يكون عندها الشى ء فتوثرنى به على نفسها و ولدها، و انى ذكرت القيامه و ان الناس يحشرون عراه فقالت و اسواتاه! فضمنت لها ان يبعثها الله- تعالى- كاسه، و ذكرت ضغطه القبر فقالت: و اضعفاه! فضمنت لها ان يكفيها الله- تعالى- ذلك فكفنتها بقميصى و اضطجعت فى قبرها لذلك و انكببت عليها فلق
نتها ما تسال عنه، و انما سئلت عن ربها فقالت: الله، و سئلت عن نبيها فاجابت، و سئلت عن و ليها و امامها فارتج عليها، فقلت لها: ابنك ابنك.اقول: و قال الشيخ المفيد - نورالله ضريحه- فى شرح هذا الكلام: جائت الاخبار الصحيحه عن النبى- صلى الله عليه و آله- ان الملائكه تنزل على المقبورين فتسالهم عن اديانهم، و الفاظ الاخبار بذلك متقاربه، فمنها ان ملكين لله- تعالى- يقال لهما: ناكر و نكير، ينزلان على الميت فيسالانه عن ربه و نبيه و دينه و امامه فان اجاب بالحق سلموه الى ملائكه النعيم، و ان ارتج عليه سلموه الى ملائكه العذاب.و قيل فى بعض الاخبار: ان اسمى الملكين اللذين ينزلان على المومن مبشر و بشير.و قيل: انه انما سمى ملكا الكافر ناكرا و نكيرا لانه ينكر الحق و ينكر ما ياتيانه به و يكرهه، و سمى ملكا المومن مبشرا و بشيرا لانهما يبشرانه من الله- تعالى- بالرضا و الثواب المقيم.و ان هذين الاسمين ليسا بلقب لهما، و انهما عباره عن فعلهما، و هذه امور تتقارب بعضها من بعض و لا تستحيل معانيها و الله اعلم بحقيقه الامر فيها.و قد قلنا فيما سلف: انما ينزل الملكان على من محض الايمان محضا او محض الكفر محضا، و من سوى هذين فيلهى عنه و بينا ان
الخبر جاء بذلك فمن جهته قلنا فيه ما ذكرناه.فصل: و ليس ينزل الملكان الا على حى و لا يسالان الا من يفهم المساله و يعرف معناها، و هذا يدل على ان الله- تعالى- يحيى العبد بعد موته للمساء له، و يديم حياته بنعيم ان كان يستحقه، او بعذاب ان كان يستحقه - نعوذبالله من سخطه و نساله التوفيق لما يرضيه برحمته- و الغرض من نزول الملكين و مسائلتهما العبد ان الله يوكل بالعبد بعد موته ملائكه النعيم و ملائكه العذاب، و ليس للملائكه طريق الى ما يستحقه العبد الا باعلام الله- تعالى- ذلك لهم، فالملكان اللذان ينزلان على العبد احدهما من ملائكه النعيم و الاخر من ملائكه العذاب، فاذا هبطا لما و كلا به استفهما حال العبد بالمسائله فان اجاب بما يستحق به النعيم قال بذلك ملك النعيم و عرج عنه ملك العذاب، و ان ظهرت فيه علامه استحقاقه العذاب و كل به ملك العذاب و عرج عنه ملك النعيم.و قد قيل: ان الملائكه الموكلين بالنعيم و العقاب غير الملكين الموكلين بالمسائله، و انما يعرف ملائكه النعيم و ملائكه العقاب ما يستحقه العبد من جهه ملكى المسائله، فاذا سائلا العبد و ظهر منه ما يستحق به الجزاء تولى منه ذلك ملائكه الجزاء و عرج ملكا مسائله الى مكانهما من ال
سماء و هذا كله جائز و لسنا نقطع باحددون صاحبه، اذا الاخبار فيه متكافئه و العاده لنا فى معنى ما ذكرناه التوقف و التجويز.فصل: و انما و كل الله- تعالى- ملائكه المسائله و ملائكه العذاب و النعيم بالخلق تعبدا لهم بذلك، كما و كل الكتبه من الملائكه - عليه السلام- بحفظ اعمال الخلق و كتبها و نسخها و رفعها تعبدا لهم بذلك، و كما تعبد طائفه من الملائكه بحفظ بنى آدم و طائفه منهم باهلاك الامم، و طائفه يحمل العرش، و طائفه بالطواف حول البيت المعمور، و طائفه بالتسبيح، و طائفه بالاستغفار للمومنين، و طائفه بتنعيم اهل الجنه، و طائفه بتعذيب اهل النار و التعبد لهم بذلك ليثيبهم عليها.و لم يتعبد الله الملائكه بذلك عبثا كما لم يتعبد البشر و الجن بما تعبدهم به لعبا بل تعبد الكل للجزاء و ما تقتضيه الحكمه من تعريفهم نفسه- تعالى- و الترامهم شكر النعمه عليهم.و قد كان الله- تعالى- قادرا على ان يفعل العذاب بمستحقه من غير واسطه و ينعم المطيع من غير واسطه، لكنه علق ذلك على الوسائط لما ذكرناه و بينا وجه الحكمه فيه و وصفناه.و طريق مساء له الملكين الاموات بعد خروجهم من الدنيا بالوفاه هو السمع، و طريق العلم برد الحياه اليهم عند المساء له هو ا
لعقل، اذ لا تصح مساء له الاموات و استخبار الجمادات، و انما يحسن الكلام للحى العاقل لما يكلم به و تقريره و الزامه بما يقدر عليه، مع انه قد جاء فى الخبر ان كل مسائل ترد اليه الحياه عند مسائلتهم ليفهم ما يقال له، فالخبر بذلك اكد ما فى العقل، و لو لم يرد بذلك خبر لكفى حجه العقل فيه على ما بيناه.انتهى كلامه- رحمه الله-.و اقول: لما كانت هذه المساله من اعظم الاصول الاسلاميه و قد اكثرت المتفلسفه و الملاحده الشبه فيها و رام بعض من آمن بلسانه و لم يومن بقلبه تاويلها و تحريفها اطنبت الكلام فيها بعض الاطناب و ارجو من فضل ربى ان يوفقنى لان اعمل فى ذلك رساله مفرده عن هذا الكتاب، و الله الموفق لكل خير و صواب.و قد اثبتنا الاخبار النافعه فى هذا المقصد الاقصى فى باب الاحتضار، و باب الجريدتين، و باب الدفن، و باب التلقين و غيرها من ابواب الجنائز، و باب احوال اولاد آدم، و ابواب معجزات الائمه - عليه السلام- و غرائب احوالهم.و سياتى خبر طويل فى تكلم سلمان مع بعض الاموات فى باب احواله- رضى الله عنه-، و سياتى فى اكثر الابواب ما يناسب الباب لا سيما فى باب فضل فاطمه بنت اسد- رضى الله عنها-، و باب فضل ليله الجمعه و يومها، و ابواب الم و اعظ، و ابواب فضائل الاعمال و غيرها مما تطول الاشاره اليها فكيف ذكرها.بيان: (على سنن) اى على طريقه الامم الماضيه يهلككم كما اهلكهم.(القرن) حبل يشد به البعيران.(بافراطها) اى مقدماتها.و 0الكلاكل) جمع (الكلكل) و هو الصدر، و يقال للامر الثقيل: (قد اناخ عليهم بكلكله) اى هدهم و رضهم كما يهد البعير البارك من تحته اذا انيخ عليه بصدره، و الجمع باعتبار تعدد اهوالها.و (الحضن) بالكسر، الجنب.و (الرث) البالى.و (الغث) المهزول.و (الضنك) الضيق.و (الكلب) الشده و الاذى.و (اللجب) الصوت.و (التغيظ) الهيجان و الغليان.و (الذكاء) شده و هج النار.و (حمى التنور) اشتد حرها.و (زحزحه عن كذا) باعده.
خطبه 233 -در حمد خدا و لزوم تقوا
بيان: (الضرب) السير السريع، و (الضارب) السابح.و (الغمزه) الماء الكثير.و (الحين) الهلاك.و (استغلقت) اى تعسر فتحها.و (الرين) الطبع و التغطيه.خطبه 234 -خطبه قاصعه
بيان: (لا يدرى) على صيغه المجهول، و فى بعض النسخ على المتكلم المعلوم، فعلى الاول لا يدل على عدم علمه - عليه السلام- و على الثانى ايضا المراد به غيره و ادخل نفسه تغليبا، و الابهام لمصلحه كعدم تحاشى السامعين من طول المده او غيره.قوله- عليه السلام- (اخرج به منها ملكا) ظاهره ان ابليس كان من الملائكه، و يمكن الجواب بان اطلاق الملك عليه لكونه من الملائكه بالولاء و قال بعض شراح النهج: (يسلم على الله) اى يرجع اليه سالما من طرده و لعنه، تقول: (سلم على هذا الشى ء) اذا رجع اليك سالما و لم يلحقه تلف، و الباء للمصاحبه كما فى قوله (بامر) و اما الباء فى (به) فيحتمل المصاحبه و السببيه و قد مر تمام الخطبه و شرحها.بيان: (بهره) غلبه.و (الرواء) بضم الراء و الهمز و المد، المنظر الحسن.و (العرف) بالفتح، الريح الطيبه.قوله- عليه السلام- (لا يدرى) اى لا يدريه اكثر الناس.قوله- عليه السلام- (بامر) الباء للاستصحاب.قوله- عليه السلام- (ملكا) اى فى الظاهر، لكونه فى السماء و مخلوطا بهم.و قال الجزرى: (الهواده) الرخصه و السكون.و (المحاباه) و قال: (هذا شى ء حمى) اى محظور لا يقرب.بيان: (الاساوره) جمع للاسوره التى هى جمع السوار.و (الذهبان) بالكسر و الضم، جمع (الذهب).قال الثعلبى: قال العلماء باخبار الماضين: لما كلم الله موسى و بعثه الى مصر خرج و لا علم له بالطريق، و كان الله- تعالى- يهديه و يدله و ليس معه زاد و لا سلاح و لا حموله و لا شى ء غير عصاه و مدرعه صوف و قلنسوه من صوف و نعلين، يظل صائما، و يبيت قائما، و يستعين بالصيد و بقول الارض حتى ورد مصر، و لما قرب مصر او حى الله- سبحانه- الى اخيه هارون يبشره بقدوم موسى و يخبره انه قد جعله لموسى وزيرا و رسولا معه الى فرعون، و امره ان يمر يوم السبت لغره ذى الحجه متنكرا الى شاطى النيل ليلتقى فى تلك الساعه بموسى.قال: فخرج هارون و اقبل موسى- عليه السلام- فالتقيا على شط النيل قبل طلوع الشمس، فاتفق انه كان يوم و رود الاسد الماء، و كان لفرعون اسد تحرسه فى غيضه محيطه بالمدينه من حولها، و كانت ترد الماء غبا، و كان فرعون اذ ذاك فى مدينه حصينه عليها سبعون سورا، فى كل سور رساتيق و انهار و مزارع و ارض واسعه، فى ربض كل سور سبعون الف مقاتل، و من وراء تلك المدينه غيضه تولى فرعون غرسها بنفسه و عمل فيها و سقاها بالنيل، ثم اسكنها الاسد فنسلت و توالدت حتى كثرت، ثم اتخذها جندا من جنوده تحرسه، و جعل خلال تلك الغيضه طرقا تفضى من يسلكها الى ابواب من ابواب المدينه معلومه ليس لتلك الابواب طريق غيرها، فمن اخطا وقع فى الغيضه فاكلته الاسد و كانت الاسود اذا وردت النيل ظلت عليها يومها كلها ثم تصدر مع الليل.قال: فالتقى موسى و هارون يوم و رودها، فلما ابصرتهما الاسد مدت اعناقها و رووسها اليهما و شخصت ابصارها نحو هما، و قذف الله - تعالى- فى قلوبها الرعب، فانطلقت نحو الغيضه منهزمه هاربه على وجوهها تطا بعضها بعضا حتى اندست فى الغيضه، و كان لها ساسه يسوسونها و ذاده يذودونها و يشلونها بالناس فلما اصابها ما اصابها خاف ساستها فرعون و لم يشعروا من اين اتوا، فانطلق موسى و هارون- عليهاالسلام- فى تلك المسبعه حتى وصلا الى باب المدينه الاعظم الذى هو اقرب ابوابها الى منزل فرعون، و كان منه يدخل و منه يخرج، و ذلك ليله الاثنين بعد هلال ذى الحجه بيوم، فاقاما عليه سبعه ايام فكلمهما واحد من الحراس و زبرهما و قال لهما: هل تدريان لمن هذا الباب؟ فقال موسى- عليه السلام-: ان هذا الباب و الارض كلها و ما فيها لرب العالمن، و اهلها عبيد له، فسمع ذلك الرجل قولا لم يسمع مثله قط و لم يظن ان احدا من الناس يفصح بمثله، فلما سمع ما سمع اسرع الى كبرائه الذين فوقه فقال لهم: سمعت اليوم قولا و عاينت عجبا من رجلين هو اعظم عندى و افظع و اشنع مما اصابنا فى الاسد، و ما كانا ليقدما على ما اقدما عليه الا بسحر عظيم، و اخبرهم القصه فلا يزال ذلك يتداول بينهم حتى انتهى الى فرعون.و قال السدى باسناده: سار موسى- عليه السلام- باهله نحو مصر حتى اتاها ليلا فتضيف امه و هى لا تعرفه، و انما اتاهم فى ليله كانوا ياكلون فيها الطفيشل و نزل فى جانب الدار، فجاء هارون فلما ابصر ضيفه سال عنه امه، فاخبرته انه ضيف فدعاه فاكل معه فلما ان فعد تحدثا فاساله هارون فقال: من انت؟ فقال: انا موسى.فقام كل واحد منهما الى صاحبه فاعتنقه، فلما ان تعارفا قال له موسى: يا هارون! انطلق معى الى فرعون، فان الله- عز و جل- قد ارسلنا اليه.فقال هارون: سمعا و طاعه.فقامت امهما فصاحت و قالت: انشد كما الله ان تذهبا الى فرعون فيقتلكما.فاتيا و مضيا لامر الله- سبحانه- فانطلقا اليه ليلا فاتيا الباب و التمسا الدخول عليه ليلا فقرعا الباب ففزع فرعون و فزع البواب، و قال فرعون: من هذا الذى يضرب بابى هذه الساعه؟! فاشرف عليهما البواب فكلمهما، فقال له موسى: انا رسول
رب العالمين.فاتى فرعون فاخبره و قال: ان ههنا انسانا مجنونا يزعم انه رسول رب العالمين.و قال محمد بن اسحاق بن يسار: خرج موسى لما بعثه الله- سبحانه - حين قدم مصر على فرعون هو و اخوه هارون حتى وقفا على باب فرعون يلتمسان الاذن عليه و هما يقولان: انا رسولا رب العالمين، فاذنوا بنا هذا الرجل، فمكثا سنتين يغدوان الى بابه و يروحان لا يعلم بهما و لا يجتزى احد على ان يخبره بشانهما حتى دخل عيه بطال له يلعب عنده و يضحكه فقال له: ايها الملك ان على بابك رجلا يقول قولا عجيبا يزعم ان له الها غيرك.فقال: ببابى؟! ادخلوه.فدخل موسى و معه هارون - عليهماالسلام- على فرعون.قالوا: فلما اذن فرعون لموسى و هارون دخلا عليه فلما وقفا عنده دعا موسى بدعاء و هو: (لا اله الا الله الحليم الكريم لا اله الا الله العلى العظيم سبحان الله رب السموات السبع و رب الارضين السبع و ما فيهن و ما بينهن و رب العرش العظيم و سلام على المرسيلن و الحمدلله رب العالمين.اللهم انى ادروك فى نحره و اعوذبك من شره و استعينك عليه فاكفنيه بما شئت).قال: فتحول ما بقلب موسى من الخوف امنا، و كذلك من دعا بهذا الدعاء و هو خائف آمن الله خوفه، و نفس كربته، و هون عليه سكرات
الموت.قم قال فرعون لموسى: من انت؟ قال: انا رسول رب العالمين.فتامله فرعون فعرفه فقال له: (الم نربك فينا و ليدا و لبثت فينا من عمرك سنين و فعلت فعلتك التى فعلت و انت من الكافرين) معناه: على ديننا هذا الذى تعيبه.فقال موسى: (فعلتها اذا و انا من الضالين) المخطئين و لم ارد بذلك القتل (ففررت منكم لما خفتكم فوهب لى ربى حكما)- اى نبوه- (و جعلنى من المرسلين).ثم اقبل موسى ينكر عليه ما ذكر فقال: (و تلك نعمه تمنها على ان عبدت بنى اسرائيل) اى اتخذتهم عبيدا تنزع ابنائهم من ايديهم تسترق من شئت اى انما صيرنى اليك ذلك.قال فرعون: (و ما رب العالمين قال رب السموات و الارض و ما بينهما ان كنتم موقنين).قال فرعون لمن حوله: (الا تستمعون؟) انكارا لما قال.قال موسى: (ربكم و رب آبائكم الاولين).فقال فرعون: (ان رسولكم الذى ارسل اليكم لمجنون) يعنى ما هذا بكلام صحيح اذ يزعم ان لكم الها غيرى.قال موسى: (رب المشرق و المغرب و ما بينهما ان كنتم تعقلون).فقال فرعون لموسى: (لئن اتخذت الها غيرى لا جعلنك من المسجونين قال: او لو جئتك بشى ء مبين) تعرف به صدقى و كذبك، و حقى و باطلك.قال فرعون: (فات به ان كنت من الصادقين فالقى عصاه فاذا هى ثعبان
مبين) فاتحه فاها قد ملات ما بين سماطى فرعون، واضعه لحييها الاسفل فى الارض و الاعلى فى سورالقصر حتى راى بعض من كان خارجا من مدينه مصر راسها، ثم توجهت نحو فرعون لياخذه فارفض عنها الناس و ذعر عنها فرعون، و وثب عن سريره و احدث حتى قام به بطنه فى يومه ذلك اربعين مره! و كان فيما يزعمون لا يسعل و لا يصدع و لا يصيبه آفه مما يصيب الناس، و كان يقوم فى اربعين يوما مره، و كان اكثر ما ياكل الموز لكيلا يكون له ثفل فيحتاج الى القيام، و كان هذه الاشياء مما زين له ان قال ما قال، لانه ليسس له من الناس شبيه.قالوا: فلما قصدته الحيه صاح: يا موسى انشدك بالله و حرمه الرضاع الا اخذتها و كففتها عنى، و انى او من بك و ارسل معك بنى اسرائيل.فاخذها موسى فعادت عصا كما كانت، ثم نزع يده من جيبه فاخرجها بيضاء مثل الثلج، لها شعاع كشعاع الشمس، فقال له فرعون: هذه يدك.فلما قالها فرعون ادخلها موسى جيبه ثم اخرجها الثانيه، لها نور ساطع فى السماء تكل منها الابصار، و قد اضائت ما حولها، يدخل نورها فى البيوت، و يرى من الكوى من وراء الحجب، فلم يستطع فرعون النظر اليها، ثم ردها موسى الى جيبه ثم اخرجها فاذا هى على لونها الاول.قالوا: فهم فرعون بتصديقه ، فقام اليه هامان و جلس بين يديه فقال له: بينا انت اله تعبد اذ انت تابع لعبد؟! فقال فرعون لموسى: امهلنى اليوم الى غد.و اوحى الله- تعالى- الى موسى ان قل لفرعون: انك ان آمنت بالله وحده عمرتك فى ملكك و رددت شابا طريا.فاستنظره فرعون.فلما كان من الغد دخل عليه هامان فاخبره فرعون بما وعده موسى من ربه.فقال له هامان: و الله ما يعدل هذا عباده هولاء لك يوما واحدا، و نفخ فى منخره، ثم قال له هامان: انا اردك شابا، فاتاه بالوسمه فخضبه بها! فلما دخل عليه موسى فرآه على تلك الحاله هاله ذلك، فاوحى الله- تعالى-: لا يهولنك ما رايت فانه لم يلبث الا قليلا حتى يعود الى الحاله الاولى.و فى بعض الروايات ان موسى و هارون لما انصرفا من عند فرعون اصابها المطر فى الطريق فاتيا على عجوز من اقرباء امهما، و وجه فرعون الطلب فى اثرهما، فلما دخل عليهما الليل ناما فى دارها و جائت الطلب الى الباب و العجوز منتبهه، فلما احست بهم خافت عليهما فخرجت العصا من صير الباب و العجوز تنظر فقاتلتهم حتى قتلت منهم سبعه انفس، ثم عادت و دخلت الدار، فلما انتبه موسى و هارون اخبرتهما بقصه الطلب و نكايه العصا منهم فامنت بهما و صدقتهما.توضيح: (الغيضه) موضع تنبت فيه
الاشجار الكثيره.و (ربض المدينه) بالتحريك، ما حولها.و (الاندساس) الاختفاء.و (اشليت الكلب على الصيد) اغريته.و (الطفيشل) - كسميدع- نوع من المرق.و (الارفضاض) التفرق.و (الطلب) بالتحريك، جمع طالب.و (الصير) بالكسر، شق الباب.ثم قال الثعلبى: قالت العلماء باخبار الانبياء: ان موسى و هارون - عليهماالسلام- وضع فرعون امرهما و ما اتيا به من سلطان الله- سبحانه- على السحر و قال للملا من حوله.(ان هذان لساحران يريدان) الى قوله: (فماذا تامرون) اقتلهما؟ فقال العبد الصالح خربيل مومن آل فرعون: (اتقتلون رجلا ان يقول ربى الله و قد جائكم بالبينات من ربكم) الى قوله: (فمن ينصرنا من باس الله ان جائنا) قال فرعون: (ما اريكم الا ما ارى و ما اهديكم الا سبيل الرشاد).و قال الملا من قوم فرعون: (ارجه و اخاه و ابعث فى المدائن حاشرين ياتوك بكل سحار عليم) و كانت لفرعون مدائن فيها السحره عده للامر اذا حزبه.و قال ابن عباس: قال فرعون لما راى من سلطان الله فى اليد و العصا: انا لا نغالب موسى الا بمن هو مثله.فاخذ غلمانا من بنى اسرائيل فبعث بهم الى قريه يقال لها الغرماء يعلمونهم السحر كما يعلم الصبيان (الكتابه خ ل) فى الكتاب، فعلموهم سحرا كثي را .و واعد فرعون موسى موعدا فبعث فرعون الى السحره فجاء بهم و معهم معلمهم، فقالوا له: ماذا صنعت؟ فقال: علمتهم سحرا لا يطيقه سحره اهل الارض الا ان يكون امر من السماء فانه لا طاقه لهم به.ثم بعث فرعون الشرطى فى مملكته فلم يترك فى سلطانه ساحرا الا اتى به.و اختلفوا فى عدد السحره الذين جمعه فرعون، فقال مقاتل: كانوا اثنين و سبعين ساحرا، اثنان منهم من القبط و هما راسا القوم، و سبعون من بنى اسرائيل، و قال الكلبى: كانوا سبعين ساحرا غير رئيسهم، و كان الذى يعلمهم ذلك رجلين مجوسيين من اهل نينوى، و قال كعب: كانوا اثنى عشر الفا، و قال السدى: كانوا بضعا و ثلاثين الفا، و قال عكرمه: سبعين الفا، و قال محمد بن المنكدر: ثمانين الفا.فاختار منهم سبعه الاف ليس منهم الا ساحر ماهر، ثم اختار منهم سبعمائه، ثم اختار من اولئك السبعمائه سبعين من كبرائهم و علمائهم، قال مقاتل: و كان رئيس السحره اخوين باقصى مدائن مصر.فلما جائهما رسول فرعون قالا لامهما: دلينا على قر ابينا.فدلتهما عليه، فاتياه فصاحا باسمه فاجابهما، فقالا: ان الملك وجه الينا ان نقدم عليه لانه اتاه رجلان ليس معهما رجال و لا سلاح و لهما عز و منعه و قد ضاق الملك ذرعا من عزهما، و معهما عصا اذا القياها لا يقوم لهما شى ء، تبلع الحديد و الخشب و الحجر، فاجابهما ابوهما: انظرا اذاهما ناما فان قدرتما ان تسلا العصا فسلاها، فان الساحر لا يعمل سحره و هو نائم، و ان عملت العصا و هما نائمان فدلك امر رب العالمين، و لا طاقه لكما بهما و لا للملك و لا لجميع اهل الدنيا، فاتياهما فى خفيه و همانائمان لياخذا العصا فقصدتهما العصا.قالوا: ثم و اعدوه يوم الزينه و كان يوم سوق لهم، عن سعيد بن جبير، و قال ابن عباس: كان يوم عاشوراء، و وافق ذلك يوم السبت فى اول يوم من السنه و هو يوم النيروز، و كان يوم عيد لهم يجتمع اليه الناس من الافاق، قال عبدالرحمن بن زيد بن اسلم: و كان اجتماعهم للميقات بالاسكندريه، و يقال: بلغ ذنب الحيه من وراء البحريه يومئذ.قالوا ثم قال السحره لفرعون: (ائن لنا لاجرا ان كنا نحن الغالبين).قال فرعون: (و انكم اذا لمن المقربين) عندى فى المنزله.فلما اجتمع الناس جاء موسى و هو متكى على عصاه و معه اخوه هارون حتى اتى الجمع و فرعون فى مجلسه مع اشراف قومه، فقال موسى - عليه السلام- للسرحه حين جائهم: (ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب و قد خاب من افترى).فتناجى السحره بينهم و قال بعضهم لبعض :
ما هذا بقول ساحر، فذلك قوله- تعالى-: (فتنازعوا امرهم بينهم و اسروا النجوى).فقالت السحره: لناتينك اليوم بسحر لم تر مثله، و قالوا: (بعزه فرعون انا لنحن الغالبون)، و كانوا قد جاووا بالعصى و الحبال تحملها ستون بعيرا، فلما ابو الا الاصرار على السحر قالوا لموسى: (اما ان تلقى و اما ان نكون اول من القى؟ قال: بل القوا) انتم، فالقوا حبالهم و عصيهم فاذا هى حيات كامثال الجبال قد ملات الوادى يركب بعضها بعضا تسعى، فذلك قوله- تعالى-: (يخيل اليه من سحرهم انها تسعى فاوجس فى نفسه خيفه موسى) و قال: و الله ان كانت لعصيا فى ايديهم و لقد عادت حيات و ما يعدون عصاى هذه، او كما حدث نفسه فاوحى الله- تعالى- اليه: (لا تخف انك انت الاعلى و الق ما فى يمينك تلقف ما صنعوا انما صنعوا كيد ساحر و لا يفلح الاسحر حيث اتى) ففرج عن موسى و القى عصاه من يده فاذا هى ثعبان مبين، كاعظم ما يكون اسود مدلهم على اربع قوائم قصار غلاظ شداد، و هو اعظم و اطول من البختى، و له ذنب يقوم عليه فيشرف فوق حيطان المدينه راسه و عنقه و كاهله، لا يضرب ذنبه على شى ء الا حطمه و قصمه، و يكسر بقوائمه الصخور الصم الصلاب، و يطحن كل شى ء، و يضرم حيطان البيوت بنفسه نارا، و ل
ه عينان تلتهبان نارا، و منخران تنفخان سموما، و على مفرقه شعر كامثال الرماح، و صارت الشعبتان له فما سعته اثناعشر ذراعا، و فيه انياب و اضراس، و له فحيح و كشيش و صرير و صريف، فاستعرضت ما القى السحره من حبالهم و عصيهم و هى حيات فى عين فرعون و اعين الناس، تسعى تلقفها و تبتلعها واحدا واحدا حتى ما يرى بالوادى قليل و لا كثير مما القوا، و انهزم الناس فزعين هاربين منقلبين، فتزاحموا و تضاغطوا و وطى بعضهم بعضا حتى مات منهم يومئذ فى ذلك الزحام و مواطى الاقدام خمسه و عشرون الفا، و انهزم فرعون فيمن انهزم منخوبا مرعوبا عازبا عقله و قد استطلق بطنه فى يومه ذلك عن اربعمائه جلسه! ثم بعد ذلك الى اربعين مره فى اليوم و الليله على الدوام الى ان هلك! فلما انهزم الناس و عاين السحره ما عاينوا و قالوا: لو كان سحرا لما غلبنا، و لما خفى علينا امره و لئن كان سحرا فاين حبالنا و عصينا؟ فالقوا سجدا و قالوا: (آمنا برب العالمين رب موسى و هارون) و كان فيهم اثنان و سبعون شيخا قد انحنت ظهورهم من الكبر، و كانوا علماء السحره، و كان رئيس جماعتهم اربعه نفر: سابور و عادور و حطحط و مصفا، و هم الذين آمنوا حين راوا ما راوا من سلطان الله- تعالى-، ثم آمنت ا
لسحره كلهم.فلما راى فرعون ذلك اسف و قال لهم متجلدا: (آمنتم له قبل ان ادن لكم؟ انه لكبير كم الذى علمكم السحر فلا قطعن ايديكم و ارجلكم من خلاف و لا صلبنكم فى جذوع النخل و لتعلمن اينا اشد عذابا و ابقى).فقالوا: (لن نوثرك على ما جائنا من البينات و الذى فطرنا فافض ما انت قاض) الى قوله- تعالى-: (و الله خير و ابقى).فقطع ايديهم و ارجلهم من خلاف و صلبهم على جذوع النخل، و هو اول من فعل ذلك، فاصبحوا سحره كفره و امسوا شهداء برره، و رجع فرعون مغلوبا معلولا، ثم ابى الا اقامه على الكفر و التمادى فيه، فتابع الله- تعالى- عليه بالايات و اخذه و قومه بالسنين الى ان اهلكهم و خرج موسى- عليه السلام- راجعا الى قومه و العصا على حالها حيه تتبعه و تبصبص حوله و تلوذ به كما يلوذ ابكلب الالوف بصاحبه، و الناس ينظرون اليها ينخزلون و يتضاغطون حتى دخل موسى عسكر بنى اسرائيل و اخذ براسها فاذا هى عصاه كما كانت اول مره، و شتت الله على فرعون امره، و لم يجد على موسى سبيلا، فاعتزل موسى فى مدينته و لحق بقومه و عسكروا مجتمعين الى ان صاروا ظاهرين ظافرين.بيان: (المدلهم) المظلم.و (فحيح الافعى) صوتها من فيها.و (الكشيش) صوتها من جلدها.و (المنخوب) ال
جبان الذى لا فواد له.ثم قال الثعلبى: فلما خاف فرعون على قومه ان يومنوا بموسى عزم على بناء صرح يقوى به سلطانه، فقال: (يا هامان ابن لى صرحا- الايه).فجمع العمال و الفعله حتى اجتمع له خمسون الف بناء سوى الاتباع و الاجراء ممن يطبخ الاجر و الجص و ينجر الخشب و الابواب و يضرب المسامير، فلم يزل يبنى ذلك الصرح الى ان فرغ منه فى سبع سنين و ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان احد من الخلق منذ خلق الله السموات و الارض، فبعث الله- عز و جل- جبرئيل و ضرب بجناحه الصرح فقطعه ثلاث قطع: وقعت قطعه منها فى البحر، و اخرى فى الهند، و اخرى فى المغرب.و قال الضحاك: بعثه الله وقت الغروب فقذف به على عسكر فرعون فقتل منهم الف الف رجل.و قالوا: و لم يبق احد عمل فيه شيئا الا اصابه موت او حريق او عاهه، ثم ان فرعون بعد ذلك عزم على قتال موسى فاراه الله الايات.فلما لم يومن اوحى الله - تعالى- اى موسى ان اجمع بنى اسرائيل كل اربعه اهل ابيات فى بيت، ثم اذبحوا اولاد الضان و اضربوا بدمائها على الابواب، فانى مرسل على اعدائكم عذابا و انى سامر الملائكه فلا يدخل بيتا على بابه دم، و سامرها فتقتل ابكار آل فرعون من انفسهم و اموالهم فتسلمون انتم و يهلكون هم ثم
اخبزوا خبزا فطيرا فانه اسرع لكم، ثم اسر بعبادى حتى تنتهى بهم الى البحر فياتيك امرى.ففعلت ذلك بنواسرائيل.فقالت القبط لبنى اسرائيل: لم تعالجون هذا الدم على ابوابكم؟ فقالوا: ان الله - سبحانه- مرسل عذابا فنسلم و تهلكون.فقالت القبط: فما يعرفكم ربكم الا بهذه العلامات؟ فقالوا: هكذا امرنا نبينا.فاصبحوا و قد طعن ابكار آل فرعون و ماتوا كلهم فى ليله واحده و كانوا سبعين الفا، و اشتغلوا بدفنهم و بمانالهم من الحزن على المصيبه.و سرى موسى بقومه متوجهين الى البحر و هم ستمائه الف و عشرون الفا لا يعدفيهم ابن سبعين سنه لكبره و لا ابن عشرين سنه لصغره، و هم المقاتله سوى الذريه، و كان موسى- عليه السلام- على الساقه، و هارون على المقدمه.فلما فرغت القبط من دفن ابكارهم و بلغهم خروج بنى اسرائيل، قال فرعون: هذا عمل موسى قتلوا ابكارنا من انفسنا و اموالنا، ثم خرجوا و لم يرضوا ان ساروا بانفسهم حتى ذهبوا باموالنامعهم، فنادى فى قومه كما قال الله- سبحانه-: (فارسل فرعون فى المدائن حاشرين ان هولاء لشرذمه قليلون و انهم لنا لغائظون و انا لجميع حاذرون).ثم تبعهم فرعون بجنوده و على مقدمته هامان فى الف الف و سبعمائه الف كل رجل على حصان و على ر
اسه بيضه و بيده حربه.و قال ابن جريح: ارسل فرعون فى اثر موسى و قومه الف الف و خمسمائه الف ملك مسور مع كل ملك الف، ثم خرج فرعون خلفهم فى الدهم و كانوا مائه الف رجل كل واحد منهم راكبا حصانا ادهم، فكان فى عسكر فرعون مائه الف حصان الدهم، و ذلك حين طلعت الشمس و اشرقت، كما قال الله- سبحانه- (فاتبعوهم مشرقين).فلما ترائى الجمعان و رات بنواسرائيل غبار عسكر فرعون قالوا: يا موسى اين ما وعدتنا من النصر و الظفر؟ هذا البحر امامنا، ان دخلناه غرقنا، و فرعون خلفنا ان ادركنا قتلنا، و لقد اوذينا من قبل ان تاتينا و من بعد ما جئتنا.فقال موسى: (استعينوا بالله و اصبروا ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده و العاقبه للمتقين).و قال (عسى ربكم ان يهلك عدوكم و يستخلفكم فى الارض فينظر كيف تعملون).قالوا: فلما انتهى موسى - عليه السلام- الى البحر هاجت الريح ترمى بموج كالجبال، فقال له يوشع بن نون: يا مكلم الله اين امرت و قد غشينا فرعون و البحر امامنا؟ فقال موسى: ههنا.فخاض يوشع الماء و جاز البحر ما يوارى حافر دابته الماء.و قال خربيل: يا مكلم الله اين امرت؟ قال: ههنا.فكبح فرسه بلجامه حتى طارالزبد من شدقيه ثم اقحمه البحر فرسب فى الماء و ذهب القوم يصنعون مثل ذلك فلم يقدروا، فاوحى الله- سبحانه- الى موسى: (ان اضرب بعصاك البحر)، فضرب فلم يطعه فاوحى الله اليه ان كنه، فضرب موسى بعصاه ثانيا و قال: انفلق ابا خالد! (فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم).فاذا خربيل واقف على فرسه لم يبتل سرجه و لا لبده.و ظهر فى البحر اثناعشر طريقا لاثنى عشر سبطا، لكل سبط طريق، و ارسل الله الريح و الشمس على قعر البحر حتى صاريبسا.و عن عبدالله بن سلام ان موسى لما انتهى الى البحر قال: (يا من كان قبل كل شى ء، و المكون لكل شى ء، و الكائن بعد كل شى ء اجعل لنا مخرجا).و عن عبدالله قال: قال رسول الله- صلى الله عليه و آله-: انه قال عند ذلك: (اللهم لك الحمد و اليك المشتكى و انت المستعان و لا حول و لا قوه الا بالله العلى العظيم).قالوا: فخاضت بنواسرائيل البحر كل سبط فى طريق و عن جانبيهم الماء كالجبل الضخم لا يرى بعضهم بعضا فخافوا و قال كل سبط، قد قتل اخواننا.فاوحى الله- سبحانه- الى جبال الماء ان تشبكى! فصار الماء شبكات ينظر بعضهم الى بعض، و يسمع بعضهم كلام بعض حتى عبروا البحر سالمين، و لما خرجت ساقه عسكر موسى من البحر وصلت مقدمه عسكر فرعون اليه، و اراد موسى ان يعود البحر الى حاله
الاولى فاوحى الله- سبحانه- ان: (اترك البحر رهوا انهم جند مغرقون).فلما وصل فرعون قال لقومه: انظروا الى البحر قد انفلق لهيبتى حتى ادرك اعدائى و عبيدى، و لم تكن فى خيل فرعون انثى فجاء جبرئيل على فرس انثى و عليه عمامه سوداء و تقدمهم و خاض البحر و ظن اصحاب فرعون انه منهم، فلما سمعت الخيول ريحها اقتحمت البحر فى اثرها، و جاء ميكائيل على فرس خلف القوم يشحذهم و يقول لهم: الحقوا باصحابكم.فلما اراد فرعون ان يسلك طريق البحر نهاه وزيره هامان و قال: انى قد اتيت هذا الموضع مرارا و ما لى عهد بهذه الطرق، و ان لا آمن ان يكون هذا مكرا من الرجل يكون فيه هلاكنا و هلاك اصحابنا.فلم يطعه فرعون و ذهب حاملا على حصانه ان يدخل البحر، فامتنع و نفر حتى جاء جبرئيل على رمكه بيضاء فخاض البحر فتبعها حصان فرعون، فلما توافوا فى البحر و هم اولهم بالخروج امر الله البحر فالتطم عليهم فغرقهم اجمعين بمراى من بنى اسرائيل.قالوا: فلما سمعت بنواسرائيل صوت التطام البحر قالوا لموسى: ما هذه الوجبه؟ فقال لهم: ان الله - سبحانه- قد اهلك فرعون و كل من كان معه.فقالوا: ان فرعون لا يموت لانه خلق خلق من لا يموت، الم تر انه كان يلبث كذا و كذا يوما يحتاج الى شى
ء مما يحتاج اليه الانسان؟ فامرالله- سبحانه- البحر فالقاه على نجوه من الارض و عليه درعه حتى نظر اليه بنواسرائيل.و يقال: لو لم يخرجه الله - تعالى- ببدنه لشك فيه بعض الناس، فبعث موسى جندين عظيمين من بنى اسرائيل كل جند اثناعشر الفا الى مدائن فرعون، و هى يومئذ خاليه من اهلها لم يبق منهم الا النساء و الصبيان و الزمنى و المرضى و الهرمى، و امر على الجند بن يوشع بن نون و كالب بن يوفنا فدخلوا بلاد فرعون فغنموا ما كان فيها من اموالهم و كنوزهم، و حموا من ذلك ما استقلت به الحموله عنها، و ما لم يطيقوا حملها باعوه من قوم آخرين، فذلك قوله- تعالى-: (كم تركوا من جنات و عيون و زروع و مقام كريم و نعمه كانوا فيها فاكهين كذلك و اورثناها قوما آخرين).ثم ان يوشع استخلف على قوم فرعون رجلا منهم و عاد الى موسى بمن معه سالمين غانمين.تذنيب: قال السيد المرتضى - قدس سره-: فان قيل: كيف جاز لموسى ان يامر السحره بالقاء الحبال و العصى و ذلك كفر و سحر و تلبيس و تمويه، و الامر بمثله لا يحسن؟ قلنا: لابد من ان يكون فى امره- عليه السلام- بذلك شرط، فكانه قال: القوا ما انتم ملقون ان كنتم محقين، و كان فيما تفعلونه حجه، و حذف الشرط لدلاله الكلام عل
يه و اقتضاء الحال له، و يمكن ان يكون على سبيل التحدى بان يكون دعاهم الى الالقاء على وجه يساويه فيه، و لا يخيلون فيما القوه السعى و التصرف من غير ان يكون له حقيقه لان ذلك غير مساو لما ظهر على يده من انقلاب الجماد حيه على الحقيقه دون التخييل، و اذا كان ذلك ليس فى مقدورهم فانما تحداهم به ليظهر حجته.اقول: يمكن ان يقال: الامر بالسحر اذا كان مشتملا على بيان بطلانه و ظهور المعجزه و عدم مبالاته بما صنعوا مع ان القوم لا ينتهون عنه بعدم امره بل بنهيه ايضا ليس بقبيح، فيمكن ان يكون مخصصا لعمومات النهى عن الامر بالسحر ان كانت و لو كان لمحض دليل العقل، فلا يحكم فى خصوص تلك الصوره بشى ء من القبح، او يقال: انه لم يكن المراد به الامر حقيقه بل كان الغرض عدم خوفه و مبالاته بما سحروا به، فيمكن ارجاعه الى امر التسويه، و قيل: انه لم يامر بالسحر بل بالالقاء و هم اعم منه.ثم قال السيد: فان قيل: فمن اى شى ء خاف موسى- عليه السلام-؟ او ليس خوفه يقتضى شكه فى صحه ما اتى به؟ قلنا: انما راى من قوه التلبيس و التخييل ما اشفق عنده من وقوع الشبهه على من لم ينعم النظر فامنه الله- تعالى- من ذلك، و بين له ان حجته ستتضح للقوم بقوله- تعالى-: (لا
تخف انك انت الاعلى).اقول: قد مر خبر فى عله ذلك الخوف فى القاء ابراهيم- عليه السلام- فى النار، و قيل كان لا يلقى العصا الا بوحى، و لما ابطا الوحى خاف تفرق بعض الناس قبل ان يومر بالاقاء، و قيل: كان خوفه ابتداء على مقتضى الجبله البشريه.ثم قال السيد- رحمه الله-: فان قيل: فما معنى قوله: (ربنا انك اتيت فرعون و ملاه- الايه)؟ قلنا: اما قوله: (ليضلوا عن سبيلك) ففيه وجوه: اولها: انه اراد: لئلا يضلوا، فحذف.و هذا له نظائر كثيره فى القرآن و كلام العرب فمن ذلك قوله: (ان تضل احديهما) و انما اراد: لئلا تضل.و قوله: (ان تقولوا يوم القيمه) و قوله: (ان تميد بكم) و قال الشاعر: نزلتم منزل الاضياف منا فعجلنا القرى ان تشتمونا و ثانيها: ان اللام ههنا هى لام العاقبه و ليست بلام الغرض كقوله: (ليكون لهم عدوا و حزنا).و ثالثها: ان يكون مخرج الكلام مخرج النفى و الانكار على من زعم ان الله- تعالى- فعل ذلك ليضلهم.و رابعها: ان يكون اراد الاستفهام فحذف حرفه المختص به.و (خفض الجناح) كنايه عن لين الجانب و حسن الخلق و الشفقه.و (المخمصه) الجوع.و (المجهده) المشقه.و (محصهم) بالمهملتين، اى خلصهم و طهرهم، و بالمعجمتين، اى حركهم و زلزلهم.و (العقيان) بالكسر، هو الذهب الخالص، و قيل: ما ينبت منه نباتا.و (البلاء) الامتحان.و (اضمحل الانباء) اى سقط الوعد و الوعيد.و (الذهبان) بالضم و الكسر، جمع الذهب.و (العقيان) بالكسر، الذهب الخالص.و (البلاء) الامتحان.و (الانباء) الاخبار بالوعد والوعيد.قوله- عليه السلام- (و لا لزمت الاسماء معانيها) اى كانت تنفك الاسماء عن المعانى فتصدق الاسماء بدون مسمياتها، كالمومن و المسلم و الزاهد و غيرها.و (الخصاصه) الفقر.و (ضامه حقه) انتقصه.و (الضيم) الظلم.قوله- عليه السلام- (تمتد نحوه) اى يومله الموملون و يرجوه الراجون، فان كل من امل شيئا يطمح اليه بصره و يسافر برغبته اليه، فكنى عن ذلك بمد العنق و شد عقد الرحال.قوله- عليه السلام- (فكانت النيات مشتركه) اى بين الله و بين ما ياملون من الشهوات، غير خالصه له- تعالى-.و حسناتهم مقتسمه بينه- تعالى- و بين تلك الشهوات، او المعنى انهم لو كانوا كذلك لامن بهم جل الخلق للرغبه و الرهبه، فلم يتميز المومن و المنافق، و المخلص و المرائى.(توضيحات حول المسائل المطروحه فى نهايه الخطبه) )1- كيفيه ولاده الرسول- صلى الله عليه و آله- و معيشته و سلوكه و آدابه) اقول: قال عبدالحميد بن ابى الحديد: روى ان بعض اصحاب ابى جعفر محمد بن على الباقر- عليهماالسلام- ساله عن قوله الله- تعالى-: (الا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه و من خلفه رصدا) فقال - عليه السلام-: يوكل الله- تعالى- بانبيائه ملائكه يحصون اعمالهم و يودون اليهم تبليغهم الرساله، و كل بمحمد ملكا عظيما منذ فصل عن الرضاع يرشده الى الخيرات و مكارم الاخلاق و يصده عن الشر و مساوى الاخلاق، و هو الذى كان يناديه: السلام عليك يا محمد يا رسول الله، و هو شاب لم يبلغ درجه الرساله بعد، فيظن ان ذلك من الحجر و الارض، فيتامل فلا يرى شيئا.و روى الطبرى فى التاريخ عن محمد بن الحنيفه، عن ابيه على- عليه السلام- قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه و آله- يقول: ما هممت بشى ء مما كان اهل الجاهليه يعملون به غير مرتين، كل ذلك يحول الله بينى و بين ما اريد من ذلك، ثم ما هممت بسوء حتى اكرمنى الله برسالته، قلت ليله لغلام من قريش كان يرعى معى باعلى مكه: لو ابصرت لى غنمى حتى ادخل مكه فاسمر بها كما يسمر الشباب ، فخرجت اريد ذلك حتى اذا جئت اول دار من دور مكه سمعت عزفا بالدف و المزامير، فقلت: ما هذا؟ قالوا: هذا فلان تزوج ابنه فلان.فجلست انظر اليهم، فضرب الله على اذنى، فكنت فما ايقظنى الا مس الشمس، فجئت الى صاحبى فقال: ما فعلت؟ فقلت: ما صنعت شيئا ثم اخبرته الخبر، ثم قلت له ليله اخرى مثل ذلك، فقال: افعل.فخرجت فسمعت حين دخلت مكه مثل ما سمعت حين دخلتها تلك الليله، فجلست انظر فضرب الله على اذنى، فما ايقظنى الا مس الشمس، فرجعت الى صاحبى فاخبرته الخبر، ثم ما هممت بعدها بسوء حتى اكرمنى الله برسالته.و روى محمد بن حبيب فى اماليه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه و آله- اذكر و انا غلام ابن سبع سنين، و قد بنى ابن جذعان دارا له بمكه، فجئت مع الغلمان ناخد التراب و المدر فى حجورنا فنقله فملات حجرى ترابا، فانكشفت عورتى، فسمعت نداء من فوق راسى: يا محمد ارخ ازارك! فجعلت ارفع راسى فلا ارى شيئا الا انى اسمع الصوت، فتماسكت لم ارخه، فكان انسانا ضربنى على ظهرى فخررت لوجهى، و انحل ازارى و سقط التراب الى الارض، فقمت الى دار ابى طالب عمى و لم اعد.فاما حديث مجاورته- صلى الله عليه و آله- بحراء فمشهور، و قد ورد فى الكتب الصحاح انه كان يجاور
فى حراء من كل سنه شهرا، و كان يطعم فى ذلك اشهر من جائه من المساكين، فاذا قضى جواره من حراء كان اول ما يبدا به اذا انصرف ان ياتى باب الكعبه قبل ان يدخل بيته فيطوف بها سعبا او ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع الى بيته حتى جائت السنه التى اكرمه الله- تعالى- فيها بالرساله فجاور فى حراء فى شهر رمضان و معه اهله خديجه و على بن ابى طالب و خادم لهم، فجائه جبرئيل بالرساله، قال- صلى الله عليه و آله-: جائنى و انا نائم بنمط فيه كتاب فقال: اقرا! قلت: ما اقرائ؟ ففتنى حتى ظننت انه الموت ثم ارسلنى فقال: (اقرا باسم ربك الذى خلق... )الى قوله: (علم الانسان مالم يعلم).فقراته ثم انصرف عنى، فهببت من نومى، و كانما كتب فى قلبى كتاب.و ذكر تمام الحديث.و اما حديث (ان الاسلام لم يجتمع عليه بيت واحد يومئذ الا النبى و هو- عليهماالسلام- و خديجه) فخبر عفيف الكندى مشهور، و قد ذكرناه من قبل، و ان اباطالب قال له: اتدرى من هذا؟ قال: لا.قال: هذا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب، و هذا ابنى على بن ابى طالب، و هذه المراه خلفهما خديجه بنت خو يلد زوجه محمد ابن اخى، و ايم الله ما اعلم على الارض كلها احدا على هذا الدين غير هولاء الثلاثه.و قال ايضا: روى مح
مد بن اسحاق بن يسار فى كتاب السيره النبويه، و رواه ايضا محمد ابن جرير الطبرى فى تاريخه قال: كانت حليمه بنت ابى ذويب السعديه ام رسول الله- صلى الله عليه و آله- التى ارضعته تحدث انها خرجت من بلدها و معها زوجها و ابن لها ترضعه فى نسوه من بنى سعد بن بكر يلتمس الرضعاء بمكه فى سنه شهباء لم تبق شيئا، قالت: فخرجت على اتان لنا قمراء عجفاء، و معنا شارف لنا ما تبض بقطره، و لا ننام ليلنا اجمع من بكاء صبينا الذى معنا من الجوع، ما فى ثديى ما يغنيه، و لا فى شارفنا ما يغذيه، و لكنا نرجوا الغيث و الفرج.فخرجت على اتانى تلك و لقد راثت بالركب ضعفا و عجفا حتى شق ذلك عليهم حتى قدمنا مكه نلتمس الرضعاء فما منا امراه الا و قد عرض عليها محمد فتاباه اذا قيل لها: انه يتيم، و ذلك انا انما كنا نرجوا المعروف من ابى الصبى، فكنا نقول: يتيم، ما عسى ان تصنع امه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امراه ذهبت معى الا اخذت رضيعا غيرى.فلما اجتمعنا للانطلاق قلت لصحابى: و الله انى لاكره ان ارجع من بين صواحبى لم آخذ رضيعا، و الله لاذهبن الى ذلك اليتيم فلاخذنه، قال: لا عليك ان تفعلى، و عسى الله ان يجعل لنافيه بركه، فذهبت اليه فاخذته و ما يحملنى على اخذه
الا انى لم اجد غيره.قالت: فلما اخذته رجعت الى رجلى فلما وضعته فى حجرى اقبل عليه ثدياى بماشاء من لبن، فرضع حتى روى، و شرب معه اخوه حتى روى، و ما كنا ننام قبل ذلك من بكاء صبينا جوعا، فنام و قام زوجى الى شارفنا تلك فنظر اليها فاذا انها حافل فحلب منها ما شرب و شربت حتى انتهيناريا و شبعا، فبتنا بخير ليله.قالت: يقول صاحبى حين اصبحنا: تعلمين؟! و الله يا حليمه لقد اخذت نسمه مباركه.فقلت: و الله انى لارجو ذلك.ثم خرجنا و ركبت اتانى تلك و حملته معى عليها، فو الله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شى ء من حمير هم حتى ان صواحبى ليقلن لى: و يحك يا بنت ابى ذويب اربعى علينا، اليس هذه اتانك التى كنت خرجت عليها؟ فاقول لهن: بلى و الله انها لهى.فيقلن: و الله ان لها لشانا.قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بنى سعد و ما اعلم ارضا من ارض العرب اجدب منها، فكانت غنمى تروح على حين قدمنا به معنا شباعا ملاء لبنا، فكنا نحتلب و نشرب و ما يحلب انسان قطره لبن، و لا يجدها فى ضرع حتى ان الحاضر من قومنا ليقولون لرعاتهم: و يلكم اسرحوا حيث يسرح راعى ابنه ابى ذويب، فيفعلون فيروح اغنامهم جياعا ما تبض بقطره، و تروح غنمى شباعا لبنا، فلم نزل نعرف من الله
الزياده و الخير به حتى مضت سنتاه و فصلته، فكان يشب شبابا لا يشبه الغلمان حتى كان غلاما جفرا فقدمنا به على امه آمنه بنت وهب و نحن احرص شى ء على مكثه فينا لما كنا نرى من بركته.فكلمنا امه و قلنا لها: لو تركتيه عندنا حتى يغلظ فانا نخشى عليه و باء مكه.فلم نزل بها حتى ردته معنا فرجعنا به الى بلاد بنى سعد، فو الله انه لبعد ما قدمنا باشهر مع اخيه فى بهم لنا خلف بيوتنا اذ اتانا اخوه يشد فقال لى و لابيه: ها هو ذاك اخى القرشى قد جائه رجلان عليهما ثياب بيض فاضجعاه و شقا بطنه فهما يسوطانه.قالت: فخرجت انا و ابوه نشتد نحوه فوجدناه قائما منتقعا و جهه، فالتزمته و التزمه ابوه و قلنا: مالك يا بنى؟ جائنى رجلان عليهما ثياب بيض فاضجعانى، ثم شقا بطنى، فالتمسا فيه شيئا لا ادرى ما هو.قالت: فرجعنا به الى خبائنا، و قال لى ابوه: يا حليمه! لقد خشيت ان يكون هذا الغلام قد اصيب فالحقيه باهله.قالت: فاحتملته حتى قدمت به على امه، فقالت: ما اقدمك به يا ظئر و قد كنت حريصه عليه و على مكثه عندك؟ فقلت لها: قد بلغ الله بابنى و قضيت الذى على، و تخوفت عليه الاحداث، و اديته اليك كما تحبين.قالت: ما هذا شانك فاصدقينى خبرك.قالت: فلم تدعنى حتى اخبر
تها الخبر.قالت: افتخوفت عليه الشيطان؟ قلت: نعم.قالت: كلا و الله ما للشيطان عليه من سبيل و ان لابنى لشانا، افلا اخبرك خبره؟ قلت: بلى.قالت: رايته حين حملت به انه خرج منى نور اضائت له قصور بصرى من الشام، ثم حملت به، فو الله ما رايت حملا قط كان اخف و لا ايسر منه، ثم وقع حين ولدته و انه واضع يديه بالارض، و رافع راسه الى السماء، دعيه عنك، و انطلقى راشده.و روى الطبرى فى تاريخه عن شداد بن اوس، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه و آله- يحدث عن نفسه و يذكر ما جرى له و هو طفل فى ارض بنى سعد بن بكر، قال: لما ولدت استرضعت فى بنى سعد، فبينا انا ذات يوم منتبذا من اهلى فى بطن و ادمع اتراب لى من الصبيان نتقاذف بالجله اذ اتانى رهط ثلاثه، معهم طست من ذهب مملوه ثلجا، فاخذونى من بين اصحابى، فخرج اصحابى هرابا حتى انتهوا الى شفير الوادى، ثم عادوا الى الرهط فقالوا: ما رابكم الى هذا الغلام فانه ليس منا، هذا ابن سيد قريش و هو مسترضع فينا غلام يتيم ليس له اب، فماذا يرد عليكم قتله؟ و ماذا تصيبون من ذلك؟ و لكن ان كنتم لابد قاتليه فاختاروا منا اينا شئتم فاقتلوه مكانه و دعوا هذا الغلام، فانه يتيم.فلما راى الصبيان ان القوم لا يحيرون
لهم جوابا انطلقوا هرابا مسرعين الى الحى يوذنوهم و يستصر خونهم على القوم، فعمد احدهم فاضجعنى اضجاعا لطيفا، ثم شق ما بين مفرق صدرى الى منتهى عانتى و انا انظر اليه فلم اجد لذلك مسا، ثم اخرج احشاء بطنى فغسلها بذلك الثلج، فانعم غسلها ثم اعادها مكانها، ثم قام الثانى منهم فقال لصاحبه: تنح! فنحاه عنى، ثم ادخل يده فى جوفى و اخرج قلبى و انا انظر اليه فصدعه، ثم اخرج منه مضغه سوداء فرماها، ثم قال بيده: يمنه منه، و كانه يتناول شيئا فاذا فى يده خاتم من نور تحار ابصار الناظرين دونه، فختم به قلبى، ثم اعاده مكانه فوجدت برد ذلك الخاتم فى قلبى دهرا، ثم قال الثالث لصحابه: تنح عنه! فامريده ما بين مفرق صدرى الى منتهى عانتى، فالتام ذلك الشق، ثم اخذ بيدى فانهضنى من مكانى انهاضا لطيفا و قال للاول الذى شق بطنى: زنه بعشره من امته.فوزننى بهم فرجحتهم.فقال: دعوه فلو و زنتموه بامته كلها لرجحهم.ثم ضمونى الى صدورهم و قبلوا راسى و ما بين عينى، و قالوا: يا حبيب! لا ترع انك لو تدرى ما يراد بك من الخير لقرت عيناك.فبينا انا كذلك اذا انا بالحى قد جاووا بحذا فيرهم، و اذا امى و هى ظئرى امام الحى تهتف باعلى صوتها و تقول: يا ضعيفاه! فانكب على اول
ئك الرهط فقبلوا راسى و بين عينى و قالوا: حبذا انت من ضعيف.ثم قالت ظئرى: يا وحيداه! فانكبوا على و ضمونى الى صدورهم و قبلوا راسى و بين عينى، ثم قالوا: حبذا انت من وحيد، و ما انت بوحيد، ان الله و ملائكته معك و المومنين من اهل الارض.ثم قالت ظئرى: يا يتيماه! استضعفت من بين اصحابك فقتلت لضعفك.فانكبوا على و ضمونى الى صدورهم و قبلوا راسى و ما بين عينى و قالوا: حبذا انت من يتيم، ما اكرمك على الله، لو تعلم ما يراد بك من الخير.قال: فوصل الحى الى شفير الوادى فلما بصرت بى امى و هى ظئرى قالت: يا بنى لااراك حيا بعد، فجائت حتى انكبت على و ضمتنى الى صدرها، فو الذى نفسى بيده انى لفى حجرها قد ضمتنى اليها و ان يدى لفى يد بعضهم، فجعلت التفت اليهم و ظننت ان القوم يبصرونهم، فاذا هم لا يبصرونهم، فيقول بعض القوم: ان هذا الغلام قد اصابه لمم او طائف من الجن، فانطلقوا به الى كاهن بنى فلان حتى ينظر اليه و يداويه.فقلت: ما بى شى ء مما يذكر، ان نفسى سليمه و ان فوادى صحيح ليست بى قلبه.فقال ابى و هو زوج ظئرى: الا ترون كلامه صحيحا؟ انى لارجو ان لا يكون على ابنى باس.فاتفقوا على ان يذهبوا بى الى الكاهن، فاحتملونى حتى ذهبوا بى اليه فقصوا
عليه قصتى، فقال: اسكتوا حتى اسمع من الغلام فهو اعلم بامره منكم.فسالنى فقصصت عليه امرى و انا يومئذ ابن خمس سنين، فلما سمع قولى وثب و قال: يا للعرب اقتوا هذا الغلام، فهو و اللات و العزى لئن عاش ليبد لن دينكم، و ليخالفن امركم، و لياتينكم بما لم تسمعوا به قط.فانتز عتنى ظئرى من حجره و قالت: لو علمت ان هذا يكون من قولك ما اتيتك به ثم احتملونى.فاصبحت و قد صار فى جسدى اثر الشق ما بين صدرى الى منتهى عانتى كانه الشراك.بيان: اقول: رواه الكاز رونى فى المنتفى باسانيد و لنشرج بعض الفاظها: (الرضعاء) جمع (رضيع).و قال الجزرى: فى حديث حليمه: (فى سنه شهباء) اى ذات قحط و جدب، و قال: (القمراء) الشديده البياض.قولها (راثت) من (الريث)، بمعنى الابطاء، و فى اكثر رواياتهم: (و لقد اذمت) قال الجزرى، و منه حديث حليمه (فلقد اذمت بالركب) اى حبستهم لانقطاع سيرها، كانها حملت الناس على ذمها.انتهى.و (العجف) الهزال.(حتى انتهينا ريا) اى بلغنا غايته.(لقطعت بالركب) اى من سرعه سيرها و شده تقدمها انقطع الركب عنها.و (اربعى) اى ارفقى بنا و انتظرى بنا.و (اللبن) بمعنى اللبون.و قال الجزرى: فى حديث حليمه: (كان يشب فى اليوم شباب الصبى فى الشهر
فبلغ ستا وهو جفر)، (استجفر الصبى) اذا قوى على الاكل، و اصله فى اولاد المعز اذا بلغ اربعه اشهر و فصل عن امه و اخذ فى الرعى، قيل له: (جفر) و الانثى (جفره).انتهى.و (البهم) جمع (بهمه) و هى اولاد الضان.و (السوط) خلط الشى ء بعضه ببعض، و (المسواط) ما يساط به القدر ليختلط بعضه ببعض.قوله (منتقعا) اى متغيرا.و (الجله) بالفتح، البعر.قوله (ما رابكم) اى ما شككم، و معناه هاهنا: ما دعاكم الى اخذ هذا.قوله (ماذا يرد عليكم) اى ما ينفعكم ذلك.قوله (فانعم غسلها) اى بالغ فيه.قوله (ثم قال بيده يمنه) اى اشار بيده، اومدها الى جانب يمينه.و (القلبه) الداء. )2- كيفيه عباده النبى- صلى الله عليه و آله- قبل البعثه) تذنيب: اعلم ان علماء الخاصه و العامه اختلفوا فى ان النبى- صلى الله عليه و آله- هل كان قبل بعثته متعبدا بشريعه ام لا؟ قال العلامه- قدس الله روحه- فى شرحه على مختصر ابن الحاجب: اختلف الناس فى ان النبى- صلى الله عليه و آله- هل كان متعبدا بشرع احد من الانبياء قبله قبل النبوه ام لا؟ فذهب جماعه الى انه كان متعبدا و نفاه آخرون كابى الحسين البصرى و غيره و توقف الغزالى و القاضى عبدالجبار، و المثبتون اختلفوا فذهب بعضهم الى انه ك
ان متعبدا بشرع نوح - عليه السلام- و آخرون قالوا بشرع ابراهيم- عليه السلام- و آخرون بشرع موسى- عليه السلام- و آخرون بشرع عيسى - عليه السلام- و آخرون قالوا: بما ثبت انه شرع.و استدل المصنف على انه كان متعبدا بشرع من قبله بما نقل نقلا يقارب التواتر انه كان يصلى و يحج و يعتمر و يطوف بالبيت و يتجنب الميته و يذكى و ياكل اللحم و يركب الحمار و هذه امور لا يدركها العقل فلا مصير اليها الا من الشرع، و استدل آخرون على هذا المذهب ايضا بان عيسى- عليه السلام- كان مبعوثا الى جميع المكلفين، و النبى- صلى الله عليه و آله- كان من المكلفين، فيكون عيسى- عليه السلام- مبعوثا اليه.و الجواب: لا نسلم عموم دعوه من تقدمه.و احتج المخالف بانه لو كان متعبدا بشرع من قبله لكان مخالطا لاهل تلك الشريعه قضاء للعاده الجاريه بذلك او لزمته المخالطه لارباب تلك الشريعه بحيث يستفيد منهم الاحكام، و لما كان التالى باطلا اجماعا فكذا المقدم.و الجواب: لا نسلم وجوب المخالطه لان الشرع المنقول اليه عمن تقدمه ان كان متواترا فلا يحتاج الى المخالطه و المناظره، و ان كان آحادا فهو غير مقبول خصوصا مع اعتقاده بان اهل زمانه- صلى الله عليه و آله- كانوا فى غايه الال
حاد.سلمنا انه كان يلزم المخالطه، لكن المخالطه قد لا تحصل لموانع تمنع منها، فيحتمل ترك المخالطه لمن يقاربه من ارباب الشرائع المتقدمه على تلك الموانع جمعا بين الادله.انتهى.و قال المرتضى- رضى الله عنه- فى كتاب الذريعه: هل كان رسول الله- صلى الله عليه و آله- متعبدا بشرائع من تقدمه من الانبياء- عليه السلام-؟ فى هذا الباب مسالتان: احدا هما قبل النبوه، و الاخرى بعدها.و فى المساله الاولى ثلاثه مذاهب: احدها انه- صلى الله عليه و آله- ما كان متعبدا قطعا، و الاخر انه كان متعبدا قطعا، و الثالث التوقف و هذا هو الصحيح، و الذى يدل عليه ان العباده بالشرائع تابعه لما يعلمه الله- تعالى- من المصلحه بها فى التكليف العقلى، و لا يمتنع بشى ء من الشرائع، كما انه غير ممتنع ان يعلم انه له- صلى الله عليه و آله- فى ذلك مصلحه.و اذا كان واحد من الامرين جائزا و لا دلاله توجب القطع على احدهما، وجب التوقف.و ليس لمن قطع على انه ما كان متعبدا ان يتعلق بانه لو كان تعبد- صلى الله عليه و آله- بشى ء من الشرائع لكان فيه متبعا لصاحب تلك الشريعه و مقتديا به، و ذلك لا يجوز لانه الفضل الخلق و اتباع الافضل للمفضول قبيح، و ذلك انه غير ممتنع ان يوجب
الله - تعالى- عليه- صلى الله عليه و آله- بعض ما قامت عليه الحجه به من بعض الشرائع المتقدمه لا على الاقتداء بغيره فيها و لا الاتباع.و ليس لمن قطع على انه- صلى الله عليه و آله- كان متعبدا ان يتعلق بانه- صلى الله عليه و آله- كان يطوف بالبيت و يحج و يعتمر و يذكى و ياكل المذكى و يركب البهائم و يحمل عليها، و ذلك انه لم يثبت عنه- صلى الله عليه و آله- انه قبل النبوه حج او اعمتر، و لو ثبت لقطع به على انه كان متعبدا، و بالتظنى لا يثبت مثل ذلك، و لم يثبت ايضا انه- صلى الله عليه و آله- تولى التذكيه بيده.و قد قيل ايضا انه لو ثبت انه ذكى بيده لجاز ان يكون من شرع غيره فى ذلك الوقت ان يستعين بغيره فى الذكاه، فذكى على سبيل المعونه لغيره.و اكل لحم المذكى لا شبهه فى انه غير موقوف على الشرع، لانه بعد الذكاه قدر صار مثل كل مباح من الماكل و ركوب البهائم و الحمل عليها يحسن عقلا اذا وقع التكفل بما يحتاج اليه من علف و غيره، و لم يثبت انه- صلى الله عليه و آله- فعل من ذلك ما لا يستباح بالعقل فعله، و ليس علمه- صلى الله عليه و آله- بان غيره نبى بالدليل يقتضى كونه متعبدا بشريعته، بل لابد من امر زائد على هذا العلم.فاما المساله الثانيه ، فالصحيح انه- صلى الله عليه و آله- ما كان متعبدا بشريعه نبى تقدم، و سندل عليه بعون الله، و ذهب كثير من الفقهاء الى انه كان متعبدا.و لابد قبل الكلام فى هذه المساله من بيان جواز ان يتعبد الله- تعالى- نبيا بمثل شريعه النبى الاول، لان ذلك اذا لم يجز سثط الكلام فى هذا الوجه من المساله.و قد قيل: ان ذلك يجوز على شرطين: اما بان تندرس الاولى فيجددها الثانى، او بان يزيد فيها ما لم يكن منها، و يمنعون من جواز ذلك على غير احد هذين الشرطين و يدعون ان بعثته على خلاف ما شرطوه تكون عبثا، و لا يجب النظر فى معجزته و لابد من وجوب النظر فى المعجزات.و ليس الامر على ما قالوه، لان بعثه النبى الثانى لا تكون عبثا، اذا علم الله- تعالى- انه يومن عندها و ينتفع من لم ينتفع بالاول، و لو لم يكن الامر ايضا كذلك كانت البعثه الثانيه على سبيل ترادف الادله الداله على امر واحد، و لا يقول احد: ان نصب الادله على هذا الوجه يكون عبثا.فاما الوجه الثانى، فانا لا نسلم لهم ان النظر فى معجز كل نبى يبعث لابد من ان يكون واجبا، لان ذلك يختلف، فان خاف المكلف من ضرر ان هو لم ينظر وجب النظر عليه، و ان لم يخف لم يكن واجبا.و قد استقصينا هذا الكلام و فرغناه
فى كتاب الذخيره.و الذى بحقق هذه المساله ان تعبده- صلى الله عليه و آله- بشرع من تقدمه لابد فيه من معرفه امرين: احدهما نفس الشرع و الاخر كونه متعبدا به، و ليس يخلو من ان يكون علم- صلى الله عليه و آله- كلا الامرين بالوحى النازل عليه و الكتاب المسلم اليه، او يكون علم الامرين من جهه النبى المتقدم، او يكون علم احدهما من هذا الوجه و الاخر من غير ذلك الوجه.و الوجه الاول يوجب ان لا يكون متعبدا بشرائعهم اذا فرضنا انه بالوحى اليه علم الشرع و التعبد معا، و اكثر ما فى ذلك ان يكون تعبد بمثل شرائعهم، و انما يضاف الشرع الى الرسول اذا حمله و لزمه ادائه، و يقال فى غيره: انه متعبد بشرعه متى دعاه الى اتباعه و الزمه الانقياد له، فيكون مبعوثا اليه، و اذا فرضنا ان القرآن و الوحى و ردا ببيان الشرع و ايجاب الاتباع فذلك شرعه- صلى الله عليه و آله- لا يجب اضافته الى غيره.و اما الوجه الثانى فهو و ان كان خارجا من اقوال الفقهاء المخالفين لنا فى هذه المساله فاسد من جهه ان نقل اليهود و من جرى مجراهم من الامم الماضيه قد بين فى مواضع انه ليس بحجه لا نقراضهم و عدم العلم باستواء اولهم و آخرهم، و ايضا فانه- صلى الله عليه و آله- مع فضله على الخ
لق لا يجوز ان يكون متبعا لغيره من الانبياء المتقدمين - عليه السلام-، ثم هذا القول يقتضى ان لا يكون- صلى الله عليه و آله- بان يكون من امه ذلك النبى باولى منا، و لا بان تكون متعبدين بشرعه باولى من ان يكون متعبدا بشرعنا، لان حاله كحالنا فى اننا فى امه ذلك النبى.و بهذه الوجوه التى ذكرناها نبطل القسمين الذين فرغناهما، و مما يدل على حجه ما ذكرناه و فساد قول مخالفينا انه قد ثبت عنه- صلى الله عليه و آله- توقفه فى احكام معلوم ان بيانها فى التوراه و انتظاره فيها نزول الوحى، و لو كان متعبدا بشريعه موسى- عليه السلام- لما جرى ذلك، و ايضا فلو كان الامر ما قالوه لكان يجب ان يجعل- صلى الله عليه و آله- كتب من تقدمه فى الاحكام بمنزله الادله الشرعيه، و معلوم خلافه، و ايضا فقد نبه- صلى الله عليه و آله- فى خبر معاذ على الادله فلم يذكر فى جملتها التواره و الانجيل، و ايضا فان كل شريعته مضافه اليه بالاجماع، و لو كان متعبدا بشرع غيره لما جاز ذلك، و ايضا فلا خلاف بين الامه فى انه- صلى الله عليه و اله- لم يود الينا من اصول الشرائع الا ما او حى اليه و حمله، و ايضا فانه لا خلاف فى ان شريعته- صلى الله عليه و آله- ناسخه لكل الشرائع المتق
دمه من غير استثناء، فلو كان الامر كما قالوه لما صح هذا الاطلاق، و ايضا فان شرائع من تقدم مختلفه متضاده فلا يصح كونه متعبدا بكلها فلابد من تخصيص و دليل يقتضيه، فان ادعوا انه متعبد بشريعه عيسى- عليه السلام- بانها ناسخه لشريعه من تقدم فذلك منهم ينقض تعلقهم بتعرفه- صلى الله عليه و آله- من اليهود فى التواره، فاما رجوعه فى رجم المحصن اليها فلم يكن لانه كان متعبدا بذلك، لانه لو كان الرجوع لهذه العله لرجع - صلى الله عليه و آله- فى غير هذا الحكم اليها، و انما رجع لامر آخر، و قد قليل: ان سبب الرجوع انه- صلى الله عليه و آله- كان خبر بان حكمه فى الرجم يوافق ما فى التواره فرجع اليها تصديقا لخبره و تحقيقا لقوله- صلى الله عليه و آله-.انتهى.و قال المحقق ابوالقاسم الحلى- طيب الله رمسه- فى اصوله: شريعه من قبلنا هل هى حجه فى شرعنا؟ قال قوم: نعم ما لم يثبت نسخ ذلك الحكم بعينه.و انكر الباقون ذلك و هو الحق.لنا وجوه: الاول: قوله- تعالى-: (و ما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى).الثانى: لو كان متعبدا بشرع غيره لكان ذلك الغير افضل، لانه يكون تابعا لصاحب ذلك الشرع، و ذلك باطل بالاتفاق.الثالث: لو كان متعبدا بشرع غيره لوجب عليه الب
حث عن ذلك الشرع، لكن ذلك باطل، لانه لو وجب لفعله، و لو فعله لا شتهر، و لوجب على الصحابه و التعابعين بعده و المسلمين الى يومنا متابعته- صلى الله عليه و آله- على الخوض فيه، و نحن نعلم من الدين خلاف ذلك.الرابع: لو كان متعبدا بشرع من قبله لكان طريقه الى ذلك اما الوحى او النقل، و يلزم من الاول ان يكون شرعا له لا شرعا لغيره، و من الثانى التعويل على نقل اليهود و هو باطل، لانه ليس بمتواتر لما تطرق اليه من القدح المانع من افاده اليقين، و نقل الاحاد منهم لا يوجب العمل لعدم الثقه.و احتج الاخرون بقوله - تعالى-: (فبهديهم اقتده) و قوله (ثم اوحينا اليك ان اتبع مله ابراهيم حنيفا) و بقوله: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) و بقوله: (انا اوحينا اليك كما اوحينا الى نوح و النبيين) و بقوله: (انا انزلنا التوريه فيها هدى و نور يحكم بها النبيون) و بانه - صلى الله عليه و آله- رجع فى معرفه الرجم فى الزنا الى التوريه.اجاب الاولون عن الايه الاولى بانها تتضمن الامر بالاهتداء بهديهم كلهم، فلا يكون ذلك اشاره الى شرعهم، لانه مختلف، فيجب صرفه الى ما اتفقوا عليه و هو دلائل العقائد العقليه دون الفروع الشرعيه.و عن الثانى بان مله ابراهيم -
عليه السلام- المراد بها العقليات دون الشرعيات يدل على ذلك قوله (- تعالى-): (و من يرغب عن مله ابراهيم الا من سفه نفسه)، فلو اراد الشرعيات لما جاز نسخ شى ء منها، و قد نسخ كثير من شرعه، فتعين ان المراد منه العقليات.و عن الايه الثالثه انه لا يلزم من وصيه نوح- عليه السلام- بشرعنا انه امره به بل يحتمل ان يكون و صايته به امرا منه بقبوله عند اعقابهم الى زمانه- صلى الله عليه و آله-، او وصى به بمعنى اطلعه عليه و امره بحفظه، و لو سلمنا ان المراد: شرع لنا ما شرع لنوح- عليه السلام- لا حتمل ان يكون المراد به من الاستدلال بالمعقول على العقائد الدينيه، و لو لم يحتمل ذلك لم يبعد ان يتفق الشرعان، ثم لا يكون شرعه حجه علينا من حيث ورد على نبينا- صلى الله عليه و آله- بطريق الوحى، فلا تكون شريعته شريعه لنا باعتبار و رودها عنه.و عن الايه الرابعه ان المساواه فى الوحى لا تستلزم المساواه فى الشرع.و عن الايه الخامسه ان ظاهرها يقتضى اشتراك الانبياء جميعا فى الحكم بها، و ذلك غير مراد، لان ابراهيم و نوحا و ادريس و آدم - عليه السلام- لم يحكموا بها لتقدمهم على نزولها، فيكون المراد ان الانبياء يحكمون بصحه و رودها عن الله و ان فيها نورا و هدى، و لا يلزم ان يكونوا متعبدين بالعمل بها، كما ان كثيرا من آيات القرآن منسوخه و هى عندنا نور و هدى، و اما رجوعه - صلى الله عيه و آله- فى تعرف حد الرجم فلا نسلم ان مراجعته الى التوريه لتعرفه، بل لم لا يجوز ان يكون ذلك لاقامه الحجه على من انكر وجوده فى التوريه.انتهى.اقول: انما اوردنا دلائل القول فى نفى تعبده- صلى الله عليه و آله- بعد البعثه بشريعه من قبله لاشتراكها مع ما نحن فيه فى اكثر الدلائل، فاذا عرفت ذلك فاعلم ان الذى ظهر لى من الاخبار المعتبره و الاثار المستفيضه هو انه- صلى الله عليه و آله- كان قبل بعثته مذ اكمل الله عقله فى بدوسنه نبيا مويدا بروح القدس، يكلمه الملك، و يسمع الصوت، و يرى فى المنام، ثم بعد اربعين سنه صار رسولا، و كلمه الملك معاينه، و نزل عليه القرآن، و امر بالتبيليغ، و كان يعبد الله قبل ذلك بصنوف العبادات اما موافقا لما امر به الناس بعد التبليغ و هو اظهر، او على وجه آخر، اما مطابقا لشريعته ابراهيم- عليه السلام-، او غيره ممن تقدمه من الانبياء- عليهم السلام- لا على وجه كونه تابعا لهم و عاملا بشريعتهم، بل بان ما اوحى اليه- صلى الله عليه و آله- كان مطابقا لبعض شرائعهم، او على وجه آخر نسخ ب
ما نزل عليه بعد الارسال.و لا اظن ان يخفى صحه ما ذكرت على ذى فطره مستقيمه و فطنه غير سقيمه بعد الاحاطه بما اسلفنا من الاخبار فى هذا الباب و ابواب احول الانبياء- عليه السلام- و ما سنذ كره بعد ذلك فى كتاب الامامه.و لنذكر بعض الوجوه لزياده الاطمئنان على وجه الاجمال: الاول: ان ما ذكرنا من كلام اميرالمومنين- عليه السلام- من خطبته القاصعه المشهوره بين العامه و الخاصه يدل على انه- صلى الله عليه و آله- من لدن كان فطيما كان مويدا باعظم ملك يعلمه مكارم الاخلاق و محاسن الاداب، و ليس هذا الا معنى النوبه كما عرفت فى الاخبار الوارده فى معنى النوبه.و هذا الخبر مويد باخبار كثيره سبقت فى الابواب السابقه فى باب منشاه- صلى الله عليه و آله- و باب تزويج خديجه و غيرها من الابواب.الثانى: الاخبار المستفيضه الداله على انهم- عليه السلام- مويدون بروح القدس من بدء حالهم بنحو مامر من التقرير.الثالث: صحيحه الاحوال و غيرها حيث قال: (نحو ما كان راى رسول الله- صلى الله عليه و آله- من اسباب النبوه قبل الوحى حتى اتاه جبرئيل من عند الله بالرساله) فدلت على انه- صلى الله عليه و آله-: كان نبيا قبل الرساله.و يويده الخبر المشهور عنه- صلى الله ع
ليه و آله- : (كنت نبيا و آدم بين الماء و الطين) او (بين الروح و الجسد)، و يويده ايضا الاخبار الكثيره الداله على ان الله- تعالى- اتخذ ابراهيم- عليه السلام- عبدا قبل ان يتخذه نبيا، و ان الله اتخذه نبيا قبل ان يتخذه رسولا، و ان الله اتخذه رسولا قبل ان يتخذه خليلا، و ان الله اتخذه خليلا قبل ان يجعله اماما.الرابع: ما رواه الكلينى فى الصحيح عن يزيد الكناسى، قال: سالت اباجعفر- عليه السلام- اكان عيسى بن مريم حين تكلم فى المهد حجه لله على اهل زمانه؟ فقال: كان يومئذ نبيا حجه لله غير مرسل، اما تسمع لقوله حين قال: (انى عبدالله اتانى الكتاب و جعلنى نبيا و جعلنى مباركا اينما كنت و اوصانى بالصلاوه و الزكاه مادمت حيا)؟! قلت: فكان يومئذ حجه لله على زكريا فى تلك الحال و هو فى المهد؟ فقال: كان عيسى فى تلك الحال آيه للناس و و رحمه من الله لمريم حين تكلم فعبر عنها و كان نبيا حجه على من سمع كلامه فى تلك الحال ثم صمت فلم يتكلم حتى مضت له سنتان، و كان زكريا الحجه لله على الناس بعد صمت عيسى بسنتين، ثم مات زكريا فورثه ابنه يحيى الكتاب و الحكمه و هو صبى صغير، اما تسمع لقوله- عز و جل-: (يا يحيى خذ الكتاب بقوه و آتيناه الحكم صبيا).فلم
ا بلغ عيسى- عليه السلام- سبع سنين تكلم بالنبوه و الرساله حين اوحى الله- تعالى- اليه، فكان عيسى الحجه على يحيى و على الناس اجمعين...الى آخر الخبر.و قد ورد فى اخبار كثيره ان الله لم يعط نبيا فضيله و لا كرامه و لا معجزه الا و قد اعطاه نبينا- صلى الله عليه و آله- فكيف جاز ان يكون عيسى- عليه السلام- فى المهد نبيا و لم يكن نبينا - صلى الله عليه و آله- الى اربعين سنه نبيا؟ و يويده مامر فى اخبار ولادته- صلى الله عليه و آله- و ما ظهر منه فى تلك الحال من اظهار النبوه، و مامر و سياتى من احوالهم و كمالهم فى عالم الاظله و عند الميثاق، و انهم كانوا يعبدون الله- تعالى- و يسبحونه فى حجب النور قبل خلق آدم- عليه السلام- و ان الملائكه منهم تعلموا التسبيح و التهليل و التقديس الى غير ذلك من الاخبار الوارده فى بدء انوارهم.و يويده ما ورد فى اخبار ولاده اميرالمومنين- عليه السلام- انه- عليه السلام- قرا الكتب السماويه على النبى- صلى الله عليه و آله- بعد ولادته، و ما سياتى من ان القائم- عليه السلام- فى حجر ابيه - عليه السلام- اجاب عن المسائل الغامضه و اخبر عن الامور الغائبه، و كذا سائر الائمه- عليهم السلام- كما سياتى فى اخبار ولادت
هم- عليه السلام- و معجزاتهم، فكيف يجوز عاقل ان يكون النبى- صلى الله عليه و آله- فى ذلك ادون منهم جميعا؟ الخامس: انه- صلى الله عليه و آله- بعد ما بلغ حد التكليف لابد من ان يكون اما نبيا عاملا بشريعته او تابعا لغيره، لما سياتى من الاخبار المتواتره ان الله لا يخلى الزمان من حجه و لا يرفع التكليف عن احد، و قد كان فى زمانه اوصياء عيسى - عليه السلام- و اوصياء ابراهيم- عليه السلام- فلو لم يكن اوحى اليه بشريعه و لم يعلم انه نبى كيف جازله ان لا يتابع اوصياء عيسى- عليه السلام- و لا يعمل بشريعتهم ان كان عيسى- عليه السلام- مبعوثا الى الكافه، و ان لم يكن مبعوثا الى الكافه و كان شريعه ابراهيم- عليه السلام- باقيا فى بنى اسماعيل كما هو الظاهر، فكان عليه ان يتبع اوصياء ابراهيم - عليه السلام- و يكونوا حجه عليه- صلى الله عليه و آله- و هو باطل بوجهين: احدهما انه يلزم ان يكونوا افضل منه كما مر تقريره.و ثانيهما ما مر من نفى كونه محجوجا بابى طالب و بابيه بل كانا مستودعين للوصايا.السادس: انه لا شك فى انه- صلى الله عليه و آله- كان يعبد الله قبل بعثته بما لا يعلم الا بالشرع كالطواف و الحج و غيرهما كما سياتى انه- صلى الله عليه و آله-
حج عشرين حجه مستسرا و قد ورد فى اخبار كثيره انه- صلى الله عليه و آله- كان يطوف و انه كان يعبد الله فى حراء، و انه كان يراعى الاداب المنقوله من التسميه و التحميد عند الاكل و غيره.و كيف يجوز ذو مسكه من العقل على الله- تعالى- ان يهمل افضل انبيائه اربعين سنه بغير عباده؟ و المكابره فى ذلك سفسطه، فلا يخلو اما ان يكون عاملا بشريعه مختصه به اوحى الله اليه، و هو المطلوب، او عاملا بشريعته غيره و هو لا يخلو من وجوه: الاول: ان يكون علم وجوب عمله بشريعته غيره و كيفيه الشريعه من الوحى و هو المطلوب ايضا، لانه- صلى الله عليه و آله- حينئذ يكون عاملا بشريعه نفسه موافقا لشريعه من تقدمه كما مر تقريره فى كلام السيد- رحمه الله- الثانى: ان يكون علمهما جميعا من شريعه غيره، و هو باطل كما عرفت بوجهين: احدهما انه يلزم كون من يعمل بشريعته افضل منه.و ثانيهما انه معلوم انه- صلى الله عليه و آله- لم يراجع فى شى ء من الامور الى غيره و لم يخالط اهل الكتاب، كان هذا من معجزاته- صلى الله عليه و آله- انه اتى بالقصص مع انه لم يخالط العلماء و لم يتعلم منهم، كما مر فى وجوه اعجاز القرآن، و قد قال- تعالى-: (هو الذى بعث فى الاميين رسولا منهم)، و الم
كابره فى هذا ايضا مما لا ياتى به عاقل.الثالث: انه- صلى الله عليه و آله- علم وجوب العمل بشريعه من قبله بالوحى و اخذ الشريعه من اربابها، و هذا مع تضمنه للمطلوب كما عرفت- اذ لا يلزم منه الا ان يكون نبيا اوحى اليه ان يعمل بشريعه موافقه لشريعه من تقدمه- باطل بما عرفته من العلم بعدم رجوعه- صلى الله عليه و آله- الى ارباب الشرائع قط فى شى ء من اموره، و اما عكس ذلك فهو غير متصور اذ لا يجوز عاقل ان يوحى الله الى عبده بكيفيه شريعه لان يعمل بها و لا يامره بالعمل بها حتى يلزمه الرجوع فى ذلك الى غيره، مع انه يلزم ان يكون تابعا لغيره مفضولا و قد عرفت بطلانه.ثم ان قول من ذهب الى انه- صلى الله عليه و آله- كان عاملا بالشرائع المنسوخه كشريعه نوح و موسى- عليهماالسلام- فهو اشد فسادا، لانه بعد نسخ شرائعهم كيف جازله- صلى الله عليه و آله- العمل بها الا بان يعلم بالوحى انه يلزمه العمل بها، و مع ذلك لا يكون عاملا بتلك الشريعه، بل بشريعه نفسه موافقا لشرائعهم كما عرفت.و اما استدلالهم بقوله- تعالى-: (ما كنت تدرى ما الكتاب و لا الايمان)، فلا يدل الا على انه- صلى الله عليه و آله- كان فى حال لم يكن يعلم القرآن و بعض شرائع الايمان، و لعل
ذلك كان فى حال ولادته قبل تاييده بروح القدس، كما دلت عليه روايه ابى حمزه و غيرها، و هذا لا ينافى نبوته قبل الرساله و العمل بشريعته نفسه قبل نزول الكتاب.و بعد ما قررنا المطلوب فى هذا الباب و ما ذكرنا من الدلائل لا يخفى عليك ضعف بعض ما نقلنا فى ذلك عن بعض الاعاظم و لا نتعرض للقدح فيها بعد وضوح الحق، و لو اردنا الاستقصاء فى ايراد الدلائل و دفع الشبهه لطال الكلام، و لخرجنا عن مقصودنا من الكتاب، و الله الموفق للصواب.(هذا بيان فى شرح الجزء الاخر من الخطبه) بيان: (الكلاكل) الصدور، الواحده (كلكل) و المعنى: انى اذللتهم و صرعتهم الى الارض او انختهم للحمل عليهم.و (نجم النبت) اى طلع و ظهر، قال عبدالحميد بن ابى الحديد فى شرح هذه الخطبه: فان قلت: اما قهره لمضر فمعلوم فما حال ربيعه و لم يعرف انه قتل منه احدا؟ قلت: بلى قد قتل بيده و بجيشه كثيرا من روسائهم فى صفين و الجمل و قد تقدم ذكر اسمائهم من قبل، و هذه الخطبه خطب بها بعد انقضاء امر النهروان.و (العرف) بالفتح، الريح الطيبه.و (مضغ الشى ء يمضغه) بفتح الضاد.و (الخطله فى الفعل) الخطاء فيه و ايقاعه على غير وجهه.و (حراء) (بالمد و التخفيف) جبل بمكه معروف.و (الرنه) الصوت.و (القرابه القريبه) بينه و بين رسول الله- صلى الله عليه و آله-، و (المنزله الخصيصه) انه ابن عمه دنيا و ان ابويهما اخوان لاب و ام دون غيرهما من بنى عبدالمطلب الا الزبير.ثم ان اباه كفل رسول الله- صلى الله عليه و آله- دون غيره من الاعمام و رباه من بنى هاشم، ثم ما كان بينهما من المصاهره التى افضت الى النسل الاطهر دون غيره من الاصهار.و نحن نذكر ما ذكره ارباب السيره من معانى هذا الفصل.روى الطبرى فى تاريخه، قال: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمه، قال: حدثنى محمد بن اسحاق، قال: حدثنى عبدالله بن نجيح، عن مجاهد، قال: كان نعمه الله- عز و جل- على على بن ابى طالب- عليه السلام- و ما صنع الله له و اراد به من الخير ان قريشا اصابتهم ازمه شديده...و ساق الحديث الى آخر ما مر بروايه الصدوق.ثم قال الطبرى: قال ابن حميد: قال حدثنا محمد بن اسحاق، قال: كان رسول الله- صلى الله عليه و آله- اذا حضرت الصلاه خرج الى شعاب مكه و خرج معه على بن ابى طالب- عليه السلام- مستخفيا من عمه ابى طالب و من جميع اعمامه و سائر قومه، فيصليان الصلوات فيها.فاذا امسيا، رجعا فمكثا ما شاء الله ان يمكثا.ثم ان اباطالب عثر عليهما يوما و هما يصليان، فقال لرسول
الله- صلى الله عليه و آله: يا ابن اخى ما هذا الذى اراك تدين به؟ قال: يا عم! هذا دين الله و دين ملائكته و دين رسله و دين ابينا ابراهيم، او كما قال: بعثنى الله به رسولا الى العباد و انت يا عم! احق من بذلت له النصيحه و دعوته الى الهدى و احق من اجابنى اليه و اعاننى عليه، او كما قال...فقال ابوطالب: يا ابن اخى! انى لا افارق دينى و دين آبائى و ما كانوا عليه، و لكن لا يخلص اليك شى ء تكرهه ما بقيت.قال الطبرى: و قد روى هولاء المذكورون ان اباطالب قال لعلى- عليه السلام-: يا بنى؟ ما هذا الذى انت عليه؟ فقال: يا ابه! آمنت بالله و برسوله و صدقت بما جاء به وصليت لله معه.قال: فزعموا انه قال له: اما انه لا يدعو الا الى خير فالزمه.و روى الطبرى فى تاريخه ايضا، قال: حدثنا احمد بن الحسين الترمذى، قال: حدثنا عبدالله بن موسى، قال: اخبرنا العلاء، عن المنهال بن عمرو، عن عباد بن عبدالله قال: سمعت عليا- عليه السلام- يقول: انا عبدالله و اخو رسوله و انا الصديق الاكبر، لا يقولها بعدى الا كاذب مفتر، صليت قبل الناس سبع سنين.و فى غير روايه الطبرى: انا الصديق الاكبر و انا الفاروق الاول، و اسلمت قبل اسلام ابى بكر و صليت قبل صلاته سبع سنين ، كانه- عليه السلام- لم يرتض ان يذكر عمرو لا راه اهلا للمقايسه بينه و بينه، و ذلك لان اسلام عمر كان متاخرا.و روى الفضل بن العباس، قال: سالت ابى عن ولد رسول الله الذكور: ايهم كان رسول الله- صلى الله عليه و آله- له اشد حبا؟ فقال: على بن ابى طالب- عليه السلام-.فقلت له: سالتك عن بنيه؟ فقال له: سالتك عن بنيه؟ فقال: انه كان احب عليه من بنيه جميعا و اراف، ما رايناه زايله يوما من الدهر منذ كان طفلا الا ان يكون فى سفر لخديجه، و ما راينا ابا ابر بابن منه لعلى و لا ابنا اطوع لاب من على له.و روى الحسين بن زيد بن على بن الحسنى- عليهاالسلام-، قال: سمعت زيدا ابى يقول: كان رسول الله- صلى الله عليه و آله- يمضغ اللحمه و التمره حتى تلين فيجعلها فى فم على - عليه السلام- و هو صغير فى حجره.و روى جبير بن مطعم، قال: ابى لنا و نحن صبيان بمكه: الا ترون حب هذا الغلام - يعنى عليا- لمحمد و اتباعه له دون ابيه؟ و اللات و العزى لوددت انه ابنى بفتيان بنى نوفل جميعا.بيان: قال ابن ابى الحديد: و اما رنه الشيطان، فروى احمد بن حنبل فى مسنده عن على بن ابى طالب- عليه السلام- قال: كنت مع رسول الله صبيحه الليله التى اسرى به فيها و هو بالحجر يصلى ، فلما قضى صلاته و قضيت صلاتى سمعت رنه شديده، فقلت: يا رسول الله! ما هذه الرنه؟ قال: الا تعلم؟! هذه رنه الشيطان، علم انه اسرى بى الليله الى السماء فايس من ان يعبد فى هذه الارض.و قد روى عن النبى- صلى الله عليه و آله- ما يشابه هذا لم بايعه الانصار السبعون ليله العقبه، سمع من العقبه صوت عال فى جوف الليل: يا اهل مكه! هذا مذمم و الصباه معه قد اجمعوا على حربكم.فقال رسول الله- صلى الله عليه و آله- للانصار: الا تسمعون ما يقول هذا ازب الكعبه يعنى شيطانها- و قد روى ازيب العقبه-؟! ثم التفت اليه فقال: اتسمع يا عدو الله؟ اما و الله لا فرغن لك.انتهى.اقول: و هاتان الرنتان غير ما ورد فى الخبر، و هى احدى الرنتين اللتين مضتا فى الخبرين.و (الكلاكل) الصدور، الواحده (كلكل) اى انا اذللتهم و صرعتهم الى الارض.و (النواجم) جمع (ناجمه) و هى ما علا قدره و طار صيته.و (الخطل) خفه و سرعه، و يقال للاحمق العجل: خطل.