القوميّة: البديل الخائب
على أنّ الأمر لم يقف عند هذا الحد ، فقد عمدت الدوائر المعادية للاسلام
الى فتح جبهات عديدة ضد الاسلام وحركته المتصاعدة . وقد نبّه الامام
الخميني الراحل الى خطورة هذه الأساليب ومغبّة الانسياق وراءها ، إذ
يقول: «من المسائل التي خطط لها
المستعمرون ، وعمل على تنفيذها المأجورون لإثارة الخلافات بين
المسلمين . . . المسألة القومية ، التي جندت حكومة
العراق نفسها منذ سنين لترويجها .
بعض الفئات انتهجت هذا (الخط
القومي) أيضاً ، فجعلت المسلمين مقابل بعضهم ، بل وجرّتهم الى
المعاداة أيضاً غافلة أنّ موضوع حبّ الوطن وأهل الوطن وصيانة حدوده وثغوره لا
يقبل الشك والترديد ، وهو غير مسألة النعرات القومية لمعاداة الشعوب
الاسلامية الأخرى .
فهذه المسألة عارضها الاسلام
والقرآن الكريم والنبيّ الأعظم . النعرات القومية التي تثير العداء بين
المسلمين والشقاق بين صفوف المؤمنين تعارض الاسلام ، وتهدّد مصالح
المسلمين ، وهي من مكائد الأجانب الذين يزعجهم الاسلام
وانتشاره .
إنّ قوى الكيد الاستعماري وجّهت
ضربات قويّة الى كلّ مظاهر الاسلام ومعالمه وركائزه ، كما أنّ الحركات
القومية في العالم الاسلامي ، وجّهت بدورها ضربات مهلكة الى كيان القوى
المجاهدة ، التي كانت تخوض صداماً مريراً ضد أعداء الاسلام . وان
ظهور فكرة «القومية العربية» في العالم العربي ، وفكرة «القومية
التركية» في تركيا ، وفكرة «القومية الفارسية» في إيران ، وفكرة
القوميات المشابهة في سائر الدول الاسلامية جاء بهدف التصدي للحركات
الاسلامية ، حيث لعبت تلك الأفكار دوراً كبيراً في ضمان مصالح
الاستعمار .
وعلى الصعيد الثقافي ، كانت
الأنظمة العميلة تسعى دائماً لإحلال الثقافة الغربية محل الثقافة الاسلامية
بذريعة إحياء الثقافة الفولكلورية والقومية . وإنّ المساعي الكبيرة التي
بذلها نظام الشاه ، ورؤوس الأموال التي قام بتوظيفها ، في مجال
احياء التقاليد القديمة مثل; التقاليد (الزرادشتية ، والمانوية وغيرها)
بمساعدة ما يسمى بمتخصصي الشؤون الايرانية من الاوروپيين والأمريكيين ،
واستبدال التاريخ الاسلامي بتاريخ ملكي . . جاءت كلّها للغرض
المذكور 34 .
وقد أدان الامام الراحل ، مرّات عديدة ، النعرات القومية ،
سواء تلك التي في ايران أو في العالم الاسلامي ، مؤكداً أنها من دسائس
المستعمرين ، وها هو يقول: «إنّ القوى
الكبرى درست خلال سنوات طويلة كلّ أوضاع المسلمين . . أجرت مطالعات
على الأفراد والجماعات وعلى أراضينا وغاباتنا ، وخرجت بنتيجة هي: أنّ
الاسلام وحده هو الذي يستطيع أن يقف بوجههم في جميع المجتمعات . .
وراحت هذه القوى تخطط لمجابهة الاسلام عن طريق الحكومات الفاسدة ،
وأوعزت الى هذه الحكومات أن تثير مسائل العصبيات العنصرية بين
المسلمين ، فجعلت العرب مقابل الفرس والأتراك ، وجعلت الفرس مقابل
الأتراك والعرب ، وجعلت الأتراك مقابل الآخرين . . وهكذا
أوقعت بين القوميات المختلفة .
ولقد أكّدتُ مراراً أنّ هذه النعرات
القومية هي أساس مصيبة المسلمين ، إذ إنّ هذه النعرات تجعل الشعب
الايراني مقابل سائر الشعوب المسلمة ، وتجعل الشعب العراقي مقابل بقية
المسلمين ، وهذه المخططات طرحها المستكبرون للتفريق بين
المسلمين» .
وراح الامام يضرب أمثلة حيّة من واقعنا المعاصر ، إذ يقول:
«الحكومة السابقة في العراق ـ وهذه الموجودة
ـ ليست بأفضل من سابقتها طبعاً ـ طرحت مسألة إحياء أمجاد بني أمية; ليجعلوا
منها مسألة مقابل المسألة الاسلامية 35 .
فالاسلام جاء ليذيب الأمجاد في
مجد الله ، ولكن هؤلاء رفعوا شعار إحياء أمجاد بني
أمية ، وليس طرح هذه المسألة من تدبير تلك الحكومة ، بل من تدبير
القوى الكبرى التي تروم التفريق بين المسلمين . . .
وفي ايران ، قرع بعض المغرضين والغافلين على
طبل القومية ، وأرادوا بذلك أن يواجهوا الاسلام . . .
وقبل سنين ـ وأظن في زمن رضا خان ـ تأسس في ايران مجمع أعدّ
الأفلام والقصائد والمقالات التي تندب الأمجاد الايرانية
( . . .) وتأسف على انتصار العرب على ايران ، وتذرف دموع
التماسيح على ضياع طاق كسرى . . .
وهؤلاء
القوميون الخبثاء بكوا كثيراً على اندحار السلاطين الفرس على يد
الاسلام!
ومثل هذه الروح المعارضة للقرآن أوجدها المستعمرون في
البلاد العربية وغير العربية» 36 .