شرح نهج البلاغة

ابن ابی الحدید المعتزلی؛ محقق: محمد ابوالفضل ابراهیم

جلد 2 -صفحه : 22/ 4
نمايش فراداده

فتى كان يدنيه الغنى من صديقه ** إذا ما هو استغنى و يبعده الفقر

ثم قال و الله لكان عمي كان ينظر منوراء ستر رقيق و الله ما نلت من هذا الأمر شيئا إلا بعد شر لا خير معه. و روى أبوبكر أحمد بن عبد العزيز عن حباب بن يزيد عن جرير بن المغيرة أن سلمان و الزبير والأنصار كان هواهم أن يبايعوا عليا (ع) بعد النبي (ص) فلما بويع أبو بكر قال سلمانأصبتم الخبرة و أخطأتم المعدن.

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثناعلي بن أبي هاشم قال حدثنا عمر بن ثابت عن حبيب بن أبي ثابت قال قال سلمان يومئذأصبتم ذا السن منكم و أخطأتم أهل بيت نبيكم لو جعلتموها فيهم ما اختلف عليكم اثنانو لأكلتموها رغدا.

قال أبو بكر و أخبرنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قالحدثنا غسان

[50]

بن عبد الحميد قال لما أكثر الناس في تخلفعلي (ع) عن بيعة أبي بكر و اشتد أبو بكر و عمر عليه في ذلك خرجت أم مسطح بن أثاثةفوقفت عند القبر و قالت :

كانت أمور و أبناء و هنبثة ** لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب

إنا فقدناك فقد الأرض وابلها ** و اختل قومك فاشهدهم و لا تغب

قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز وأخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا إبراهيم بن المنذر عن ابن وهب عن ابن لهيعةعن أبي الأسود قال غضب رجال من المهاجرين في بيعة أبي بكر بغير مشورة و غضب علي والزبير فدخلا بيت فاطمة (ع) معهما السلاح فجاء عمر في عصابة منهم أسيد بن حضير وسلمة بن سلامة بن وقش و هما من بني عبد الأشهل فصاحت فاطمة (ع) و ناشدتهم اللهفأخذوا سيفي علي و الزبير فضربوا بهما الجدار حتى كسروهما ثم أخرجهما عمر يسوقهماحتى بايعا ثم قام أبو بكر فخطب الناس و اعتذر إليهم و قال إن بيعتي كانت فلتة وقىالله شرها و خشيت الفتنة و ايم الله ما حرصت عليها يوما قط و لقد قلدت أمرا عظيماما لي به طاقة و لا يدان و لوددت أن أقوى الناس عليه مكاني و جعل يعتذر إليهم فقبلالمهاجرون عذره و قال علي و الزبير ما غضبنا إلا في المشورة و إنا لنرى أبا بكرأحق الناس بها إنه لصاحب الغار و إنا لنعرف له سنه و لقد أمره رسول الله (ص) بالصلاةبالناس و هو حي.

قال أبو بكر و قد روي بإسناد آخر ذكره أن ثابت بن قيس بن شماس كانمع الجماعة الذين حضروا مع عمر في بيت فاطمة (ع) و ثابت هذا أخو بني الحارث بنالخزرج.

[51]

و روي أيضا أن محمد بن مسلمة كان معهم و أنمحمدا هو الذي كسر سيف الزبير.

قال أبو بكر و حدثنييعقوب بن شيبة عن أحمد بن أيوب عن إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبدالله بن عباس قال خرج علي (ع) على الناس من عند رسول الله (ص) في مرضه فقال له الناسكيف أصبح رسول الله (ص) يا أبا حسن قال أصبح بحمد الله بارئا قال فأخذ العباس بيد عليثم قال يا علي أنت عبد العصا بعد ثلاث أحلف لقد رأيت الموت في وجهه و إني لأعرفالموت في وجوه بني عبد المطلب فانطلق إلى رسول الله (ص) فاذكر له هذا الأمر إن كانفينا أعلمنا و إن كان في غيرنا أوصى بنا فقال لا أفعل و الله إن منعناه اليوم لايؤتيناه الناس بعده قال فتوفي رسول الله ذلك اليوم .

و قال أبو بكر حدثني المغيرة بن محمدالمهلبي من حفظه و عمر بن شبة من كتابه بإسناد رفعه إلى أبي سعيد الخدري قال سمعتالبراء بن عازب يقول لم أزل لبني هاشم محبا فلما قبض رسول الله (ص) تخوفت أن تتمالأقريش على إخراج هذا الأمر عن بني هاشم فأخذني ما يأخذ الواله العجول. ثم ذكر ما قدذكرناه نحن في أول هذا الكتاب في شرح قوله (ع) أما و الله لقد تقمصها فلان و زاد فيهفي هذه الرواية فمكثت أكابد ما في نفسي فلما كان بليل خرجت إلى المسجد فلما صرتفيه تذكرت أني كنت أسمع همهمة رسول الله (ص) بالقرآن فامتنعت من مكاني فخرجت إلىالفضاء فضاء بني بياضة و أجد نفرا يتناجون فلما دنوت منهم سكتوا فانصرفت عنهمفعرفوني و ما أعرفهم فدعوني إليهم فأتيتهم فأجد المقداد بن الأسود و عبادة بنالصامت و سلمان الفارسي و أبا ذر و حذيفة و أبا الهيثم بن التيهان و إذا حذيفة يقوللهم و الله ليكونن ما أخبرتكم

[52]

به و الله ما كذبت و لاكذبت و إذا القوم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. ثم قال ائتوا أبي بنكعب فقد علم كما علمت قال فانطلقنا إلى أبي فضربنا عليه بابه حتى صار خلف البابفقال من أنتم فكلمه المقداد فقال ما حاجتكم فقال له افتح عليك بابك فإن الأمر أعظممن أن يجرى من وراء حجاب قال ما أنا بفاتح بابي و قد عرفت ما جئتم له كأنكم أردتمالنظر في هذا العقد فقلنا نعم فقال أ فيكم حذيفة فقلنا نعم قال فالقول ما قال وبالله ما أفتح عني بابي حتى يجرى على ما هي جارية و لما يكون بعدها شر منها و إلىالله المشتكى.

قال و بلغ الخبر أبا بكر و عمر فأرسلا إلى أبي عبيدة و المغيرة بنشعبة فسألاهما عن الرأي فقال المغيرة أن تلقوا العباس فتجعلوا له في هذا الأمرنصيبا فيكون له و لعقبه فتقطعوا به من ناحية علي و يكون لكم حجة عند الناس على عليإذا مال معكم العباس.

فانطلقوا حتى دخلوا على العباس في الليلة الثانية من وفاةرسول الله (ص) ثم ذكر خطبة أبي بكر و كلام عمر و ما أجابهما العباس به و قد ذكرناهفيما تقدم من هذا الكتاب في الجزء الأول و روى أبو بكر قال أخبرنا أحمد بن إسحاقبن صالح قال حدثنا عبد الله بن عمر عن حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القاسم بنمحمد قال لما توفي النبي (ص) اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة فأتاهم أبو بكر و عمرو أبو عبيدة فقال الحباب

[53]

بن المنذر منا أمير و منكمأمير إنا و الله ما ننفس هذا الأمر عليكم أيها الرهط و لكنا نخاف أن يليه بعدكم منقتلنا أبناءهم و آباءهم و إخوانهم فقال عمر بن الخطاب إذا كان ذلك قمت إن استطعتفتكلم أبو بكر فقال نحن الأمراء و أنتم الوزراء و الأمر بيننا نصفان كشق الأبلمةفبويع و كان أول من بايعه بشير بن سعد والد النعمان بن بشير. فلما اجتمع الناس علىأبي بكر قسم قسما بين نساء المهاجرين و الأنصار فبعث إلى امرأة من بني عدي بنالنجار قسمها مع زيد بن ثابت فقالت ما هذا قال قسم قسمه أبو بكر للنساء قالت أتراشونني عن ديني و لله لا أقبل منه شيئا فردته عليه.

قلت قرأت هذا الخبر على أبيجعفر يحيى بن محمد العلوي الحسيني المعروف بابن أبي زيد نقيب البصرة رحمه اللهتعالى في سنة عشر و ستمائة من كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري قال لقدصدقت فراسة الحباب فإن الذي خافه وقع يوم الحرة و أخذ من الأنصار ثأر المشركين يومبدر ثم قال لي رحمه الله تعالى و من هذا خاف أيضا رسول الله (ص) على ذريته و أهلهفإنه كان (ع) قد وتر الناس و علم أنه إن مات و ترك ابنته و ولدها سوقة و رعية تحتأيدي الولاة كانوا بعرض خطر عظيم فما زال يقرر لابن عمه قاعدة الأمر بعده حفظالدمه و دماء أهل بيته فإنهم إذا كانوا ولاة الأمر كانت دماؤهم أقرب إلى الصيانة والعصمة مما إذا كانوا سوقة تحت يد وال من غيرهم فلم يساعده القضاء و القدر و كانمن الأمر ما كان ثم أفضى أمر ذريته فيما بعد إلى ما قد علمت.

[54]

قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز حدثني يعقوب بن شيبة بإسناد رفعه إلى طلحةبن مصرف قال قلت لهذيل بن شرحبيل إن الناس يقولون إن رسول الله (ص) أوصى إلى علي (ع) فقال أبو بكر يتأمر على وصي رسول الله (ص) ود أبو بكر أنه وجد من رسول الله (ص) عهدافخزم أنفه.

قلت هذا الحديث قد خرجه الشيخان محمد بن إسماعيل البخاري و مسلم بن الحجاجالقشيري في صحيحيهما عن طلحة بن مصرف قال سألت عبد الله بن أبي أوفى أوصى رسولالله (ص) قال لا قلت فكيف كتب على المسلمين الوصية أو كيف أمر بالوصية و لم يوص قالأوصى بكتاب الله قال طلحة ثم قال ابن أوفى ما كان أبو بكر يتأمر على وصي رسول اللهص ود أبو بكر أنه وجد من رسول الله (ص) عهدا فخزم أنفه بخزامه. و روى الشيخان فيالصحيحين عن عائشة أنه ذكر عندها أن رسول الله (ص) أوصى قالت و متى أوصى و من يقولذلك قيل إنهم يقولون قالت من يقوله لقد دعا بطست ليبول و إنه بين سحري و نحريفانخنث في صدري فمات و ما شعرت. و في الصحيحين أيضا خرجاه معا عن ابن عباس أنه كانيقول يوم الخميس و ما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى فقلنا يا ابن عباس و ما يوم الخميس ?

[55]

قال اشتد برسول اللهص وجعه فقال ائتوني بكتاب أكتبه لكم لا تضلوا بعدي أبدا فتنازعوا فقال إنه لا ينبغيعندي تنازع فقال قائل ما شأنه أ هجر استفهموه فذهبوا يعيدون عليه فقال دعوني والذي أنا فيه خير من الذي أنتم فيه ثم أمر بثلاثة أشياء فقال أخرجوا المشركين منجزيرة العرب و أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم .

و سئل ابن عباس عن الثالثة فقال إما ألايكون تكلم بها و إما أن يكون قالها فنسيت.

و في الصحيحين أيضا خرجاه معا عن ابنعباس رحمه الله تعالى قال لما احتضر رسول الله (ص) و في البيت رجال منهم عمر بن الخطاب قال النبي (ص) هلمأكتب لكم كتابا لا تضلون بعده .

فقال عمر إن رسول الله (ص) قد غلب عليهالوجع و عندكم القرآن حسبنا كتاب الله فاختلف القوم و اختصموا فمنهم من يقول قربواإليه يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده و منهم من يقول القول ما قاله عمر فلما أكثروااللغو و الاختلاف عنده (ع) قال لهم قوموا فقاموا فكان ابن عباس يقول إن الرزية كلالرزية ما حال بين رسول الله (ص) و بين أن يكتب لكم ذلك الكتاب.

قال أبو بكر أحمد بنعبد العزيز الجوهري و حدثني أحمد بن إسحاق بن صالح قال حدثني عبد الله بن عمر بنمعاذ عن ابن عون قال حدثني رجل من زريق

[56]

أن عمر كانيومئذ قال يعني يوم بويع أبو بكر محتجزا يهرول بين يدي أبي بكر و يقول ألا إنالناس قد بايعوا أبا بكر قال فجاء أبو بكر حتى جلس على منبر رسول الله (ص) فحمد اللهو أثنى عليه ثم قال أما بعد فإني وليتكم و لست بخيركم و لكنه نزل القرآن و سنتالسنن و علمنا فتعلمنا أن أكيس الكيس التقى و أحمق الحمق الفجور و إن أقواكم عنديالضعيف حتى آخذ له بالحق و أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق أيها الناس إنماأنا متبع و لست بمبتدع إذا أحسنت فأعينوني و إذا زغت فقوموني. قال أبو بكر و حدثنيأبو زيد عمر بن شبة قال حدثنا أحمد بن معاوية قال حدثني النضر بن شميل قال حدثنامحمد بن عمرو عن سلمة بن عبد الرحمن قال لما جلس أبو بكر على المنبر كان علي (ع) والزبير و ناس من بني هاشم في بيت فاطمة فجاء عمر إليهم فقال و الذي نفسي بيدهلتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم فخرج الزبير مصلتا سيفه فاعتنقه رجل منالأنصار و زياد بن لبيد فبدر السيف فصاح به أبو بكر و هو على المنبر اضرب به الحجرفدق به قال أبو عمرو بن حماس فلقد رأيت الحجر فيه تلك الضربة و يقال هذه ضربة سيفالزبير ثم قال أبو بكر دعوهم فسيأتي الله بهم قال فخرجوا إليه بعد ذلك فبايعوه.

قال أبو بكر و قد روي في رواية أخرى أن سعد بن أبي وقاص كان معهم في بيت فاطمة (ع) والمقداد بن الأسود أيضا و أنهم اجتمعوا على أن يبايعوا عليا (ع) فأتاهم عمر ليحرقعليهم البيت فخرج إليه الزبير بالسيف و خرجت فاطمة (ع) تبكي و تصيح فنهنهت من الناسو قالوا ليس عندنا معصية و لا خلاف في خير اجتمع عليه الناس و إنما اجتمعنا لنؤلفالقرآن في مصحف واحد ثم بايعوا أبا بكر فاستمر الأمر و اطمأن الناس.

[57]

قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد عمر بن شبة قال أخبرنا أبو بكر الباهلي قالحدثنا إسماعيل بن مجالد عن الشعبي قال سأل أبو بكر فقال أين الزبير فقيل عند علي وقد تقلد سيفه فقال قم يا عمر قم يا خالد بن الوليد انطلقا حتى تأتياني بهمافانطلقا فدخل عمر و قام خالد على باب البيت من خارج فقال عمر للزبير ما هذا السيففقال نبايع عليا فاخترطه عمر فضرب به حجرا فكسره ثم أخذ بيد الزبير فأقامه ثم دفعهو قال يا خالد دونكه فأمسكه ثم قال لعلي قم فبايع لأبي بكر فتلكأ و احتبس فأخذبيده و قال قم فأبى أن يقوم فحمله و دفعه كما دفع الزبير فأخرجه و رأت فاطمة ماصنع بهما فقامت على باب الحجرة و قالت يا أبا بكر ما أسرع ما أغرتم على أهل بيترسول الله و الله لا أكلم عمر حتى ألقى الله قال فمشى إليها أبو بكر بعد ذلك و شفعلعمر و طلب إليها فرضيت عنه. قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد قال حدثنا محمد بن حاتمقال حدثنا الحرامي قال حدثنا الحسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن ابن عباسقال مر عمر بعلي و عنده ابن عباس بفناء داره فسلم فسألاه أين تريد فقال مالي بينبعقال علي أ فلا نصل جناحك و نقوم معك فقال بلى فقال لابن عباس قم معه قال فشبكأصابعه في أصابعي و مضى حتى إذا خلفنا البقيع قال يا ابن عباس أما و الله إن كانصاحبك هذا أولى الناس بالأمر بعد وفاة رسول الله إلا أنا خفناه على اثنتين قال ابنعباس فجاء بمنطق لم أجد بدا معه من مسألته عنه فقلت يا أمير المؤمنين ما هما قالخشيناه على حداثة سنه و حبه بني عبد المطلب. قال أبو بكر و حدثني أبو زيد قالحدثنا هارون بن عمر بإسناد رفعه إلى ابن عباس رحمه الله تعالى قال تفرق الناس ليلةالجابية عن عمر فسار

[58]

كل واحد مع إلفه ثم صادفت عمرتلك الليلة في مسيرنا فحادثته فشكا إلي تخلف علي عنه فقلت أ لم يعتذر إليك قال بلىفقلت هو ما اعتذر به قال يا ابن عباس إن أول من ريثكم عن هذا الأمر أبو بكر إنقومكم كرهوا أن يجمعوا لكم الخلافة و النبوة قلت لم ذاك يا أمير المؤمنين أ لمننلهم خيرا قال بلى و لكنهم لو فعلوا لكنتم عليهم جحفا جحفا.

قال أبو بكر وأخبرنا أبو زيد قال حدثنا عبد العزيز بن الخطاب قال حدثنا علي بن هشام مرفوعا إلىعاصم بن عمرو بن قتادة قال لقي علي (ع) عمر فقال له علي (ع) أنشدك الله هل استخلفكرسول الله (ص) قال لا قال فكيف تصنع أنت و صاحبك قال أما صاحبي فقد مضى لسبيله و أماأنا فسأخلعها من عنقي إلى عنقك فقال جدع الله أنف من ينقذك منها لا و لكن جعلنيالله علما فإذا قمت فمن خالفني ضل .

قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عن هارونبن عمر عن محمد بن سعيد بن الفضل عن أبيه عن الحارث بن كعب عن عبد الله بن أبيأوفى الخزاعي قال كان خالد بن سعيد بن العاص من عمال رسول الله (ص) على اليمن فلماقبض رسول الله (ص) جاء المدينة و قد بايع الناس أبا بكر فاحتبس عن أبي بكر فلميبايعه أياما و قد بايع الناس و أتى بني هاشم فقال أنتم الظهر و البطن و الشعاردون الدثار و العصا دون اللحا فإذا رضيتم رضينا و إذا سخطتم سخطنا حدثوني إن كنتمقد بايعتم هذا الرجل قالوا نعم قال على برد و رضا من جماعتكم قالوا نعم قال

[59]

فأنا أرضى و أبايع إذا بايعتم أما و الله يا بني هاشمإنكم الطوال الشجر الطيبو الثمر ثم إنه بايع أبا بكر و بلغت أبا بكر فلم يحفل بهاو اضطغنها عليه عمر فلما ولاه أبو بكر الجند الذي استنفر إلى الشام قال له عمر أتولي خالدا و قد حبس عليك بيعته و قال لبني هاشم ما قال و قد جاء بورق من اليمن وعبيد و حبشان و دروع و رماح ما أرى أن توليه و ما آمن خلافه فانصرف عنه أبو بكر وولى أبا عبيدة بن الجراح و يزيد بن أبي سفيان و شرحبيل بن حسنة.

و اعلم أن الآثارو الأخبار في هذا الباب كثيرة جدا و من تأملها و أنصف علم أنه لم يكن هناك نص صريحو مقطوع به لا تختلجه الشكوك و لا تتطرق إليه الاحتمالات كما تزعم الإمامية فإنهميقولون إن الرسول (ص) نص على أمير المؤمنين (ع) نصا صريحا جليا ليس بنص يوم الغدير ولا خبر المنزلة و لا ما شابههما من الأخبار الواردة من طرق العامة و غيرها بل نصعليه بالخلافة و بإمرة المؤمنين و أمر المسلمين أن يسلموا عليه بذلك فسلموا عليهبها و صرح لهم في كثير من المقامات بأنه خليفة عليهم من بعده و أمرهم بالسمع والطاعة له و لا ريب أن المنصف إذا سمع ما جرى لهم بعد وفاة رسول الله (ص) يعلم قطعاأنه لم يكن هذا النص و لكن قد سبق إلى النفوس و العقول أنه قد كان هناك تعريض وتلويح و كناية و قول غير صريح و حكم غير مبتوت و لعله (ص) كان يصده عن التصريح بذلكأمر يعلمه و مصلحة يراعيها أو وقوف مع إذن الله تعالى في ذلك. فأما امتناع علي (ع) من البيعة حتى أخرج على الوجه الذي أخرج عليه فقد

[60]

ذكره المحدثون و رواه أهل السير و قد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب و هومن رجال الحديث و من الثقات المأمونين و قد ذكر غيره من هذا النحو ما لا يحصىكثرة. فأما الأمور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة من إرسال قنفذ إلى بيتفاطمة (ع) و أنه ضربها بالسوط فصار في عضدها كالدملج و بقي أثره إلى أن ماتت و أنعمر أضغطها بين الباب و الجدار فصاحت يا أبتاه يا رسول الله و ألقت جنينا ميتا وجعل في عنق علي (ع) حبل يقاد به و هو يعتل و فاطمة خلفه تصرخ و تنادي بالويل والثبور و ابناه حسن و حسين معهما يبكيان و أن عليا لما أحضر سألوه البيعة فامتنعفتهدد بالقتل فقال إذن تقتلون عبد الله و أخا رسول الله فقالوا أما عبد الله فنعمو أما أخو رسول الله فلا و أنه طعن فيهم في أوجههم بالنفاق و سطر صحيفة الغدر التياجتمعوا عليها و بأنهم أرادوا أن ينفروا ناقة رسول الله (ص) ليلة العقبة فكله لا أصلله عند أصحابنا و لا يثبته أحد منهم و لا رواه أهل الحديث و لا يعرفونه و إنما هو شي ء تنفرد الشيعة بنقله .

وَ مِنْهَا وَ لَمْ يُبَايِعْ حَتَّىشَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَناً فَلَا ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِوَ خَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا وَ أَعِدُّوالَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا وَ عَلَا سَنَاهَا وَ اسْتَشْعِرُواالصَّبْرَ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ .

هذا فصل من كلام يذكر فيه (ع) عمرو بنالعاص

و قوله فلا ظفرت يد البائع يعني معاوية و قوله و خزيت أمانة المبتاع يعنيعمرا و خزيت أي

[61]

خسرت و هانت و في أكثر النسخ فلا ظفرتيد المبايع بميم المفاعلة و الظاهر ما رويناه.

و في بعض النسخ فإنه أحزم للنصر منحزمت الشي ء إذا شددته كأنه يشد النصر و يوثقه و الرواية التي ذكرناها أحسن. والأهبة العدة و شب لظاها استعارة و أصله صعود طرف النار الأعلى و السنا بالقصرالضوء و استشعروا الصبر اتخذوه شعارا و الشعار ما يلي الجسد في الثياب و هو ألزمالثياب للجسد يقول لازموا الصبر كما يلزم الإنسان ثوبه الذي يلي جلده لا بد له منهو قد يستغني عن غيره من الثياب .

قدوم عمرو بن العاص على معاوية :

لما نزل علي (ع) الكوفة بعد فراغه من أمرالبصرة كتب إلى معاوية كتابا يدعوه إلى البيعة أرسل فيه جرير بن عبد الله البجليفقدم عليه به الشام فقرأه و اغتم بما فيه و ذهبت به أفكاره كل مذهب و طاول جريرابالجواب عن الكتاب حتى كلم قوما من أهل الشام في الطلب بدم عثمان فأجابوه و وثقواله و أحب الزيادة في الاستظهار فاستشار أخاه عتبة بن أبي سفيان فقال له استعنبعمرو بن العاص فإنه من قد علمت في دهائه و رأيه و قد اعتزل عثمان في حياته و هولأمرك أشد اعتزالا إلا أن يثمن له دينه فسيبيعك فإنه صاحب دنيا. فكتب إليه معاويةأما بعد فإنه كان من أمر علي و طلحة و الزبير ما قد بلغك و قد سقط إلينا مروان بنالحكم في نفر من أهل البصرة و قدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي و قد حبستنفسي عليك فأقبل أذاكرك أمورا لا تعدم صلاح مغبتها إن شاء الله

[62]

62فلما قدم الكتاب على عمرو استشار ابنيه عبد الله بن عمرو و محمد بن عمروفقال لهما ما تريان فقال عبد الله أرى أن رسول الله (ص) قبض و هو عنك راض والخليفتان من بعده و قتل عثمان و أنت عنه غائب فقر في منزلك فلست مجعولا خليفة ولا تزيد على أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة أوشكتما أن تهلكا فتستويا في عقابهاو قال محمد أرى أنك شيخ قريش و صاحب أمرها و أن تصرم هذا الأمر و أنت فيه غافلتصاغر أمرك فالحق بجماعة أهل الشام و كن يدا من أيديها طالبا بدم عثمان فإنه سيقومبذلك بنو أمية.

فقال عمرو أما أنت يا عبد الله فأمرتني بما هو خير لي في ديني وأنت يا محمد فأمرتني بما هو خير لي في دنياي و أنا ناظر فلما جنه الليل رفع صوته و أهله يسمعون فقال :

تطاول ليلي بالهموم الطوارق ** و خوف التي تجلو وجوه العوائق

و إن ابن هند سألني أن أزوره ** و تلك التي فيها بنات البوائق

أتاه جرير من علي بخطة ** أمرت عليه العيش ذات مضايق

فإن نال مني ما يؤمل رده ** و إن لم ينله ذل ذل المطابق

فو الله ما أدري و ما كنت هكذا ** أكون و مهما قادني فهو سابقي

أخادعه إن الخداع دنية ** أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق

[63]

أم أقعد في بيتي و في ذاك راحة ** لشيخ يخاف الموت في كل شارق

و قد قال عبد الله قولا تعلقت ** به النفس إن لم تقتطعني عوائقي

و خالفه فيه أخوه محمد ** و إني لصلب العود عند الحقائق

فقال عبد الله رحل الشيخ و دعا عمروغلامه وردان و كان داهيا ماردا فقال ارحل يا وردان ثم قال احطط يا وردان ثم قالارحل يا وردان احطط يا وردان . فقال له وردان خلطت أبا عبد الله أما إنك إن شئتأنبأتك بما في قلبك . قال هات ويحك . قال اعتركت الدنيا و الآخرة على قلبك فقلت عليمعه الآخرة في غير دنيا و في الآخرة عوض من الدنيا و معاوية معه الدنيا بغير آخرةو ليس في الدنيا عوض من الآخرة و أنت واقف بينهما .

قال قاتلك الله ما أخطأت ما فيقلبي فما ترى يا وردان ?

قال أرى أن تقيم في بيتك فإن ظهر أهل الدين عشت في عفودينهم و إن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك .

قال الآن لما أشهرت العرب سيري إلىمعاوية ، فارتحل و هو يقول :

يا قاتل الله وردانا و قدحته ** أبدى لعمركما في النفس وردان

لما تعرضت الدنيا عرضت لها ** بحرص نفسي و في الأطباع إدهان

نفس تعف و أخرى الحرص يغلبها ** و المرء يأكل تبنا و هو غرثان أما علي فدين ليس يشركه ** دنيا و ذاك له دنيا و سلطان

[64]

فاخترت من طمعي دنيا على بصر و ما معي بالذي أختار برهان إني لأعرف مافيها و أبصره و في أيضا لما أهواه ألوان لكن نفسي تحب العيش في شرف و ليس يرضى بذلالعيش إنسان

فسار حتى قدم على معاوية و عرف حاجةمعاوية إليه فباعده من نفسه و كايد كل واحد منهما صاحبه.

فقال له معاوية يوم دخلعليه أبا عبد الله طرقتنا في ليلتنا ثلاثة أخبار ليس فيها ورد و لا صدر قال و ماذاك قال منها أن محمد بن أبي حذيفة كسر سجن مصر فخرج هو و أصحابه و هو من آفات هذاالدين و منها أن قيصر زحف بجماعة الروم ليغلب على الشام و منها أن عليا نزل الكوفةو تهيأ للمسير إلينا.

فقال عمرو ليس كل ما ذكرت عظيما أما ابن أبي حذيفة فمايتعاظمك من رجل خرج في أشباهه أن تبعث إليه رجلا يقتله أو يأتيك به و إن قاتل لميضرك و أما قيصر فأهد له الوصائف و آنية الذهب و الفضة و سله الموادعة فإنه إليهاسريع و أما علي فلا و الله يا معاوية ما يسوي العرب بينك و بينه في شي ء منالأشياء و إن له في الحرب لحظا ما هو لأحد من قريش و إنه لصاحب ما هو فيه إلا أنتظلمه هكذا في رواية نصر بن مزاحم عن محمد بن عبيد الله.