و لو أنَّهم أقاموا التوراة و الإنجيل و ما أنزل إليهم من ربهم ، قال الولاية ))195.و في تفسير قوله تعالىوأيضاً وردت أحاديث كثيرة في تفسير قوله تعالى« وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا »196.
(( عن أحمد بن مهران ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ،عن موسى بن محمد ، عن يونس بن يعقوب ، عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى "وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً " قال يعنى لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، و الأوصياء من ولده عليهم السلام ، و قبلوا طاعتَهم في أمرهم ، و نهيهم لأسقيناهم ماءاً غدقاً ، يقول لأشربنا قلوبهم الإيمان ، و الطريقة هي الإيمان بولاية علي و الأوصياء))197.وفي قبال ذلك نشاهد أنَّ أساس الفساد بدأ من اللحظة التِّي توفّي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم كما في الحديث التالي((عن محمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين ، عن على بن النعمان ، عن ابن مسكان عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، في قوله عزّ و جلّ "ظَهَرَ الفَسَادَ فِي البرِّ و البَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي الناس" قال ذاك و الله حين قالت الأنصار منّا أميرٌ و منكم أميرٌ )) .وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نعرف السرّ في آية إكمال الدين وإتمام النعمة وهي« الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلاَمَ »198.موقع الآية في المصحف « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ »199.و المقطع المتعلِّق بحادثة الغدير غير منسجم مع الآية من ناحية المعنى أصلاً ، وهذا لا يعني أنَّه قد وُضع في غير موضعه ، حيث أنَّ هناك الكثير من الآيات في القرآن الكريم من هذا القبيل ، وسوف نطرَّق إلى هذا الأمر فيما بعد200 . وخلاصة الأمر ترجع إلى الجانب الفنِّي في القرآن الكريم ، حيث أنَّه كتابٌ لهداية الناس بأفضل الأساليب والطرق ، وهاهنا نقولحفاظاً على النصوص الواردة في حقِّهم عليهم السلام لكثرة المؤامرات والخطط ضدّ كلّ أمرٍ يمتًّ إليهم بصلة ، نشاهد أنَّه قد وردت هذه النصوص في مواضعها حين نزول القرآن أو أدرجها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلَّم بأمر الحكيم جلَّ وعلا ، ضمن آيات بعيدة كل البعد عن تلك الأمور ، والمتدبِّر في تلك الآيات سوف يعرف المقصود من غير شبهة ، وأمّا الذين في قلوبهم مرض فيغض النظر عن التفكير في إزالتها فيحاول تحريف محتواها بزعم وجود قرائن مقالية محيطة بها كما فعل القوم ، ومن تلك الآيات هي آية الغدير التِّي هي مورد بحثنا.وهناك شواهد كثيرة تدلُّ على أنَّ الآية غير متعلِّقة بالمحرَّمات نذكر بعضَها1-سياق الآية حيث نشاهد أنَّها غير كاملة إلاّ بمجيء المقطع الأخير منها وهي قوله "فمن اضطرّ" ، والدليل على ذلك وجود آيتين متشابهتين أحدهما في سورة البقرة ، والثانية في سورة النحل« إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ »201.« إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ »202.وأيضاً الآية الـتالية« قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ »وهذا دليل على أنّ ذلك المقطع ، قد أُدرج ضمن الآية .2-إنَّ الآية تقول (اليوم يئس الذين كفروا عن دينكم....) ولو كان اليأس لأجل تلك الأحكام الخاصة ، أعني تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وغيرها فهي غير مختصَّة بهذا اليوم الذي نُزلت فيه الآية بل تلك الأحكام وردت في آيات أخرى أيضاً ، وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدل على أنَّ يأس الذين كفروا عن الدين إنَّما هو لأجل أمر آخر أهم ( وهو إعلام الولاية وتبليغها بنحو علنيٍّ ).وفي الحديث (( قال أبو عبد الله جعفر الصادق عليه السلام أنزل الله عز و جلّ على نبيه صلى الله عليه وآله وسلَّم بكراع الغميم "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس" فذكر قيام رسول الله بالولاية بغدير خم قال و نزل جبرئيل بقول الله عز و جل اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام ديناً بعلي أمير المؤمنين في هذا اليوم أكمل لكم معاشر المهاجرين و الأنصار دينكم و أتم عليكم نعمته و رضى لكم الإسلام دينا فاسمعوا له و أطيعوا تفوزوا و تغنموا))203.قال في النهاية .. كراع الغميم كغراب موضع على ثلاثة أميال من عسفان و ذكره الفيروز آبادى .قال الراغب الإصفهاني في المفردات (( كمل كمال الشيء حصول ما فيه الغرض منه ، فإذا قيل كمل ذلك فمعناه حصل ما هو الغرض منه ))((تمام تمام الشيء انتهاؤه إلى حد لا يحتاج إلى شئ خارج عنه والناقص ما يحتاج إلى شيء خارج عنه... قال تعالى « وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ »204.« وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ »205.« وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ »206 ))قال إمام الأمَّة (قدِّس سرُّه)((كمال الشيء ما به تمامه و انجبر به نقصانه ...فالصورة كمال الهيولى ، و الفصل كمال الجنس ، ولهذا عرّفت النفس بأنّها كمال أول لجسم طبيعي آلي ، إذ بها كمال الهيولى باعتبار وكمال الجنس باعتبار . ولهذا كانت الولاية العلوية أدامنا اللّه عليها كمال الدين وتمام النعمة ، لقوله« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي »207وقال أبو جعفر عليه السلام في ضمن الرواية المفصلة في الكافي ثم نزلت الولاية . وإنّما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة أنزل اللّه تعالى « اليومُ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي »208وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب ، انتهى .فسائر العبادات بل العقايد والملكات بمنزلة الهيولى والولاية صورتها وبمنزلة الظاهر وهي باطنها ، ولهذا من مات ولم يكن له إمام فميتته ، ميتة الجاهلية وميتة كفر و نفاق و ضلال ، كما في رواية الكافي ، فإن المادة والهيولى لا وجود لهما إلاّ بالصورة و الفعلية ، بل لا وجود لهما في النشأة الآخرة أصلاً ، فإن الدار الآخرة لهي الحيوان ، وهي دار الحصا ، والدنيا مزرعة الآخرة .
أهميَّة الوليةفي تفسير فرات الكوفي قال حدثني جعفر بن محمد الفزاري معنعنا عن أبي الجارود قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول حين أنزل الله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) قال فكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام .إن الله سبحانه و تعالى حين خلق الكون بإرادته المطلقة (إذا أراد شيئا يقول له كن فيكون) أوجد الأشياء فصارت جميع الأشياء فقيرة إليه تعالى في ذاتها و هو الغني المطلق و صار سبحانه حاكما تكوينيا عليها جميعا.. فظهرت أسماؤه الحسنى في الكون. الولاية ليست هي مسألة قلبية فحسب بل هي أمر عملي خارجي له دور مهم في تطبيق سائر الأحكام الإلهية ، و بدونها يبقى الدين له جانبان جانب متعلق بالله و هو الجانب التشريعي و جانب يرجع إلى الناس و هو الجانب التنفيذي فالتشريع مهما كان متقنا و مهما كان مقدسا إلاّ أنه يبقى في عالمه (أعنى عالم التشريع) مادام لم يصل إلى مرحلة العينية و المصداقية ، فمن الضروري أن تتنزل الشريعة في المجتمع و تنطبق كي يكون المجتمع مظهرا لاسم الله أعنى الحاكم و حينئذ سوف يتحقق الغرض من التشريع الإلهي و هو حاكمية الله على إرادة الناس الذي يستتبع حاكميته على كل شيء بقي أمر واحد و هو إرادة الإنسان فهي من ناحية تكوينية مظهر من مظاهر ذاته سبحانه حيث أن من أسماء ذاته تعالى (المريد) ولكن لأن طبيعة الإرادة طبيعة مميزة حيث بها يختار الإنسان الخير و الشر فأراد الله سبحانه من الإنسان أن يختار الخير و يجتنب عن الشرّ و باختياره هذا يترقى في مدارج الكمال ، فشرع الشريعة و بين الأحكام.. فها هنا يأتي دور الإنسان حيث يلزمه تطبيق الشريعة في المجتمع و يأتي دور الإمام حيث ينبغي له الإشراف على تطبيق الشريعة.. فإذاً دور الإمام دور حيوي و هو ركن مهم كالشريعة نفسها بل لو نظرنا إليه من منظاره الخاص صار أهم من ذلك لأنه بدونه لا جدوى للشريعة الإلهية. ومن هنا نعرف عمق ما بيّنه مولانا علي عليه السلام في كلمته حيث قالوقال عليٌّ عليه السلام (.. ومكان القيم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه و يضمه فإن انقطع النظام تفرق و ذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً...)209.فالإسلام يمثِّل المسباح والعبادات كلُّها من الصلوة و الصوم و الزكاة و الحج و الجهاد و غيرها وكذا المعاملات ليست هي إلاّ كالخَرز لذلك المسباح ، ثمَّ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله تمكَّن من تجهيز الخرَز طوال 23 سنة و تثقيبها بأكملها فلم تكمل بعدُ ما دام لم يمرُّ من خلالها الخيط حيث أن قوام المسبح بالخيط و الولاية تُمثِّل ذلك الخيط القويّ الذي يجمع شمل العبادات والمعاملات وسائر أبعاد وزوايا الإسلام فبالولاية قد كمُل الإسلام (اليوم أكملت لكم دينكم) بعد أن كان ناقصاً لا فائدة فيه وتمَّت النعمة (وأتممت عليكم نعمتي) بعد أن كانت غير تامَّة حيث كان يُخاف على زوالها بارتحال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله .ومن الواضح أنه لا ضمان لبقاء الخرز من غير الخيط (النظام على حدّ تعبير أمير المؤمنين) فلا ضمان لبقاء الصلوة و الصوم و... من غير الولاية و من هنا نعرف معنى قوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم... " حيث أنه بالفعل قد كمل الدين في يوم الغدير و تمت النعمة التي هي الولاية و قد ورد في تفسير قوله تعالى« ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنْ النَّعِيمِ »210.
عدةٌ من أصحابنا عن احمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن القاسم بن محمد الجوهري عن الحارث بن حريز عن سدير الصيرفي عن أبي خالد الكابلى قال دخلت على أبي جعفر عليه السلام فدعا بالغداء فأكلت معه طعاما ما أكلت طعاما قط انظف منه ولا أطيب فلما فرغنا من الطعام قال يا أبا خالد كيف رأيت طعامك أو قال طعامنا قلت جعلت فداك ما رأيت أطيب منه و لا أنظف قط و لكنى ذكرت الآية التي في كتاب الله عز و جلّ لتسئلن يومئذ عن النعيم قال أبو جعفر عليه السلام لا إنَّما تسألون عما أنتم عليه من الحق )211.وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نصل إلى عُمق الحديث التالي ( عن على بن إبراهيم عن أبيه و عبد الله بن الصلت جميعاً عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال بنى الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم و الولاية قال زرارة فقلت و أيُّ شيءٍ من ذلك أفضل فقال الولاية أفضل لأنَّها مفتاحُهن والوالي هو الدليل عليهن.. ثمَّ قال قال ذروه الأمر و سنامه و مفتاحه و باب الأشياء و رضى الرحمن الطاعة للإمام بعد معرفته..)212.و الولاية هاهنا لا يقصد منها الحب بل هي كالصلوة والصوم والزكاة .. وهي عبادات عمليَّة وليست أموراً قلبيَّة بحتة و أيضاً قوله عليه السلام والوالي هو الدليل عليهن حيث اشتقاق اسم الفاعل من الكلمة دليلٌ على أن الولاية هاهنا إنَّما تعني الجانب العملي التِّي هي الإطاعة والتبعيَّة المطلقة ومن هنا قال عليه السلام (قال ذروة الأمر .. الطاعةُ للإمام )الوحي التسديدي إنَّ أمير المؤمنين و أهل البيت عليهم السلام ليسوا كمبلغين للرسالة فحسب بل هذا هو دور العلماء أيضا حيث قال تعالى " الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحدا إلاّ الله "فالعلماء ليس لهم دور إلاّ الدفاع عن الشريعة ببيان النصوص القرآنية وما صدر عن المعصومين عليهم السلام.ولكن أهل البيت عليهم السلام مضافاً إلى دفاعهم عن الشريعة فهم كرسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أصحاب الدعوى و شركاء رسول الله في أمر النبوة و لهذا ورد في زيارة الحجة عجل الله تعالى فرجه " السلام عليك يا شريك القرآن " و الدليل على ذلك آية المباهلة« فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ »213.أقولومن الواضح أن الكاذب لا يطلق على المتفرِّج فهو ليس بكاذب و لا صادق.. بل الكاذب و الصادق من الصفات التي تطلق على من لديه ادعاءٌ ما ، فهو (أعنى المدَّعي) إما صادقٌ في ادعائه أو كاذب فقوله تعالى "فنجعل لعنت الله على الكاذبين " دليلٌ على أن كل من كان مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم في يوم المباهلة كرسول الله كان صاحب ادِّعاء حيث ارتباطه بعالم الغيب وهذا ما يطلق عليه " الوحي التسديدي " في قبال الوحي التشريعي.الإشراك في الأمر وأيضاً حديث المنزلة دليل آخر حيث صارت منزلة عليٍّ عليه السلام بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وآله كمنزلة هارون من موسى و هذا يعنى أنه تعالى أشركَ علياً مع محمد صلى الله عليه وآله وسلَّم في أمرِ الرسالة التِّي طلبها موسى من الله لأخيه هارون (وأشركه في أمري) وإن كان هناك فرقٌ كبير بين هارون وبين عليٍ عليهما السلام وذلك لأنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلَم حيث اختتمت به النبوَّة فهو أفضل الأنبياء كما أنَّ وصيَّه هو أفضل الأوصياء والسرُّ في ذلك هو ما ذكره الإمام قدَّس الله نفسَه الزكيَّة في بيان حقيقة الإنسان الكامل حيث قال« إن كانت عينه الثابتة تابعة للإسم الأعظم لاختتمت به دائرة النبوة كما اختتمت بالنبي المعظم الخاتم صلى اللّه عليه وآله وسلم ، ولم يوجد شخص آخر من الأولين والآخرين ومن الأنبياء والمرسلين ، تكون عينه الثابتة ، تابعة للإسم الأعظم ولم يكن ظهور ذاته بجميع الشئون ولهذا حصل له صلى اللّه عليه وآله وسلم ظهور بجميع الشئون وحصلت الغاية من الظهور في الهداية ، وتم الكشف الكلي واختتمت النبوة بوجوده المقدس »ثم قال « و إذا فرضنا أن شخصاً من أولياء اللّه تبعاً لذات النبي المقدّس وهدايته سبحانه بلغ نفس المقام المقدَّس ، لكان كشفه عين النبي ، إذ لا يجوز التكرار في التشريع »ومن هنا صار أمير المؤمنين عليه السلام نفس رسول الله صلى الله عليه وآله فهو إذاً أعلى من جميع الأنبياء عليهم السلام إلاّ خاتمهم وذلك لأنَّه خليفة للكشف التام ومن هنا قال صلى الله عليه وآله « إلاّ أنَّه لا نبيَّ بعدي » فهذه العبارة لا تُقلِّل من مرتبة أمير المؤمنين عليه السلام بل تُضاعفه وتجعل عليّاً أعظم من هارون لأنَّ هناك أنبياءً بعد موسى عليه السلام فلم تكن نبوَّته تامَّة دون النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم فهو خاتم النبيين وهو الذي وضع اللبنة الأخيرة وكملت به الدائرة ، والذين يأتون من بعده هم الهداة بالأمر فيهدون الناس إلى الشريعة الكاملة وهذا المستوى أعني الهداية بالأمر أفضل من مستوى جميع الأنبياء.يأس العدو من الدينوعلى ضوء ذلك يمكننا أن نعرف أهمية هذا النصب في غدير خم حيث أن العدوّ كان يتصور أنه بعد ارتحال رسول الله ليس هناك من يتولى أمر الرسالة وكان يتوقَّع باستئصال الإسلام من أساسه حيث لا حيوية للدين على زعمهم بعد ارتحاله صلى الله عليه وآله وسلَّم و من يأتي بعده ليس له دور رسالي بل هو مبلِّغ للوحي ليس إلاّ« أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ214 قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ »215.فواقعة الغدير قد قضت على جميع تلك المخطَّطات و أفشلت كافةَ المؤامرات.والجدير أن قضية الغدير استمرت بعد ارتحال عليٍّ عليه السلام حيث انتقلت الولاية إلى الحسن عليه السلام و الحسين عليه السلام و هكذا.. إلى أن انتهت المسألة إلى عصر الغيبة الكبرى لولي العصر الحجة بن الحسن المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف فانتقلت الولاية إلى الفقيه الجامع للشرائط لا للعالم فحسب بل لمن كان صائناً لنفسه حافظاً على دينه مخالفاً لهواه مطيعا لأمر مولاه.. فاليوم ليس هو يوم 18 ذي حجة فحسب بل هو كل يوم يعيش فيه الإنسان تحت ظل الولاية.« . الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإسْلاَمَ دِينًا فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ »216.عليٌ عليه السلام كفؤٌ للزهراء سلام الله عليهافكما أن الكوثر (و هي الزهراء) كانت سبباً لاستمرار النبوة و عند ولادة الزهراء قال تعالى « إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ »217.فكذلك عند تتويج علي عليه السلام الخلافةَ يوم الغدير يئس العدوّ " الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ " فاستمرت الرسالة المحمدية.هذا و نختم الحديث بذكر أروع قصيدة ذكرت في شأن الغدير وهي قصيدة السيد الحميرى (ره)لام عمرو باللوي مربع طامسة أعلامها بلقع - تروع عنها الطير وحشية والوحش من خيفته تفزع - رقش يخاف الموت من نقشها والسم في أنيابها منقع - برسم دار ما بها مونس الاصلال في الثرى وقع - لما وقفت العيس في رسمها والعين من عرفانه تدمع- ذكرت من قد كنت ألهو به فبت والقلب شج موجع- كأن بالنار لما شفني من حب أروى كبدي لدع - عجبت من قوم أتوا أحمدا بخطة ليس لها موضع - قالوا له لو شئت أعلمتنا إلى من الغاية والمفزع - إذا توفيت وفارقتنا وفيهم في الملك من يطمع - فقال لو أعلمتكم مفزعا كنتم عسيتم فيه أن تصنعوا - صنيع أهل العجل إذا فارقوا هارون فالترك له أوسع - وفي الذي قال بيان لمن كان إذا يعقل أو يسمع - ثم أتته بعد ذا عزمة من ربه ليس لها مدفع - بلغ وإلا لم تكن مبلغا والله منهم عاصم يمنع - فعندها قام النبي الذي كان بما يأمر به يصدع - يخطب مأمورا وفي كفه كف علي ظاهر تلمع - رافعها أكرم بكف الذي يرفع والكف الذي ترفع - يقول والأملاك من حوله والله فيهم شاهد يسمع -من كنت مولاه فهذا له مولى فلم يرضوا ولم يقنع- فاتهموه وحنت فيهم على خلاف الصادق الأضلع - وضل قوم غاضهم فعله كأنما آنافهم تجدع -حتى إذا واروه في لحده وانصرفوا عن دفنه ضيعوا - ما قال بالأمس وأوصي به واشتروا الضر بما ينفع-فالناس يوم البعث راياتهم خمس فمنها هالك أربع - قائدها العجل وفرعونهم وسامري الأمة المفظع- ومارق من دينه مخرج أسود عبد لكع أوكع - وراية قائدها وجهه كأنه الشمس إذا تطلع.[الحمد لله الذي جعل كمال دينه و تمام نعمته بولاية أمير المؤمنين على بن أبي طالب عليه السلام] إنتهيت من كتابة هذا البحث في اليوم الإثنين الثامن عشر من ذي الحجة 1416 أودّاء اللهالعشقاعلم أنَّ المحبَّة والودّ و العشق و الشوق و الإرادة و الميل و الابتهاج ونحوها تشير إلى معنى واحد ، ففي تعريف الحبِّ قالوا « هو تعلُّقٌ خاص و انجذاب مخصوص بين المرء وكماله »وقالوا أيضاً« ميل النفس إلى الشيء لكمالٍ أو جمالٍ أدركتْه فيه بحيث يحمله إلى التقرُّب إليه »والودُّ هو « محبة الشيء وتمنِّي كونِه »أي أنَّه يصير ذلك الشيء بعينه والتمني هو « تشهِّي حصول ما تودُّه »و في الدعاء « يا منى المحبّين » والعشق هو « المحبة المفرطة »قال العلاّمة المجلسي رضوان الله تعالى عليه « عَشِقَ من باب تعب ، و الإسم العِشق و هو الإفراط في المحبَّة أي أحبَّه حباً مفرطاً من حيث كونه وسيلةً إلى القرب الذي هو المطلوب الحقيقي »218قال ابن عبّاد في محيط اللغة« عشِق كلِف »وقال في معنى كلِفَ « و الكلَف ، الإيلاع »كلمة العشق في الشريعةوردت هذه الكلمة في الشريعة في مواردَ معدودة نشير إلى بعضهاالف في الحديث القدسي « من عشقتُه فقد قتلتُه ، ومن قتلتُه فعليَّ ديتُه ، ومن عليَّ ديتُه فأنا ديتُه »219بو قد ورد في الحديث « عن على بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس عن عمرو بن جميع ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها ، و أحبَّها بقلبه ، و باشرها بجسده ، و تفرَّغ لها ، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا ، على عسر أم على يسر »220ج عن كتاب الخرائج« قال الباقر عليه السلام خرج عليٌ عليه السلام يسير بالناس حتّى إذا كان بكربلاء على ميلَين أو ميل ، تقدَّم بين أيديهم حتّى طاف بمكانٍ يقال لها المقدفان ، فقال قُتل فيها مائتا نبيٍّ و مائتا سبطٍ ،كلُّهم شهداء ، و مناخُ ركابٍ221 و مصارعُ عشّاقٍ ، شهداء لا يسبقُهم من كان قبلَهم و لا لحقهم مَن بعدهم »222فكيف لم يستعمل الشرع هذه الكلمة كثيراً ؟فوجه ذلك ربّما هو لأجل تداول الكلمة على ألسنة أهل الدنيا التابعين للشيطان و الهوى النفساني فاشتهر عندهم في المحبَّة الشهوية الزائلة فلو استعملته الشريعة فربَّما كانت تتداعى في الذهن تلك الأمور المقرِّبة إلى الشيطان والمبعدة عن الله ، وهذا نظير عدم ورود كلمة اللامس والشام والذائق في حق الله سبحانه و تعالى لئلا يتصوَّر البعض أنَّ اللهَ جسمٌ بخلاف السميع والبصير و المدرك .الفرق بــــــــيــــن العشق و العلمالعلم هو انعكاس صور الأشياء في ذهن الإنسان ،و هو يتبع المعلوم تمامًا و يطابقه عيناً فيعكسه انعكاساً كاملاً إن كان حسَناً فحسنٌ وإن كان قبيحاً فقبيحٌ ، و أمّا العشق فليس كذلك بل له بعد داخليٌ نفسانيٌّ أكثر وأعلى مستوىً من الجانب الخارجي الظاهري ، فميزان العشق لا يتبع الحُسن بل يتبع مستوى استعداد الإنسان و مستوى إمكانية العاشق وأرضيَّته النفسانيَّة و اقتضائه الروحي ، وفى الحقيقة يبحث العاشق وراءَ مبرِّرٍ ، فبمجرد أن واجه موضوعاً ما يتناسب مع ما هو عليه من الروحيَّة ، انسجم معه من غير أن ينكشف لديه رمزُ هذا الانسجام وسرُّه ، ومن هنا قيل أنَّ العشق ليس له دليل ، بل القوة الكامنة في الإنسان هي التِّي تتجلَّى و تخلق الحسنَ بمقدار إمكانياتها و استعدادها الذاتي.
يقول العلامَّة الخواجة نصير الدين الطوسي في شرح الإشارات لابن سينا « والحبُّ النفساني هو الذي يكون مبدأه مشاكلة نفس العاشق لنفس المعشوق في الجوهر223 ويكون أكثرُ إعجابه بشمائل المعشوق لأنَّها آثارٌ صادرة عن نفسه وهو يجعل النفس ليِّنة شيِّقة ، ذاتَ وجدٍ ورقَّة منقطعة عن الشواغل الدنيويَّة »224و لأجل هذه المشاكلة بين المحبوب و المحبّ حيث تنتقل صفات المحبوب إلى المحب نشاهد اهتمام الإسلام في انتخاب الصديق حيث أن الحبَّ يَخلق الجمال و يؤدى إلى الغفلة، وحيثما أشرق الحبّ سوف نُشاهد العيوب محاسناً و الأشواك وروداً فيُعمى و يُصمّ كما ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم« حبُّك للشيء يعمي ويصم »225ومن هذا المنطلق نلاحظ أن كل إنسان يرى كمال نفسِه ورفعةَ عقلَه وجمالَ وَلَده ، فالعشق رغم أنه يدقِّق فهم الإنسان و يثير أحاسيسه ، يؤطِّر نظرَه فيجعله مُنصبّاً في نقطة واحدة فقط فيَستر عيوب المعشوق بل يُظهر العيوبَ محاسناً والظلمات نوراً .ونفس الكلام يأتي في ضدِّ العشق والحب وهو البغض فهو أيضاً يُعمي ويُصم.العشق با لكمال المطلق فطريّقال الإمام قدِّس سرُّه