شرح الاخبار فی فضائل الأئمة

نعمان بن محمد التمیمی المغربی؛ تحقیق: السید محمد الحسینی الجلالی

جلد 2 -صفحه : 88/ 43
نمايش فراداده

(280)

و آله بطاعته ، فمن أين يجوز لاحد أن يتأمر عليه ، و يوجب لنفسه طاعة دونه ، و إنما تكون الطاعة لاولي الامر ، كما افترض الله عز و جل ذلك لهم في كتابه ، و قرن فيه طاعتهم بطاعته و طاعة رسوله صلى الله عليه و آله ، فقال : " أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و اولي الامر منكم " ( 1 ) فجعلها طاعات مقرونة موصلة لا يجزي بعضها و لا يقوم بعضها إلا ببعض ، و كما لا تقوم ، و لا تجري طاعة الله عز و جل مع معصية رسوله صلى الله عليه و آله ، و كذلك لا تجزي طاعة الله و طاعة رسوله صلى الله عليه و آله مع معصية أولي الامر الذين أوجب الله عز و جل طاعتهم ، لان في معصية أولي الامر معصية الله ، و معصية رسوله صلى الله عليه و آله ، إذ قد أوجب الله عز و جل في كتابه و على لسان رسوله صلى الله عليه و آله طاعتهم ، فلم يطع الله من عصاهم ، إذ قد افترض طاعتهم . و كذلك لن يطيع رسول الله صلى الله عليه و آله من عصى أحدا منهم ، إذ قد أمر عن أمر الله عز و جل بطاعتهم ، و قد نص رسول الله صلى الله عليه و آله كما ذكرنا فيما جاء عنه على طاعة علي عليه السلام ، و رغب في ذلك ، و ذكر فضله و ثوابه ، و نهى عن معصيته و حذر منها ، و ذكر ما يوجبه من عقاب ربه . و آكد ولايته و أقامه للامة مقامه ، و لم يقل شيئا من ذلك عبثا و لا تكلفا ، و لا من قبل نفسه و لا ليمر صفحا على من سمعه منه ، و انتهى اليه عنه ، لانه ليس من المتكلفين كما وصفه عز و جل في كتابه ، و لا ممن : " ينطق عن الهوى " ( 2 ) ، كما أخبر فيه عنه ، و لا يتبع كما وصفه عز و جل " إن هو إلا وحي يوحى " اليه . فأي بيان يكون أكثر من هذا البيان وأي نص يكون أوضح من هذا


1 - النساء : 59 . ( 2 ) النجم : 3 .

(281)

النص على إمامة علي صلوات الله عليه من رسول الله صلى الله عليه و آله و هو مع ذلك يؤكد قوله فيه ، بأنه عن الله عز و جل يقوله ، و بأمره يأمرهم بما أمرهم به من طاعته و ولايته و مودته ، فرحم الله إمرء سمع ذلك فوعاه ، و اعتقده و عمل به ، و لم يمر صفحا عليه كما مر على كثير ممن سمعه . " و الله يهدي من يشاء " كما قال عز و جل " إلى صراط مستقيم " و يضل كما أخبر سبحانه الظالمين ، هذا ما أسرة ( 1 ) و عهده رسول الله صلى الله عليه و آله إلى علي عليه السلام . [ 591 ] أبو نعيم الفضل بن دكين ( 2 ) ، باسناده ، عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه أنه كان جالسا و حوله جماعة يحدثهم ، إذ مر بهم علي صلوات الله عليه . فقال سلمان لمن حوله : ألا تقومون اليه - يعني عليا صلوات الله عليه - فتأخذون بحجزته [ تسألونه ] فو الله ما يحدثكم بسر نبيكم [ أحد ] غيره . [ و إنه لعالم الارض و ربانيها و إليه تسكن ، و لو فقدتموه لفقدتم العلم و أنكرتم الناس ] ( 3 ) . [ 592 ] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن جابر بن عبد الله ، أنه قال : ناجى رسول الله صلى الله عليه و آله عليا صلوات الله عليه بحجرته - و هو محاصر للطائف - فأطال النجوى ، و الناس ينظرون إليهما ، فتقدم أبو بكر و عمر ، فقالا : يا رسول الله ، لقد طالت منذ اليوم مناجاتك لعلي عليه السلام . فقال رسول الله صلى الله عليه و آله : ما أنا انتجيته ، و لكن الله


1 - و في نسخة - ج - : أمره .

2 - هو ابن دكين ، الفضل بن دكين ( و اسمه عمرو ] بن حماد التيمي ، ولد 130 ه ، و توفي 219 ه .

3 - ما بين المعقوفات من أمالي الصدوق : ص 327 .

(282)

انتجاه . [ 593 ] أبو غسان ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه قال : لما أنزل الله عز و جل : " يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة " ( 1 ) كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم ، و كنت إذا أردت أن أناجي رسول الله صلى الله عليه و آله تصدقت بدرهم حتى فنيت ، و لم يفعل ذلك أحد من المسلمين ، فأنزل الله عز و جل : " أ أشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا و تاب الله عليكم فأقيموا الصلاة و آتوا الزكاة " الآية ( 2 ) ، فلم يعمل بآية النجوى أحد غيري . [ 594 ] أبو غسان ، باسناده ، عن ام سلمة - زوج النبي صلى الله عليه و آله - أنها قالت : كان علي عليه السلام أقرب الناس برسول الله صلى الله عليه و آله عهدا . عدنا رسول الله صلى الله عليه و آله يوم قبض في بيت عائشة ، فجعل يقول : أ جاء علي ؟ مرارا . قالت فاطمة صلوات الله عليها : كان بعثه لحاجة . ثم جاء فظننا أن له اليه حاجة . فخرجنا من البيت و قعدنا من وراء الباب . قالت : فكنت من أدناهن من الباب ، فأكب عليه علي عليه السلام ، فلم يزل يساره و يناجيه ، ثم قبض من يومه ذلك ، و كان أقرب الناس به عهدا . [ 595 ] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله - في مرضه الذي قبض فيه -


1 - المجادلة : 12 . ( 2 ) المجادلة : 13 .

(283)

ادعوا الي أخي . فقالت عائشة : ادعوا أبا بكر ، فلعله أن يعهد اليه عهدا . فجاء أبو بكر ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه و آله سكت ، و لم يقل شيئا . ثم قال : ادعوا الي أخي ، فأرسلت حفصة ( 1 ) إلى أبيها عمر ، فلما جاء ، لم يقل له رسول الله صلى الله عليه و آله شيئا . ثم قال : ادعوا الي أخي فأرسلت فاطمة إلى علي عليه السلام . فجاء ، فلما رآه قال : ادن مني ، فدنا منه . فقال : اجلسني . فأجلسه . ثم قال : احتضني ، فاحتضنه . فقال : اسندني إلى صدرك ، فأسنده . قال علي صلوات الله عليه : فما زال رسول الله صلى الله عليه و آله يسارني و يحدثني ، و إني لاجد برد شفتيه و لسانه في أذني ، حتى قبض صلى الله عليه و آله . قال : و كان آخر ما عهده الي أن قال : الصلاة الصلاة ، و ما ملكت أيمانكم . قال علي عليه السلام : و هي آخر وصايا الانبياء صلوات الله عليهم . [ 596 ] يحيى بن حبيب ، باسناده ، عن عبد الله بن عمر ، قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه و آله ، فدعا عليا صلوات الله عليه و أدناه ،


1 - حفصة بنت عمر بن الخطاب زوج النبي صلى الله عليه و آله ولدت بمكة ، و تزوجها خنيس بن حذافة السهمي فكانت عنده ، و أسلما ، و هاجرت معه إلى المدينة و مات عنها ، فتزوجها النبي صلى الله عليه و آله ، ماتت في المدينة 45 ه .

(284)

فساره طويلا ، ثم قام علي عليه السلام ، فمضى . فلما ولي قال له رسول الله صلى الله عليه و آله : يا أبا الحسن . قال : لبيك يا رسول الله . قال : لا تسقه الي إلا كما تساق الشاة إلى حالبها . فلم ندر من أراد ، و تسامع الناس ، فاجتمع إلى رسول الله صلى الله عليه و آله جماعة من المهاجرين و الانصار ، فلم يبرح حتى أقبل عليه علي عليه السلام بالحكم بن أبي العاص ( 1 ) ، و قد أخذ باذنه ، و لهازمه يجره حتى أقعده بين يدي رسول الله صلى الله عليه و آله ، فلعنه رسول الله صلى الله عليه و آله ثلاثا . ثم قال : إن هذا سيخرج من صلبه فتنا تبلغ السماء . فقالوا : يا رسول الله ، هو أذل و أهون من أن يكون ذلك منه ! فقال : بلى ويحكم يومئذ من شيعته . ثم أمر به ، فسير به إلى الدهلك . [ أنس و مناقب علي ] [ 597 ] محمد بن منصور ، باسناده ، عن محمد بن بشير ، قال : قدم علي رجل من أهل الكوفة ، فقال : إني أريد أن أسال أنس بن مالك ، فانطلق بنا اليه . قال : فانطلقت به إلى أنس ، و كان أنس قد أصابته وضح ، و ذهب بصره ، و كان لا يخرج إلا و عليه برقع . فخرج إلينا كذلك .


1 - الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الاموي أسلم يوم الفتح و سكن المدينة فكان يفشي سر الرسول صلى الله عليه و آله فنفاه إلى الطائف و أمر بإعادته عثمان زمن خلافته فمات فيها و قد عمي بصره و هو عم عثمان و والد مروان رأس الدولة المروانية توفي 32 ه .

(285)

فقلت له : إن هذا امرؤ من أهل الكوفة أحب لقاءك ، و النظر إليك . قال أنس : نعم الناس أهل الكوفة ، إلا أنهم هلكوا في الرجل - يعني عليا عليه السلام - . فقال لي الرجل بيني و بينه : قم بنا ننصرف . قلت : لم ؟ قال : إنما جئت أسأله عن علي عليه السلام ، و قد بدا منه ما بدا ، فما عسى أن يقول بعد هذا ؟ قلت : سله عما شئت ، فإنه لن يكذبك . قال : فسأله عن علي عليه السلام . قال له أنس : عم تسأل من أمره ؟ قال : تخبرني عن منزلته من رسول الله صلى الله عليه و آله . قال : أما إذا أبيت يا كوفي ، فإني أخبرك ! [ كانت ] له ثلاث خصال من رسول الله صلى الله عليه و آله لئن تكون لي واحدة منهن أحب الي مما طلعت عليه الشمس ، كان أول من آمن بالله و برسوله ، و كان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه و آله و علانيته ، و كان وصيه من بعده . [ 598 ] الاجلح ( 1 ) ، باسناده ، عن عبد الله بن عباس ، أن عليا عليه السلام خطب الناس عند خروجه لحرب أهل الجمل ، فقال : أيها الناس ما هذه المقالة السيئة ، بلغتني عنكم ، و الله ليقتلن طلحة و الزبير ،


1 - هكذا في نسخة - ج - و في الاصل : الاصلح ، و هو أجلح بن عبد الله بن حجية ، و يقال اسمه يحيى و الاجلح لقبه ، توفي سنه 145 ه .

(286)

و ليفتحن البصرة ، و ليأتينكم مادة من الكوفة ستة آلاف و خمسمأة و ستون . قال عبد الله بن عباس : فقلت في نفسي : و من أين يعلم هذا ؟ و لكن الحرب خدعة ، و كان أول شيء من ذلك أن قدمت علينا مادة أهل الكوفة ، فخرجت ، فلقيتهم ، فسألتهم عن عدتهم . فقالوا : ستة آلاف و خمسمأة و ستون مثل ما ذكر . ثم قتل طلحة و الزبير ، و فتحت البصرة ، فعلمت أن ذلك مما أسرة اليه رسول الله صلى الله عليه و آله . [ 599 ] و قد جاء عنه عليه السلام أنه علمه ألف كلمة كل كلمة تفتح ألف كلمة . [ 600 ] سعيد بن حنظلة ، عن علقمة ، قال : سمعت عليا صلوات الله عليه ، يقول ما عن فئة تبلغ ثلاثمائة إلى يوم القيامة إلا و قد علمت ناعقها و قائدها و سائقها . [ 601 ] أبو مريم الانصاري ، باسناده ، عن علي عليه السلام أنه خطب الناس ، فقال : أيها الناس أنا فقأت عين الفتن بيدي ، و لم يكن [ أحد ] يجترئ عليها غيري ، و لو لم أكن فيكم ما قوتل أصحاب الجمل ، و أهل النهروان و إيم الله لو لا أن تتكلوا فتدعوا العمل لاخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه عليه السلام لمن قاتلهم منكم مبصرا لضلالهم ، عارفا للهدي الذي نحن عليه . ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فاني ميت بل مقتول ( 1 ) ،


1 - و في الغارات 1 / 7 : اني ميت أو مقتول ، بل قتلا .