کتاب الغدیر

محمد حسون

نسخه متنی -صفحه : 25/ 12
نمايش فراداده

ـ قال الشيخ عبد الباسط ابن الشيخ علي الفاخوري مفتي بيروت في (الكفاية لذوي العناية) ص125: الفصل الثاني عشر في زيارة النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وهي متأكّدةٌ مطلوبةٌ، ومستحبّة محبوبةٌ، وتسنُّ زيارته في المدينة كزيارته حيّاً، وهو في حجرته حيٌّ يردُّ على مَنْ سلّم عليه السّلام. وهي من أنجح المساعي وأهمِّ القربات وأفضل الأعمال وأزكى العبادات،وقد قال(صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ زار قبري وجبت له شفاعتي»(114)، ومعنى «وجبت» ثبتت بالوعد الصّادق الذي لا بدَّ من وقوعه وحصوله.

وتحصل الزِّيارة في أيِّ وقت، وكونها بعد تمام الحجّ أحبُّ، ويجب على من أراد الزيارة التوبة من كلِّ شيء يخالف طريقته وسننه(صلى الله عليه وآله وسلم).

ثمَّ ذكر شطراً وافراً من آداب الزِّيارة والزِّيارة الاُولى الآتية في الآداب; فقال: ومن عجز عن حفظ هذا فليقتصر على بعضه وأقلّه السّلام عليك يا رسول الله. ثمَّ ذكر زيارة الشيخين إلى أن قال: ويستحبُّ التبرُّك بالاُسطوانات التي لها فضلٌ وشرفٌ وهي ثمانية: أسطوانة محلِّ صلاته(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإسطوانة عائشةرضياللهعنها وتسمّى إسطوانة القرعة، واسطوانة التّوبة محلّ إعتكافه(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإسطوانة السرير، وإسطوانة عليّ(رضي الله عنه)، وإسطوانة الوفود، وإسطوانة جبريل(عليه السلام)، وإسطوانة التهجّد.

ـ قال الشيخ عبد المعطي السَّقا في «الإرشادات السنيّة» ص260: زيارة النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)إذا أراد الحاجُّ أو المعتمر الإنصراف من مكّة أدام الله تشريفها وتعظيمها، طلب منه أن يتوجّه إلى المدينة المنوَّرة للفوز بزيارته عليه الصّلاة والسّلام، فإنّها من أعظم القربات، وأفضل الطاعات، وأنجح المساعي المشكورة، ولا يختصُّ طلب الزيارة بالحاجّ غير أنّها في حقِّه آكد.

والأولى تقديم الزِّيارة على الحجّ إذا إتّسع الوقت، فإنّه ربّما يعوقه عنها عائقٌ، وقد ورد في فضل زيارته(صلى الله عليه وآله وسلم)أحاديث منها قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): «مَنْ زار قبري وجبت له شفاعتي»(115)، وينبغي الحرص عليها، وعدم التخلّف عنها عند القدرة على أدائها خصوصاً بعد حجّة الإسلام، لإنَّ حقّه(صلى الله عليه وآله وسلم)على اُمَّته عظيمٌ.

وينبغي لمريد الزيارة أن يُكثر من الصّلاة والسَّلام عليه(صلى الله عليه وآله وسلم)في طريق ذهابه إليها، وإذا وصلها إستحبَّ له أن يغتسل ثمَّ يتوضَّأ أو يتيمّم عند فقد الماء،ثمَّ ذكر جملةً من آداب الزيارة ولفظاً مختصراً من زيارة النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)والشيخين.

ـ قال الشيخ محمّد زاهد الكوثري في (تكملة السيف الصقيل) ص156: والأحاديث في زيارته(صلى الله عليه وآله وسلم) في الغاية من الكثرة، وقد جمع طرقها الحافظ صلاح الدين العلائي في جزء كما سبق، وعلى العمل بموجبها استمرَّت الاُمّة، إلى أن شذَّ ابن تيميَّة عن جماعة المسلمين في ذلك، قال عليّ القاري في شرح «الشفاء»: وقد فرط ابن تيميّة من الحنابلة حيث حرَّم السفر لزيارة النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أفرط غيره حيث قال: كون الزيارة قربةً معلومٌ من الدين بالضرورة، وجاحده محكومٌ عليه بالكفر. ولعلَّ الثاني أقرب إلى الصَّواب، لأنَّ تحريم ما أجمع العلماء فيه بالإستحباب يكون كفراً، لأنّه فوق تحريم المباح المتّفق عليه.

فسعيه في منع الناس من زيارته(صلى الله عليه وآله وسلم)، يدلُّ على ضغينة كامنة فيه نحو الرَّسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكيف يتصوّر الإشراك بسبب الزيارة والتوسّل في المسلمين الذين يعتقدون في حقِّه(عليه السلام) أنَّه عبده ورسوله، وينطقون بذلك في صلاتهم نحو عشرين مرَّة في كلِّ يوم على أقلِّ تقدير، إدامة لذكرى ذلك؟

ولم يزل أهل العلم ينهون العوام عن البدع في كلِّ شؤونهم، ويرشدونهم إلى السنّد في الزيارة وغيرها إذا صدرت منهم بدعةٌ في شيء، ولم يعدّهم في يوم من الأيّام مشركين بسبب الزِّيارة أو التوسّل، كيف؟ وقد نقذهم الله من الشِّرك وأدخل في قلوبهم الإيمان. وأوَّل من رماهم بالإشراك بتلك الوسيلة هو ابن تيميّة، وجرى خلفه من أراد استباحة أموال المسلمين ودماءهم لحاجة في النفس، ولم يخف ابن تيميّة من الله في رواية عدِّ السفر لزيارة النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)سفر معصية لا تقصر فيه الصّلاة عن الإمام ابن الوفاء ابن عقيل الحنبلي ـ وحاشاه عن ذلك ـ راجع كتاب «التذكرة» له تجد فيه مبلغ عنايته بزيارة المصطفى(صلى الله عليه وآله وسلم)والتوسّل به كما هو مذهب الحنابلة.

ثمَّ ذكر كلامه وفيه القول بإستحباب قدوم المدينة وزيارة النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، وكيفيّة زيارته وزيارة الشيخين، وكيفيّة زيارتهما، وإتيان مسجد قبا والصَّلاة فيه، وإتيان قبور الشهداء وزيارتهم، وإكثار الدعاء في تلك المشاهد. ثمَّ قال: وأنت رأيت نصّ عبارته في المسألة على خلاف ما يعزو إليه ابن تيميّة.

ـ قال فقهاء المذاهب الأربعة المصريّين في (الفقه على المذاهب الأربعة): ج1 ص590: زيارة قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)أفضل المندوبات، وقد ورد فيها أحاديث. ثمَّ ذكروا ستَّة من الأحاديث، وجملةً من أدب الزائر، وزيارة للنبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، واُخرى للشيخين.

{هُدوا إلى الطيِّب مِنَ الْقول وَهُدوا إلى صِراطِ الْحميدِ}

فروع ثلاثة

هذه الفروع تُعطينا درس التسالم من أئمَّة المذاهب على رجحان زيارة النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وإستحبابها، ومحبوبيَّة شدِّ الرحال إليها من أرجاء الدنيا، ألا وهي:

1 ـ إختلفت الآراء من فقهاء المذاهب الأربعة في تقديم أيٍّ من الحجّ والزِّيارة على الآخر:

فقال تقيُّ الدين السبكي في «شفاء السقام: ص42»: إختلف السَّلف رحمهم الله في أنَّ الأفضل البدأة بالمدينة قبل مكّة، أو بمكّة قبل المدينة.

وممَّن نصَّ على هذه المسألة وذكر الخلاف فيها الإمام أحمد رحمه الله في كتاب المناسك الكبير من تأليفه، وهذه المناسك رواها الحافظ أبو الفضل ]بإسناده(117)[ عن عبدالله بن أحمد عن أبيه، وفي هذه المناسك سُئل عمَّن يبدأ بالمدينة قبل مكّة؟ فذكر بإسناده عن عبدالرَّحمن بن يزيد وعطاء ومجاهد أنَّهم قالوا: إذا أردت مكّة فلا تبدأ بالمدينة وأبدأ بمكّة، وإذا قضيت حجَّك فأمرر بالمدينة إن شئت.

وذكر بإسناده عن الأسود قال: اُحبّ أن يكون نفقتي وجهازي وسفري أن أبدأ بمكّة.

وعن إبراهيم النخعي: إذا أردتَ مكّة فاجعل كلَّ شيء لها تبعاً.

وعن مجاهد: إذا أردت الحجَّ أو العمرة فابدأ بمكّة، واجعل كلَّ شيء لها تبعاً.

وعن إبراهيم: قال إذا حججت فابدأ بمكّة ثمَّ مر بالمدينة بعدُ.

وذكر الإمام أحمد أيضاً بإسناده عن عدي بن ثابت: أنَّ نفراً من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا يبدأون بالمدينة إذا حجّوا يقولون: فهل من حيث أحرم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وذكر ابن أبي شيبة في فضيلة هذا الأمر أيضاً، وذكر بإسناده عن علقمة والأسود وعمرو ابن ميمون: أنَّهم بدأوا بالمدينة قبل مكّة، إلى أن قال: وممَّن نصّ على هذه المسألة من الأئمة أبو حنيفة رحمه الله وقال: والأحسن أن يُبدأ بمكّة.

وقال الشيخ علي القاري في شرح «المشكاة: ج3، ص284»: الأنسب أن تكون الزِّيارة بعد الحجِّ، كما هو مقتضى القواعد الشرعيَّة من تقديم الفرض على السنَّة(118)، وقد روى الحسن عن أبي حنيفة تفصيلا حسناً وهو: أنّه إن كان الحجٍّ فرضاً فالأحسن للحاجّ أن يبدأ بالحجِّ ثمَّ يثني بالزِّيارة، وإن بدأ بالزِّيارة جاز. وإن كان الحجٍّ نفلا فهو بالخيار فيبدأ بأيِّهما شاء. إنتهى.

ثمَّ قال: والأظهر أنَّ الإبتداء بالحجِّ أولى; لإطلاق الحديثولتقديم حقِّ الله على حقّه، ولذا تُقدَّم تحيَّة المسجد النبويِّ على زيارة المشهد المصطفوي.

2 ـ من المتسالم عليه بين فرق المسلمين سلفاً وخلفاً جواز إستنابة النائب وإستئجار الأجير لزيارة النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لمن عاقه عنها عذرٌ، وقد إستفاض عن عمر بن عبد العزيز أنَّه كان يبرد إليه(صلى الله عليه وآله وسلم)البريد من الشام ليقرأ السّلام على النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)ثمَّ يرجع، وفي لفظ: كان يبعث بالرَّسول قاصداً من الشام إلى المدينة.

ذكره البيهقي في شعب الإيمان، وأبو بكر أحمد بن عمرو النيلي المتوفّى 287هـ، في مناسكه، والقاضي عياض في «الشفاء»، والحافظ ابن الجوزي في (مثير الغرام الساكن)، وتقيّ الدين السبكي في «شفاء السِّقام: ص41»، وغيرهم.

وقال يزيد بن أبي سعيد مولى المهري: قد مُت على عمر بن عبد العزيز فلمّا ودَّعته قال: لي إليك حاجةٌ، إذا أتيت المدينة سترى قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فأقرأه منّي السَّلام (الشفاء للقاضي(120)، والشفاء للسبكي ص41).

وقال أبو الليث السمر قندي الحنفي في الفتاوي في باب الحجِّ: قال أبو القاسم: لمّا أردتُ الخروج إلى مكّة قال القاسم بن غسّان: إنَّ لي إليك حاجة، إذا أتيتَ قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)فاقرأه منّي السَّلام، فلمّا وضعت رجلي في مسجد المدينة ذكرت (شفاء السقام ص41).

قال عبد الحقّ بن محمّد الصقلي المالكي المتوفّى 466هـ، في «تهذيب الطالب»: رأيتُ في بعض المسائل التي سُئل عنها الشيخ أبو محمّد بن أبي زيد: قيل له في رجل إستوجر بمال ليحجَّ به، وشرطوا عليه الزِّيارة، فلم يستطع تلك السنة أن يزور لعذر منعه من تلك؟ قال: يردُّ من الااُجرة بقدر مسافة الزِّيارة.

قال عبد الحقّ: وقال غيره من شيوخنا: عليه أن يرجع نائبه حتّى يزور. ثمَّ قال: إن استؤجر للحجّ لسنة بعينها فها هنا يسقط من الاُجرة ما يخصّ بالزيارة، وإن استؤجر على حجَّة مضمونة في ذمَّته فهاهنا يرجع ويزور، وقد إتَّفق النقلان.

وقالت الشافعيَّة: إنَّ الإستئجار والجعالة إن وقعا على الدعاء عند قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أو على إبلاغ السَّلام، فلا شكَّ في جواز الإجارة والجعالة، كما كان عمر بن عبد العزيز يفعل. وإن كانا على الزِّيارة لا يصحّ; لأنَّها عملٌ غير مضبوط.(شفاء السقام ص50).

وقال أبو عبد الله عبيد الله بن محمّد العكبري الحنبلي، الشهير بابن بطَّة المتوفّى 387هـ، في كتاب «الإبانة»: حسبك دلالة على إجماع المسلمين وإتّفاقهم على دفن أبي بكر وعمر مع النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّ كلّ عالم من علماء المسلمين وفقيه من فقهائهم ألَّف كتاباً في المناسك، ففصَّله فصولا وجعله أبواباً يذكر في كلِّ باب فقهه، ولكلِّ فصل علمه وما يحتاج الحاجُّ إلى علمه «إلى أن قال»: حتّى يذكر زيارة قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)فيصف ذلك فيقول: ثمَّ تأتي القبر فتستقبلهوتجعلالقبلة وراء ظهرك، إلى أن قال: وبعدُ أدركنا الناس ورأيناهم وبلغنا عمَّن لم نره أنَّ الرجل إذا أراد الحجَّ فسلّم عليه أهله وصحابته قالوا له: وتقرأ على النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)وأبي بكر وعمر منّا السَّلام، فلا ينكر ذلك أحدٌ ولا يخالفه (شفاء السقام45).

قال الأميني: وذكر أبو منصور الكرماني الحنفي. والغزالي في «الإحياء» والفاخوري في «الكفاية» وشرنبلالي في مراقي الفلاح، والسبكي، والسمهودي، والقسطلاني، والحمزاوي العدوي وغيرهم: أنَّ النائب يقول: السَّلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان يستشفع بك إلى ربِّك بالرَّحمة والمغفرة فإشفع له.

3 ـ قال العبدري المالكي في شرح رسالة ابن أبي زيد: وأمّا النذر للمشي إلى المسجد الحرام أو المشي إلى مكّة، فله أصلٌ في الشَّرع وهو الحجُّ والعمرة، وإلى المدينة لزيارة قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس، وليس عندهم حجّ ولا عمرة. فإذا نذر المشي إلى هذه الثلاثة لزمه، فالكعبة متَّفقٌ عليها، واختلف أصحابنا وغيرهم في المسجدين الآخرين:

قال ابن الحاجِّ في «المدخل 1 : 256»، بعد نقل هذه العبارة: وهذا الذي قاله مسلّمٌ صحيحٌ لا يرتاب فيه إلاّ مشركٌ أو معاندٌ لله ولرسوله(صلى الله عليه وآله وسلم).

وقال تقيُّ الدين السبكي في «شفاء السقام: 53»، بعد ذكر كلام العبدري المذكور: قلت: الخلاف الذي أشار إليه في نذر إتيان المسجدين لا في الزِّيارة.

وقال ص71 بعد كلام طويل حول نذر العبادات وجعلها أقساماً: إذا عرفتَ هذا فزيارة قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)) قربةٌ; لحثِّ الشرع عليها وترغيبه فيها، وقد قدّمنا أنَّ فيها جهتين: جهة عموم، وجهة خصوص.

فأمّا من جهة الخصوص، وكون الأدلَّة الخاصَّة وردت فيها بعينها، فيظهر القطع بلزومها بالنذر، إلحاقاً لها بالعبادات المقصودة التي لا يؤتى بها إلاّ على وجه العبادة، كالصّلاة والصَّدقة والصَّوم والإعتكاف، ولهذا المعنى ـ والله أعلم ـ قال القاضي ابن كج رحمه الله: إذا نذر أن يزور قبر النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم) فعندي أنَّه يلزمه الوفاء وجهاً واحداً.

إلى أن قال: وإذا نظرنا إلى زيارة النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة العموم خاصَّة، وإجتماع المعاني الَّتي يقصد بالزِّيارة فيه، فيظهر أن يقال: إنَّه يلزم بالنذر قولا واحداً، ويحتمل على بعد أن يقال: إنَّه كما لو نذر زيارة القادمين وإنشاء السَّلام، فيجري في لزومها بالنذر ذلك.

وقبل هذه كلّها تنبأك عمّا نرتأيه الآداب المسنونة الآتية للزائر، فإنَّها تتفرَّع على استحباب الزِّيارة، ومندوبيَّة شدِّ الرِّحال إلى روضة النبيِّ الأقدس(صلى الله عليه وآله وسلم).

أدب الزائر عند الجمهور

نذكُر نصَّ ما وقفنا عليه في المصادر

ـ إخلاص النيّة وخلوص الطويّة، فـ«إنّما الأعمال بالنيّات»، فينوي التقرُّب إلى الله تعالى بزيارة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، ويستحب أن ينوي مع ذلك التقرُّب بالمسافرة إلى مسجده(صلى الله عليه وآله وسلم)، وشدِّ الرحال إليه والصّلاة فيه. قاله ابن الصّلاح والنووي من الشافعيّة، ونقله شيخ الحنفيّة الكمال بن الهمام عن مشايخهم.

ـ أن يكون دائم الأشواق إلى زيارة الحبيب الشفيع.

ـ أن يقول إذا خرج من بيته: بسم الله، وتوكّلت على الله، ولا حول ولا قوَّة إلاّ بالله. اللّهمَّ إليك خرجتُ وأنت أخرجتني، اللّهمَّ سلّمني وسلّم منّي ورُدَّني سالماً في ديني كما أخرجتني، اللّهمَّ إنِّي أعوذ بك أن أضلّ أو اُضلّ، أو أذلَّ أو اُذلّ، أو أظلم أو اُظلم، أو أجهل أو يُجهل عليّ، عزَّ جارك وجلَّ ثناؤك وتبارك إسمك ولا إله غيرك.

ـ الإكثار في المسير من الصَّلاة والتسليم على النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، بل يستغرق أوقات فراغه في ذلك من القربات.

ـ يتتبّع ما في طريقه من المساجد والآثار المنسوبة إلى النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، فيحييها بالزّيارة ويتبرَّك بالصّلاة فيها.

ـ إذا دنا من حرم المدينة وشاهد أعلامها ورباها وآكامها، فليستحضر وظائف الخضوع والخشوع مستبشراً بالهنا وبلوغ المنى، وإن كان على دابّة حرَّكها تباشراً بالمدينة، ولا بأس بالترجّل والمشي عند رؤية ذلك المحلّ الشريف كما يفعله بعضهم; لأنَّ وفد عبد القيس لمّا رأوا النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) نزلوا عن الرّواحل ولم ينكر عليهم، وتعظيمه بعد الوفاة كتعظيمه في الحياة.

وقال أبو سليمان داود المالكي في الإنتصار: إنَّ ذلك يتأكّد فعله لمن أمكنه من الرِّجال، وأنّه يستحبُّ تواضعاً لله تعالى وإجلالا لنبيِّه(صلى الله عليه وآله وسلم).

وحكى القاضي عياض في «الشفاء»: إنَّ أبا الفضل الجوهريلمّا ورد المدينة زائراً وقرب من بيوتها وترجَّل باكياً منشداً:


  • ولمَّا رأينا رسم مَن لم يدع لنا نزلنا عن الأكوار نمشي كرامةً لمن بانَ عنه أن نلمَّ به ركبا

  • فؤاداً لعرفان الرسوم ولا لبّا لمن بانَ عنه أن نلمَّ به ركبا لمن بانَ عنه أن نلمَّ به ركبا

وقد ضمّنها القاضي عياض في قصيدة نبويَّة له يقول بعدهما:


  • وتهنا بأكناف الخيام تواجداً ونُبدي سروراً والفؤاد بحبِّها اُقدِّم رِجلا بعد رِجل مهابةً وأسكب دمعي في مناهل حبِّها وأدعو دعاء البائس الواله الذي براه الهوى حتّى بدا شخصه شجبا

  • نُقبِّلها طوراً ونرشفها حُبّا تقطّع والأكباد أورى بها لهبا وأسحب خدِّي في مواطنها سحبا واُرسل حبّاً في أماكنها النجبا براه الهوى حتّى بدا شخصه شجبا براه الهوى حتّى بدا شخصه شجبا

ـ إذا بلغ حرم المدينة الشريفة فليقل بعد الصّلاة والتسليم: اللّهمَّ هذا حرم رسولالله(صلى الله عليه وآله وسلم) الذي حرَّمته على لسانه، ودعاك أن تجعل فيه من الخير والبركة مثلي ما في حرم البيت الحرام، فحرِّمني على النار، وآمنِّي من عَذابك يوم تبعث عبادك، وارزقني من بركاته ما رزقته أولياءك وأهل طاعتك، ووفّقني لحسن الأدب وفعل الخيرات وترك المنكرات، ثمَّ تشتغل بالصّلاة والتسليم.

وقال الغزالي في الإحياء 1 ص246: إذا وقع بصره على حيطان المدينة وأشجارها قال: اللّهمَّ هذا حرم رسولك، فاجعله لي وقايةً من النّار، وأماناً من العذاب وسوء الحساب.

وفي «مراقي الفلاح» للفقيه شر نبلالي: فإذا عاين حيطان المدينة المنوّرة يصلّي على النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ثمَّ يقول: اللّهمَّ هذا حرم نبيِّك ومهبط وحيك، فامنن عليَّ بالدخول فيه، واجعله وقايةً لي من النّار وأماناً من العذاب، واجعلني من الفائزين بشفاعة المصطفى يوم المآب.

ـ إن كانت طريقه على ذي الحليفة فلا يجاوز المعرَّس حتّى ينيخ به، وهو مستحبّ كما قاله أبو بكر الخفّاف فيكتاب (الأقسام والخصال) والنووي وغيرهما.

ـ الغسلُ لدخول المدينة المنوَّرة من بئر الحرَّة أوغيرها، والتطيّب، ولبسُ الزائر أحسن ثيابه. وقال الكرماني من الحنفيّة، فإن لم يغتسل خارج المدينة فليغتسل بعد دخولها.

قال ابن حجر: ويسنُّ له كمالا في الأدب أن يلبس أنظف ثيابه والأكمل الأبيض إذ هو أليق بالتواضع المطلوب متطيِّباً، وقد يقع لبعض الجهلة عند الرؤية للمدينة نزولهم عن رواحلهم مع ثياب المهنة والتجرُّد عن الملبوس فينبغي زجره; نعم: النزول عن الرَّواحل عند رؤية المدينة من كمال الأدب لكن بعد التطيّب ولبس النظيف.

وقال الفقيه شرنبلالي في «مراقي الفلاح»: ويغتسل قبل الدخول أو بعده قبل التوجّه للزِّيارة إن أمكنه، ويتطيَّب ويلبس أحسن ثيابه تعظيماً للقدوم على النبيِّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، ثمَّ يدخل المدينة ماشياً إن أمكنه بلا ضرورة.

ـ أن يقول عند دخوله من باب البلد: بسم الله ما شاء الله لا قوَّة إلاّ بالله، ربّ أدخلني مُدخل صِدْق، وأخرجني مُخرج صدْق، واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً; حسبي الله آمنت بالله توكلّت على الله لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، اللّهمَّ إنني أسألك بحقِّ السائلين عليك، وبحقِّ ممشاي هذا إليك فإنّي لم أخرج بطراً ولا أشراً ولا رياء ولا سمعةً، خرجت إتِّقاء سخطك وإبتغاء مرضاتك، أسألك أن تُنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت.

وقال شيخ زاده في «مجمع الأنهر: ج1، ص157»: إذا دخل المدينة قال: ربِّ أدخلني مُدخل صِدْق. الآية، اللّهمَّ إفتح لي أبواب فضلك ورحمتك، فارزقني زيارة قبر رسولك المجتبى(عليه السلام)ما رزقت أولياءك وأهل طاعتك، وإغفر لي وارحمني ياخير مسؤول.

ـ لزوم الخشوع والخضوع لمّا شاهد القبّة مستحضراً عظمتها، يمثِّل في نفسه مواقع أقدام رسول الله، فلا يضع قدمه عليه إلاّ مع الهيبة والسكينة والوقار.

ـ عدم الإخلال بشيء ممّا أمكنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والغضب عند إنتهاك حرمة من حرمه أو تضييع شيء من حقوقه(صلى الله عليه وآله وسلم).

ـ إذا شاهد المسجد والحرم الشريف فليزدد خضوعاً وخشوعاً يليق بهذا المقام، ويقتضيه هذا المحلّ الذي ترتعد دونه الأقدام، ويجتهد في أن يوفي للمقام حقَّه من التعظيم والقيام.

ـ الأفضل أن يدخل الزائر إلى الحضرة الشريفة من باب جبرئيل، وجرت عادة القادمين من ناحية باب السَّلام بالدخول.

ـ يقف بالباب لحضةً لطيفةً، كما يقف المستأذن في الدُّخول على العظماء، قاله الفاكهي في «حسن الأدب: 56»، والشيخ بعد المعطي السقافي «الإرشادات السنيَّة: 261».

ـ إذا أراد الدخول فليفرغ قلبه وليصف ضميره، ويقدِّم رجله اليمنى ويقول: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبنوره القديم من الشيطان الرَّجيم، بسم الله والحمد لله ولا حول ولا قوَّة إلاّ بالله ما شاء الله لا قوَّة إلاّ بالله، اللّهمَّ صلِّ على سيِّدنا محمّد عبدك ورسولك وعلى آله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً; اللّهمَّ إغفر لي ذنوبي وإفتح لي أبواب رحمتك، ربِّ وفِّقني وسدِّدني وأصلحني وأعنّي على ما يُرضيك عنّي، ومُنَّ عليَّ بحسن الأدب في هذه الحضرة الشريفة، السَّلام عليك أيّها النبيُّ ورحمة الله تعالى وبركاته; السَّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.

ولا يترك ذلك كلّما دخل المسجد أو خرج منه، إلاّ أنَّه يقول عند خروجه: وإفتح لي أبواب فضلك، بدل قوله: أبواب رحمتك.

وقال القاضي عياض: قال ابن حبيب: يقول إذا دخل مسجد الرَّسول: بسم الله وسلامٌ على رسول الله، السَّلام علينا من ربِّنا، وصلّى الله وملائكته على محمّد، اللّهمَّ إغفر لي ذنوبي، وإفتح لي أبواب رحمتك وجنَّتك، واحفظني من الشَّيطان الرَّجيم(123).

ـ قال القاضي في «الشفاء»: ثمَّ أقصد إلى الرَّوضة ـوهي ما بين القبر ـ والمنبر واركع فيهما ركعتين قبل وقوفكَ بالقبر، تحمد الله تعالى فيهما وتسأله تمام ما خرجت إليه والعون عليه، وإن كانت ركعتاك في غير الرَّوضة أجزأتاك، وفي الرَّوضة أفضل(124).

وقال القسطلاني في «المواهب»: يستحبّ أن يصلّي ركعتين قبل الزِّيارة، قيل: وهذا ما لم يكن مروره من جهة وجهه الشريف، وإلاّ إستحبَّ الزِّيارة أوَّلا، قال في «تحقيق النصرة»: وهو إستدراكٌ حسنٌ، ورخَّص بعضهم تقديم الزيارة مطلقاً، وقال ابن الحاجّ: كلُّ ذلك واسعٌ.

وقال شرنبلالي في «مراقي الفلاح»: فتسجد شكراً لله تعالى بأداء ركعتين غير تحيَّة المسجد، شكراً لما وفَّقك الله تعالى ومَنَّ عليك بالوصول إليه.

وقال الحمزاوي في «كنز المطالب: ص211»: يبدأ بتحيَّة المسجد ركعتين خفيفتين بقل يا أيّها الكفارون وقل هو الله أحد، وأن يكون بمصلاّه(صلى الله عليه وآله وسلم)، فإن لم يتيسَّر له فما قرب منه ممّا يلي المنبر من جهة الرَّوضة.