ثم إنّ قولنا: بأنّ الظواهر تنجذب إلىناحية «الوجود» على أثر وجود عللها لايعني أنّ هذه الظواهر بعد وجودها بسببالعلة تتخلص نهائياً من صفة «الفقرالذاتي» ومن خصلة «الإمكان الذاتي»فتنقلب إلى موجودات غنية، لا تحتاج إلىعلة.
لا نقول ذلك، لأنّه لا يمكن أن ينقلب ما هو«فقير بالذات» إلى «غني بالذات»(1) إنّماالمقصود هو أنّ الظاهرة تلبس حلة الوجودمع كونها متصفة بالفقر والإمكان الذاتييندون أن تفقد هذه الصفة حتى بعد ارتدائهاحلة الوجود.
ولأجل هذا «الإمكان والفقر الذاتيين»يكون الاحتياج إلى العلة احتياجاً أبدياًوحالة دائمية لا تفارق طبيعة الأشياء،بحيث لو انقطع الارتباط بين «العلةوالمعلول» لحظة واحدة لم يبق للظاهرة أيوجود.. بل عادت خبراً بعد أثر كما يقولالمثل السائر.
ولتوضيح هذه الحقيقة نشير إلى مثالين:
1. لنتصور قصراً فخماً غارقاً في أضواءالمصابيح المتعدّدة المتنوعة.
فعند ما يرى الشخص السطحي التفكير هذاالمشهد يظن أنّ هذا النور نابع من القصرنفسه.. أي انّ طبيعة المصابيح مضيئةبنفسها. بينما لو تفحص هذا جيداً لرأى أنّهذا النور وهذه الأضواء تتعلّق بـ «مولدالكهرباء» بحيث لو انقطع الارتباط بينالمصابيح والمولد الكهربائي لحظة واحدةلغرق القصر بأسره في
1. نعم غاية ما يحصل أنّ الظاهرة بعدانضمام العلّة إليها تصبح غنية بالعرض ـحسب المصطلح الفلسفي ـ وهو يجتمع مع«الفقر الذاتي» ولا يناقضه ولا يعارضه.