و قد يتوهم اعتبار قصد الانتقاص في موضوع الغيبة .
و لكنه توهم فاسد ، إذ لا دليل عليه ، فان صدق عنوان العيب على المقول أمر عرفي لا يرتبط بالقصد ، و لا يقاس هذا بالتعظيم و الهتك المتقومين بالقصد .
الثاني : ان ذكر احد بالاوصاف العادية او نفيها عنه إنما لا يكون غيبة إذا لم يستلزم نقصا في الجهات المزبورة في التنبيه السابق ، و إلا فلا شبهة في كونه غيبة ، كنفي العدالة عنه ، فانه يدل بالملازمة على ارتكابه المعاصي .
و كقوله : إن فلانا يقرء علم النحو منذ ثلاثين سنة ، فانه يدل بالملازمة على بلاده المقول فيه و بلاهته ، أو مماطلته و بطالته .
الثالث : ان مقتضى ما ذكرناه من التعريف ( بل المتيقن من مفهوم الغيبة ، و مورد الروايات الدالة على حرمة الغيبة ) ان يكون المقول امرا قد ستره الله على المقول فيه و اما ذكر الامور الظاهرة فليس من الغيبة .
و قد ذكره الاصحاب في مستثنياتها ، و سيأتي ذكره ، و تدل على ذلك رواية ابن سيابة المتقدمة ، و رواية الازرق ( 1 ) ، إلا انهما ضعيفتا السند .
نعم في إحياء العلوم ( 2 ) عن عائشة إنها ( دخلت علينا إمرأة فلما ولت أومأت بيدي انها قصيرة فقال " ص " : اغتبتها ) فان الظاهر منها تحقق الغيبة بحكاية الامور الظاهرة .
و لكنه ضعيف السند .
نعم قد يكون ذكر الامور الظاهرة حراما ، لانطباق شيء من العناوين المحرمة عليه ، كالتعبير و الهجاء و السب و الهتك و الظلم و نحوها ، و عليه فيكون حراما من جهة الغيبة الرابع : قد تتحقق الغيبة بالتعريض و الاشارة قولا ، كأن يقول : الحمد لله الذي لم يبتليني بالسلطان و بالميل إلى الحكام ، أو فعلا ، كأن يحكي مشية الغائب ، بل هو أشد من الذكر باللسان ، لكونه أعظم في الانتقاص .
أو كتابة ، فقد قيل : ان القلم احد اللسانين فان المناط في تحقق الغيبة كشف ما ستره الله ، و لا خصوصية للكاشف .
الخامس : لا بد في صدق الغيبة من وجود احد يقصد بالتفهيم .
فقد عرفت : انها إظهار ما ستره الله ، و هو لا يتحقق بمجرد حديث النفس ، فانه لا يزيد على الصور العلمية
1 - قال : قال لي أبو الحسن " ع " : من ذكر رجلا من خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته . مجهولة ليحيى الازرق . راجع كابهامش ج 2 مرآة العقول ص 349 . وج 3 الوافي ص 163 . وج 2 ئل باب 154 المواضع التي تجوز فيها الغيبة من العشرة ص 239 2 - راجع ج 3 باب الغيبة ص 127 .