لان ذلك ليس بصرف ، و إنما يراعى جميع ذلك في البيع و الصرف ، و على من جمع بينهما الدلالة .
إذا كان له في ذمة رجل مال فوهبه له ذلك كان ذلك إبراء بلفظ الهبة ، و هل من شرط صحة الابراء قبول المبرء أم لا ؟ قال قوم من شرط صحته قبوله و لا يصح حتى يقبل و ما لم يقبل فألحق ثابت بحاله ، و هو الذي يقوى في نفسى لان في إبرائه إياه من الحق الذي له عليه منة عليه ، و لا يجبر على قبول المنة ، فإذا لم نعتبر قبوله أجبر ناه على ذلك كما نقول في هبة العين له أنها لا تصح إلا إذا قبل .
و قال قوم إنه يصح شاء من عليه الحق أو أبى ، لقوله تعالى " فنظرة إلى ميسرة و أن تصد قوا خير لكم " ( 1 ) فاعتبر مجرد الصدقة و لم يعتبر القبول ، و قال تعالى " ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا " ( 2 ) فأسقط الدية بمجرد التصدق و لم يعتبر القبول ، و التصدق في هذا الموضع الابراء ، و هذا أيضا ظاهر قوى .
هذا إذا وهب لمن عليه الحق فأما إذا وهبه لغيره فهل يصح أم لا ؟ يصح ذلك إذا كان من عليه الحق معينا و كان قدر الحق الذي عليه معلوما ، و يجوز أيضا بيعه و قال قوم : لا يجوز هبته كما لا يجوز بيعه ، فمن قال يصح هبته لزمت الهبة بنفس العقد ، و لا يشترط القبض في لزومه مثل الحوالة ، و منهم من قال لا يصح بيعه و لا هبته و لا رهنه ، و الذى يقتضيه مذهبنا أنه يجوز بيعه وهبته و رهنه و لا مانع منه .
صدقة التطوع عندنا بمنزلة الهبة في جميع الاحكام ، من شرطها الايجاب و القبول و لا يلزم إلا بالقبض ، و كل من له الرجوع في الهبة له الرجوع في الصدقة عليه .
الحاج اذا اشترى في سفره شيئا بأسامى أصدقائه و مات في الطريق ، كان ورثته بالخيار فيما اشتراه و سماه لاصدقائه ، إن شاؤوا أمسكوه ، و إن شاؤوا أهدوا لهم ، لان الهدية لا تصح إلا بالايجاب و القبول ، و لا تلزم إلا بالقبض ، و كذلك إذا أهدى إلى رجل شيئا على يد رسول فانه على ملكه بعد ، و إن مات المهدي إليه كان له استرجاعه
1 - البقرة : 280 . 2 - النساء : 92 .