عاشوراء بین الصلح الحسنی و الکید السفیانی

السید جعفر مرتضی العاملی

نسخه متنی -صفحه : 7/ 4
نمايش فراداده

لو صحت مزاعمهم:

وبعد، فلو صح ما يزعمونه من أن يزيد لعنه الله لم يأمر ابن زياد بقتل الإمام الحسين عليه السلام، فقد كان من المفترض أن يقتص منه ـ أو ـ على الأقل ـ أن يحاسب ويعاقب ابن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وغيرهم ـ لعنهم الله ـ ممن شارك في قتل الإمام الحسين عليه السلام، ريحانة الرسول صلى الله عليه وآله، وسيد شباب أهل الجنة..

وكان عليه أيضاً أن يعاقب عمرو بن سعيد الأشدق، الذي أمر صاحب شرطته على المدينة: عمرو بن الزبير بن العوام، بهدم دور بني هاشم في المدينة، ففعل، وبلغ منهم كل مبلغ، وهدم دار ابن مطيع..(123)

وكان عليه أن يستغني ـ على الأقل ـ عن خدمات ابن زياد، والأشدق، وغيرهما..

وكان عليه أن لا يرضى من سفيانية أهل دمشق بأن يستقبلوا السبايا بالدفوف، وبالفرح والسرور؟!(124)

وبعد كل ما تقدم:

فما معنى محاولة هؤلاء تبرئة يزيد لعنه الله مما اقترفته يداه، وادعاء أنه لم يأمر بقتل الإمام الحسين عليه السلام، ولا رضي به، بل حاول أن يمنع من عودة القتال بين أهل الشام وأهل العراق؟!..

أنصار السفياني:

وبعد أن اتضح: أن هذا المنشور قد اعتمد في عرضه لما جرى للإمام الحسين عليه السلام، الرواية السفيانية اليزيدية الشاذة، التي أجمعت الدلائل والشواهد، والنصوص التاريخية على خلافها..

نقول:

ما كنا نظن أننا نعيش إلى اليوم الذي نحتاج فيه إلى إثبات أن يزيد لعنه الله هو الذي قتل الإمام الحسين عليه السلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..

وإن أخشى ما نخشاه هو أن يكون هذا النوع من الطروحات التي تسعى لتبرئة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان لعنه الله، الذي ارتكب أعظم الجرائم وأفظعها في حق الدين ـ أن تكون من إرهاصات عودة السفيانية، وأن يكون هؤلاء المروِّجون لها من الموطئين لظهور السفياني في آخر الزمان..

ولعل ما يؤكد هذا المعنى: أن المنشور يسعى للنيل من شخص الإمام الحسين عليه السلام، سيد شباب أهل الجنة، والإمام المنصوص على إمامته من قبل الرسول صلى الله عليه وآله نفسه بقوله: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا.. وتصويره على أنه كان طالباً للدنيا. كما أشارت إليه الرواية المكذوبة عن ابن عمر..

وذلك توطئة للطعن في أصل الإمامة، الذي لم يزل يؤرِّق هؤلاء الناس، ويمثل الشوكة الجارحة في قلوبهم، والقذ المؤلم في عيونهم، والشجا المعترض في حلوقهم..

ابن تيمية المتجرئ على حرمات الله:

وأما كلام ابن تيمية، الذي ورد في المنشور.. فهو ظاهر في أنه يدافع عن يزيد لعنه الله، ويتهم الإمام الحسين عليه السلام بأنه لا عقل، أو لا دين له، والعياذ بالله، وذلك حين زعم أنه أقدم على أمر ليس فيه مصلحة دين، ولا مصلحة دنيا..

فهل أصبح ابن تيمية المجسم، المتحامل على النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام، أعرف بالتكليف الشرعي من سيد شباب أهل الجنة؟!..

ثم إننا لا ندري كيف يكون الإمام الحسين عليه السلام سيداً لشبابها؟!، وليس على وجه الأرض أحد يساميه أو يساويه، على حد تعبير ابن كثير الحنبلي..(125) ما دام أنه لا يعرف مصلحة الدين، ولا مصلحة الدنيا؟!.. ويقدم على أمر «ما كان سليماً»، على حد تعبير ابن تيمية، وقد أوجب الفساد، على حد تعبير هذا المتعصب البعيد عن الأدب مع أهل بيت النبوة؟!..

أليس في ذلك تعذير ليزيد لعنه الله، ولابن زياد، وللشمر بن ذي الجوشن، ولعمر بن سعد، ولحرملة، و.. و..؟!

وانتهاك لحرمة ومقام الإمام الحسين عليه السلام، وتسفيه لرأيه، وتصويب أعدائه، أو على الأقل تهوين لجريمتهم؟!

ثم هو اعتراض على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله، حين أعطيا الأوسمة للإمام الحسين عليه السلام دون يزيد القرود، والفهود، والخمور، والفجور؟!..

النصب وإيحاءاته:

ويلاحظ: أنه قد ورد التعبير في المنشور، أن الحر قال عن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام: إنها «سيدة نساء العرب» مع أن الرواية تصرح بأنها:

سيدة نساء هذه الأمة..

وسيدة نساء العالمين..

وسيدة نساء أهل الجنة..(126)

الفصل الثاني

اللطم على الإمام الحسين عليه السلام

قتل الإمام الحسين عليه السلام وقتل الأنبياء:

ثم ذكر المنشور ـ الذي يبدو أنه مأخوذ مما جاء في البداية والنهاية لابن كثير ـ: أن الأنبياء قتلوا، وكذلك قتل علي، وعمر، وعثمان. وهؤلاء كلهم أفضل من الحسين، ولذلك لا يجوز إذا جاء ذكرى الحسين اللطم الخ..

ثم استشهد بحديث: ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب..

ونقول:

إن هذا الكلام كله أيضاً غير دقيق، ولا صحيح.. ونلخص ما نرمي إليه ضمن النقاط التالية:

فظاعة جريمة يزيد لعنه الله:

بالنسبة إلى قولهم: «إن مقتل الحسين ليس هو بأعظم من قتل الأنبياء»..

نقول:

إنه غير صحيح، فإن قتل الإمام الحسين عليه السلام بهذه الصورة التي تم فيها، قد كان هو الأفظع والأبشع، والأعظم خطراً، وذلك لأنه كان يهدف إلى اغتيال جهود جميع الأنبياء كلهم، وذلك بالقضاء على دين الإسلام، الذي جاء به خاتم الرسل صلى الله عليه وآله، الذي هو الدين الأتم والأكمل، ونبيه هو الأشرف والأفضل من كل ما ومن خلق الله.. والذي هو ثمرة جهود، وتضحيات جميع الأنبياء والأوصياء والصالحين، من النبي آدم عليه السلام إلى النبي الخاتم صلى الله عليه وآله..

أوصياء نبينا أفضل:

وأما بالنسبة لتفضيل الأنبياء على الإمام الحسين عليه السلام، فإننا نقول:

إن أوصياء نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله أفضل، وأشرف من سائر الأوصياء، بل هم أفضل من كل من عدا نبينا صلى الله عليه وآله، كما تدل عليه النصوص الكثيرة التي أثبتت أن آدم، ونوحاً، وإبراهيم، ويونس، وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام قد توسلوا إلى الله بهم، وطلبوا الفرج والغوث من الله بواسطتهم..

وإذا كان الأمر كذلك، فلا تصل النوبة إلى الحديث عن كونهم أفضل من عمر بن الخطاب، ومن عثمان بن عفان، فكيف إذا كان هؤلاء قد اعتدوا على بنت رسول الله صلى الله عليه وآله أيضاً بالضرب، وأسقطوا جنينها.. حتى ماتت واجدة على أبي بكر وعمر، كما صرح به البخاري وغيره..

وكيف إذا كان الصحابة والتابعون قد نقموا على عثمان، حتى قتل بحضرتهم، وبمشاركة منهم..

فهل يصح بعد هذا المقايسة بين هؤلاء وبين الإمام الحسين عليه السلام؟، فضلاً عن السعي لتفضيلهم عليه؟!

اللطم على الإمام الحسين عليه السلام مطلوب لله تعالى:

أما ما ادعاه المنشور، من أنه لا يجوز إذا جاءت ذكرى [الإمام] الحسين [عليه السلام] اللطم وما شابه.. فهو غير صحيح أيضاً، بل هو مستحب، ومطلوب ومحبوب لله تعالى، خصوصاً، إذا كان فيه إدانة للباطل، وتأييد للحق، وتربية للنفوس على مقت الظلم ورفضه، والبراءة من الظالمين والمفسدين. ونحن نكتفي في هذا السياق بالتذكير بما يلي:

أيهما أعظم:

هل لطم الصدور والخدود أعظم؟

أم البكاء حتى العمى الحقيقي أعظم؟

فإن القرآن قد صرح بأن النبي يعقوب عليه السلام قد بكى على ولده النبي يوسف عليه السلام ـ الذي كان حياً ـ حتى ابيضت عيناه من الحزن، بل هو قد كاد أن يهلك من ذلك، قال تعالى: {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُواْ تَالله تَفْتؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ}(127)

حديث: لطم الخدود، لا يدل:

بالنسبة لحديث: «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية».. نقول:

إنه لا بد أن يكون ناظراً إلى من يفعل ذلك استعظاماً، واعتراضاً على قضاء الله، لمجرد موت عزيز له..

وقد ألمح العسقلاني، والقاري، والكرماني، والقسطلاني، والمناوي إلى ذلك، فقد ذكروا أن:

«السبب فيه أي (في هذا النهي) ما تضمنه ذلك من عدم الرضا بالقضاء»..(128) أو نحو ذلك..

والدليل على ذلك:

أولاً: إنه صلى الله عليه وآله قال: ليس منا من لطم الخدود الخ.. مع أن الذي يلطم صدره وخده في المصاب، أو يشق جيبه، لا يخرج من الدين، فلا يصح أن يقال: ليس منا..

أما إذا فعل ذلك اعتراضاً على الله سبحانه، كما ربما يصدر من بعض ضعفاء الإيمان، فإنه لا يكون من أهل الإيمان حقيقة، لأن المؤمن لا يعترض على ربه.. وينطبق عليه مضمون هذا الحديث بصورة حقيقية..

ثانياً: إن مما يدل على ذلك أيضاً ذيل الحديث، أعني قوله: ودعا بدعوى الجاهلية.. فإن من يدعو بدعوى الجاهلية، ويعود إلى التزام رسومها، ويترك ما يدعوه إليه الإسلام، لا يكون من أهل الإيمان، والإسلام..

وبذلك يظهر: أنه لا مجال للتأويلات الباردة التي يحاولون المصير إليها، والسعي إلى حمل قوله صلى الله عليه وآله: ليس منا.. على المجاز، فراجع..(129)

1 ـ وقد قال الكرماني: «إلا أن يفسر دعوى الجاهلية بما يوجب الكفر، نحو تحليل الحرام، أو عدم التسليم لقضاء الله، فحينئذ يكون النفي حقيقة»..(130)

وقال المناوي: «وهو يدل على عدم الرضى، وسببه ما تضمنه من عدم الرضا بالقضاء»..(131)

فهذا الحديث ليس ناظر إلى ما هو من قبيل اللطم في عاشوراء الذي هو لأجل إعزاز الدين، وإظهار الحب لأهل بيت النبوة عليهم السلام، وإحياء شعائر الله تعالى..

2 ـ وقد روى الخوارزمي: أن دعبلاً أنشد الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام قصيدته التائية، ومنها قوله:


  • أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً إذن للطمت الخد فاطم عنده وأجريت دمع العين في الوجنات

  • وقد مـات عطشاناً بشط فـرات وأجريت دمع العين في الوجنات وأجريت دمع العين في الوجنات

فلم يعترض عليه الإمام عليه السلام، ولو بأن يقول له: إن أمنا فاطمة عليها السلام لا تفعل ذلك، لأنه حرام.. بل هو عليه السلام قد بكى وأعطى الشاعر جائزة، وأقره على ما قال..(132)

والإمام الرضا عليه السلام لا يمكن أن يخفى عليه مثل هذا الحكم الشرعي، في أمر هو محل ابتلاء الناس.. ولا بد أن يكون الناس قد بدأوا بممارسته منذ الأيام الأولى لوقوع الفاجعة.. ويشير إلى ذلك ما ورد في النص التالي:

3 ـ لما مروا بالسبايا على الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه صاحت النساء، ولطمن وجوههن، وصاحت زينب عليها السلام: يا محمداه..(133)

ولم يعترض عليهن الإمام السجاد عليه السلام، ولم نسمع أن أحداً من الأمة قد خطَّأهن في ذلك..

4 ـ وحين ارتجز الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء:


  • يا دهر أف لك من خليل كم لك في الإشراق والأصيل..

  • كم لك في الإشراق والأصيل.. كم لك في الإشراق والأصيل..

سمعته السيدة زينب عليها السلام، فشقت ثوبها، ولطمت وجهها، وخرجت حاسرة تنادي: وا ثكلاه، وا حزناه، الخ..(134)

5 ـ ومما يدل على عدم حرمة اللطم في موت الأنبياء، والأوصياء، وأبناء الأنبياء، خصوصاً الذين ليس على الأرض أحد يساميهم، أو يساويهم، ما رواه أحمد وغيره، وهو: عبد الله، عن أبيه، عن يعقوب، عن أبيه، عن إسحاق، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، قال:

سمعت عائشة تقول: مات رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بين سحري ونحري، وفي دولتي، لم أظلم فيه أحداً، فمن سفهي، وحداثة سني، أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قبض وهو في حجري، ثم وضعت رأسه على وسادة، وقمت ألتدم مع النساء، وأضرب وجهي..(135)

قال محمد سليم أسد عن هذا الحديث بهذا الإسناد: وهذا إسناد صحيح..(136)

ورواه أبو يعلى، عن جعفر بن مهران، عن عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، عن يحيى بن عباد، عن أبيه.

وقال محمد سليم أسد: إسناده حسن، من أجل جعفر..(137)

وروي أيضاً عن سعيد بن المسيب مثل ذلك..(138)

ونحن إنما نستدل على هؤلاء بما عندهم، وفي كتبهم على قاعدة: «ألزمواهم بما ألزموا به أنفسهم».

6 ـ إن مجرد أن يضرب الإنسان نفسه لمصيبة تحل به، ليس حراماً، فقد روى أحمد، عن روح، عن محمد بن أبي حفصة، عن ابن شهاب، عن محمد بن عبد الرحمان، عن أبي هريرة: أن أعرابياً جاء يلطم وجهه، وينتف شعره، ويقول: ما أراني إلا قد هلكت.

فقال له رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: وما أهلكك؟!.

قال: أصبت أهلي في رمضان!

قال صلى الله عليه [وآله] وسلم: تستطيع أن تعتق رقبة.. الخ..(139)

حيث يلاحظ: أن النبي لم يعترض عليه، ولم ينهه عما يفعله بنفسه..

7 ـ كما أن ابن عباس يروي لنا قضية طلاق النبي لنسائه، وفي حديثه: قال عمر: فدخلت على حفصة، وهي قائمة تلتدم، ونساء النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قائمات يلتدمن.

فقلت لها: أطلقك رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم.. الخ..(140)

ابن أبي أوفى، فهم خطأ!:

وأما ما رواه أحمد، عن علي، عن عاصم، عن الهجري: أن عبد الله بن أبي أوفى كان في جنازة ابنته، فسمع امرأة تلتدم.

وقال مرة: ترثي.

فقال: مه، ألم أنهكن عن هذا؟

إن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم كان ينهى عن المراثي، لتفض إحداكن من عبرتها ما شاءت..(141)

أما هذه الرواية فإن سياق الكلام يشير إلى أن الحديث إنما هو عن المراثي، الذي كان شائعاً في تلك الأيام، حيث إن النساء كن ينحن بالباطل، ويذكرن في نوحهن أموراً لا حقيقة لها.. وينسبنها للميت، وقد ورد النهي الأكيد عن ذلك..

وهذا هو الأنسب بقول ابن أبي أوفى: إن رسول الله صلى الله عليه وآله، كان ينهى عن المراثي، وتكون كلمة «تلتدم» خطأ، وهي من تصرفات الرواة..

وحتى لو كانت رواية تلتدم هي الأصح، فإن النهي عن المراثي لا يستلزم النهي عن اللدم واللطم..

ولعل ابن أبي أوفى قد فهم ذلك خطأ..

أو أنه أراد أن يساير الجو الضاغط، والسياسة المتبعة منذ منع عمر بن الخطاب، وأبو بكر، السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام من البكاء على ما أصابها، بمجرد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله. حيث صارت السياسة تقضي بالمنع من البكاء على الميت مدة من الزمن.. كما هو مذكور في كتابنا «الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله»، وذلك حين الحديث عن شهداء غزوة أحد، وبكاء النبي صلى الله عليه وآله على عمه حمزة عليه السلام.. فراجع..

ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام هو الحجة:

وأخيراً نقول: إنه حتى لو لم يكن أهل السنة قد ذكروا ذلك وسواه في مصادرهم، فإن ما روي عن أهل البيت عليهم السلام، من طرق شيعتهم الأبرار كاف في إثبات جواز، بل رجحان ما يقومون به في مناسبة ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام، من لطم وبكاء..(142) وهو الحجة لهم..

وإنما هم يذكرون ما روي من طرق سائر الفرق، انطلاقاً من قاعدة: «ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم»..

ويدل على صحة مسلك الشيعة الإمامية في ذلك، حديث الثقلين الذي اعتبر أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، والقرآن، الحجة على أهل الدنيا إلى يوم القيامة، وأوجب على الأمة التمسك بهما إلى يوم القيامة..(143)

ويدل على ذلك أيضاً، حديث: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى..(144)

ولأجل ذلك، ولأجل أن أصول المناظرة تفرض ذلك، نقول: إنه ليس من حق الآخرين أن يستدلوا على الشيعة بما ليس في كتب الشيعة.. بل اللازم هو أن يبحثوا معهم أولاً موضوع الإمامة، ودلالات حديث الثقلين وغيره، فإذا ظهر الحق فيها، فإن على الجميع أن يلتزم به، وبما يقتضيه..

وأما الاحتجاج بروايات سفيانية، على من لا يؤمن بنهج آل أبي سفيان، فهو ظلم قبيح، وجبرية ظاهرة الفظاظة والغلظة، أعاذنا الله منها ومن شرورها..

لماذا المأتم للحسين دون علي عليهما السلام:

بقي أن نشير إلى السؤال الذي ورد في المنشور، من أنه لماذا لا يفعل الشيعة في مناسبة قتل الإمام علي عليه السلام، أو يحيى بن زكريا كفعلهم في عاشوراء؟!..

ولماذا لا يفعل السنة مثل ذلك في مناسبة قتل عمر بن الخطاب، أو عثمان؟!..

ونقول:

أولاً: إن الشيعة يحيون مناسبة ذكرى استشهاد الإمام علي عليه السلام، ويلطمون صدورهم فيها أيضاً..

ثانياً: إن هناك فرقاً بين ما جرى للإمام علي عليه السلام، وبين ما جرى للإمام الحسين عليه السلام في كربلاء، فإن الإمام علياً عليه السلام قتله شخص، أنكرت عليه ذلك الأمة بأسرها، وأعلنت بالبراءة منه ومن فعله.. ولم تلتزم بتبرئته، ولم ترتض نهجه، ولا خطأت الإمام علياً عليه السلام، ولا شككت فيه..

ولكن الذي قتل الإمام الحسين عليه السلام، هو من يضع نفسه في موقع الرسول صلى الله عليه وآله، ويسعى أتباع السفياني والسفيانية باسم العلم والدين، ليس فقط لتبرئته من دم الإمام الحسين عليه السلام، بل هم قد تعدوا ذلك إلى محاولات التلويح والتصريح بإدانة الإمام الحسين عليه السلام نفسه، واعتباره هو الباغي والطالب للدنيا، والذي لا يعرف المصالح من المفاسد.. و.. و.. كما تقدم..

وليتمكنوا بذلك من إسقاط الإمامة بإسقاط الإمام، رغم الاعتراف بأنه ليس على وجه الأرض أحد يساويه، أو يساميه..

ثالثاً: إن النبي صلى الله عليه وآله، قد أقام للإمام الحسين عليه السلام المآتم، وعقد له مجالس البكاء، ولم يفعل ذلك بالنسبة للإمام علي عليه السلام، ولا بالنسبة للنبي يحيى بن زكريا عليهما السلام.. فراجع: كتاب «سيرتنا وسنتنا» للعلامة الإميني للاطلاع على جانب من النصوص والمصادر..

لماذا لا يقام المأتم لعمر بن الخطاب، وعثمان:

وأما لماذا لا يقيم أهل السنة مأتماً لعمر وعثمان، فإننا نقول في جوابه:

أولاً: أما عمر بن الخطاب، فإن قاتله رجل يزعم البعض أنه مجوسي ـ وإن كنا نحن نشك في صحة هذا الإدعاء ـ لأنه رأى نفسه في موقع المظلوم.

والمطالَب بإقامة العزاء لعمر إنما هم أهل السنة، فلعل سبب إحجامهم عن هذا هو: حتى لا تنكشف أمور لا يحبون كشفها!!..

ثانياً: أما عثمان، فإنه قد قتل برضى من الصحابة، وبمشاركة منهم، فإقامة الذكرى له سوف تكشف أيضاً، أموراً يحرص محبوه على التستر عليها، وعلى أن ينساها الناس..

ثالثاً: لعل أهل السنة لا يقيمون العزاء لعثمان لأنهم ملتزمون بحرمة إقامة مثل هذه الشعائر، لأنهم فهموا بعض الأحاديث خطأ، كما أوضحناه، أو لأنهم ملتزمون بسياسات خلفائهم.. حسبما أشرنا إليه..

الفصل الثالث

عاشوراء.. عيد أم مأتم

عاشوراء.. عيد الشامتين بأهل البيت عليهم السلام:

وإذا أردنا أن نسلّم بما يقال، من أنّ عمل السلف حجة، وإن لم يكن المعصوم داخلا فيهم.

وإذا فرضنا صحة قولهم: إن عصر الصحابة والتابعين هو العصر الذي تنعقد فيه الإجماعات، وتصير حجة، وتشريعاً متّبعاً..

وإذا كان الإجماع معصوماً ونبوّة بعد نبوّة، حسبما يدّعون..(145)

وإذا كان يحلّ لمسلم أن يدّعي وجود نبوّة بعد نبوّة خاتم النبيّين، خلافاً لنص القرآن الكريم: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}..(146)

وإذا كان يجوز عند هؤلاء اطّراح القرآن، وكل ما قاله النبي الأعظم صلى الله عليه وآله لمجرد أنه انعقد الإجماع بعد عصر النبي على خلافهما، مع التصريح بأن الأمة معصومة..(147)

إذا جاز كل ذلك.. جاز أن يقال لهؤلاء: لقد سُبَّ أمير المؤمنين عليه السّلام على ألوف المنابر في جميع أقطار العالم الإسلامي، من قبل وعّاظ السلاطين، طيلة عشرات السنين. وشارك في ذلك العديد بل العشرات من الصحابة..

فهل يجوِّز هؤلاء العودة إلى سبه، وهل يعتبرون ذلك شريعة مرضية لله ولرسوله؟!

كما أن بني أميّة وكلّ أتباعهم، ومن كان تحت سيطرتهم، وكذلك بنو أيّوب، ولمدة عشرات السنين، قد اتخذوا يوم عاشوراء عيداً، وأوّل من فعل ذلك الحجاج، برضا وبمرأى ومسمع من الخليفة عبد الملك بن مروان، وبمرأى ومسمع من بقايا الصحابة، وجميع التابعين.

ولم نجد اعتراضاً من أحدٍ منهم، ولا من أيّ من علماء الأمة، وصلحائها ـ باستثناء أهل البيت عليهم السلام الذين كانوا يعملون بمبدأ التقية آنئذٍ ـ لا في تلك الفترة في عهد الأمويين، ولا في زمان بني أيوب وبعده.

ثم إنهم يؤكدون لزوم السرور في هذا اليوم بما يروونه من حوادث عظيمة، اتفق وقوعها فيه، من قبيل: توبة الله فيه على آدم، واستواء السفينة على الجودي، وإنجاء النبي إبراهيم عليه السلام من النار وفداء الذبيح بالكبش، ونحو ذلك..(148)

ويا ليتهم اكتفوا بذلك، بل لقد تعدّو ذلك إلى الإفتاء بحرمة لعن يزيد لعنه الله، وعدم جواز تكفيره، وقالوا: إنّه من جملة المؤمنين(149)

بل لقد قال ابن الصلاح: «وأما سب يزيد ولعنه، فليس ذلك من شأن المؤمنين، وإن صح أنه قتله أو أمر بقتله»..(150) زاعمين أنه يجوز لعن قتلة الأنبياء، ومن علم موته على الكفر..

وتقدمت بعض محاولاتهم في الدفاع عنه..

كما أن الجمهور قد خالفوا في جواز لعنه بالتعيين(151)

وقال عبد الغني سرور المقدسي: «إنما يمنع من التعرض للوقوع فيه، خوفاً من التسلق إلى أبيه، وشكَّاً لباب الفتنة(152)

بل قال: الشبراوي الشافعي، عن الغزالي، وابن العربي: «فإنّ كلاهما قد بالغ في تحريم سبّه ولعنه، لكن كلاهما مردود»..(153)

تحريم رواية المقتل:

ثم زادوا في الطنبور نغمة، فقالوا: «يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين، وحكاياته»..

قال ذلك الغزالي وغيره(154)

وليس ذلك ببعيد على من لا يرى بأساً بالسكوت حتى عن لعن إبليس، كما عن ابن أبي شريف، بل قال الرملي: «ينبغي لنا أن لا نلعنه»(155)

وقال الغزالي: «بل ولو لم يعلن إبليس طول عمره، مع جواز اللعن عليه، لا يقال له يوم القيامة: لم لا تلعن إبليس».

وقال: «وأما الترحم عليه (أي على يزيد) فجائز، بل مستحب، وهو داخل في قولنا: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإنه كان مؤمناً»(156)

تحريم التحزن والتفجع في عاشوراء:

أما تحريم التحزّن والتجمع في يوم عاشوراء..(157) فلعله أهون تلكم الشرور، بعد أن كانوا وما زالوا يهاجمون مجالس عزاء الإمام الحسين عليه السلام، ويقتلون من يقدرون عليه من المشاركين فيها، بل ويحرقون المساجد، ويفعلون الأفاعيل في سبيل ذلك..(158)

وتلك هي تطبيقات ذلك في الباكستان، وفي غيرها من البلاد، ماثلة للعيان، يراها ويسمع الناس بها في كل عام..

المزيد من الشواهد!!:

ومن أجل التأكيد على حقيقة اعتبارهم عاشوراء عيداً، التي ألمحنا إليها فيما سبق، نزيد في توضيح ذلك من خلال إيراد النصوص التالية:

قال زكريا القزويني: «زعم بنو أمية أنهم اتخذوه عيداً، فتزيّنوا فيه، وأقاموا الضيافات.

والشيعة اتخذوه يوم عزاء، ينوحون فيه، ويجتنبون الزينة.

وأهل السنّة يزعمون: «أن الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد في تلك السنة»(159)

«ومن اغتسل فيه لم يمرض ذلك العام، ومن وسّع على عياله وسّع الله عليه سائر سنته»(160)

وقال عن شهر صفر: «اليوم الأول منه عيد بني أمية، أدخلت فيه رأس الحسين رضي الله عنه بدمشق»(161)

وقال البيروني، بعد ذكر ما جرى على الإمام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء:

«فأمّا بنو أمية، فقد لبسوا فيه ما تجدّد، وتزيّنوا، واكتحلوا، وعيّدوا، وأقاموا الولائم والضيافات، وأطعموا الحلاوات والطيّبات، وجرى الرسم في العامّة على ذلك أيّام ملكهم، وبقي فيهم بعد زواله عنهم.

وأمّا الشيعة، فإنّهم ينوحون ويبكون، أسفا لقتل سيد الشهداء فيه»(162)

ويقول المقريزي: «.. فلمّا زالت الدولة اتخذ الملوك من بني أيّوب يوم عاشوراء يوم سرور، يوسّعون فيه على عيالهم، وينبسطون في المطاعم، ويتّخذون الأواني الجديدة، ويكتحلون، ويدخلون الحمام، جرياً على عادة أهل الشام، التي سنها الحجّاج في أيّام عبد الملك بن مروان، ليرغموا به آناف شيعة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي، لأنه قتل فيه..».

وقال: «وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيّوب، من اتخاذ عاشوراء يوم سرور وتبسط»(163)

أمّا ابن حجر الهيثمى والزرندي، فقد أشارا إلى هذا الأمر في معرض نهيهما عن الندب، والنياحة، والحزن يوم عاشوراء، الذي هو من بدع الرافضة بزعمهما، ثم أشار إلى ما يقابل ذلك، فنهيا عن العمل ببدع الناصبة، «المتعصبين على أهل البيت»، أو الجهّال، المقابلين الفاسد بالفاسد، والبدعة بالبدعة، والشر بالشر، من إظهار غاية الفرح، واتخاذه عيداً، وإظهار الزينة فيه، كالخضاب، والاكتحال، ولبس جديد الثياب، وتوسيع النفقات، وطبخ الأطعمة والحبوب الخارجة عن العادات، واعتقادهم: أن ذلك من السنة والمعتاد..»(164)

هذا.. وقد ورد في زيارة عاشوراء المروية عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: «اللهم، إن هذا يوم تبرّكت به بنو أمية، وابن آكلة الأكباد»(165)

وحتى ابن تيمية، وهو المتعصب المتحامل على أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، لم يستطع أن يظهر الرضا بهذا الأمر، فهو يقول:

«..وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء، وتوسيع النفقات فيه هو من البدع المحدثة، المقابلة للرافضة»(166)

التزلّف الوقح:

وأضاف ابن تيمية إلى عبارته الآنفة الذكر قوله:

«.. وقد وضعت في ذلك أحاديث مكذوبة في فضائل ما يصنع فيه، من الاغتسال والاكتحال الخ..»(167)

وقال: «.. وأحدث فيه بعض الناس أشياء، مستندة إلى أحاديث موضوعة، لا أصل لها، مثل فضل الاغتسال فيه، أو التكحل، أو المصافحة.

وهذه الأشياء ونحوها من الأمور المبتدعة، كلها مكروهة، وإنما المستحب صومه.

وقد روي في التوسع على العيال آثار معروفة، أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه، قال: «بلغنا، أنه من وسّع على أهله يوم عاشوراء، وسّع الله عليه سائر سنته». رواه ابن عيينة.

وهذا بلاغ منقطع، لا يعرف قائله.

والأشبه أن هذا وضع لما ظهرت العصبية بين الناصبة والرافضة، فإن هؤلاء عدّوا يوم عاشوراء مأتماً، فوضع أولئك فيه آثاراً، تقتضي التوسّع فيه، واتخاذه عيداً»(168)

ونقول: قد عرفت أن صومه مكذوب أيضاً.

بل لقد بلغ بهم الأمر: أن رووا عن ابن عباس في تفسير آية: {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ}..

أنه قال: «يوم الزينة يوم عاشوراء»(169)

وعن ابن عمر، عنه صلى الله عليه وآله: «من صام يوم الزينة أدرك ما فاته من صيام تلك السنة، ومن تصدّق يومئذ بصدقة، أدرك ما فاته من صدقة تلك السنة» يعني يوم عاشوراء(170)

بل تقدم أن أهل السنّة يزعمون: «أن الاكتحال في هذا اليوم مانع من الرمد في تلك السنة»..

أما ابن الحاج.. فذكر عن يوم عاشوراء: «أنه يستحب التوسعة فيه على الأهل والأقارب، اليتامى، والمساكين، وزيادة النفقة والصدقة مندوب إليها، بحيث لا يجهل ذلك»(171)

وبعد أن ذكر أشياء تفعل في هذا اليوم لم تعرف عن السلف، كذبح الدجاج وطبخ الحبوب، وزيارة القبور، ودخول النساء الجامع العتيق بمصر، وهن في حال الزينة الحسنة، والتحلي، والتبرج للرجال، وكشف بعض أبدانهن، ويقمن فيه من أول النهار إلى الزوال، بعد أن ذكر ذلك، قال:

«ومن البدع أيضاً محرهن فيه الكتان، وتسريحه، وغزله، وتبييضه في ذلك اليوم بعينه، ويشلنه ليخطن به الكفن. ويزعمن أن منكراً ونكيراً لا يأتيان من كفنها مخيط بذلك الغزل»..

إلى أن قال:

«ومما أحدثوه فيه من البدع: البخور، فمن لم يشتره منهم في ذلك اليوم، ويتبخّر به، فكأنه ارتكب أمراً عظيماً، وكونه سنّة عندهن، لابدّ من فعلها، وادخارهن له طول السنة، يتبركن به، ويتبخرن إلى أن يأتي مثله يوم عاشوراء الثاني.

ويزعمون أنه إذا بخر به المسجون خرج من سجنه، وأنه يبرئ من العين، والنظرة، والمصاب والموعوك الخ..»(172)

نعم، هذه هي أقاويلهم وتلك هي أفاعيلهم في يوم مصاب الرسول صلى الله عليه وآله بولده الإمام الحسين عليه السلام، فاضحك من ذلك، أو فابك، فإنك حقيق بهذا أو بذاك، بل بهما معاً..

فإلى الله المشتكى، من أمة قتلت ابن بنت نبيها، ثم لم يزل يسعى هؤلاء المتحذلقون، ليس فقط إلى تبرئة قاتله، بل هم قد لا يرضيهم إلا أن يرفعوه إلى درجات القديسين، وإعطائه مقامات الأنبياء والمرسلين، لو وجدوا إلى ذلك سبيلاً..

ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره، وينصر دينه، ويعز أولياءه.. إنه قوي عزيز..

كلمة أخيرة:

وبعد..

فإننا نحسب أن ما ذكرناه في هذه الإطلالة، كاف وواف لإعطاء الإنطباع الصحيح عن الحق والحقيقة، في أمر يعتبر من البديهيات، التي لا تحتاج لاكتشافها والتعرف عليها إلى هذا الحشد الكثير، ولا إلى ذلك جهد كبير..

ولكن التجارب والأيام قد علمتنا: أن هؤلاء الناس لا يقتنعون بالمنطق، وبالعلم الصحيح، ولا يريدون أن يقنعوا الناس به، ثم هم يريدون أن يصدوهم عنه، ولو بأن يتلاعبوا بعواطفهم ومشاعرهم، وأن يشحنوهم بالكراهية، والضغينة على إخوانهم، وأن تكون الأحقاد، التي يغذيها الكذب والتزوير، هي سيدة الموقف، وهي التي تحكم الحركة والسلوك والعلاقات بين المسلمين..

إنهم يريدون أن يزينوا آراءهم الباطلة وضلالاتهم للناس بترهات خادعة، وبشعارات لامعة، وإثارات بارعة ومائعة، حتى إذا فشلت في التضليل، وفي التجهيل، كان البديل عنها لديهم هو أساليب القمع الفظة، واللإنسانية، وفرض رأيهم وطاعتهم، والانقياد الأعمى لهم على الناس لهم، ولو بالقوة، وبالقهر، ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً..

فإنا لله، وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين..

وسلام على المرسلين..

حرر بتاريخ:

5 شهر رمضان المبارك 1424 هجرية

جعفر مرتضى العاملي