[ و بالجملة : الذي يتكفله الدليل ، ليس إلا الانفكاك بين الارادة الحقيقية ، و الطلب المنشا بالصيغة الكاشف عن مغايرتهما .
و هو مما لا محيص عن الالتزام به ، كما عرفت ، و لكنه لا يضر بدعوى الاتحاد أصلا ، لمكان هذه المغايرة و الانفكاك بين الطلب الحقيقي و الانشائي ، كما لا يخفي .
ثم إنه يمكن - مما حققناه - أن يقع الصلح بين الطرفين ، و لم يكن نزاع في البين ، بأن يكون المراد بحديث الاتحاد ما عرفت من العينية مفهوما و وجودا حقيقيا و إنشائيا ، و يكون المراد بالمغايرة و الاثنينية هو اثنينية الانشائي من الطلب ، كما هو كثيرا ما يراد من إطلاق لفظه ، و الحقيقي من الارادة ، كما هو المراد غالبا منها حين إطلاقها ، فيرجع النزاع لفظيا ، فافهم .]
بالكلام النفسي ، و يجعلون الكلام اللفظي دليلا عليه ، و استدلوا على ذلك بالاوامر الصادرة عن الشرع من إرادة البعث ، مثل الاوامر الاختبارية ، فانه ليست فيها إرادة ، و هذا يكشف عن ان هناك صفة اخرى مدلولة لنلفظ الامر ، و هي الطلب الذي يعبر عنه بالكلام النفسي ، كما انهم ( اي الاشاعرة ) ذهبوا إلى ان حقيقة الاستفهام و التمني و الترجي ثابتة و محققة هناك ، و يعبر عنها ايضا بالكلام النفسي ، و الفاظها دليل عليها ، بخلاف العدلية فانهم قالوا : يستحيل ذلك في حقه تعالى ، فان كلا من المعاني المذكورة بحقيقتها مسبوقة بالجهل و تعالى شأنه عن ذلك علوا كبيرا ، بل لما كانت الالفاظ الموضوعة لها موضوعة لايجاد معانيها ، و هو تارة يكون بداعي ثبوت تلك المعاني و تحققها ، و اخرى بدواع اخر ، فلا محالة تكون الالفاظ الواردة في كلامه تعالى مستعملة في إيجاد معانيها لا بداعي ثبوتها و تحققها بل بدواع اخر ، هذه خلاصة كلام الطرفين في هذا البحث ، و اما التحقيق هو ما ذهبت اليه العدلية ، و الدليل على ذلك هو الوجدان ، لانا إذا رجعنا إلى وجد اننا و تاملنا حق التأمل لا نجد في أنفسنا