بعد المعنوی للحج فی رؤی الامام علی (ع)

محمد علی المقدادی

نسخه متنی -صفحه : 11/ 6
نمايش فراداده

النظر إلى بيت الله

ومن وصاياه(عليه السلام) : « . . . إذا حججتم فأكثروا النظر إلى بيت الله فإنّ لله مائة وعشرين رحمة عند بيته الحرام ، منها ستّون للطائفين ، وأربعون للمصلّين ، وعشرون للناظرين . . .» 10 .

إنّ السياحة والزيارة من الأسباب التي يمكن تحصيل المعنوية بها; لأنّ البصيرة تحصل بالبصر . ولكن هل يكون لكلّ سياحة ولأيّ زيارة هذا الأثر العظيم ، أم يلزم ذلك زيارة خاصّة؟

والهدف من السياحة والنظر إلى الأماكن والآثار التأريخية الموجودة في أنحاء العالم ، هو الوقوف على الفنون المعمارية القديمة وجهود الفنّانين في تلك العصور ، والعلم بالحضارات والثقافات الفانية التي أحدثتها الملل السابقة ، وقد يكون الهدف من السياحة نفس السياحة ، وليس شيئاً آخر; وحينئذ لا يوجد أي باعث معنوي لتلك السياحة ولذاك النظر .

نعم ، قلّما يتّفق إثارة الباعث المعنوي ، كأن يكون الزائر من الأشخاص الذين لا ينظرون إلى الظاهر فقط ، بل يتوجّهون إلى المعنى والباطن ، وفي أثر هذا يدّخرون الحسنات ليوم المعاد .

ثمّ إنّه ليس للنظر ثواب ورحمة إلاّ في بعض الأشياء ، كالنظر إلى وجه العالم ، ونظر الولد إلى وجه والديه و . . . ، وأما النظر إلى الكعبة الشريفة ، فله ثواب أكثر لم يرد في الأحاديث مثله . إنّ ساحة المسجد الحرام مملوءة بالرحمات الكثيرة ، ولا يمكن الحصول على هذه الخيرات إلاّ في هذا المكان المقدّس ، فالزائر لبيت الله الحرام والمتواجد فيه ، لا يخرج من هذه الحالات الثلاث :

إمّا أن يكون طائفاً ، وإمّا أن يكون مصلّياً ، وإمّا أن يكون ناظراً .

فأمّا الطائف ، تنزل لصالحه ستّون رحمة .

وأمّا المصلّي ، فتنزل لصالحه أربعون رحمة .

وأمّا الناظر ـ سواء أكان جالساً في المسجد أو قائماً ـ عندما ينظر إلى بيت الله الحرام ، فتنزل لصالحه عشرون رحمة .

وأنت ترى ما أنتج هذا السفر الإلهي من المعنويات والآثار المقدّسة ، فهل يمكن استنزال الرحمة في سائر الأماكن كاستنزالها في بيت الله الحرام؟

فالسير إلى ديار الوحي ، والنفر من الأهل والولدان ، للحضور في بلد الله الآمن الذي {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ . . .} ، ليس إلاّ لباعث معنوي قوي; وهو النظر إلى الكعبة ، وآيات الله البيّنات ، والتوجّه إلى وسمات العبودية لله سبحانه وتعالى ، وقطع العلاقات عن كلّ شيء وعن كلّ شخص وحتى عن نفسه .

وفي هذه الساحة المباركة ـ المسجد الحرام ـ يمكن إحساس اللحاق بالله تعالى وبالخلد والخلود والرجوع إلى الفطرة السليمة البعيدة من التلوّث والانحراف ، {صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}11 .