لابي ذر; لمّا أخرج إلى الربذة [1782]
يَا أَبَا ذَرّ ، إِنَّكَ غَضِبْتَ لله ، فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ . إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ ، وَخِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ ، فَاتْرُكْ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْهِ وَاهْرُبْ مِنهُمْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْهِ; فَمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَى مَا مَنَعْتَهُمْ ، ومَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ ! وَسَتَعْلَمُ مَنِ الرَّابِحُ غَداً ، وَالاَْكْثَرُ حُسَّداً . وَلَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْد رَتْقاً ، ثُمَّ اتَّقَى اللهَ لَجَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجاً ! لاَ يُؤْنِسَنَّكَ إِلاَّ الْحَقُّ ، وَلاَ يُوحِشَنَّكَ إِلاَّ الْبَاطِلُ ، فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لاََحَبُّوكَ ، وَلَوْ قَرَضْتَ [1783] مِنْهَا لامِنُوكَ.
وفيه يبين سبب طلبه الحكم ويصف الامام الحق
أَيَّتُهَا النُّفُوسُ الُْمخْتَلِفَةُ ، وَالْقُلُوبُ الْمُتَشَتِّتَةُ ، الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ ، وَالْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ ، أَظْأَرُكُمْ [1784] عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتُمْ تَنْفِرُونَ عَنْهُ نُفُورَ الْمِعْزَى مِنْ وَعْوَعَةِ الاَْسَدِ ! هَيْهَاتَ أَنْ أَطْلَعَ بِكُمْ سَرَارَ [1785] الْعَدْلِ ، أَوْ أُقِيمَ اعْوِجَاجِ الْحَقِّ . اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَان ، وَلاَ الِْتمَاسَ شِيْء مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ ، وَلكِنْ لِنَرُدَّ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَنُظْهِرَ الاِْصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ ، فَيَأْمَنَ الْمَظلومُونَ مِنْ عِبَادِكَ ، وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ . اللَّهُمْ إِني أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ ، وَسَمِعَ وَأَجَابَ ، لَمْ يَسْبِقْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ـ بِالصَّلاَةِ .
وقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْوَالِي عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالاَْحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ ، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ [1786] ، وَلاَ الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ ، وَلاَ الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ ، وَلاَ الْحَائِفُ [1787] )
الخائِف( لِلدُّوَلِ [1788] فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْم ، وَلاَ الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ ، وَيَقِفَ بِهَا دُونَ المَقَاطِعِ [1789] وَلاَ الْمُعطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الامَّةَ .
نَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَخَذَ وَأَعْطَى ، وَعَلَى مَا أَبْلَى وَابْتَلَى [1790] . الْبَاطِنُ لِكُلِّ خَفِيَّة ، وَالْحَاضِرُ لِكُلِّ سَرِيرَة ، العَالِمُ بِمَا تُكِنُّ الصُّدُورُ ، وَمَا تَخُونُ الْعُيُونُ . وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ غَيْرُهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً 6 نَجِيبُهُ وَبَعِيثُهُ [1791] شَهَادَةً يُوَافِقُ فِيهَا السِّرُّ الاِعلاَنَ ، وَالْقَلْبُ اللِّسَانَ .
ومنها : فَإِنَّهُ وَاللهِ الْجِدُّ لاَ اللَّعِبُ ، وَالْحَقُّ لاَ الْكَذِبُ . وَمَا هُوَ إِلاَّ الْمَوْتُ قَد أَسْمَعَ دَاعِيهِ [1792] ، وَأَعْجَلَ حَادِيهِ [1793] . فَـلاَ يَغُرَّنَّكَ سَوَادُ النَّاس مِنْ نَفْسِكَ ، وَقَدْ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِمَّنْ جَمَعَ الْمَالَ وَحَذِرَ الاِْقْـلاَلَ ، وَأَمِنَ الْعَوَاقِبَ ـ طُولَ أَمَل وَاسْتِبْعَادَ أَجَلِ ـ كَيْفَ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَأَزْعَجَهُ عَنْ وَطَنِهِ ، وَأَخَذَهُ مِنْ مَأْمَنِهِ ، مَحْمُولاً عَلَى أَعْوَادِ الْمَنَايَا يَتَعَاطَى بِهِ الرِّجَالُ الرِّجَالَ ، حَمْلاً عَلَى الْمَنَاكِبِ وَإِمْسَاكاً بِالانَامِلِ . أَمَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَأْمُلُونَ بَعِيداً ، وَيَبْنُونَ مَشِيداً ، وَيَجْمَعُونَ كَثِيراً ! كَيْفَ أَصْبَحَتْ بُيُوتُهُمْ قُبُوراً ، وَمَا جَمَعُوا بُوراً ; وَصَارَتْ أَمْوَالُهُمْ لِلْوَارِثِينَ ، وَأَزْوَاجُهُمْ لِقَوْم آخَرِينَ; لاَ فِي حَسَنَة يَزِيْدُونَ ، وَلاَ مِنْ سَيّـئَة يَسْتَعْتِبُونَ ! فَمَنْ أَشْعَرَ التَّقْوَى قَلْبَهُ بَرَّزَ مَهَلُهُ [1794] ، وَفَازَ عَمَلُهُ . فَاهْتَبِلُوا [1795] هَبَلَهَا ، وَاعْمَلُوا لِلْجَنَّةِ عَمَلَهَا ، فَإِنَّ الدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ دَارَ مُقَام ، بَلْ خُلِقَتْ لَكُمْ مَجَازاً لِتَزَوَّدُوا مِنْهَا الاَعْمَالَ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ . فَكُونُوا مِنْهَا عَلَى أَوْفَاز [1796] . وَقَرِّبُوا الظُّهُورَ [1797] لِلزِّيَالِ [1798] .
يعظم الله سبحانه ويذكر القرآن والنبي ويعظ الناس
وَانْقَادَتْ لَهُ الدُّنْيَا وَالاخِرَةُ بِأَزِمَّتِهَا ، وَقَذَفَتْ إِلَيْهِ السَمَاوَاتُ وَالاَرَضُونَ مَقَالِيدَهَا [1799] ، وَسَجَدَتْ لَهُ بِالْغُدُوِّ وَالاْصَالِ الاَْشْجَارُ النَّاضِرَةُ ، وَقَدَحَتْ [1800] لَهُ مِنْ قُضْبَانِهَا النِّيرَانَ الْمُضِيئَةَ ، وَآتَتْ أُكُلَهَا بِكَلِمَاتِهِ الِّثمَارُ الْيَانِعَةُ .
منها : وَكِتَابُ اللهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ نَاطقٌ لاَ يَعْيَا لِسَانُهُ ، وَبَيْتٌ لاَ تُهْدَمُ أرْكَانُهُ ، وَعِزٌّ لاَ تُهْزَمُ أَعْوَانُهُ .
منها : أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَة مِنَ الرُّسُلِ ، وَتَنَازُع مِنَ الاَْلْسُنِ ، فَقَفَّى بِهِ الرُّسُلَ ، وَخَتَمَ بِهِ الْوَحْيَ ، فَجَاهَدَ فِي اللهِ الْمُدْبِرِينَ عَنْهُ ، وَالْعَادِلِينَ بِهِ .
منها : وَإِنَّمَا الدُّنْيَا مَنْتَهَى بَصَرِ الاَْعْمَى ، لاَ يُبْصِرُ مِمَّا وَرَاءَهَا شَيْئاً ، وَالْبَصِيرُ يَنْفُذُهَا بَصَرُهُ ، وَيَعْلَمُ أَنَّ الدَّارَ وَرَاءَهَا . فَالبَصِيرُ مِنْهَا شَاخِصٌ ، وَالاَْعْمَى إِلَيْهَا شَاخِصٌ ، . وَالْبَصِيرُ مِنْهَا مُتَزَوِّدٌ ، وَالاَْعْمَى لَهَا مُتَزَوِّدٌ .
منها : وَاعْلَمُوا أ نَّهُ لَيْسَ مِنْ شَيْء إِلاَّ وَيَكَادُ صَاحِبُهُ يَشْبَعُ مِنْهُ وَيَمَلُّهُ إِلاَّ الْحَيَاةَ فَإِنَّهُ لاَ يَجِدُ فِي الْمَوْتِ رَاحَةً . وَإِنَّمَا ذلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْحِكْمَةِ الَّتي هِيَ حَيَاةٌ لِلْقَلْبِ الْمَيِّتِ ، وَبَصَرٌ لِلْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ ، وَسَمْعٌ لِلاُْذُنِ الصَّمَّاءِ ، وَرِيٌّ لِلظَّمَآنِ ، وَفِيهَا الْغِنَى كُلُّهُ وَالسَّلاَمَةُ . كِتَابُ اللهِ تُبْصِرُونَ بِهِ ، وَتَنْطِقُونَ بِهِ ، وَتَسْمَعُونَ بِهِ ، وَيَنْطِقُ بَعْضُهُ بِبَعْض ، وَيَشْهَدُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْض ، وَلاَ يَخْتَلِفُ فِي اللهِ ، وَلاَ يُخَالِفُ بِصَاحِبِهِ عَنِ اللهِ . قَدِ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى الْغِلِّ [1801] فِيَما بَيْنَكُمْ ، وَنَبَتَ الْمَرْعَى عَلَى دِمَنِكُمْ [1802] . وَتَصَافَيْتُمْ عَلَى حُبِّ الاْمَالِ ، وَتَعَادَيْتُمْ فِي كَسْبِ الاَْمْوَالِ .لَقَدِ اسْتَهَامَ [1803] بِكُمُ الْخَبِيثُ ، وَتَاهَ بِكُمُ الْغُرُورُ ، وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى نَفْسِي وَأَنْفُسِكُمْ .
وقد شاوره عمر بن الخطاب في الخروج إلى غزو الروم بنفسه
وَقَدْ تَوَكَّلَ اللهُ لاَِهْلِ هذَا الدِّينِ بِإِعْزَازِ الْحَوْزَةِ [1804] ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ . وَالَّذِي نَصَرَهُمْ ، وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَنْتَصِرُونَ ، وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَمْتَنِعُونَ ، حَيٌّ لاَ يَمُوتُ . إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ إِلَى هذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ ، فَتَلْقَهُمْ فَتُنْكَبْ ، لاَ تَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةٌ [1805] دُونَ أَقْصَى بِلاَدِهِمْ . لَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ رَجُلاً مِحْرَباً ، وَاحْفِزْ [1806] مَعَهُ أَهْلَ الْبَلاَءِ [1807] وَالنَّصِيحَةِ ، فَإِنْ أَظْهَرَ اللهُ فَذَاكَ مَا تُحِبُّ ، وَإِنْ تَكُنِ الاُْخْرَى ، كُنْتَ رِدْأً للنَّاس [1808] وَمَثَابَةً [1809] لِلْمُسْلِمِينَ .
وقد وقعت مشاجرة بينه وبين عثمان فقال المغيرة بن الاخنس لعثمان : أنا أكفيكه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام للمغيرة :
يَاابْنَ اللَّعِينِ الاَْبْتَرِ [1810] ، وَالشَّجَرَةِ الَّتي لاَ أَصْلَ لَهَا وَلاَ فَرْعَ أَنْتَ تَكْفِينِي ؟ فَوَ الله مَا أَعَزَّ اللهُ مَنْ أَنْتَ نَاصِرُهُ ، وَلاَ قَامَ مَنْ أَنْتَ مُنْهِضُهُ . اخْرُجْ عَنَّا أَبْعَدَ اللهُ نَوَاكَ [1811] ، ثُمَّ ابْلُغْ جَهْدَكَ ، فَـلاَ أَبْقَى اللهُ عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ !
في أمر البيعة :
لَمْ تَكُنْ بَيْعَتُكُمْ إِيَّايَ فَلْتَةً [1812] ، وَلَيْسَ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ وَاحِداً . إِنِّي أُرِيدُكُمْ لله وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَنِي لاَِنْفُسِكُمْ .
أَيُّهَا النَّاسُ ، أَعِينُوني عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَايْمُ اللهِ لاَُنْصِفَنَّ الْمَظلومَ مِنْ ظَالِمِهِ ، وَلاََقُودَنَّ الظَّالِمَ بِخِزَامَتِهِ [1813] ، حَتَّى أُورِدَهُ مَنْهَلَ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ كَارِهاً .
في شأن طلحة والزبير له :
وَاللهِ مَا أَنكَرُوا عَلَيَّ مُنْكَراً ، وَلاَ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نِصْفاً [1814] وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً هُمْ تَرَكُوهُ ، وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ ، فَإِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ ، فَإِنَّ لَهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنْهُ ، وَإِنْ كَانُوا وُلّوهُ دُونِي فَمَا الطَّلِبَةُ [1815] إِلاَّ قِبَلَهُمْ . وَإِنَّ أَوَّلَ عَدْلِهِمْ لَلْحُكْمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ . وإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَّسْتُ وَلاَ لُبِّسَ عَلَيَّ . وَإِنَّهَا لَلْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ فِيهَا الْحَمأُ وَالْحُمَّةُ [1816] ، وَالشُّبْهَةُ الْمُغْدِفَةُ [1817] ; وَإِنَّ الاَْمْرَ لَوَاضِحٌ; وَقَدْ زَاحَ [1818] الْبَاطِلُ عَنْ نِصَابِهِ ، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ شَغَبِهِ [1819] . وَايْمُ اللهِ لاَُفْرِطَنَّ [1820] لَهُمْ حَوْضاً أنا مَاتِحُهُ [1821] ، لاَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ بِرِيٍّ ، وَلاَ يَعُبُّونَ [1822] بَعْدَهُ فِي حَسْي [1823] !
ومنه : فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ [1824] عَلَى أَوْلاَدِهَا ، تَقُولُونَ : الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ ! قَبْضْتُ كَفِّي فَبَسَطْتُمُوهَا ، وَنَازَعَتْكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا . اللَّهُمَّ إنَّهُمَا قَطَعَانِي وَظَلَمانِي ، وَنَكَثَا بَيْعَتِي ، وَألّبَا [1825] النَّاسَ عَلَيَّ; فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا ، وَلاَ تُحْكِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا ، وَأَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِيَما أَمَّلا وَعَمِلاَ . وَلَقَدِ اسْتَثَبْتُهُمَا [1826] قَبْلَ الْقِتَالِ ، وَاسْتَأْنَيْتُ بِهمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ [1827] ، فَغَمَطَا النِّعْمَةَ [1828] ، وَرَدَّا الْعَافِيَةَ .
يومىء فيها إلى ذكر الملاحم
يَعْطِفُ الْهَوَى عَلَى الْهُدَى ، إِذَا عَطَفُوا الْهُدَى عَلَى الْهَوَى ، وَيَعْطِفُ الرَّأيَ عَلَى الْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا الْقُرْآنَ عَلَى الرَّأيِ .
ومنها : حَتَّى تَقُومَ الْحَرْبُ بِكُمْ عَلَى سَاق ، بَادِياً نَوَاجِذُهَا [1829] ، ممْلُوءَةً أَخْلاَفُهَا [1830] ، حُلْواً رَضَاعُهَا ، عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا . أَلاَ وَفِي غَد ـ وَسَيَأْتِي غَدٌ بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ـ يَأْخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرِهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوِىءِ أَعْمَالِهَا ، وَتُخْرِجُ لَهُ الاَْرْضُ أَفَالِيذَ [1831] كَبِدِهَا ، وَتُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا ، فَيُرِيكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السِّيرَةِ ، وَيُحْييِ مَيِّتَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
منها : كأ نَّي بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ ، وَفَحَصَ [1832] بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ [1833] ، فَعَطَفَ اليها عَطْفَ الضَّرُوس [1834] ، وَفَرَشَ الاَْرْضَ بِالرُّؤُوس . قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ [1835] ، وَثَقُلَتْ فِي الاَْرْض وَطأ تُهُ ، بَعِيدَ الْجَوْلَةِ ، عَظِيمَ الصَّوْلَةِ . وَاللهِ لَيُشَرِّدَنَّكُمْ [1836] فِي أَطْرَافِ الاَْرْض حَتَّى لاَ يَبْقَى مَنْكُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ ، كَالْكُحْلِ فِي الْعَيْنِ ، فَـلاَ تَزَالُونَ كَذلِكَ ، حَتَّى تَؤُوبَ إِلَى الْعَرَبِ عَوَازِبُ أَحْلاَمِهَا [1837] ! فَالْزَمُوا السُّنَنَ الْقَائِمَةَ ، وَالاثَارَ الْبَيِّنَةَ ، وَالْعَهْدَ الْقَرِيبَ الَّذِي عَلَيْهِ بَاقِي النُبُوَّةِ . وَاعْلَمُوا أَنَّ الشَّيْطَانَ إِنَّمَا يُسَنِّي [1838] لَكُمْ طُرُقَهُ لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ .