تفسیر سوره البقره

نسخه متنی -صفحه : 47/ 6
نمايش فراداده

[77]فالشاكر والكفور هو الإنسان نفسه وقال « وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ »[78]وحينئذٍ هو الذي ينبغي أن يقرِّر فيقول تعالى « فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ »[79]والحاصل أنَّ هذه الهداية عامَّة للجميع من غير استثناء أصلاً .

2-الإيصال إلى المطلوب.

وهي هداية المعونة الإلهيَّة التي تشمل كلَّ من سلك الطريق الصحيح باختياره فيوصله الله إلى المقصد و يحافظ عليه كي لا يتورَّط في الضلال، وهذه الهداية لا مانع منها عقلاً وعقلائياً ولا تزاحم عدل الله تعالى، لأنَّها رغم اشتراطها بالسعي و الثبات إلا أنَّها شاملة لجميع الخلق من غير تخصيص ، فمن حرَّم نفسه منها بعمله السيئ، فوقع في ظلمات بعضها فوق بعض، فلا يلومنَّ إلا نفسه كما قال تعالى «وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ »[80].

الأمر الثاني

صفات القرآن الكريم

لقد وصف الله سبحانه كتابه بصفات كثيرة، أهمُّها هي الصفات التالية 1-هدى. 2-نور. 3-موعظة. 4-ذكرى. 5-بشرى. 6-شفاء.7-بيان .8-رحمة..

إليك نماذج من الآيات. قال تعالى « يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا»[81] « هُدًى لِلنَّاسِ.. »[82] «وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ »[83] « هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ »[84]«هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ»[85].

وسيأتي الكلام عن كلِّ صفةٍ تفصيلاً عند تفسير الآية التي وردت بشأنها إن شاء الله تعالى ..

ولكن عندما نتأمَّل في تلك الصفات نشاهد أنَّ محلَّها وموطنها واحدٌ وهو قلب الإنسان المسلم المؤمن والمتقي والمحسن ، وذلك واضح، لأنَّ القرآن الكريم مادام أنَّه نور إلهي مبين فهو يرتبط بعباده الذين تنوَّروا به فهو نور السماوات والأرض « جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ »[86]..

الأمر الثالث القلب موطن تلك الصفات.

ولا يخفى أنَّ طبيعة النور الإلهي والهداية الربّانية، لا تنسجم إلا مع القلوب وكذلك الموعظة والذكرى والشفاء والبيان..

فالهداية هي صفة للقلب لا للجوارح ، قال تعالى « وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ »[87]فالقلب الذي هو حاكم على الأعضاء و الجوارح هو المهتدي، وأما الجوارح فليست هي إلا علامات دالَّة على اهتداء الإنسان و وقوعه على الصراط المستقيم ، لأنَّالإيمان الذي هو أساس الهداية يتعلَّق بالقلب وهو من ملكاته وهو غير الإسلام الذي يتحقَّق بمجرَّد التلفُّظ بالشهادتين ، ومن هنا قال تعالى مخاطباً للأعراب الذين يدَّعون الإيمان « وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ... »[88] وفي آية أخرى يقول سبحانه «... حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ...»[89].و الشفاء والرحمة أيضاً هما صفتا قلب المؤمن لا جوارحه ولهذا نراهما قد اسندا إلى المؤمنين، فقال تعالى « وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا»[90]فالنظر كلّ النظر إلى إيمانهم المستقرّ في القلب.

كما أنَّ الذكرىيتعلَّق بالقلب ، فهو الذي يتذكَّر وهو الذي يغفل قال تعالى « إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ...»[91]وقال « وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا»[92]وسرّ ذلك يكمن في أمر واحد وهو أنَّ القرآن هو كلام الله وذكره هو ذكر الله بعينه « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ »[93]..

ومن هذا المنطلق، يبيِّن القرآن الكريم الآثار الإيجابيَّة في كتاب الله عزَّ وجلَّ حيث يقول « اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ »[94].

والقرآن الكريم بصريح الكلمة يقول « إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى »[95]وعندما يبيِّن فلسفة نزول القرآن ، يخاطب الرسول الأكرم بأنَّ القرآن لم ينزل « إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى »[96] والخشية صفة متمحِّضة للقلب. يقول سبحانه « مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ »[97]وقال تعالى « وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ»[98]وهذا الصفاء القلبي يوصل المؤمنين إلى مستوى من العرفان حيث يذكرهم سبحانه بقوله« الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»[99].

النتيجة إنَّ الهداية والضلال يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بحقيقةٍ واحدة وهي

سلامة القلب وسقمه

قال صاحب المفردات السلم والسلامة التعري من الآفات الظاهرة والباطنة .

وحيث أنَّ الله هو الموجود المطلق من غير آفة أو نقص فهو السلام قال « هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ ...»[100].

والهدف الرئيسي من هذا الكتاب الإلهي هو الهداية إلى سبل السلام وإخراج الناس من الظلمات المطلقة إلى النور المطلق « يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ »[101].

ولأنَّ السلامة الحقيقة لا تكون إلا في الجنَّة، إذ أنَّها دار البقاء بلا فناء أصلاً وصحة بلا سقم أبداً، حيث أنَّها دار الخلود والمقام « وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ »[102] فعليه ينبغي للإنسان أن يحصِّل مراتب السلامة كي يكتسب الدار الآخرة، حيث قال سبحانه « لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ »[103]ومن اللازم أن يحظى بقلبٍ سليم كي ينجو من صعوبات يوم القيامة « يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ ، إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ »[104]والقلب السليم هو القلب الذي يلاقي الحق وليس فيه غيره كما في أصول الكافي عن على بن إبراهيم عن أبيه عن القاسم بن محمد عن المنقرى عن سفيان بن عيينة قال (( سألته عن قول الله عز وجل