المبحث الثالث: آية سقاية
الحاجّ
حرص
القرآن الكريم على تحديد مقاصد وأهداف فريضة الحج ومناسكها ، والدور
الذي يضطلع به بيت الله الحرام ، واستنكر المحاولات التي تجعل ما ليس في
المقاصد والأهداف والقيم مقصداً أكبر وهدفاً أسمى وقيمةً
أعلى .من هذا
المنطلق نزلت آية (سقاية الحاج) لتحبط إحدى تلك المحاولات الخاطئة في تشخيص
القيم والأولويات ، على أثر تلك الحادثة المعروفة التي يذكرها
المفسِّرون في أسباب نزول68
قوله تعالى {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة
المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند
الله . . .}69 .يرى
الإمام الخميني أنّ هذه الآية الشريفة كأنها نزلت اليوم ، وفي واقعنا
المعاصر ، حيث اعتبر بعض أنّ سقاية الحاجّ وعمارة المسجد الحرام من أكبر
الأعمال والمنجزات والمقاصد في موسم الحج ، وراح يفتخر
بذلك . . من خلال الحديث عن الخدمات التي يوفّرها ، والتوسعات
المعمارية التي أنشأها ، وما إلى ذلك من الاُمور التي تدخل تحت عنوان
(سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) .ولهذا
يقول الإمام «كأنّ هذه الآية الشريفة نزلت في عصرنا ، وتحكي عن
حالنا ، وتصف الانشغال بسقاية الحاج وبعمارة المسجد الحرام ـ مع الغفلة
عن الإيمان بالله وباليوم الآخر ، والابتعاد عن الجهاد في
سبيل الله ـ بأنّه ظلم ، وتعتبر الفاعلين لذلك ظالمين»70 .وقد
نبّه الإمام إلى هذه الحقيقة القرآنية ، قائلاً «ها أنا أغتنم هذه الفرصة; لأشير
إلى إحدى آيات الكتاب الكريم ، حيث يقول جلّ وعلا: {أجعلتم سقاية الحاج
وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا
يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين}71 .ويوضّح
الإمام دلالات الآية المباركة بقوله «إنّ الله سبحانه وتعالى يقول في
هذه الآية: أنتم ذوي القلوب العمياء ، أمِنَ الممكن أن تساووا بين سقاية
الحجيج وعمارة المسجد الحرام ، وبين أولئك الذين آمنوا بالله وبيوم
الجزاء وجاهدوا في سبيل الله؟!حاشا أن تتساووا أنتم وأولئك ، فالله لا يهدي القوم
الظالمين»72 .ثمّ
يستفيد من سياق الآية المباركة نكتة رائعة ، بذكر الجهاد في سبيل الله
بعد الايمان بالله واليوم الآخر ، فيقول «إنّ ما يلفت النظر في هذه الآية هو أنّ الله سبحانه قد
ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر ، وقد اختار من بين كلِّ القيم
الإسلامية الإنسانية ، الجهاد في سبيل الله ضدّ أعداء الله وأعداء
البشرية ، وجاء به مباشرةً بعد الايمان بالله ويوم الجزاء ، وقد
علم المسلمون كافّة من هذا الاختيار أنّ أهمّية الجهاد تفوق كلّ
شيء»73 .ويؤكّد
الإمام ـ في خطاب آخر ، وانطلاقاً من آية (سقاية الحاج) ـ أنّ «سدانة البيت وسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام غير
كافية ، ولا ترتبط بالهدف والمقصد»74 .ولهذا
يرى أنّ «بساطة البيت والمسجد ـ كما كانا عليه زمان
إبراهيم(عليه السلام) وفي صدر الإسلام ـ مع تلاحم المسلمين الوافدين على ذلك
المكان البسيط ، أفضل ألف مرّة من تزيين الكعبة والأبنية المرتفعة
فيها ، مع الغفلة عن الهدف الأصلي ، والمقصد الأساس المتمثّل بقيام
الناس وشهود المنافع: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام
كمن
آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي
القوم الظالمين}75 ، كأنّ هذه الآية الشريفة نزلت في عصرنا ، وتحكي عن
حالنا!!»76 .