16 سورة النحل - 106 - 111
مَن كفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إِيمَنِهِ إِلا مَنْ أُكرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطمَئنّ بِالايمَنِ وَ لَكِن مّن شرَحَ بِالْكُفْرِ صدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضبٌ مِّنَ اللّهِ وَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِك بِأَنّهُمُ استَحَبّوا الْحَيَوةَ الدّنْيَا عَلى الاَخِرَةِ وَ أَنّ اللّهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْكفِرِينَ (107) أُولَئك الّذِينَ طبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ سمْعِهِمْ وَ أَبْصرِهِمْ وَ أُولَئك هُمُ الْغَفِلُونَ (108) لا جَرَمَ أَنّهُمْ فى الاَخِرَةِ هُمُ الْخَسِرُونَ (109) ثُمّ إِنّ رَبّك لِلّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمّ جَهَدُوا وَ صبرُوا إِنّ رَبّك مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رّحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتى كلّ نَفْسٍ تجَدِلُ عَن نّفْسِهَا وَ تُوَفى كلّ نَفْسٍ مّا عَمِلَت وَ هُمْ لا يُظلَمُونَ (111)بيان
في الآيات وعيد على الكفر بعد الإيمان و هو الارتداد و وعد جميل للمهاجرين من بعد ما فتنوا المجاهدين الصابرين في الله، و فيها تعرض لحكم التقية.
قوله تعالى: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره" الاطمئنان السكون و الاستقرار، و الشرح البسط، قال في المفردات: أصل الشرح بسط اللحم و نحوه، يقال: شرحت اللحم و شرحته، و منه شرح الصدر أي بسطه بنور إلهي و سكينة من جهة الله و روح منه، قال تعالى: "رب اشرح لي صدري" "أ لم نشرح لك صدرك" "أ فمن شرح الله صدره" و شرح المشكل من الكلام بسطه و إظهار ما يخفى من معانيه.
انتهى.
و قوله: "من كفر بالله من بعد إيمانه" شرط جوابه قوله: "فعليهم غضب من الله" و عطف عليه قوله: "و لهم عذاب عظيم" و ضمير الجمع في الجزاء عائد إلى اسم الشرط "من" لكونه بحسب المعنى كليا ذا أفراد.
و قوله: "إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان" استثناء من عموم الشرط و المراد بالإكراه الإجبار على كلمة الكفر و التظاهر به فإن القلب لا يقبل الإكراه و المراد أستثني من أكره على الكفر بعد الإيمان فكفر في الظاهر و قلبه مطمئن بالإيمان.
و قوله: "و لكن من شرح بالكفر صدرا" أي بسط صدره للكفر فقبله قبول رضى و وعاه، و الجملة استدراك من الاستثناء فيعود إلى معنى المستثنى منه فإن المعنى ما أريد بقولي: "من كفر بالله من بعد إيمانه" من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان و لكن أريد به من شرح بالكفر صدرا، و في مجموع الاستثناء و الاستدراك بيان كامل للشرط، و هذه هي النكتة لاعتراض الاستثناء بين الشرط و الجزاء و عدم تأخيره إلى أن تتم الشرطية.
و قيل: قوله: "من كفر" بدل من "الذين لا يؤمنون بآيات الله" في الآية السابقة، و قوله: "و أولئك هم الكاذبون" جملة معترضة، و قوله: "إلا من أكره" استثناء من ذلك و قوله: "و لكن من شرح" مبتدأ خبره أو القائم مقام خبره قوله: "فعليهم غضب من الله".
و المعنى - على هذا - إنما يفتري الكذب الذين كفروا من بعد إيمانهم إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان و عند ذلك تم الكلام ثم بدأ فقال: و لكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله.
و الذوق السليم يكفي مئونة هذا الوجه على ما به من السخافة.
قوله تعالى: "ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة و أن الله لا يهدي القوم الكافرين" بيان لسبب حلول غضب الله بهم و ثبوت العذاب العظيم عليهم و هو أنهم اختاروا الحياة الدنيا و هي الحياة المادية التي لا غاية لها إلا التمتع الحيواني و الاشتغال بمشتهيات النفس على الآخرة التي هي حياة دائمة مؤبدة في جوار رب العالمين و هي غاية الحياة الإنسانية.
و بعبارة أخرى هؤلاء لم يريدوا إلا الدنيا و انقطعوا عن الآخرة و كفروا بها و الله لا يهدي القوم الكافرين و إذ لم يهدهم الله ضلوا عن طريق السعادة و الجنة و الرضوان فوقعوا في غضب من الله و عذاب عظيم.
قوله تعالى: "أولئك الذين طبع الله على قلوبهم و سمعهم و أبصارهم و أولئك هم الغافلون" إشارة إلى أن اختيار الحياة الدنيا على الآخرة و الحرمان من هداية الله سبحانه هو الوصف الذي يوصف به الذين طبع الله على قلوبهم و سمعهم و أبصارهم و الذين يسمون غافلين.
فإنهم باختيارهم الحياة الدنيا غاية لأنفسهم و حرمانهم من الاهتداء إلى الأخرى انقطعوا عن الآخرة و تعلقوا بالدنيا و جعلوها غاية لأنفسهم فوقف حسهم و عقلهم فيها دون أن يتعدياها إلى ما وراءها و هو الآخرة فليسوا يبصرون ما يعتبرون به و لا يسمعون عظة يتعظون بها و لا يعقلون حجة يهتدون بها إلى الآخرة.
فهم مطبوع على قلوبهم و سمعهم و أبصارهم فلا تنال قلوبهم و لا سمعهم و أبصارهم ما يدلهم على الآخرة، و هم غافلون عنها لا يتنبهون لشيء من أمرها.
فظهر أن ما في الآية السابقة من الوصف بمنزلة المعرف لما في هذه الآية من الطبع و من الغفلة فعدم هداية الله إياهم إثر ما تعلقوا بالدنيا هو معنى الطبع و الغفلة، و الطبع صنع إلهي منسوب إليه تعالى فعله بهم مجازاة و الغفلة صفة منسوبة إليهم أنفسهم.
قوله تعالى: "لا جرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون" لأنهم ضيعوا رأس مالهم في الدنيا فبقوا لا زاد لهم يعيشون به في أخراهم، و قد وقع في نظير المقام من سورة هود: "لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون": هود: 22، و لعل وجه التشديد هناك أنه تعالى أضاف إلى صفاتهم هناك أنهم صدوا عن سبيل الله فراجع.
قوله تعالى: "ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا و صبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم" الفتنة في الأصل إدخال الذهب النار ليظهر جودته ثم استعمل في مطلق البلاء و التعذيب، و قد كانت قريش و مشركو مكة يفتنون المؤمنين ليردوهم عن دينهم و يعذبونهم بأنواع العذاب حتى ربما كانوا يموتون تحت العذاب كما فتنوا عمارا و أباه و أمه فقتل أبواه و ارتد عمار ظاهرا فتفصى منهم بالتقية و في ذلك نزلت الآيات السابقة كما سيأتي إن شاء الله في البحث الروائي.
و من هنا يظهر أن للآية اتصالا بما قبلها من قوله: "إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان" و هي في معنى قولنا: و بعد ذلك كله إن الله غفور رحيم للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا و صبروا.
فقوله: "ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا وعد جميل للمهاجرين من بعد ما فتنوا بالمغفرة و الرحمة يوم القيامة قبال ما أوعد غيرهم بالخسران التام يومئذ و قد قيد ذلك بالجهاد و الصبر بعد المهاجرة.
و قوله: "إن ربك من بعدها لغفور رحيم" بمنزلة تلخيص صدر الكلام - لطوله - ليلحق به ذيله، و يفيد فائدة التأكيد كقولنا: زيد في الدار زيد في الدار كذا و كذا، و يفيد أن لما ذكر من قيود الكلام دخلا في الحكم فالله سبحانه لا يرضى عنهم إلا أن يهاجروا و لا عن هجرتهم إلا أن يجاهدوا بعدها و يصبروا.
قوله تعالى: "يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها و توفى كل نفس ما عملت و هم لا يظلمون" إتيان النفس يوم القيامة كناية عن حضورها عند الملك الديان، كما قال: "فإنهم لمحضرون": الصافات: 127 و الضمير في قوله: "عن نفسها" للنفس و لا ضير في إضافة النفس إلى ضمير النفس فإن النفس ربما يراد بها الشخص الإنساني كقوله: "من قتل نفسا بغير نفس": المائدة: 22، و ربما يراد بها التأكيد و يتحد معناها بما تقدمها من المؤكد سواء كان إنسانا أو غيره، كما يقال: الإنسان نفسه و الفرس نفسه و الحجر نفسه و السواد نفسه، و يقال: نفس الإنسان و نفس الفرس و نفس الحجر و نفس السواد، و قوله: "عن نفسها" المراد فيه بالمضاف المعنى الثاني و بالمضاف إليه المعنى الأول، و قد دفع التعبير بالضمير بشاعة تكرار اللفظ بالإضافة، و في هذا المقدار كفاية عن الأبحاث الطويلة التي أوردها المفسرون.
و قوله: "يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها" الظرف متعلق بقوله في الآية السابقة: "لغفور رحيم" و مجادلة النفس عن نفسها دفاعها عن نفسها و قد نسيت كل شيء وراء نفسها على خلاف ما كانت عليه في الدنيا من التعلق بكل شيء دون نفسها بنسيانها و ليس ذلك إلا لظهور حقيقة الأمر عليها و هي أن الإنسان لا سبيل له إلى ما وراء نفسه، و ليس له في الحقيقة إلا أن يشتغل بنفسه.
فاليوم تأتي النفس و تحضر للحساب و هي تجادل و تصر على الدفاع عن نفسها بما تقدر عليه من الأعذار.
و قوله: "و توفى كل نفس ما عملت و هم لا يظلمون" التوفية إعطاء الحق تاما من غير تنقيص، و قد علق التوفية على نفس العمل إذ قيل: "ما عملت" فأفيد أن الذي أعطيته نفس العمل من غير أن يتصرف فيه بتغيير أو تعويض، و فيه كمال العدل حيث لم يضف إلى ما استحقته شيء و لا نقص منه و لذلك عقبه بقوله: "و هم لا يظلمون".
ففي الآية إشارة: أولا: إلى أن نفسا لا تدافع يوم القيامة و لا تجادل عن غيرها بل إنما تشتغل بنفسها لا فراغ لها لغيرها كما قال: "يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا": الدخان: 41، و قال: "يوم لا ينفع مال و لا بنون": الشعراء: 88، و قال: "يوم لا بيع فيه و لا خلة و لا شفاعة": البقرة: 254.
و ثانيا: إلى أن الجدال لا ينفعها في صرف ما استحقتها من الجزاء شيئا فإن الذي تجزاه هو عين ما عملت و لا سبيل إلى تغيير هذه النسبة و ليس من الظلم في شيء.
بحث روائي
في الدر المنثور، أخرج ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه عن ابن عباس قال: لما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يهاجر إلى المدينة قال لأصحابه: تفرقوا عني فمن كانت به قوة فليتأخر إلى آخر الليل و من لم تكن به قوة فليذهب في أول الليل فإذا سمعتم بي قد استقرت بي الأرض فالحقوا بي.فأصبح بلال المؤذن و خباب و عمار و جارية من قريش كانت أسلمت فأصبحوا بمكة فأخذهم المشركون و أبو جهل فعرضوا على بلال أن يكفر فأبى فجعلوا يضعون درعا من حديد في الشمس ثم يلبسونها إياه فإذا ألبسوها إياه قال أحد أحد، و أما خباب فجعلوا يجرونه في الشوك.
و أما عمار فقال لهم كلمة أعجبتهم تقية، و أما الجارية فوتد لها أبو جهل أربعة أوتاد ثم مدها فأدخل الحربة في قلبها حتى قتلها ثم خلوا عن بلال و خباب و عمار فلحقوا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبروه بالذي +" كان "+ من أمرهم و اشتد على عمار الذي كان تكلم به فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): كيف كان قلبك حين قلت الذي قلت؟ أ كان منشرحا بالذي قلت أم لا؟ قال: لا قال و أنزل الله: "إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان".
أقول: و الجارية المذكورة في الرواية هي سمية أم عمار، و كان معهم ياسر أبو عمار، و قيل: و كان أبو عمار أول شهيدين في الإسلام، و قد استفاضت الروايات على قتلهما بالفتنة و إظهار عمار الكفر تقية و نزول الآية فيه.
و فيه، أخرج عبد الرزاق و ابن سعد و ابن جرير و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و الحاكم و صححه و البيهقي في الدلائل من طريق أبي عبيدة بن محمد بن عمار عن أبيه قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ذكر آلهتهم بخير ثم تركوه.
فلما أتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: ما وراءك شيء؟ قال: شر.
ما تركت حتى نلت منك و ذكرت آلهتهم بخير.
قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان.
قال: إن عادوا فعد، فنزلت: "إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان".
و في المجمع، عن ابن عباس و قتادة: أن الآية نزلت في جماعة أكرهوا و هم عمار و ياسر أبوه و أمه سمية و صهيب و بلال و خباب عذبوا و قتل أبو عمار و أمه و أعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه ثم أخبر سبحانه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال قوم: كفر عمار فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) كلا إن عمارا مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه و اختلط الإيمان بلحمه و دمه.
و جاء عمار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): و هو يبكي فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ما وراءك؟ فقال: شر يا رسول الله ما تركت حتى نلت منك و ذكرت آلهتهم بخير فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمسح عينيه و يقول: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت فنزلت الآية.
و في الدر المنثور، أخرج ابن سعد عن عمر بن الحكم قال: كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول، و كان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول، و كان أبو فكيهة يعذب حتى لا يدري ما يقول، و بلال و عامر و ابن فهيرة و قوم من المسلمين و فيهم نزلت هذه الآية: "ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا.
أقول: و سمي منهم في بعض الروايات عباس بن أبي ربيعة و في بعضها الآخر هو و الوليد بن أبي ربيعة و الوليد بن الوليد بن المغيرة و أبو جندل بن سهيل بن عمرو و أجمع رواية في ذلك ما عن ابن عباس: أن هذه الآية نزلت فيمن كان يفتن من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا".
و في الكافي، بإسناده عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث قال: فأما ما فرض على القلب من الإيمان الإقرار و المعرفة و العقد و الرضا و التسليم بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا لم يتخذ صاحبة و لا ولدا و أن محمدا عبده و رسوله، و الإقرار بما جاء به من عند الله من نبي أو كتاب: فذلك ما فرض الله على القلب من الإقرار و المعرفة و هو عمله و هو قول الله عز و جل: "إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان - و لكن من شرح بالكفر صدرا.
و فيه، بإسناده عن مسعدة بن صدقة قال: قيل لأبي عبد الله (عليه السلام): إن الناس يروون أن عليا (عليه السلام) قال على منبر الكوفة: يا أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني ثم تدعون إلى البراءة مني فلا تبرءوا مني.
قال: ما أكثر ما يكذبون الناس على علي (عليه السلام) ثم قال: إنما قال: إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني ثم تدعون إلى البراءة و إني لعلى دين محمد و لم يقل: و لا تبرءوا مني.
فقال له السائل: أ رأيت إن اختار القتل دون البراءة؟ قال: و الله ما ذاك عليه و ما له إلا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة و قلبه مطمئن بالإيمان فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عندها: يا عمار إن عادوا فعد فقد أنزل الله عذرك "إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان" و أمرك أن تعود إن عادوا: أقول: و روى هذا المعنى العياشي في تفسيره، عن معمر بن يحيى بن سالم عن أبي جعفر (عليه السلام)، و قوله (عليه السلام): "و أمرك أن تعود إن عادوا" يستفاد ذلك من الآية حيث لم يرد الاستثناء فيها من الشخص بل وردت على العنوان و هو إكراه من اطمأن قلبه بالإيمان، و أما كونه أمرا منه تعالى كما أمر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلعل الوجه أن صريح الاستثناء هو الجواز و مع جواز ذلك لا مساغ للإباء الذي هو عرض النفس للقتل و إلقاؤها في التهلكة فيجامع هذا الجواز الوجوب دون الإباحة.
و في تفسير العياشي، عن عمرو بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): رفع عن أمتي أربعة خصال: ما أخطئوا و ما نسوا و ما أكرهوا عليه و ما لم يطيقوا، و ذلك في كتاب الله: "إلا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان".