المسجد: مركز انطلاق زحف القوّات الإسلامية
«إنّ
المسجد في صدر الإسلام ، كان دوماً مركز النهضة والتحرّكات
الإسلامية . من المسجد كانت تنطلق الدعوة إلى الإسلام . ومن المسجد
كانت تزحف القوات الإسلامية لقمع الكفّار ، أو لجذبهم تحت راية
الإسلام»77 .«هذا المسجد
الحرام ومساجد عصر الرسول(صلى الله عليه وآله) كانت مركز الحروب
والمعارك ، ومركز السياسات والشؤون الاجتماعية والسياسية . لم يكن
مسجد النبي(صلى الله عليه وآله) مقتصراً على المسائل العبادية كالصلاة
والصيام فحسب بل إنّ مسائله السياسية كانت أكثر ، فمتى ما أرادوا إرسال
المقاتلين إلى ساحات القتال والجهاد ، وتعبئتهم في الحروب
والمعارك ، كان المسجد هو المركز والمنطلق»78 .لقد
كان الإمام ـ وانطلاقاً من آيات القرآن التي تتحدّث عن الكعبة ودورها في
القيام والنهضة ـ يرى أنّ البيت الحرام «اُسس
للقيام . . لقيام الناس ، كما أُسس للنّاس . . فيجب
ـ إذن ـ الاجتماع فيه لهذا الهدف الكبير ، ويجب تحقيق منافع الناس في
هذه المواقف المشرّفة» ، ويؤكّد ـ انطلاقاً من آية (سقاية الحاج)
ـ على أنّ «سدانة البيت وسقاية الحاج وعمارة المسجد
الحرام غير كافية ، ولا ترتبط بالهدف والمقصد»79 .ولهذا
كان يخاطب الحجّاج الوافدين على بيت الله بأن يتجهزوا من (مركز تحطيم
الأصنام) لتحطيم الأصنام السياسية والطاغوتية في العالم ، حيث
يقول «أنتم يا حجّاج بيت الله الحرام ، يا من وفدتم من
أقطار العالم وأكنافه على بيت الله ، مركز التوحيد ومهبط الوحي ومقام
إبراهيم ومحمد الرجلين العظيمين الثائرين على المستكبرين ،
وسارعتم للوصول إلى المواقف الكريمة التي كانت في عصر الوحي أرضاً يابسة
وهضاباً قاحلة ، غير أنّها كانت مهبط ملائكة الله ومحلاًّ لهجوم جنود
الله . . . اعرفوا هذه المشاعر الكبرى وتجهّزوا من مركز تحطيم
الأصنام لتحطيم الأصنام الكبرى التي ظهرت على شكل قوى شيطانية ، وغزاة
يمتصون الدماء ، ولا تخشوا هذه القوى الفارغة من الإيمان . وفي هذه
المواقف الكريمة ، وبالتوكل على الله العظيم ، اعقدوا بينكم ميثاق
الاتحاد والاتفاق في مواجهة جنود الشرك والشيطان ، واحذروا من التفرّق
والتنازع {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب
ريحكم}» .«إنّ
ريح الإيمان والإسلام ـ التي هي أساس النصر والقوّة ـ تزول وتذهب بالتنازع
والتشرذم المنطلق من الأهواء النفسية والانانيات»80 .