حرم المکی فی مرآة الفقه

عبدالکریم آل نجف

نسخه متنی -صفحه : 11/ 5
نمايش فراداده

الحرم الآمن

يُعدّ الأمن أبرز خصائص الحرم المكّي، بل هو الأساس في حمله هذا العنوان، فإنّ معنى الحرم مأخوذ من إعطاء مكان ما حُرمة بحيث تُمنع فيه بعض الأعمال الجائزة في نفسها، وتراعى فيه بعض الآداب التي لا تراعى في مكان آخر. قال تعالى : { إنّما أمرت أن أعبدَ ربَّ هذه البلدة الذي حرّمها }11. { وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام }12. { والتين والزيتون * وطور سينين * وهذا البلد الأمين }13. { فيه آياتٌ بيّناتٌ مقامُ إبراهيم ومَن دخلهُ كان آمناً }14.

والتحريم الوارد في هذه الآيات وإن كان خاصاً بالمسجد الحرام، «وبمكّة فقط»، إلاّ انّ نصوص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمّة، قد وسّعت ذلك إلى ما تحيط به المواقيت، كما تبيّن لنا من قبل. وتحريم بعض المباحات في هذه المنطقة يُعدّ بنفسه دليلا لتأكّد حرمة المحرّمات، وعندما يتقرّر على الباحث أن يدرس نظرية الأمن والسلام في الإسلام فلابدّ من أن يجعل عناية الإسلام بمنطقة تساوي من حيث المساحة 144 ميلا مربعاً وهي منطقة الحرم المكّي، التي تمثلّ قلب التوحيد ومنبع الأديان السماوية، واعتبارها منطقة آمنة تحرّم فيها كلّ الممارسات المخلّة ـ المشروعة وغير المشروعة ـ بحياة كلّ كائن حي ـ انسان، حيوان، نبات ـ بل بحياة الكائنات الشبيهة بالكائنات الحيّة ـ شَعر، ظفر ـ، أن يجعل ذلك ركناً من أركان تلك النظرية.

لقد دعا إبراهيم (عليه السلام) أن يجعل الله مكّة حرماً آمناً، وهو في أوّل مجيئه إليها، لأنّ الحياة لا تستقيم إلاّ مع الأمن، والمدن لا تعمّر إلاّ مع السلم وشيوع الاطمئنان. وقد استجاب الله سبحانه دعاء إبراهيم فجعل مكّة حرماً آمناً، وتفرع على ذلك جملة من الأحكام والخصائص هي!