العبـاد، فهـو مصـادرة، ولا يلـزم من إمكـانها المبـيّن في المقـدّمة الأُولى إلاّ احتياجها إلى المؤثّر، وجواز تأثير قدرة الله تعالى فيها، لا تأثيرها فعلا بهـا.
وبهذا بطلت المقدّمة الثالثة; لأنّه لم يلزم اجتماع قدرتين مؤثّرتين، فإنّ التأثير عندنا لقدرة العبد في فعله، وإنّما قدرة الله تعالى صالحة للتأثير فيه، وأن تتغلّب على قدرة العبد.
ولسخافة هذا الدليل لم يشرِ إليه نصيـر الدين (رحمه الله) في " التجـريد "، ولا تعرّض له القوشجي الشارح الجديد.
وأمّا ما ذكره من أنّ المعتزلة اضطرّتهم الشبهة إلى اختيار مذهب رديء وهو: إثبات تعدّد الخالقين غير الله تعالى، فهو منجرٌّ إلى الانتقاد على الله سبحانه حيث يقول في كتابه العزيز: ( تباركَ اللهُ أحسن الخالقين )(1).
وقد مرّ أنّ الرديء هو إثبات تعدّد الخالقين المستقلّين بقدرتهم وتمام شؤون أفعالهم.
أمّا إثبات فاعل غير الله تعالى، أصلُ وجوده وقدرته من الله تعالى، وتمكّنه وفعله من مظاهر قدرة الله سبحانه وتوابع مخلوقيّته له، فمن أحسن الأُمور وأتمّها اعترافاً بقدرة الله تعالى، وأشدّها تنزيهاً له.
أترى أنّ عبـيد السلطان إذا فعلوا شيئاً بمَدَد السلطان يقال: إنّهم سلاطين مثله، ويكون ذلك عيباً في سلطانه، مع أنّ مددهم منه ليس كمدد العباد من الله تعالى، فإنّ السلطان لم يخلق عبيده وقدرتهم ولا شيئاً من
(1) سورة المؤمنون 23: 14.