و فيه أن هذه الاخبار غريبة عما نحن فيه ، لانها راجعة إلى حلية الرباء بعد التوبة ، و دالة على عفو الله عن ذلك تسهيلا لمكلفين و ترغيبا في التوبة .
و عليه فالتوبة شرط متأخر لحلية الرباء مع الجهل بصاحبه .
و قد ورد ( 1 ) في تفسير قوله تعالى ( 2 ) : ( فله ما سلف ) ما يدل على العفو عن الرباء وضعا و تكليفا بعد التوبة .
وح فشأن الرباء شأن الموارد التي أذن الشارع في التصرف في أموال الناس بدون إذنهم ، كأكل طعام الغير في المجاعة ، و التصرف في اللقطة بعد التعريف ، و في الاراضي المتسعة و الانهار الكبار ، و كالتصرف في الاراضي المغصوبة لانقاذ الغريق ، إلى ذلك من الموارد .
الطائفة الثانية : الاخبار ( 3 ) الدالة على حلية الاشياء ما لم تثبت حرمتها ، فانها تدل بإطلاقها على جواز التصرف فيما اخذ من الظالم ما لم تعلم حرمته تفصيلا .
و لكن يرد عليها ان العمل بإطلاقها يقتضي الحكم بجواز ارتكاب جميع الشبهات ، سواء كانت مقرونة بالعلم الاجمالي أم لا ، و سواء كانت الشبهة محصورة أم لا ، و من الضروري أن هذا مما لا يمكن الالتزام به ، و عليه فلا بد من حمل تلك الاخبار على فرض كون الشبهة بدوية .
و بعبارة اخرى ان تلك الاخبار منصرفة عن موارد العلم الاجمالي إذا كانت في معرض الابتلاء ، فان شمولها لجميع الاطراف يستلزم المخالفة القطعية ، و لاحدهما المعين ترجيح بلا مرجح ، و عنوان أحدهما من تعيين ليس له مصداق الافراد الخارجية ، و الفرد المردد لا وجود له حتى في علم الله ، على أن القائلين بجواز اخذ الجائزة من الجائر كالشهيدين و المحقق و غيرهم لم يقولوا بجواز المخالفة القطعية في اطراف العلم الاجمالي .
قوله : ( و قد تقرر حكومة قاعدة الاحتياط على ذلك ) .
أقول : العجب من المصنف فانه قد أسس المباني الاصولية ، و شيد أساس تقديم ادلة البراءة على أدلة الاحتياط ، و مع ذلك التزم هنا بحكومة قاعدة الاحتياط على البراءة .
قوله : ( على أن اليد لا نؤثر فيه ) .
أقول : الوجه في ذلك ما تقدم من أن جريان قاعدة اليد في بعض الاطراف معارض بجريانها في الطرف الآخر ، للعلم بمخالفتها للواقع في أحد الطرفين .
1 - راجع البابين المتقدمين من الوافي وئل . ( 2 ) سورة البقرة ، آية : 276 . 3 - راجع ج 3 ئل باب 35 حكم السمن و الجبن و غيرهما من أبواب الاطعمة المحرمة ص 262 . وج 2 باب 31 عدم جواز الانفاق من الحرام مما يكتب به ص 537 .