هوية العلم الديني
الدكتور خسرو باقري هل يمكن مزج العلم بالدين من منظورٍما؟ هل يمكن اجلاس هذين علي مائدة واحدة؟ سوابق هذا البحث ليست متكاملة لدينا. النظرية الأولي في هذاالشأن هينظريةالذين ارادوا وضعالمفاهيمالدينية علي محك التجربة، اوان يختموها، فيالأقل، بختمالتأييد لكي يتحدثوا في هذاالعصرالجديد عنالدين العلمي مرفوعي الرؤوس، ظنا منهم انهم بذلك يشيدون اركان الايمان، و هم في مسيرتهم هذه تحملواالكثير منالمشاق والمصاعب. النظرية الثانية تري الدين مجموعة من المفاهيم القيمية التي تستهدف سعادة الانسان، كمايرون العلم مجموعة من المواضيع الوصفية تعني بعالم الواقع، و لامجال لفرض اية علاقة بين هذين الاثنين. و ثمة نظرية ثالثة تحاول بالمزج بين العلم والدين و بالتغاضي عن الاختلافات الاساس بين المفاهيم، بما فيها مفاهيم هذين النظامين المختلفين فيالمعرفة، لايجاد كائن غيرمتجانس و لقبول نوع من الانتقائية. هذاالبحث الحيالتحقيقي هواليوم مدارالبحث في الهيئات العلمية للحوزات والجامعات عندنا. في هذا البحث يتناول الدكتور خسرو باقري، الأستاذفي جامعة طهران، موضوع «العلم الديني». و هو يعتقدان النظريات العلمية يمكن ان تستعير فرضياتها من المفاهيم الدينية، مع انه يمكن التأكد من علميتها عند وضعها علي محك التجربة. ولكن هل يمم كن، بمجرد اعتبار فرضيات احدي النظريات العلمية أنهادينية، استيلاء ذلك العلم علي موقع خاص؟ هذا بحث يتطلب المساهمة الجادة بين اساتذة الحوزة و الجامعة لتعيين المسيرالنظري للنظام الاسلامي.ان مايثيره في الذهن تعبير«العلم الديني» لأول وهلة هو: تري هل هذا شيء ممكن؟ فاذا كان الجواب بالايجاب، ماهي هويته؟ كيف يمكن الربط بين العلم والدين واستخراج كائن متكامل منهما؟ هذاالسوءال، حسبما يبدو من ظاهره، يفترض عدم وجود تجانس بين العلم والدين، او ان الكلام علي وجودالتجانس أمر علي قدر كبيرمن الصعوبة. ان البحث عن تصور مقبول بعض الشيء عن تعبير «العلم الديني» يعتمد علي إمكانالتحدث عن نوع من الربط بينالعلم والدين في مثل هذاالتصور. إلا ان الكلام علي نوعية هذا الربط سوف يعتمد علي امكان النظرفي هوية كل منالعلم والدين، و علي الاخص من حيث تعلق ذلك بالعلوم التجريبية. و عليه، فان البحث التالي سيقوم علي ثلاث مراحل. في البداية سوف نتكلم علي هوية العلم، ثم علي هويةالدين، و اخيراً علي هوية العلم الديني.1ـ هويةالعلمت لاتتطابق كليا. ان مايطلق عليه (اگاسي (1904)(Agassi اسم «البرنامج Program» يبين بوضوح هذه الارضية المعرفية: «عند محاولتناصياغة فرضية، نستند عادة علي وجهة نظر عامة، و بعض المبادئالتي تحظي بالقبول قبل وضع الاطار للفرضيات... و هي مبادئ مقبولة من قبل «a priori»، اي انها مقبولة قبل الفرضية التي نريد صياغتها.» في هذاالمقاله تسمي هذه النظرة المؤثرة باسم «ماوراءالطبيعة Metaphysics». و فيالوقت الذي نري فيه تأثير ماوراء الطبيعة في ظهور الفرضيات و تحولها يكاد يكون متفقا عليه، فان مقدار هذاالتأثير وكيفية تصنيف و جهاتالنظر الميتافيزيقية تكون موضع خلاف.نبدأاولاً بدراسة تصنيف و جهاتالنظر الميتافيزيقية. يقول بعضهم بوجود الاختلاف بين نظرات علمالوجود الداخلة فيه والخارجة عنه، يقول (ويزدمWisdom)(1987) في نقد نظرية (پوپر(Popper الذي يعتبر الميتافيزيقاً خارج ميدان العلم (كمعيار للتمايز): «بعض انواع علم الوجود يمثل اجزاءً منالنظريات العلمية» (ص129).يقسم (ويزدم) الاجزاء التي تؤلف العلمالي ثلاثة اقسام:1. المحتوي التجريبي empirical content و هو من حيث المشاهدة قابل للإبطال.2. علمالوجود المنْضَم embedded ontology الذي لايمكن بدونه ادراك المحتوي التجريبي اوالاستفادة منه (كالفضاء المطلق في نظرية نيوتن).3. النظرة العالمية او علم الوجود غيرالمنضم unembedded antology، الذي يضم اباحات و تحريمات prescription and proscription بحسبالمسيرة العلمية. يري (ويزدم) ان «النظرة العالمية» لا يمكن ادخالها في صلب النظريات العلمية، و لا هي جزء من معانيها. بيدان بعضا من علم الوجود يعد من النظريات لأن له تأثيره علي الاسلوب العلمي و مسيرته. «أما (النظرةالعالمية) فاطار عام يحتوي العلم بين جوانبه و يمنحه شكله.» ثم يضرب لذلك مثلاً فيفول: «انالقول بأن جميع التطورات البدنية ناجمة من علل في الجسم يعتبر جزءا من علم الوجود غيرالمنضم الي نظريات علم الأحياء و علم وظائف الاعضاء، و عليه فان جميع التطورات العظيمة الكلاسية في علم وظائف الاعضاء (الفيزيولوجي) يرجع اليذلك.» (ص140).ولكنه يقول ان النظم الميتافيزيقية القديمة مستثناة من ذلك. و لا يمكن عدها جزءا من نظرية ما. ودليله علي ذلك هو ان هذه النظم لها علاقة بالقضايا الانتزاعية، مثل الجوهر، العلاقة بين الجواهر، ماهية الكليات و امثال ذلك. و اذا نظرنا الي المعيار الذي يزن به (ويزدم) النظرة الي العالم، لا نجد مسوغا لقبول الاستثناء الذي يقول به. و هذاالمعيار هو «تأثيره عليالاسلوب العلمي و ميسرته»، من دون ان تنضم «النظرة اليالعالم» انضماما صريحا الي نظرية ما. فبالنظرالي هذا المعيار لا نجدما يسوغ القول بأن بعضا من مبادئ النظم الميتافيزيقية القديمة تكون مستثناة من اعتبارها من النظريات العلمية. فمثلاً رأي (ارسطو) و (لايب نيتس) القائل بأن بعض العلائق بين الجواهرضروري، بصفتها اصلامن اصول الجبرية Determinism، و قد كان لهذا الاعتقاد تأثير كبير علياسلوب العلم و مسيرته. اننا لسناهنا بصدد البحث في صحة هذا الاعتقاد او عدم صحة. انماالذي يلفت الانتباه هو ان الاعتقاد الميتافيزيقي المذكور كان له فعلاً تأثير كبير علي اسلوبالعلم و مسيرته، سواء في العلوم الطبيعية او في العلوم الانسانية. أليس المبدأالذي يعرضه (ويزدم) كمثال، اي «جميع التطورات البدنية ناجمة من علل في الجسم» بذاته مصداقا خاصا لمبدأ الجبرية؟ و عليه، فان زعم (ويزدم) ان وجهات النظرالميتافيزيقية القديمة لاتأثيرلها علي العلم، ادعاء غير صحيح. لذلك فالتمايز بين الدعاوي الميتافيزيقية و تقسيمها الي قسم موجود ضمن ميدان العلم و قسم موجود خارجه ليس موجها. المهم هو ان الفرضيات العلمية، عند ظهورها و تطورها، تكون تحت تأثير و جهات النظرالميتافيزيقية، سواء اعتبرت قسما من النظريات العلمية، اوجزءا من بنية نظرية علمية.