وممّا يدلّ على بطلان مذهبكم :
ما روى مسلم في (صحيحه)(129) عن سعد ، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: المدينة خيرٌ لهم لو كانوا يعلمون ، لا يدَعها أحدٌ رغبةً عنها إلاّ أبدله الله فيها مَن هو خيرٌ منه ، ولا يثبت أحدٌ على لأوائها وجهدها إلاّ كنت له شفيعاً ـ أو شهيداً ـ يوم القيامة.
وروى أيضاً مسلم في (صحيحه)(130) عن أبي هريرة أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يصبر على لأوي المدينة وشدّتها أحدٌ من أمّتي إلاّ كنت له شفيعاً يوم القيامة .
وفي الصحيحين(131) من حديث جابر مرفوعاً: إنّما المدينة كالكير تنفي خَبَثَها ، وتُنصِّعُ طيِّبَها .
وفي (الصحيحين)(132) أيضاً عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): على أنقاب المدينة ملائكةٌ ، لا يدخلها الطاعون ، ولا الدجّال .
وفي (الصحيحين)(133) أيضاً من حديث أنس عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): ليس من بلد إلاّ سيطؤه الدجّال ، إلاّ مكّة والمدينة ، ليس نقبٌ من أنقابها إلاّ عليه ملائكة حافّين ـ الحديث .
وفي الصحيحين(134) من حديث أبي سعيد مرفوعاً: لا يكيد المدينة أحدٌ إلاّ انماع كما ينماع الملح في الماء .
وفي الترمذيّ(135) من حديث أبي هريرة يرفعه: آخر قرية من قرى الإسلام خراباً المدينة .
وجه الدلالة من هذه الأحاديث من وجوه كثيرة ، نذكر بعضها:
أحدها : أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) حثّ على سكنى المدينة ، وأخبر أنّها خيرٌ من غيرها ، وأنّ أحَداً لا يدعها رغبةً عنها إلاّ أبدلها الله بخير منه ، وأخبر أنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) شفيعٌ لمن سكنها ، وشهيدٌ له يوم القيامة ، وذكر أنّ ذلك لأمّته ، ليس لقرن دون قرن ، وأنّ أحداً لا يدعها إلاّ لعدم علمه ، وأنّها كالكير تنفي خبثها ، وأنّها محروسةٌ بالملائكة ، لا يدخلها الطاعون ، ولا الدجّال آخر الدهر ، وأنّ أحداً لا يكيدها إلاّ انماع كالملح في الماء .
وقال: من استطاع أن يموت فيها فليمت ، وأخبر أنّها آخر قرية من قرى الإسلام خراباً .
وكلّ لفظ من هذه الألفاظ يدلّ على خلاف قولكم.
إنّ هذه الأمور التي تكفّرون بها ، وتسمّونها أصناماً ، ومن فعل شيئاً منها فهو مشركٌ الشرك الأكبر ، عابد وثن ، ومن لم يكفّره فهو ـ عندكم ـ كافر .
معلومٌ عند كلّ من عرف المدينة وأهلها أنّ هذه الأمور فيها كثيرة .
وأكثر منها في الزُبير وفي جميع قرى الإسلام ، وذلك فيها من قرون متطاولة ، تزيد على إكثر من ستمائة سنة .
وأنّ جميع أهلها ـ رؤساؤها ، وعلماؤها ، وأمراؤها ـ يجرون على أهلها أحكام الإسلام .
وأنّهم أعداؤكم ، يسبّونكم ويسبّون مذهبكم الذي هو التكفير ، وتسميته هذه أصناماً وآلهةً مع الله.
فعلى مذهبكم : إنّهم كفّار ، فهذه الأحاديث تردّ مذهبكم.
وعلى مذهبكم : إنّه يجب على المسلم الخروج منها .
وهذه الأحاديث تردّ مذهبكم.
وعلى زعمكم : إنّها تُعبد فيها الأصنام الكبرى .
وهذه الأحاديث تردّ زعمكم.
وعلى مذهبكم : إنّ الخروج إليكم خيرٌ لهم .
وهذه الأحاديث تردّ زعمكم.
وعلى مذهبكم : إنّ أهلها لا يشفع لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، لأنـّهم ممّن جعل مع الله إلهاً آخر ، فبالإجماع هو شفيعٌ يطاع .
وهذه الأحاديث تردّ زعمكم.
وممّا يزيد الأمر وضوحاً : أنّ ممّا بشّر به النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ الدجّال الذي يأتي آخر الزمان لا يدخلها ، والدجّال لا فتنة أكبر من فتنته ، وغاية ما يَطلب من الناس عبادة غير الله.
فإذا كانت هذه الأمور ـ التي تسمّون مَنْ فعلها جاعلا مع الله إلهاً آخر ، عابدَ صنم ، مشركاً بالله الشرك الأكبر ـ ملأت المدينة من ستمائة سنة أو أكثر أو
أقلّ ـ حتّى أنّ جميع أهلها يعادون وينكرون على من أنكرها ـ .
فما فائدة عدم دخول الدجّال ، وهو ما يطلب من الناس إلاّ الشرك؟
وما فائدة بُشرى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)بعدم دخوله على المشركين؟
فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
لو تعرفون لازم مذهبكم ، بل صريح قولكم!؟ لاستحييتم من الناس ـ إن لم تستحيوا من الله ـ .
ومن تأمّل هذه الأحاديث وجد فيها ـ أكثر ممّا ذكرنا ـ [ما[ يدلّ على بطلان قولكم هذا.
* ولكن لا حياة لمن تنادي *
أسأل الله لي ولكم العافية والسلامة من الفتن.
وممّا يدلّ على بطلان مذهبكم :
ما روى مسلم(137) في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : سمعتُ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا يذهب الليل والنهار حتّى تُعبد اللاّت والعزّى ، فقلتُ يارسول الله ، إن كنتُ لأظنّ حين أنزل الله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون} أنّ ذلك تامّ .
قال: إنّه سيكون من ذلك ما شاء الله ، ثم يبعث الله ريحاً طيّبة فتوفّي كلّ من في قلبه مثقالٌ من خردل من إيمان ، فيبقى من لا خير فيه ، فيرجعون إلى دين آبائهم.
وعن عمران بن حصين ، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال(138): لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ حتّى يقاتل آخرهم المسيح .
وعن جابر بن سمرة ، عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة المسلمين حتّى تقوم الساعة ، رواه مسلم(139) .
وعن عقبة بن عامر ، قال: سمعتُ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: لا يزال عصابة من أمّتي يقاتلون على أمر الله ، قاهرين لعدوّهم مَن خالفهم ، حتّى تأتيهم الساعة وهم على ذلك .
فقال: عبدالله بن عمر: أجل ، ثم يبعث الله ريحاً كريح المسك مسّها مسّ الحرير ، لا تترك إنساناً في قلبه مثقال حبّة من إيمان إلاّ قبضته ، ثم يبقى شرار الناس ، عليهم تقوم الساعة ، رواه مسلم(140).
وروى مسلم(141) أيضاً عن عبدالله بن عَمْرو ، قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يخرج الدجّال في أمّتي ، فيمكث أربعين ـ وذكر الحديث .
وفيه ـ : انّ عيسى يقتل الدجّال ، وذكَرَ الريح ، وقبضَ أرواح المؤمنين ، ويبقى شرار الناس .
ـ إلى أن قال ـ : ويتمثّل لهم الشيطان ، فيقول : ألا تستجيبون ، فيقولون: ماذا تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان ـ وذكر الحديث.
أقول : في هذه الأحاديث الصحيحة أبين دلالة على بطلان مذهبكم .
وهي أنّ جميع هذه الأحاديث مصرّحةٌ بأنّ الأصنام لا تُعبد في هذه الأمّة إلاّ بعد انخرام أنفس جميع المؤمنين آخر الدهر .
وذلك أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ذكر عبادة الأوثان ، وأنّها كائنةٌ .
فعرضت عليه الصدّيقة مفهومها من الآية الكريمة أنّ دين محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يزال ظاهراً على الدّين كلّه ، وذلك أنّ عبادة الأصنام لا تكون مع ظهور الدين .
فبيّن لها(صلى الله عليه وآله وسلم) مراده في ذلك ، وأخبرها أنّ مفهومها من الآية حقّ ، وأنّ عبادة الأصنام لا تكون إلاّ بعد انخرام أنفس جميع المؤمنين ، وأمّا قبل ذلك فلا .
وهذا بخلاف مذهبكم .
فإنّ اللاّت والعزّى عُبدت ـ على قولكم ـ في جميع بلاد المسلمين من قرون متطاولة .
ولم يبق إلاّ بلادكم من آنَ ظهر قولكم هذا من قريب ثماني سنين .
فزعمتم: أنّ من وافقكم على جميع قولكم فهو المسلم ، ومن خالفكم فهو الكافر .
وهذا الحديث صحيح ، وهو يبيّن بطلان ما ذهبتم إليه ، لمن له أُذُنٌ واعية!
وأيضاً في حديث عمران: إنّ الطائفة المنصورة لا تزال تقاتل على الحقّ حتّى يقاتل آخرهم المسيح الدجّال .
وكذلك حديث عقبة: إنّ العصابة يقاتلون على الحقّ ، وإنّهم لا يزالون قاهرين لعدوّهم حتّى تأتيهم الساعة وهم على ذلك.
ومعلومٌ أنّ الدجّال غاية ما يدعوهم إليه عبادة غير الله تعالى .
فإذا كان أنّ عبادة غير الله تعالى ظاهرة في جميع بلاد المسلمين ، فما فائدة فتنة الدجّال التي حذّر منها جميعُ الأنبياء أممهم ، وكذلك نبيّنا(صلى الله عليه وآله وسلم) حذّر من فتنته؟
وأين العصابة ـ الذين يقاتلون على الحقّ ، الذين آخرهم يقاتل الدجّال ـ عن قتال هؤلاء المشركين ـ على زعمكم ـ الذين يجعلون مع الله آلهةً أخرى؟
أتقولون: خفيّون؟
ففي هذه الأحاديث أنـّهم ظاهرون .
أتقولون: مستضعفون؟
ففي هذه الأحاديث أنّهم قاهرون لعدّوهم .
أتقولون: يأتون زمن الدجّال؟
ففي هذه الأحاديث أنـّهم ما زالوا ولا يزالون .
أتقولون: إنّهم أنتم؟
فأنتم مدّتكم قريبة من ثماني سنين .
أخبرونا مَن قال هذا القول قبلكم حتّى نصدّقكم؟
وإلاّ فلستم هم.
ففي هذا ـ والله ـ أعظم الردّ عليكم ، والبيان لفساد قولكم .
فصلوات الله وسلامه على مَن أتى بالشريعة الكاملة التي فيها بيان ضلال كلّ ضالّ.
وكذلك في حديث عبدالله بن عمرو: إنّ الشيطان بعد انخرام أنفس المؤمنين يتمثّل للناس ، يدعوهم إلى الاستجابة ، فيقولون له: فماذا تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان .
فإذا كان أنّ بلاد المسلمين ـ حجازاً ، ويمناً ، وشاماً ، وشرقاً ، وغرباً ـ امتلأت من الأصنام وعبادتها على زعمكم!
فما فائدة الإخبار بهذه الأحاديث: أنّ الأوثان لا تُعبد إلاّ بعد أن يتوفّى الله سبحانه وتعالى كلَّ مَنْ في قلبه حبّة خردل من إيمان؟