بعد السیاسی للحج فی منظار الإمام الخمینی (رضوان الله تعالی علیه)

جلال الأنصاری

نسخه متنی -صفحه : 21/ 15
نمايش فراداده

لسموم الطائفية

وليت الأمر يقتصر على الغفلة ، وإثارة النعرات القومية ، فهناك ما هو أخطر من هذه وتلك ، وهو الأيدي التي تدس السم في العسل ، خلال موسم الحج ، وتعمل على تعميق تخلّف المسلمين وتشتتهم وتباعدهم .

هذه الأيدي الخفيّة التي انكشف عنها القناع ، بعد انتصار الثورة الاسلامية في ايران ، تحاول أن تعقّد أوضاع المسلمين أكثر ممّا عليه الآن ، بتوزيع الكتب السامّة المثيرة للعنعنات الطائفية والقومية ، للإيغال في تمزيق صفوف المسلمين ، وتوسيع الثغرة التي ينفذ منها أعداء الاسلام الى ربوع العالم الاسلامي ، يقول الامام: «المسلمون ينبغي أن يشهدوا منافع لهم ، في هذا الحشد الاسلامي الكبير ، لكن ما يحدث ـ وللأسف الشديد ـ هو العكس من ذلك . فالاقلام المأجورة المسمومة المفرّقة بين صفوف المسلمين تتحرّك في هذا التجمّع لمصادرة أهداف الوحي الالهي ، فتنشر في مهبط الوحي أوراقاً مفرّقة للصفوف مثل (الخطوط العريضة) 37 مليئة بالأكاذيب والافتراءات» 38 .

و رغم خطورة إثارة النزعة القومية ، فإنّ الامام(رحمه الله) يحذّر من مغبّة الفتنة الطائفية: «هناك ما هو أخطر من النعرات القومية وأسوأ منها ، وهو إيجاد الخلافات بين أهل السنة والشيعة ، ونشر الأكاذيب المثيرة للفتن والعداء بين الأخوة المسلمين» .

ثم يشير رضوان الله عليه الى مسألة طالما أثارها المتصيدون في الماء العكر ، وما يزالون يعزفون على أوتارها الصدئة: «في اطار الثورة الاسلامية في ايران لا يوجد ـ ولله الحمد ـ أي اختلاف بين الطائفتين ، فالجميع يعيشون معاً متآخين متحابين .

أهل السنّة المنتشرون بكثرة في ايران ، والقاطنون مع العدد الكبير من علمائهم ومشايخهم في أطراف البلاد وأكنافها ، متآخون معنا ونحن متآخون ومتساوون معهم ، وهم يعارضون تلك النغمات المنافقة التي يعزفها بعض الجناة المرتبطين بالصهيونية وأمريكا .

ليعلم الأخوة أهل السنة في جميع البلدان الاسلامية أنّ المأجورين المرتبطين بالقوى الشيطانية الكبرى لا يستهدفون خير الاسلام والمسلمين . وعلى المسلمين أن يتبرأوا منهم ، ويُعرضوا عن إشاعاتهم المنافقة» .

وأنهى الامام كلامه حول هذه النقطة بقوله: «إنني أمدّ يد الأخوّة الى جميع المسلمين الملتزمين في العالم ، وأطلب منهم أن ينظروا الى الشيعة باعتبارهم اخوة أعزاء لهم ، وبذلك نشترك جميعاً في إحباط هذه المخططات المشؤومة» .

و في بادرة واعية ، تفوّت على المغرضين أغراضهم الدنيئة ، وتسحب البساط من تحت أرجلهم ، أوصى الامام الراحل(رحمه الله) الحجاج الايرانيين وجميع الحجاج الشيعة بعدّة وصايا حكيمة تساهم في تمتين وشائج وحدة المسلمين وقطع الطريق على المراهنين على تفرّقهم . إذ يقول: «على الأخوة الايرانيين وجميع الشيعة أن يتجنبوا الأعمال الجاهلة التي تؤدي الى تفرّق صفوف المسلمين ، وعليهم أن يشتركوا في جماعات أهل السنة ، وأن يتجنبوا عقد صلاة الجماعة في البيوت ، ونصب مكبرات الصوت بدون انتظام ، والقاء النفس على القبور الطاهرة ، والأعمال المخالفة للشرع» .

ثم أنهى وصاياه بالقول: «يجزي ويلزم في الوقوفين العمل وفق أحكام قضاة أهل السنة ، حتى ولو حصل القطع بخلاف ذلك» 39 .

وهنا يثبت الامام الخميني أنه رجل المرحلة التاريخية ، وأنه يتصرّف بمستوى ما تقتضيه المصلحة الاسلامية العليا ، متجاوزاً كلّ الحسابات الطائفية والمذهبية .