نهم دونك فى المرتبه لبغيهم فاغتررت بشبهتهم و لم تنظر الى من هو فوقك و هو امامك الواجب الطاعه، كنايه عن نظره الى باطل شبهتهم المكتسبه عن محبه الدنيا التى هى الخيبه.و نظره فوقه كنايه عن نظره الى الحق و تلقيه من الله.و سعيد بن مالك هو بن ابى وقاص.و لم يخذلا الباطل اى ما سعيا فى محق الباطل، و ليس يعنى بالخذلان عدم المساعده و قيل: هو من قولهم خذلت الوحشيه اذا قامت على ولدها، اى لم يقيما عليه و لم ينصراه.
حکمت 258
و قد ذكرنا ما اجابه به فيما تقدم من هذا الباب و هو قوله: (الايمان على اربع شعب).حکمت 264
بيان: المداحض المزالق.و استواء القدمين كنايه عن تمكنه- عليه السلام- من اجراء الاحكام الشرعيه على وجوهها لانه- عليه السلام- لم يتمكن من تغيير بعض ما كان فى ايام الخلفاء كما عرفت.حکمت 269
بيان: غبر الليل بقاياه.و كشر البعير عن نابه كشف عنها، و كشر الرجل ابتسم.و الاغر الابيض.و ما نافيه.حکمت 271
بيان: مملول اى يحصل الملال منه، يقال: مللت الشى ء بالكسر و مللت منه ايضا اذا سئمته، ذكره الجوهرى.و الحاصل ان العباده القليله تداوم عليها من النوافل خير من عباده كثيره تاتى بها اياما ثم تملها و تتركها.اذا اضرت النوافل اى بان توخرها عن اوقات فضلها او توجب الكسل عنها، و عدم اقبال القلب عليها و ربما يستدل به و بسابقه على عدم جواز النافله لمن عليه الفريضه.حکمت 273
بيان: اى الرويه الحقيقيه، رويه العقل لان الحواس قد تعرض لها الغلط.حکمت 278
بيان: طوبى كلمه تستعمل فى مقام المدح و الاستحسان و التعجب من حسن الشى ء و كماله.و خبات الشى ء اخبوه اخفيته.يوم سوء بالفتح اى يوم نقص و بليه و زوال.و اخفاء الدهر ذلك اليوم كنايه عن جهل الناس باسبابه و انه ياتيهم بغته، او غفلتهم عن عدم ثبات زخارف الدنيا و سرعه زوالها.ثم انه يحتمل ان يكون ما ورد فى هذا الخبر و الخبر السابق اشاره الى تاثير العيون كما مر، او الى ان من لوازم الدنيا انه اذا انتهت فيها حال شخص فى الرفعه و العزه الى غايه الكمال فلابد ان يرجع الى النقص و الزوال، فقولهم طوبى له و استحسانهم اياه و رفع ابصارهم اليه من شواهد الرفعه و الكمال، و هو علامه الاخذ فى الهبوط و الاضمحلال.و قد يخطر بالبال ان ما ورد فى العين و تاثيرها يمكن ان يكون اشاره الى هذا المعنى، و ان كان بعيدا من بعض الايات و الاخبار، و يمكن تاويلها اليه و تطبيقها عليه كما لايخفى على اولى الابصار.و ما ورد من ذكر الله و الدعاء عند ذلك لاينافيه بل يويده، فان امثال ذلك موجبه لدوا النعمه و استمرارها، و الله يعلم حقائق الامور و دقائق الاسرار.نقل و تحقيق (فى حقيقه السحر) اعلم ان اصحابنا و المخالفين اختلفوا فى حقيقه السحر، و انههل له حقيقه او محض توهم.و لنذكر بعض كلماتهم فى ذلك.قال الشيخ- قدس سره- فى الخلاف: السحر له حقيقه، و يصح منه ان يعقد و يوثر و يسحر فيقتل و يمرض و يكوع الايدى و يفرق بين الرجل و زوجته، و يتفق له ان يسحر بالعراق رجلا بخراسان فيقتله عند اكثر اهل العلم و ابى حنيفه و اصحابه و مالك و الشافعى.و قال ابوجعفر الاستر آبادى: لا حقيقه له، و انما هو تخييل و شعبده.و به قال المغربى من اهل الظاهر، و هو الذى يقوى فى نفسى.و يدل عليه قوله- تعالى-: فاذا حبالهم- الايه و ذلك ان القوم جعلوا من الحبال كهيئات الحيات و طلوا عليها الزيبق و اخذوا الموعد على وقت تطلع فيه الشمس حتى اذا وقعت على الزيبق تحرك فخيل لموسى- عليه السلام- انها حيات و لم يكن لها حقيقه، و كان هذا فى اشد وقت الحر فالقى موسى عصاه فابطل عليهم السحر فامنوا به.و ايضا فان الواحد منا لايصح ان يفعل فى غيره و ليس بينه و بينه اتصال و لا اتصال يتصل بما يفعل فيه، فكيف يفعل من هو ببغداد فيمن هو بالحجاز و ابعد منها؟! و لاينفى هذا قوله- تعالى-: و لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر لان ذلك لانمنع منه، و انما الذى منعنا منه ان يوثر الساحر الذى يدعونه، فاما ان يفعلوا ما يتخي
ل عنه اشياء، فلا نمنع منه.و رووا عن عائشه...اقول: ثم ذكر نحوا مما مر من سحر اليهودى النبى- صلى الله عليه و آله- ثم قال: و هذه اخبار آحاد لايعمل عليها فى هذا المعنى.و قد روى عن عائشه انها قالت: سحر رسول الله- صلى الله عليه و آله- فما عمل فيه السحر و هذا معارض ذلك.ثم قال- قدس سره-: اذا اقر انه سحر قتل بسحره متعمدا لايجب عليه القود، و به قال ابوحنيفه، و قال الشافعى: يجب عليه القود.دليلنا ان الاصل برائه الذمه، و ان هذا مما يقتل به يحتاج الى دليل.و ايضا فقد بينا ان الواحد لايصح ان يقتل غيره بما لايباشره به الا ان يسقيه ما يقتل به على العاده مثل السم، و ليس السحر بشى ء من ذلك.و قد روى اصحابنا ان الساحر يقتل، و الوجه فيه ان هذا فساد فى الارض و السعى فيها به فلاجل ذلك وجب فيه القتل.و قال العلامه- نور الله مرقده- فى التحرير: السحر عقد و رمى كلام يتكلم به او يكتبه او يعمل شيئا يوثر فى بدن المسحور او قلبه او عقله من غير مباشره، و قد يحصل به القتل و المرض و التفريق بين الرجل و المراه و بغض احدهما لصاحبه و محبه احد الشخصين للاخر.و هل له حقيقه ام لا؟ فيه نظر.ثم قال و السحر الذى يجب فيه القتل هو ما يعد فى العرف س
حرا، كما نقل الاموى فى مغازيه ان النجاشى دعا السواحر فنفخن فى احليل عماره بن الوليد فهام مع الوحش، فلم يزل معها الى اماره عمر بن الخطاب فامسكه انسان، فقال: خلنى و الامت، فلم يخله فمات من ساعته.و قيل: ان ساحره اخذها بعض الامراء فجاء زوجها كالهائم، فقال: قولوا لها تخل عنى! فقالت: ائتونى بخيوط و باب! فاتوا بذلك فجلست و جعلت تعقد فطاربها الباب فلم يقدروا عليها، و امثال ذلك.و اما الذى يعزم على المصروع و يزعم انه يجمع الجن و ياسرها فتطيعه، فلايتعلق به حكم، و الذى يحل السحر بشى ء من القرآن و الذكر و الاقسام فلا باس به و ان كان بالسحر حرم على اشكال.و قال فى موضع آخر منه: الذى اختاره الشيخ- رحمه الله- انه لاحقيقه للسحر، و فى الاحاديث ما يدل على ان له حقيقه.فعلى ما ورد فى الاخبار لو سحره فمات بسحره ففى القود اشكال، و الاقرب الديه...الى آخر ما قال.و قال فى المنتهى نحوا من اول الكلام ثم قال: و اختلف فى انه له حقيقه ام لا.قال الشيخ- رحمه الله- لاحقيقه له و انما هو تخييل، و هو قول بعض الشافعيه، و قال الشافعى: له حقيقه.و قال اصحاب ابى حنيفه: ان كان يصل الى بدن المسحور كدخان و نحوه جاز ان يحصل منه ما يوثر فى نفس المس
حور من قتل او مرض او اخذ الرجل عن امراته فيمنعه وطيها او يفرق بينهما او يبغض احدهما الى الاخر او يحببه اليه.فاما ان يحصل المرض و الموت من غير ان يصل الى بدنه شى ء فلايجوز ذلك.ثم ذكر- رحمه الله- احتجاج الطرفين بايه يخيل اليه و سوره الفلق، ثم قال: و روى الجمهور عن عائشه ان النبى- صلى الله عليه و آله- سحر حتى يرى انه يفعل الشى ء و لايفعله، و انه قال لها ذات يوم: اشعرت ان الله- تعالى- افتانى فيما استفتيته انه اتانى ملكان فجلس احدهما عند راسى و الاخر عند رجلى، فقال: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب.قال: من طبه؟ قال: لبيد بن اعصم اليهودى فى مشط و مشاطه فى جف طلعه فى بئرذى ازوان.رواه البخارى.و جف الطلعه وعاوها، و المشاطه الشعر الذى يخرج من شعر الراس و غيره اذا مشط، فقد اثبت لهم سحرا.و هذا القول عندى باطل، و الروايات ضعيفه خصوصا روايه عائشه لاستحاله تطرق السحر الى الانبياء- عليهم السلام-.ثم قال: ان كان للسحر حقيقه فهو ما يعد فى العرف سحرا، ثم ذكر القصتين للنجاشى و الساحره، ثم قال: فهذا و امثاله مثل ان يعقد الرجل المزوج فلايطيق و طى امراته هو السحر المختلف فيه، فاما الذى يقال من العزم على المصروع فلايدخل تحت هذا الحك
م، و هو عندى باطل لاحقيقه له و انما هو من الخرافات.و قال الشهيد- رفع الله درجته- فى الدروس: تحرم الكهانه و السحر بالكلام و الكتابه و الرقيه و الدخنه بعقاقير الكواكب و تصفيه النفس و التصوير و العقد و النفث و الاقسام و العزائم بما لايفهم معناه و يضر بالغير فعله.و من السحر الاستخدام للملائكه و الجن و استنزال الشياطين فى كشف الغائب و علاج المصاب، و منه الاستحضار بتلبيس الروح ببدن منفعل كالصبى و المراه و كشف الغائب عن لسانه.و منه النير نجات، و هى اظهار غرائب خواص الامتزاجات و اسرار النيرين، و تلحق به الطلسمات، و هى تمزيج القوى العاليه الفاعله بالقوى السافله المنفعله ليحدث عنها فعل غريب.فعمل هذا كله و التكسب به حرام، و الاكثر على انه لا حقيقه له، بل هو تخييل.و قيل: اكثره تخييل و بعضه حقيقى، لانه- تعالى- وصفه بالعظمه فى سحره فرعون، و من التخييل احداث خيالات لاوجود لها فى الحس المشترك للتاثير فى شى ء آخر و ربما ظهر الى الحس.و تلحق به الشعبذه، و هى الافعال العجيبه المرتبه على سرعه اليد بالحركه فيلبس على الحس و قيل: الطلسمات كانت معجرات للانبياء.و اما الكيمياء فيحرم المسمى بالتكليس بالزيبق وا لكبريت و الزاج و ا
لتصديه و بالشعر والبيض و المرار و الادهان كما تفعله الجهال، اما سلب الجواهر خواصها و افادتها خواص اخرى بالدواء المسمى بالاكسيرا و بالنار الملينه الموقده على اصل الفلزات او لمراعاه نسبها فى الحجم و الوزن، فهذا مما لايعلم صحته هو تجنب ذلك كله اولى و احرى.و قال الشهيد الثانى- رفع الله مقامه-: السحر هو كلام او كتابه او رقيه او اقسام و عزائم و نحوها يحدث بسببها ضرر على الغير و منه عقد الرجل عن زوجته بحيث لايقدر على وطيها و القاء البغضاء بينهما، و منه استخدام الملائكه و الجن و استنزال الشياطين فى كشف الغائبات و علاج المصاب، و استحضارهم و تلبسهم ببدن صبى او امراه و كشف الغائب على لسانه، فتعلم ذلك و اشباهه و عمله و تعليمه كله حرام و التكسب به سحت و يقتل مستحله.و لو تعلمه ليتوقى به او ليدفع به المتنبى بالسحر فالظاهر جوازه و ربما وجب على الكفايه كما هو خيره الدورس.و يجوز حله بالقرآن و الاقسام كما ورد فى روايه القلا.و هل له حقيقه او هو تخييل؟ الاكثر على الثانى و يشكل بوجدان اثره فى كثير من الناس على الحقيقه، و التاثر بالوهم انما يتم لو سبق للقابل علم بوقوعه، و نحن نجد اثره فيمن لايشعر به اصلا حتى يضربه.و لو حمل تخي
يله على ما تظهر من تاثيره فى حركات الحيات و الطيران و نحوهما امكن، لا فى مطلق التاثير و احضار الجان و شبه ذلك فانه امر معلوم لايتوجه دفعه.ثم قال: و الكهانه عمل يوجب طاعه بعض الجان له و اتباعه (له) بحيث ياتيه بالاخبار و هو قريب من السحر.ثم قال: و الشعبذه عرفوها بانها الحركات السريعه التى تترتب عليها الافعال العجيبه، بحيث يتلبس على الحس الفرق بين الشى ء و شبهه لسرعه الانتقال منه الى شبهه.اقول: و نحو ذلك قال المحقق الاردبيلى- روح الله روحه- فى شرح الارشاد و قال: الظاهر ان له حقيقه بمعنى انه يوثر بالحقيقه لا انه انما يتاثر بالوهم فقط و لهذا نقل تاثيره فى شخص لم يعرف و لايشعر بوقوعه فيه، نعم يمكن ان لا حقيقه له بمعنى ان لايوجد حيوان بفعله، بل يتخيل كقوله- تعالى-: يخيل اليه من سحرهم انها تسعى مع انه لاثمره فى ذلك، اذلا شك فى عقابه و لزوم الديه و عوض ما يفوت بفعل الساحر عليه.و قال ابن حجر فى فتح البارى فى العين: تقول: عنت الرجل اصبته بعينك فهو معيون و معين و رجل عاين و معيان و عيون.و العين يضر باستحسان مشوب بحسد من حيث الطبع يحصل للمبصور منه ضرر.و قد استشكل ذلك على بعض الناس فقال: كيف يعمل العين من بعد حتى يح
صل الضرر للمعيون؟ و الجواب ان طبائع الناس تختلف، فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العاين فى الهواء الى بدن المعيون.و قد نقل عن بعض من كان معيانا انه قال: اذا رايت شيئا يعجبنى وجدت حراره تخرج من عينى! و يقرب ذلك بالمراه الحائض تضع يدها فى اناء اللبن فيفسد و لو وضعتها بعد طهرها لم يفسد، و كذا تدخل البستان فتضر بكثير من العروش من غير ان تمسها.و من ذلك ان الصحيح قد ينظر الى العين الرمد فيرمد و يتثاب بحضرته فيتثاب هو، اشار الى ابن بطال.و قال الخطابى: فى الحديث ان للعين تاثيرا فى النفوس و ابطال قول الطباعيين انه لا شى ء الا ما تدركه الحواس الخمس و ما عدا ذلك لا حقيقه له.و قال المازرى: زعم بعض الطباعيين ان العاين تنبعث من عينه قوه سميه تتصل بالمعين فيهلك او يفسد و هو كاصابه السم من نظر الافعى، و اشار الى منع الحصر فى ذلك مع تجويزه و ان الذى يتمشى على طريقه اهل السنه ان العين انما تضر عند نظر العاين بعاده اجراها الله- تعالى- ان يحدث الضر عند مقابله شخص لاخر، و هل ثم جواهر خفيه اولا؟ هو امر محتمل لايقطع باثباته و لا نفيه.و من قال ممن ينتمى الى الاسلام من اصحاب الطبائع بالقطع بان جواهر لطيفه غير مرئيه تنبعث من العاي
ن فتتصل بالمعيون و تتخلل مسام جسمه فيخلق البارى الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السموم.فقد اخطا بدعوى القطع، و لكنه جائز ان يكون عاده ليست ضروره و لا طبيعه.انتهى.و هو كلام سديد و قد بالغ ابن العربى فى انكاره فقال: ذهبت الفلاسفه الى ان الاصابه بالعين صادره عن تاثير النفس بقوتها فيه، فاول ما يوثر فى نفسها ثم يوثر فى غيرها.و قيل: انما هو سم فى عين العاين يصيبه بلفحه عند التحديق اليه، كما يصيب لفح سم الافعى من يتصل به.ثم رد الاول بانه لو كان كذلك لما تخلفت الاصابه فى كل حال، و الواقع بخلافه، و الثانى بان سم الافعى جزء منها و كلها قاتل، و العاين ليس يقتل منه شى ء فى قولهم الا بصره و هو معنى خارج عن ذلك.قال: و الحق ان الله يخلق عند بصر العاين اليه و اعجابه (به) اذا شاء ما شاء من الم او هلكه، و قد يصرفه قبل و قوعه بالاستعاذه او بغيرها و قد يصرفه بعد وقوعه بالرقيه او بالاغتسال او بغير ذلك.انتهى كلامه.و فيه: (بعض) ما يتعقب، فان الذى مثل بالافعى لم يرد انها تلامس المصاب حتى يتصل به من سمها و انما اراد ان جنسا من الافاعى اشتهر انها اذا وقع بصرها على الانسان هلك، فكذلك العاين.و ليس مراد الخطابى بالتاثير الم
عنى الذى تذهب اليه الفلاسفه، بل ما اجرى الله به العاده من حصول الضرر للمعيون.و قد اخرج البزاز بسند حسن عن جابر رفعه قال: اكثر من يموت بعد قضاء الله و قدره بالنفس، قال الرواى: يعنى بالعين.و قد اجرى الله العاده بوجود كثير من القوى و الخواص فى الاجسام و الارواح، كما يحدث لمن ينظر اليه من يحتشمه من الخجل فترى فى وجهه حمره شديده لم تكن قبل ذلك و كذا الاصفرار عند رويه من يخافه، و كثير من الناس يسقم بمجرد النظر اليه و يضعف قواه.و كل ذلك بواسطه ما خلق الله- تعالى- فى الارواح من التاثيرات و لشده ارتباطها بالعين نسب الفعل الى العين و ليست هى الموثره، و انما التاثير للروح.و الارواح مختلفه فى طبائعها و قواها و كيفياتها و خواصها، فمنها ما يوثر فى البدن بمجرد الرويه من غير اتصال به لشده خبث تلك الروح و كيفيتها الخبيثه.و الحاصل ان التاثير باراده الله- تعالى- و خلقه ليس مقصورا على الاتصال الجسمانى، بل يكون تاره به و تاره بالمقابله و اخرى بمجرد الرويه و اخرى بتوجه الروح كالذى يحدث من الادعيه و الرقى و الالتجاء الى الله- تعالى- و تاره يقع ذلك بالتوهم و التخيل.و الذى يخرج من عين العاين سهم معنوى ان صادف بدنا لا وقايه له
اثر فيه و الا لم ينفذ السهم بل ربما رد على صاحبه كالسهم الحسى سواء.و قال فى بيان السحر: قال الراغب و غيره: السحر يطلق على معان: احدها: مادق و لطف، و منه سحرت الصبى خدعته و استملته، فكل من استمال شيئا فقد سحره، و منه اطلاق الشعراء سحر العيون لاستمالتها النفوس، و منه قول الاطباء: الطبيعه ساحره، و منه قوله- تعالى-: بل نحن قوم مسحورون اى مصروفون عن المعرفه، و منه حديث: ان من البيان لسحرا.الثانى: ما يقع بخداع و تخييلات لا حقيقه لها، نحو ما يفعله المشعبد من صرف الابصار عما يتعاطاه بخفه يده، و الى ذلك الاشاره بقوله- تعالى-: يخيل اليه من سحرهم انها تسعى و قوله- تعالى-: سحروا اعين الناس.و من هناك سموا موسى- عليه السلام- ساحرا و قد يستعان فى ذلك بما يكون فيه خاصيه كحجر المقناطيس.الثالث: ما يحصل بمعاونه الشياطين بضرب من التقرب اليهم، و الى ذلك الاشاره بقوله- تعالى-: ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر.الرابع: ما يحصل بمخاطبه الكواكب و اشتراك روحانياتها بزعمهم، قال ابن حزم: و منه ما يوخذ من الطلسمات كالطابع المنقوش فيه صوره عقرب فى وقت كون القمر فى العقرب فينفع من لدغه العقرب، و قد يجمع بعضهم بين الامرين: الاستع
انه بالشياطين و مخاطبه الكواكب، فيكون ذلك اقوى بزعمهم.ثم السحر يطلق و يراد به الاله التى يسحر بها، و يطلق و يراد به فعل الساحر و الاله تاره تكون معنى من المعانى فقط كالرقى و النفث، و تاره تكون من المحسوسات كتصوير صوره على صوره المسحور، و تاره يجمع الامرين الحسى و المعنوى و هو ابلغ.و اختلف فى السحر فقيل: هو تخييل فقط و لاحقيقه له، و قال النووى: و الصحيح ان له حقيقه و به قطع الجمهور و عليه عامه العلماء و يدل عليه الكتاب و السنه امشهوره.انتهى.لكن محل النزاع انه: هل يقع بالسحر انقلاب عين اولا؟ فمن قال انه تخييل فقط منع من ذلك، و من قال له حقيقه اختلفوا (فى انه) هل له تاثير فقط بحيث يغير المزاج فيكون نوعا من الامراض او ينتهى الى الا حاله بحيث يصير الجماد حيوانا مثلا و عكسه؟ فالذى عليه الجمهور هو الاول، و ذهبت طائفه قليله الى الثانى.فان كان بالنظر الى القدره الالهيه فمسلم و ان كان بالنظر الى الواقع فهو محل الخلاف، فان كثير ممن يدعى ذلك لايستطيع اقامه البرهان عليه.و نقل الخطابى ان قوما انكروا السحر مطلقا و كانه عنى القائلين بانه تخييل فقط و الا فهى مكابره.و قال المازرى: جمهور العلماء على اثبات السحر و ان له ح
قيقه و نفى بعضهم حقيقته و اضاف ما يقع منه الى خيالات باطله، و هو مردود لو ورود النقل باثبات السحر و لان العقل لاينكر ان الله- تعالى- قد يخرق العاده عند نطق الساحر بكلام ملفق و تركيب اجسام او مزج بين قوى على ترتيب مخصوص، و نظير ذلك ما يقع من حذاق الاطباء من مزج العقاقير ببعض حتى ينقلب الضار منها بمفرده فيصير بالتركيب نافعا.و قيل: لايزيد تاثير السحر على ما ذكر الله- تعالى- فى قوله: ما يفرقون به بين المرء و زوجه لكون المقام مقام تهويل، فلو جاز ان يقع اكثر من ذلك لذكره.قال المازرى: و الصحيح من جهه العقل انه يجوز ان يقع به اكثر من ذلك، قال: و الايه ليست نصا فى منع الزياده و لو قلنا انه ظاهره فى ذلك.ثم قال: و الفرق بين السحر و المعجزه و الكرامه ان السحر يكون بمعاناه اقوال و افعال حتى يتم للساحر ما يريد، و الكرامه لا تحتاج الى ذلك بل انما تقع غالبا اتفاقا، و اما المعجزه فتمتاز من الكرامه بالتحدى.و نقل امام الحرمين الاجماع على ان السحر لايظهر الا عن فاسق و الكرامه لاتظهر عن الفاسق.و نقل النووى فى زيادات الروضه عن المستولى نحو ذلك و ينبغى ان يعتبر بحال من يقع الخارق منه، فان كان متمسكا بالشريعه متجنبا للموبقات ف
الذى يظهر على يده من الخوارق كرامه و الا فهو سحر لانه ينشا عن احد انواعه كاعانه الشياطين.و قال القرطبى: السحر حيل صناعيه يتوصل اليها بالاكتساب غير انها لدقتها لايتوصل اليها الا آحاد الناس.و مادتها الوقوف على خواص الاشياء و العلم بوجوه تركيبها و اوقاته، و اكثرها تخييلات بغير حقيقه و ايهامات بغير ثبوت فيعظم عند من لايعرف ذلك، كما قال الله- تعالى- عن سحره فرعون: و جاووا بسحر عظيم، مع ان حبالهم و عصيهم لم تخرج عن كونها جبالا و عصيا.ثم قال: و الحق ان لبعض اصناف السحر تاثيرا فى القلوب كالحب و البغض و القاء الخير و الشر فى الابدان بالالم و السقم، و انما المنكر ان الجماد ينقلب حيوانا و عكسه بسحر الساحر و نحو ذلك.انتهى.و قال شارح المقاصد: السحر اظهار امر خارق للعاده من نفس شريره خبيثه بمباشره اعمال مخصوصه يجرى فيها التعلم و التلمذ، و بهذين الاعتبارين يفارق المعجره و الكرامه و بانه لايكون بحسب اقتراح المعترض و بانه يختص ببعض الازمنه او الامكنه او الشرائط و بانه قد يتصدى لمعارضته و يبذل الجهد فى الاتيان بمثله و بان صاحبه ربما يعلن بالفسق و يتصف بالرجس فى الظاهر و الباطن و الخزى فى الدنيا و الاخره...الى غير ذلك من و جوه المفارقه.و هو عند اهل الحق جائز عقلا ثابت سمعا و كذلك الاصابه بالعين.و قالت المعتزله: هو مجرد ارائه مالا حقيقه له منزله الشعبده التى سببها خفه حركات اليد او خفاء وجه الحيله فيه.لنا على الجواز ما مر فى الاعجاز، من امكان الامر فى نفسه و شمول قدره الله له فانه هو الخالق و انما الساحر فاعل و كاسب، و ايضا اجماع الفقهاء و انما اختلفوا فى الحكم.و على الوقوع وجوه: منها قوله- تعالى-: يعلمون الناس السحر و ما انزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت- الى قوله- فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه و ما هم بضارين به من احد الا باذن لله.و فيه اشعار بانه ثابت حقيقه، ليس مجرد ارائه و تمويه و بان الموثر و الخالق هو الله- تعالى- وحده.و منها سوره الفلق، فقد اتفق جمهور المسلمين على انها نزلت فيما كان من سحر لبيد بن اعصم اليهودى لرسول الله- صلى الله عليه و آله- حتى مرض ثلاث ليال.و منها ما روى ان جاريه سحرت عايشه و انه سحر ابن عمر حتى تكوعت يده.فان قيل: لوصح السحر لاضرت السحره بجميع الانبياء و الصالحين و لحصلوا لانفسهم الملك العظيم، و كيف يصح ان يسحر النبى- صلى الله عليه و آله- و قد قال الله: و الله يعصمك من النا
س- و لايفلح الساحر حيث اتى.و كانت الكفره يعيبون النبى- صلى الله عليه و آله- بانه مسحور، مع القطع بانهم كاذبون.قلنا: ليس الساحر يوجد فى كل عصر و زمان و بكل قطر و مكان و لاينفذ حكمه كل اوان و لا له يدفى كل شى ء و النبى- صلى الله عليه و آله- معصوم من ان يهلكه الناس او يوقع خللا فى نبوته لا ان يوصل ضررا و الما الى بدنه، و مراد الكفار بكونه مسحورا انه مجنون ازيل عقله بالسحر حيث ترك دينهم.فان قيل: قوله- تعالى- فى قصه موسى- عليه السلام- يخيل اليه من سحرهم انها تسعى يدل على انه لا حقيقه للسحر، و انما هو تخييل و تمويه.قلنا: يجوز ان يكون سحرهم ايقاع ذلك التخيل و قد تحقق، و لو سلم فكون اثره فى تلك الصوره هو التخييل لايدل على انه لاحقيقه له اصلا.و اما الاصابه بالعين و هو ان يكون لبعض النفوس خاصيه انها اذا استحسنت شيئا لحقه الافه، فثبوتها يكاد يجرى مجرى المشاهدات التى لاتفتقر الى حجه، و قد قال النبى- صلى الله عليه و آله-: العين حق يدخل الرجل القبر و الجمل القدر.و قد ذهب كثير من المفسرين الى ان قوله- تعالى-: و ان يكاد الذين كفروا ليز لقونك بابصارهم لما سمعوا الذكر و يقولون- الايه نزلت فى ذلك.و قالوا: كان العين فى بن
ى اسد، فكان الرجل منهم يتجوع ثلاثه ايام فلايمربه شى ء يقول فيه: لم اركاليوم الا عانه، فالتمس الكفار من بعض من كانت له هذه الصنعه ان يقول فى رسول الله- صلى الله عليه و آله- ذلك، فعصمه الله.و اعترض الجبائى ان القوم ما كانوا ينظرون الى النبى- صلى الله عليه و آله- نظر استحسان بل مقت و نقص.و الجواب انهم كانوا يستحسنون منه الفصاحه و كثيرا من الصفات و ان كانوا يبغضونه من جهه الدين.ثم للقائلين بالسحر و العين اختلاف فى جواز الاستعانه بالرقى و العوذ و فى جواز تعليق التمائم و فى جواز النفث و المسح.و لكل من الطرفين اخبار و آثار، و الجواز هو الارجح و المساله بالفقيهات اشبه.انتهى.و اقول: الذى ظهر لنا مما مضى من الايات و الاخبار و الاثار ان للسحر تاثيرا ما فى بعض الاشخاص و الابدان كاحداث حب او بغض او هم او فرح، و اما تاثيره فى احياء شخص او قلب حقيقه الى اخرى كجعل الانسان بهيمه فلاريب فى نفيهما و انهما من المعجزات.و كذا فى كل ما يكون من هذا القبيل كابراء الاكمه و الابرص و اسقاط يد بغير جارحه او وصل يد مقطوع او اجراء الماء الكثير من بين الاصابع او من حجر صغير و اشباه ذلك.و الظاهر ان الاماته ايضا كذلك، فانه بعيد ان يق
در الانسان على ان يقتل رجلا بغير ضرب و جرح و سم و تاثير ظاهر فى بدنه و ان امكن ان يكون الله- تعالى- جعل لبعض الاشياء تاثيرا فى ذلك و نهى عن فعله، كما انه- سبحانه- جعل الخمر مسكرا و نهى عن شربه و جعل الحديد قاطعا و منع من استعماله فى غير ما احله، و كذا التمريض، لكنه اقل استبعادا.فان قيل: مع تجويز ذلك يبطل كثير من المعجزات، و يحتمل فيه السحر.قلنا: قد مر ان المعجزه تحدث عند طلبها بلا آلات و ادوات و مرور زمان يمكن فيه تلك الاعمال بخلاف السحر، فانه لايحصل الا بعد استعمال تلك الامور و مرور زمان.و ايضا الفرق بين السحر و المعجز(ه) بين عند العارف بالسحر و حقيقته و لذا حكم بعض الاصحاب بوجوب تعلمه كفايه.و يروى عن شيخنا البهائى- قدس الله روحه- انه لو كان خروج الماء من بين اصابع النبى- صلى الله عليه و آله- مع قبض يده و ضم اصابعه الى كفه كان يحتمل السحر و اما مع بسط الاصابع و تفريجها فلا يحتمل السحر، و ذلك واضح عند من له دربه فى صناعه السحر.و ايضا معجزات الانبياء لاتقع على وجه تكون فيه شبهه لاحد الا ان يقول معاند بلسانه ما ليس فى قلبه، فان الساحر ربما يخيل و يظهر قطرات من الماء من بين اصابعه او كفه او من حجر صغير و ا
ما ان يجرى انهار كبيره بمحض ضرب العصا او يروى كثيرا من الناس و الدواب بما يجرى من بين اصابعه بلا معاناه عمل او استعانه باله، فهذا مما يعرف كل عاقل انه لايكون من السحر، و كذا اذا دعا على احد فمات او مرض من ساعته، فان مثل هذا لايكون سحرا بديهه.و اما جهه تاثيره، فما كان من قبيل التخييلات و الشعبده فاسبابها ظاهره عند العاملين بها تفصيلا و عند غيرهم اجمالا، كما مرفى سحر سحره فرعون و استعانتهم بالزئبق او ارادئتهم اشياء بسرعه اليد لاحقيقه لها.و اما حدوث الحب و البغض و الهم و امثالها، فالظاهر ان الله- تعالى- جعل لها تاثيرا و حرمها كما او مانا اليه و هذا مما لاينكره العقل، و يحتمل ان يكون للشياطين ايضا مدخلا فى ذلك.و يقل او يبطل تاثيرها بالتوكل و الدعاء و الايات و التعويذات.و لذا كان شيوع السحر و الكهانه و امثالها فى الفترات بين الرسل و خفاء آثار النبوه و استيلاء الشياطين اكثر و تضعف و تخفى تلك الامور عند نشر آثار الانبياء و سطوع انوارهم كامثال تلك الازمنه، فانه ليس من دارو لابيت الا و فيه مصاحف كثيره و كتب جمه من الادعيه و الاحاديث و ليس من احد الا و معه مصحف او عوذه او سوره شريفه و قلوبهم و صدورهم مشحونه بذلك، ف
لذا لانرى منها اثرا بينا فى تلك البلاد الا نادرا فى البلهاء و الضعفاء و المنهمكين فى المعاصى، و قد نسمع ظهور بعض آثارها فى اقاصى البلاد لظهور آثار الكفر و ندور انوار الايمان فيها، كاقاصى بلاد الهند و الصين و الترك.و اما تاثير السحر فى النبى و الامام- صلوات الله عليهما- فالظاهر عدم وقوعه و ان لم يقم برهان على امتناعه اذا لم ينته الى حد يخل بغرض البعثه كالتخبيط و التخليط، فانه اذا كان الله- سبحانه- اقدر الكفار لمصالح التكليف على حبس الانبياء و الاوصياء- عليهم السلام- و ضربهم و جرحهم و قتلهم باشنع الوجوه، فاى استحاله على ان يقدروا على فعل يوثر فيهم هما و مرضا؟ لكن لما عرفت ان السحر يندفع بالعوذ و الايات و التوكل و هم- عليهم السلام- معادن جميع ذلك، فتاثيره فيهم مستبعد و الاخبار الوارده فى ذلك اكثرها عاميه و او ضعيفه و معارضه بمثلها، فيشكل التعويل عليها فى اثبات مثل ذلك.و اما ما يذكر من بلاد الترك انهم يعملون ما يحدث به السحب و الامطار، فتاثير اعمال مثل هولاء الكفره فى الاثار العلويه و ما به نظام العالم مما يابى عنه العقول السليمه و الافهام القويمه و لم يثبت عندنا بخبر من يوثق بقوله.و اما العين، فالظاهر من الا
يات و الاخبار ان لها تحققا ايضا، اما بان جعل الله- تعالى- لذلك تاثيرا و جعل علاجه التوكل و التوسل بالايات و الادعيه الوارده فى ذلك او بان الله- تعالى- يفعل فى المعين فعلا عند حدوث ذلك لضرب من المصلحه، و قد او مانا الى وجه آخر فيما مر.و بالجمله لايمكن انكار ذلك راسا لما يشاهد من ذلك عينا و ورود الاخبار به مستفيضا، و الله يعلم و حججه- عليهم السلام- حقائق الامور.
حکمت 280
بيان: اى لم يوفقه لتحصيله.حکمت 281
تبيين: قال ابن ابى الحديد: قد اختلف الناس فى المعنى بهذا الكلام و من هذا الاخ المشار اليه؟ فقال قوم: هو رسول الله- صلى الله عليه و آله- و استبعده قوم لقوله- عليه السلام- و كان ضعيفا مستضعفا فانه لايقال فى صفاته- صلى الله عليه و آله- مثل هذه الكلمه و ان امكن تاويلها على لين كلامه و سجاحه اخلاقه، الا انها غير لائقه به- عليه السلام-.و قال قوم: هو ابوذر الغفارى و استبعده قوم لقوله- عليه السلام- فان جاء الجد فهو ليث غاد وصل واد فان اباذر لم يكن من المعروفين بالشجاعه و البساله.و قال قوم: هو مقداد بن عمرو المعروف بمقداد بن الاسود و كان من شيعه على- عليه السلام- و كان شجاعا مجاهدا حسن الطريقه و قد روى فى فضله حديث صحيح مرفوع.و قال قوم: انه ليس باشاره الى اخ معين و لكنه كلام خارج مخرج المثل كقولهم فقلت لصاحبى و يا صاحبى.و هذا عندى اقوى الوجوه.انتهى.و لايبعد ان يقال: ان قوله- عليه السلام- فان جاء الجد فهو ليث غاد...الى آخره لايقتضى الشجاعه و البساله فى الحرب، بل المراد الوصف بالتصلب فى ذات الله و ترك المداهنه فى امر الدين و اظهار الحق، بل فى العدول عن لفظ الحرب الى الجد بعد الوصف بالضعف، اشعار بذلك .و قد كان ابوذر معروفا بذلك، و افصاحه عن فضائح بنى اميه فى ايام عثمان و تصلبه و فى اظهار الحق اشهر من ان يحتاج الى البيان.و قال الشارح ابن ميثم: ذكر هذا الفصل ابن المقفع فى ادبه و نسبه الى الحسن بن على- عليهماالسلام- و المشار اليه قيل: هو ابوذر الفغارى و قيل: هو عثمان ابن مظعون.انتهى.و اقول: لايبعد ان يكون المراد به اباه- عليه السلام-، عبر هكذا لمصلحه.و كان راس ما عظم به فى عينى اى و كان اقوى و اعظم الصفات التى صارت اسبابا لعظمته فى عينى فان الراس اشرف ما فى البدن، و فى القاموس: الراس اعلى كل شى ء.و الصغر و زان عنب و قفل خلاف الكبر و بمعنى الذل و الهوان، و هو خبر كان، و فاعل عظم ضمير الاخ، و ضمير به عائد الى الموصول و الباء للسببيه.كان خارجا من سلطان بطنه اى سلطنته كنايه عن شده الرغبه فى الماكول و المشروب كما و كيفا.ثم ذكر- عليه السلام- لذلك علامتين حيث قال: فلايشتهى ما لايجد و فى النهج: فلايتشهى.و يقال: تشهى فلان اذا اقترح شهوه بعد شهوه، و هو انسب.و لايكثر فى الاكل اذا وجد و الاكثار من الشى ء الاتيان بالكثير منه، و المراد به اما الاقتصار على مادون الشبع، او ترك الافراط فى الاكل او ترك الاسراف فى تجويد الماكول و المشروب.كان خارجا من سلطان فرجه اى لم يكن لشهوه فرجه عليه سلطنه بان توقعه فى المحرمات او الشبهات و المكروهات، فذكر لذلك ايضا علامتين فقال: فلايستخف له عقله و لا رايه فى القاموس: استخفه ضد استثقله، و (استخف) فلانا عن رايه حمله على الجهل و الخفه و ازاله عما كان عليه من الصواب.و قال الراغب: فاستخف قومه اى حملهم على ان يخفوا معه او وجدهم خفافا فى ابدانهم و عزائمهم، قيل: معناه: وجدهم طائشين.و قوله- عزو جل- و لايستخفنك الذين لايوقنون اى لايزعجنك و يزيلنك عن اعتقادك بما يوقعون من الشبه.و قال البيضاوى فى قوله- سبحانه- فاستخف قومه: فطلب منهم الخفه فى مطاوعه، او فاستخف احلامهم، و قال فى قوله- تعالى- و لايستخفنك: و لايحملنك على الخفه و القلق الذين لايوقنون بتكذيبهم و ايذائهم.و اقول: هذه الفقره تحتمل وجوها: الاول ان يكون المستتر فى فلايستخف راجعا الى الفرج و الضمير فى له راجعا الى الاخ، و يكون عقله و رايه منصوبين اى كان لاتجعل شهوه الفرج عقله و رايه خفيفين مطيعين لها.الثانى يكون الضمير فى يستخف راجعا الى الاخ و فى له الى الفرج، اى لايجعل عقله و رايه او لايجدهما خفيفين سريعين فى قضاء حوائج الفرج.الث
الث ان يقرا يستخف على بناء المجهول و عقله و رايه مرفوعين و ضمير له اما راجع الى الاخ او الى الفرج.و ما قيل بان يستخف على بناء المعلوم و عقله و رايه مرفوعان و ضمير له للاخ، فلايساعده ما مر من معانى الاستخفاف.كان خارجا من سلطان الجهاله بفتح الجيم و هى خلاف العلم و العقل.فلا يمديده اى الى اخذ شى ء كنايه عن ارتكاب الامور، الا على ثقه و اعتماد بانه ينفعه نفعا عظيما فى الاخره او فى الدنيا ايضا اذا لم يضر بالاخره.كان لايتشهى اى لا يكثر شهوه الاشياء كما مر.و لايتسخط اى لايسخط كثيرا لفقد المشتهيات اولا يغضب لايذاء الخلق له لقله عطائهم.فى القاموس: السخط بالضم و كعنق و جبل، ضد الرضا و قد سخط- كفرح- و تسخط، و اسخطه اغضبه و تسخطه تكرهه و (تسخط) عطائه ستقله و لم يقع منه موقعا.و لايتبرم اى لايمل و لايسام من حوائج الخلق و كثره سوالهم و سوء معاشرتهم، فى القاموس: البرم السامه و الضجر و ابرمه فبرم- كفرح- و تبرم امله فمل.كان اكثر دهره اى عمره، و اكثر منصوب على الظرفيه.صماتا بفتح الصاد و تشيديد الميم و قرى بضم الصاد و تخفيف الميم مصدرا، فالحمل على المبالغه.و فى النهج: صامتا فان قال بذ القائلين و نقع غليل السائلين.قال ف
ى النهايه فى الحديث: بذا القائلين اى سبقهم و غلبهم- يبذهم بذا.انتهى.و نقع الماء العطش، اى مكنه.و الغليل حراره العطش، و يمكن ان يكون البذ بالفصاحه و النقع بالعلم و الجواب الشافى.كان لايدخل فى مراء اى مجادله فى العلوم للغلبه و اظهار الكمال، قال فى المصباح: ما ريته اماريه مماراه (و) مراء جادلته، و يقال: ماريته ايضا اذا طعنت فى قوله تزييفا للقول و تصغيرا للقائل، و لايكون المراء الا اعتراضا.و لايشارك فى دعوى اى فى دعوى غيره لا عانته او وكاله عنه.و لايدلى بحجه حتى يرى قاضيا فى المصباح: ادلى بحجته اثبتها فوصل بها، و فى القاموس: ادلى بحجته احضرها و (ادلى) اليه بماله دفعه، و منه: و تدلوا بها الى الحكام.اقول: و فى النهج: حتى ياتى قاضيا، و هذه الفقره ايضا يحتمل وجوها: الاول ما ذكره بعض شراح النهج: اى لايدلى بحجته حتى يجد قاضيا، و هو من فضيله العدل فى وضع الاشياء مواضعها.انتهى.و اقول: المعنى انه ليس من عادته اذا ظلمه احد ان يبث الشكوى عند الناس كما هو داب اكثر الخلق، بل يصبر الى ان يجد حاكما يحكم بينه و بين خصمه، و ذلك فى الحقيقه يوول الى الكف عن فضول الكلام و التكلم فى غير موقعه.الثانى ان يكون المراد انه يصبر
على الظلم و يوخر المطالبه الى يوم القيامه، فالمراد بالقاضى الحاكم المطلق و هو الله- سبحانه-، اولا ينازع الاعداء الا عند زوال التقيه، فالمراد بالقاضى الامام الحق النافذ الحكم.الثالث ان يكون المراد نفى اتيانه القاضى لكفه عن المنازعه و الدعوى و صبره على الظلم اى لاينشى ء دعوى و لاياتى بحجه حتى يحتاج الى اتيان القاضى.الرابع ما ذكره بعض الافاضل حيث قرا يرى على بناء الافعال و فسر القاضى بالبرهان القاطع الفاصل بين الحق و الباطل، اى كان لايتعرض للدعوى الا ان يظهر حجه قاطعه و لعله اخذه من قول الفيروز آبادى القضاء الحتم و البيان و سم قاض قاتل، و لايخفى بعده مع عدم موافقته لما فى النهج.و كان لايغفل عن اخوانه اى كان يتفقد احوالهم فى جميع الاحوال كتفقد الاهل و العيال و لايخص نفسه بشى ء من الخيرات دونهم بل كان يجعلهم شركاء لنفسه فيما خوله الله و يحب لهم ما يحب لنفسه و يكره لهم ما يكره لنفسه.كان ضعيفا اى فقيرا منظورا اليه بعين الذله و الفقر كما قيل، او ضعيفا فى القوه البدنيه خلقه و لكثره الصيام و القيام.مستضعفا اى فى اعين الناس للفقر و الضعف و قله الاعوان، يقال: استضعفه اى عده ضعيفا.و قال بعض شراح النهج: استضعفه اى ع
ده ضعيفا و وجده ضعيفا و ذلك لتواضعه و ان كان قويا.و اذا جاء الجد كان ليثا عاديا فى اكثر النسخ بالعين المهمله و فى بعضها بالمعجمه.و فى النهايه فيه: ما ذئبان عاديان، العادى الظالم و قد عدا يعدو عليه عدوانا، و اصله من تجاوز الحد فى الشى ء.و السبع العادى اى الظالم الذى يفترس الناس.انتهى.و الجد بالكسر، ضد الهزل و الاجتهاد فى الامر و المراد به هنا المحاربه و المجاهده.و فى انهج: فان جاء الجد فهو ليث عاد وصل واد و فى اكثر نسخه غاد بالمعجمه من غدا عليه اى تكبر.و قال بعض شارحيه: الوصف بالغادى لانه اذا غدا كان جائعا فصولته اشد، و المناسب حينئذ ان يكون ليث منونا و فى النسخ ليث غاد بالاضافه فكانه من اضافه الموصوف الى الصفه، و فى بعض نسخه بالمهمله كما مر، و فى بعضها غاب بالباء الموحده بعد العين المعجمه و هو الاجمه و يسكنها الاسد و المناسب حينئذ الاضافه.و قال الجوهرى: الصل بالكسر، الحيه التى لا تنفع منها الرقيه، يقال: انها لصل صفا اذا كانت منكره مثلا الافعى، و يقال للرجل اذا كان داهيا منكرا: انه لصل اصلال اى حيه من الحيات، و اصله فى الحيات شبه الرجل بها.انتهى.و ذكر الوادى لان الاوديه لانخفاضها تشتد فيها الحراره ، فيشتد السم فى حيتها.كان لايلوم احدا فيما يقع العذر فى مثله حتى يرى اعتذارا فيما يقع العذر اى فيما يمكن ان يكون له فيه عذر، و فى كلمه المثل اشعار بعدم العلم بكون فاعله معذورا اذ من الجائز ان يكون الفاعل غير معذور فيجب التوقف حتى يسمع الاعتذار و يظهرالحق، فان لم يكن عذره مقبولا لامه.و يحتمل ان يكون حتى للتعليل اى كان لايلومه بل يتفحص العذر حتى يجد له عذرا و لو على سبيل الاحتمال.و فى النهج: و كان لايلوم احدا على ما يجد العذر فى مثله حتى يسمع اعتذاره.و فى بعض النسخ على ما لايجد بزياده حرف النفى فالمعنى: لايلوم على امر لايجد فيه عذرا بمجرد عدم الوجدان، اذ يحتمل ان يكون له عذر لايخطر بباله.و كان يفعل ما يقول و يفعل ما لايقول اى يفعل ما يامر غيره به من الطاعات، اشاره الى قوله- تعالى-: يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما الى تفعلون.و قد قيل: ان المعنى لم لاتفعلون ما تقولون، فانه اذا قال و لم يفعل، فعدم الفعل قبيح لا القول.و يفعل من الخيرات و الطاعات ما لايقوله لمصلحه تقيه او عدم انتهاز فرصه او عدم وجدان قابل، كما قال- تعالى-: قذكر ان نفعت الذكرى، كذا فهمه الاكثر.و يخطر بالبال انه المعنى انه يحسن الى غيره سواء وع
ده و الاحسان او لم يعده، كما فسرت الايه المتقدمه فى كثير من الاخبار بخلف الوعد.و فى النهج: و كان يقول ما يفعل، و لايقول ما لايفعل، و فى بعض نسخه فى الاول: و كان يفعل ما يقول.كان اذا ابتزه امران كذا فى اكثر النسخ بالباء الموحده و الزاى على بناء الافتعال، اى استلبه و غلبه و اخذه قهرا، كنايه عن شده ميله اليهما و حصول الدواعى فى كل منهما.فى القاموس: البز الغلبه و اخذ الشى ء بجفاء و قهر كالابتزاز، و بزبز الشى سلبه ك ابتزه، و لايبعد ان يكون فى الاصل: انبراه بالنون و الباء الموحده على الحذف و الايصال اى اعترض له.و فى النهج و كان اذا بدهه امران نظر ايهما اقرب الى الهوى فخالفه يقال: بدهه امر- كمنعه- اى بغته و فاجاه.و هذا الكلام يحتمل معنيين: الاول ان يكون المعنى: اذا عرضت له طاعتان كان يختار اشقهما على نفسه لكونها اكثر ثوابا كالوضوء بالماء البارد و الحار فى الشتاء، كما ورد ذلك فى فضائل اميرالمومنين- عليه السلام-.و الثانى ان يكون معيارا لحسن الاشياء و قبحها كما اذا ورد عليه فعل لايدرى فعله افضل او تركه فينظر الى نفسه و كلما تهواه يخالفها كما ورد لاتترك النفس و هواها فان رداها فى هواها و هذا هو الغالب، لكن جعلها
قاعده كليه كما تقوله المتصوفه مشكل لما نقل عن بعضهم انه مر بعذره فعرضها على نفسه فابت فاكلها، و الظاهر ان اكلها كن عين هواها لتعده الرعاع من الناس شيخا كاملا و لكل عذره آكلا.الا عند من يرجو عنده البرء اى ربه- تعالى- فانه الشافى حقيقه او المراد الطبيب الحاذق الذى يرجو بمعالجته البرء فانه حينئذ ليس بشكايه، بل هو طلب لعلاجه، فالاستثناء منقطع.و فى النهج: و كان لايشكو و جعا الا عند برئه اى يحكيه بعد البرء للشكر و التحدث بنعمه الله، فالاستثناء منقطع او اطلقت الشكايه عليها على المشاكله، و قيل: اى كان يكتم مرضه عن اخوانه لئلا يتجشموا زيارته.و لايستشير فى المصباح: شاورته فى كذا و استشرته راجعته لارى رايه فيه.فاشار على بكذا ارانى ما عنده فيه من المصلحه فكانت اشارته خسنه و الاسم المشوره.و فيه لغتان: سكون الشين و فتح الواو و الثانيه ضم الشين و سكون الواو وزان معونه، و يقال: هى من شار الدابه اذا عرضه فى المشوار، و يقال: من اشرت العسل شبه حسن النصيحه بشرى العسل.الا من يرجو عنده النصيحه اى خلوص الراى و عدم الغش و كمال الفهم.كان لايتبرم كان اعاده تلك الخصال مع ذكرها سابقا للتاكيد و شده الاهتمام بترك تلك الخصال، او ال
مراد بها فى الاول تشهى الدنيا و التسخط من فقدها التبرم بمصائب الدنيا و الشكايه عن الوجع، و المراد هنا التبرم من كثره سوال الناس و سوء اخلاقهم و التسخط بما يصل اليه منهم و تشهى ملاذ الدنيا و التشكى عن احوال الدهر او عن الخوان.و الشكايه و التشكى و الاشتكاء بمعنى و يمكن الفرق بامور اخر بالتامل فيما ذكرنا.و لاينتقم اى من العدو حتى ينتقم الله له كما مر.و لايغفل عن العدو اى الاعداء الظاهره و الباطنه كالشيطان و النفس و الهوى.فعليكم بمثل هذه الاخلاق، فى النهج: فعليكم بهذه الخلائق فالزموها و تنافسوا فيها، فان لم تستطيعوها فاعلموا ان اخذ القليل خير من ترك الكثير.اقول: لما كان الغرض من ذكر صفات الاخ ان يقتدى السامعون به فى الفضائل المذكوره، امرهم- عليه السلام- بلزومها و التنافس فيها او فى بعضها ان لم يمكن الكل.قوله- عليه السلام- من ترك الكثير اى الكل.و اقول: فى روايه النهج ترك بعض تلك الخصال و فيها زياده ايضا و هى قوله و كان ان غلب على الكلام لم يغلب على السكوت، و كان على ما يسمع احرص منه على ان يتكلم.و المراد بالفقره الاولى انه ان غلبه احد بالجدال و الخروج عن الحق عدل الى السكوت و ترك المراء فكان هو الغالب حقيق
ه لعدم خروجه عن الحق او المراد ان سكوته كان اكثر من غيره، فالكلام اعم مما هو فى معرض الجدال، و اما الثانيه فالحرص على الاستماع لاحتمال الانتفاع، و قيل: صيغه التفضيل هنا، مثلها فى قوله- تعالى-: اذلك خير ام جنه الخلد؟ (الفرقان: 15(.(هذا بيان آخر فى شرح الحكمه:) بيان: قيل: كان يكتمه لئلا يتكلف الناس زيارته و الاظهر انه بعد البرء شكر لا شكايه، او يحمل على ما اذا على سبيل الشكر.