88 - في نهج البلاغة الحمد لله الذي لبس العز و الكبرياء و اختارهما لنفسه دون خلقه و جعلهما حمى و حرما على غيره ، و اصطفاهما لجلاله و جعل اللعنة على من نازعه فيهما في عباده ، ثم اختبر بذلك ملائكته المقربين ليميز المتواضعين منهم من المتكبرين فقال سبحانه - و هو العالم بمضمرات القلوب و محجوبات الغيوب : انى خالق بشرا من طين فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون الا إبليس اعترضته الحمية فافتخر على آدم بخلقه و تعصب عليه لاصله فعدو الله امام المتعصبين و سلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبية و نازع الله رداء الجبرية ، و ادرع ( 1 ) لباس التعزز و خلع قناع التذلل ، ألا ترون كيف صغره الله بتكبره ، و وضعه بترفعه ، فجعله في الدنيا مدحورا ( 2 ) وأعد له في الآخرة سعيرا ، و لو أراد الله سبحانه أن يخلق آدم من نور يخطف الابصار ضياءه ، و يبهر العقول رؤاؤه و طيب يأخذ الانفاس عرفه ( 3 ) لفعل و لو فعل لظلت له الاعناق خاضعة ، و لخفت البلوى فيه على الملائكة ، و لكن الله سبحانه ابتلى خلقه ببعض ما يجهلون أصله تمييزا بالاختبار لهم ، و نفيا للاستكبار عنهم ، و ابعادا للخيلاء منهم ( 4 ) فاعتبروا بما كان من فعل الله بإبليس إذا أحبط عمله الطويل ، و جهده الجهيد ، و كان قد عبد الله ستة آلاف سنة لا يدرى أمن سنى الدنيا أم من سنى الآخرة من كبر ساعة واحدة ، فمن ذا بعد إبليس يسلم على الله بمثل معصيته ، كلا ، ما كان الله سبحانه ليدخل الجنة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا ، ان حكمه في أهل السماء واهل الارض لواحد ، و ما بين الله و بين احد من خلقه هوادة ( 5 ) في إباحة حمى حرمه الله تعالى على العالمين .
89 - في كتاب معاني الاخبار باسناده إلى عباس بن هلال عن أبى الحسن
1 - ادرع الرجل : لبس درع الحديد . 2 - اى مطرودا مبعدا ، يقال : دحره الله دحورا اى أقصاه و طرده . 3 - الرؤاء - بالهمزة و المد - : المنظر الحسن . و العرف : الريح الطيبة . 4 - الخيلاء : الكبر ( 5 ) الهوادة : الموادعة و المصالحة .