ومما يدل على ما ذكرناه هو تكرار كلمة «مندونه» في الآيات، فإنّها ليست لتعميم كلدعوة متوجهة إلى غيره سبحانه، حتى نحتاجإلى إخراج بعض الأقسام، أعني: دعوةالأحياء لطلب الحوائج، أو دعوة الأموات لالطلب الحاجة، بل للتوسل والاستشفاع، بلجيء به لتبيين خصوصية هذه الدعوة، وهيدعوة الغير بظن أنّه يقوم بالفعل مستقلاًمن دون اللّه كما هو المزعوم للمشركين فيآلهتهم.
وأمّا طلب الحاجة ممّن لا يقوم (في زعمالداعي) إلاّ بأمره سبحانه ومشيئته بحيثلا تكون دعوته منفكة عن دعوة اللّه سبحانهفلا يصدق عليه قوله تعالى: (والَّذِينَيَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لايَسْتَجِيبُونَ بِشَيْء).(1)
وغيره من الآيات.
قد سبق(2) منا أنّ التبرّك بآثار الأولياءوعباد اللّه الصالحين خصوصاً التبركبآثار النبي كان أمراً رائجاً بينالمسلمين، وعلى ذلك فبناء المساجد علىالقبور بعنوان التبرّك ممّا لا إشكال فيه،هذا، ويظهر من بعض الآيات أنّ أهل الشرائعالسماوية كانوا يبنون المساجد على قبورأوليائهم أو عندها، ولأجل ذلك لما كشف أمرأصحاب الكهف تنازع الواقفون على آثارهم،فمنهم من قال وهم المشركون: (ابْنُواعَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْأَعْلَمُ بِهِمْ)(3)، وقال الآخرون وهمالمسلمون: (لَنَتَّخِذَنَّ
1. الرعد: 14. 2. من كتابنا هذا ص 535. 3. الكهف: 21.