بعد السیاسی للحج فی منظار الإمام الخمینی (رضوان الله تعالی علیه)

جلال الأنصاری

نسخه متنی -صفحه : 21/ 6
نمايش فراداده

الحج; منظومة فقهية

ولمّا كان الاسلام منهج حياة ، فإنه يتسم بالشمولية والتكامل وتلبية حاجات البشرية في كلّ زمان ومكان . إن للإسلام قواعد ومباني يبتني عليها ، ويتكئ عليها ، وينهدم دونها ، ولا يبقى له بدونها إلاّ الاسم العاري من المسمّى . ومن تلك المباني الحج ، حيث يقول الامام الباقر(عليه السلام): «بُني الاسلام على خمس : الصلاة والصوم والزكاة والحج والولاية»11 ، فمن ترك الحج متعمداً فقد هدم ركناً من أركان دينه الإلهي فينهدم معه الاسلام الكامل; ولذا قال تعالى فيمن تركه عمداً . . . {ومن كفر فإنّ الله غني عن العالمين} ، حيث عبّر عن تركه العمدي بالكفر ، فتارك الحج عمداً كافر عملا ، وإن لم يكن كافراً إيماناً واعتقاداً . وحيث إنّ الحج من مباني الاسلام . فجميع ما ورد في شأنه لابدّ وأن يتبلور في الحج ويكون الحج مُمثلا إيّاه ومجلىً لظهوره12 .

ويندرج الحج ضمن سلسلة اجتماعات المسلمين ، بحيث يأتي تتويجاً لها ، وأهمها لجهة الشمول والاتساع . أمّا أول هذه الاجتماعات فهو «على مستوى أهل الحي الواحد من البلد ، يتكرر في اليوم خمس مرات ، وقد شرع الله صلاة الجماعة ، أما ثانيهما; فاجتماع على مستوى أهل البلدة الواحدة ، يتوالى مع كلّ اسبوع ، وقد شرع له صلاة الجمعة ، وأما ثالثهما; فاجتماع على مستوى العالم الاسلامي أجمع . .13 حيث يتلاقى المسلمون من شتى بقاع الأرض ، ليتعارفوا ، ويتبادلوا الآراء والخبرات ، ويغلّبوا وحدتهم على ما يغالبها من انتماءات تاريخية واجتماعية وثقافية مختلفة .

وهكذا نجد أنّ الحج ـ كفريضة ـ يحتل موقعاً أساسياً في بناء حركة المجتمع التوحيدي ، إذ تعتبر هذه الفريضة أحد أركان الاسلام ، فالجماعة المسلمة تتعامل مع الحج باعتباره فريضة على كلّ مسلم ومسلمة الى يوم الدين ، مهما تغيرت الظروف وتقلبت الأحوال: {ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنّ الله غني عن العالمين}14 .

ويتواصل الحج مع منظومة عبادات لدى المسلمين ، تبدأ بالصلاة والصوم ، وتتوّج بالحج . إلاّ أنّ هذه العبادات المختلفة ، رغم ما يجمعها من خصائص مشتركة ، يبقى لكلّ منها خاصية وفرادية . . لذا فالحج ، كظاهرة يمكننا القول : إنها في الوقت الذي تندرج فيه ضمن نظام أعم من العبادات تحمل منطقها وقواعدها ووظائفها المميزة .

إنّ القيام بالحج ليس أمراً عفوياً يقوم به المسلم كيفما اتفق ، انطلاقاً من قناعاته الفردية أو تأثراً بالمناخ الحقوقي والقانوني الذي ينظّم العلاقات الاجتماعية المختلفة في البلد الذي يعيش فيه ، ولا انطلاقاً من العرف الذي يحكم القبيلة أو الطائفة التي ينتمي اليها .

فالحج تحكمه منظومة فقهية تفصيلية ، يتعامل معها المسلمون على أنها شروط إلهية ورسالية ، لا يحق للفرد أو الجماعة أو الأمة ، في أية مرحلة من مراحل التاريخ وفي أية بقعة من بقاع الأرض ، أن يجروا أيّ تعديل عليها ، مهما كان الموقع الذي يتبوؤنه في السلطة وفي الحياة العامة15 .