آیات الحج و مناسکه بین التفسیر الدلالی و التفسیر التطبیقی (فی نظر الإمام الخمینی)

عبدالسلام زین العابدین

نسخه متنی -صفحه : 15/ 11
نمايش فراداده

المبحث الثالث: آية سقاية

الحاجّ حرص القرآن الكريم على تحديد مقاصد وأهداف فريضة الحج ومناسكها ، والدور الذي يضطلع به بيت الله الحرام ، واستنكر المحاولات التي تجعل ما ليس في المقاصد والأهداف والقيم مقصداً أكبر وهدفاً أسمى وقيمةً أعلى .

من هذا المنطلق نزلت آية (سقاية الحاج) لتحبط إحدى تلك المحاولات الخاطئة في تشخيص القيم والأولويات ، على أثر تلك الحادثة المعروفة التي يذكرها المفسِّرون في أسباب نزول68 قوله تعالى {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله . . .}69 .

يرى الإمام الخميني أنّ هذه الآية الشريفة كأنها نزلت اليوم ، وفي واقعنا المعاصر ، حيث اعتبر بعض أنّ سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام من أكبر الأعمال والمنجزات والمقاصد في موسم الحج ، وراح يفتخر بذلك . . من خلال الحديث عن الخدمات التي يوفّرها ، والتوسعات المعمارية التي أنشأها ، وما إلى ذلك من الاُمور التي تدخل تحت عنوان (سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) .

ولهذا يقول الإمام «كأنّ هذه الآية الشريفة نزلت في عصرنا ، وتحكي عن حالنا ، وتصف الانشغال بسقاية الحاج وبعمارة المسجد الحرام ـ مع الغفلة عن الإيمان بالله وباليوم الآخر ، والابتعاد عن الجهاد في سبيل الله ـ بأنّه ظلم ، وتعتبر الفاعلين لذلك ظالمين»70 .

وقد نبّه الإمام إلى هذه الحقيقة القرآنية ، قائلاً «ها أنا أغتنم هذه الفرصة; لأشير إلى إحدى آيات الكتاب الكريم ، حيث يقول جلّ وعلا: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين}71 .

ويوضّح الإمام دلالات الآية المباركة بقوله «إنّ الله سبحانه وتعالى يقول في هذه الآية: أنتم ذوي القلوب العمياء ، أمِنَ الممكن أن تساووا بين سقاية الحجيج وعمارة المسجد الحرام ، وبين أولئك الذين آمنوا بالله وبيوم الجزاء وجاهدوا في سبيل الله؟!

حاشا أن تتساووا أنتم وأولئك ، فالله لا يهدي القوم الظالمين»72 .

ثمّ يستفيد من سياق الآية المباركة نكتة رائعة ، بذكر الجهاد في سبيل الله بعد الايمان بالله واليوم الآخر ، فيقول «إنّ ما يلفت النظر في هذه الآية هو أنّ الله سبحانه قد ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر ، وقد اختار من بين كلِّ القيم الإسلامية الإنسانية ، الجهاد في سبيل الله ضدّ أعداء الله وأعداء البشرية ، وجاء به مباشرةً بعد الايمان بالله ويوم الجزاء ، وقد علم المسلمون كافّة من هذا الاختيار أنّ أهمّية الجهاد تفوق كلّ شيء»73 .

ويؤكّد الإمام ـ في خطاب آخر ، وانطلاقاً من آية (سقاية الحاج) ـ أنّ «سدانة البيت وسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام غير كافية ، ولا ترتبط بالهدف والمقصد»74 .

ولهذا يرى أنّ «بساطة البيت والمسجد ـ كما كانا عليه زمان إبراهيم(عليه السلام) وفي صدر الإسلام ـ مع تلاحم المسلمين الوافدين على ذلك المكان البسيط ، أفضل ألف مرّة من تزيين الكعبة والأبنية المرتفعة فيها ، مع الغفلة عن الهدف الأصلي ، والمقصد الأساس المتمثّل بقيام الناس وشهود المنافع: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين}75 ، كأنّ هذه الآية الشريفة نزلت في عصرنا ، وتحكي عن حالنا!!»76 .