خطبه

السید جعفر الحسینی

نسخه متنی -صفحه : 35/ 29
نمايش فراداده

ومن خطبة له عليه السلام

في التوحيد ، وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة غيرَها :

مَا وَحَّدَهُ مَنْ كَيَّفَهُ ، وَلاَ حَقِيقَتَهُ أَصَابَ مَنْ مَثَّلَهُ ، وَلاَ إِيَّاهُ عَنَى مَنْ شَبَّهَهُ ، وَلاَ صَمَدَهُ [2470] مَنْ أَشَارَ إِلَيْهِ وَتَوَهَّمَهُ . كُلُّ مَعْرُوف بِنَفْسِهِ مَصْنُوعٌ [2471] ، وَكُلُّ قَائِم فِي سِوَاهُ مَعْلُولٌ . فَاعِلٌ لاَ بِاضْطِرَابِ آلَة ، مُقَدِّرٌ لاَ بِجَوْلِ فِكْرَة ، غَنِيٌّ لاَ بِاسْتِفَادَة . لاَ تَصْحَبُهُ الاَْوْقَاتُ ، وَلاَ تَرْفِدُهُ [2472] الاَْدَوَاتُ ; سَبَقَ الاَْوْقَاتَ كَوْنُهُ ، وَالْعَدَمَ وُجُودُهُ ، وَالاِبْتِدَاءَ أَزَلُهُ . بِتَشْعِيرِهِ الْمَشَاعِرَ عُرِفَ أَنْ لاَ مَشْعَرَ لَهُ [2473] ، وَبِمُضَادَّتِهِ بَيْنَ الاُْمُورِ عُرِفَ أَنْ لاَ ضِدَّ لَهُ ، وَبِمُقَارَنَتِهِ بَيْنَ الاَْشْيَاءِ عُرِفَ أَنْ لاَ قَرِينَ لَهُ . ضَادَّ النُّورَ بِالظُّلْمَةِ ، وَالْوُضُوحَ بِالْبُهْمَةِ ، وَالْجُمُودَ بِالْبَلَلِ ، وَالْحَرُورَ بِالصَّرَدِ [2474] . مُؤَلِّفٌ بَيْنَ مُتَعَادِيَاتِهَا ، مُقَارِنٌ بَيْنَ مُتَبَايِنَاتِهَا ، مُقَرِّبٌ بَيْنَ مُتَبَاعِدَاتِهَا ، مُفَرِّقٌ بَيْنَ مُتَدَانِيَاتِهَا [2475] . لاَ يُشْمَلُ بِحَدٍّ ، وَلاَ يُحْسَبُ بِعَدٍّ ، وَإِنَّمَا تَحُدُّ الاَْدَوَاتُ أَنْفُسَهَا ، وَتُشِيرُ الاْلاَتُ إِلَى نَظَائِرِهَا .مَنَعتْهَا «مُنْذُ» الْقِدْمَةَ )

القِدَميَّة( وَحَمَتْهَا «قَدُ» الاَْزَلِيَّةَ ، وَجَنَّبَتْهَا «لَوْلاَ» التَّكْمِلَةَ [2476] ! بِهَا تَجَلَّى صَانِعُهَا لِلْعُقُولِ ، وَبِهَا امْتَنَعَ عَنْ نَظَرِ الْعُيُونِ )

وَ( لاَ يَجْرِي عَلَيْهِ السُّكُونُ وَالْحَرَكَةُ ، وَكَيْفَ يَجْرِي عَلَيْهِ مَا هُوَ أَجْرَاهُ ، وَيَعُودُ فِيهِ مَا هُوَ أَبْدَاهُ ، وَيَحْدُثُ فِيهِ مَا هُوَ أَحْدَثَهُ ؟ إِذاً لَتَفَاوَتَتْ ذَاتُهُ [2477] ، وَلَتَجَزَّأَ كُنْهُهُ ، وَلاَمْتَنَعَ مِنَ الاَْزَلِ مَعْنَاهُ ، وَلَكَانَ لَهُ وَرَاءٌ إِذْ وُجِدَ لَهُ أَمَامٌ ، وَلاَلْتَمَسَ التّمَامَ إِذْ لَزِمَهُ النُّقْصَانُ . وَإِذاً لَقَامَتْ آيَةُ الْمَصْنُوعِ فِيهِ وَلَتَحَوَّلَ دَلِيلاً بَعْدَ أَنْ كَانَ مَدْلُولاً عَلَيْهِ ، وَخَرَجَ بِسُلْطَانِ الاِْمْتِنَاعِ [2478] مِنْ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ مَا يُؤثِّرُ فِي غَيْرِهِ .

الَّذِي لاَ يَحُولُ وَلاَ يَزُولُ ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ الاُْفُولُ [2479] . لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْلُوداً [2480] ، وَلَمْ يُولَدْ فَيَصِيرَ مَحْدُوداً . جَلَّ عَنِ اتِّخَاذِ الابْنَاءِ ، وَطَهُرَ عَنْ مُـلاَمَسَةِ النِّسَاءِ . لاَ تَنَالُهُ الاَْوْهَامُ فَتُقَدِّرَهُ ، وَلاَ تَتَوَهَّمُهُ الْفِطَنُ فَتُصَوِّرَهُ ، وَلاَ تُدْرِكُهُ الْحَوَاسُّ فَتُحِسَّهُ ، وَلاَ تَلْمِسُهُ الاَْيْدِي فَتَمَسَّهُ . وَلاَ يَتَغَيَّرُ بِحَال ، وَلاَ يَتَبَدَّلُ فِي الاَْحْوَالِ . وَلاَ تُبْلِيهِ اللَّيَالِي وَالاَْيَّامُ ، وَلاَ يُغَيِّرُهُ الضِّيَاءُ وَالظَّـلاَمُ . وَلاَ يُوصَفُ بِشَيء مِنَ الاَْجْزَاءِ [2481] ، وَلاَ بِالْجَوَارِحِ وَالاَْعْضَاءِ ، وَلاَ بِعَرَض مِنَ الاَْعْرَاض ، وَلاَ بِالْغَيْرِيَّةِ وَالابْعَاض . وَلاَ يُقَالُ : لَهُ حَدٌّ وَلاَ نِهَايَةٌ ، وَلاَ انقِطَاعٌ وَلاَ غَايَةٌ ; وَلاَ أَنَّ الاشْيَاءَ تَحْوِيهِ فَتُقِلَّهُ [2482] أَوْ تُهْوِيَهُ [2483] ، أَوْ أَنَّ شَيْئاً يَحْمِلُهُ ، فَيُمِيلَهُ أَوْ يُعَدِّلَهُ . لَيْسَ فِي الاشْيَاءِ بِوَالِج [2484] ، وَلاَ عَنْهَا بِخَارِج . يُخْبِرُ لاَ بِلِسَان وَلَهَوَات [2485] ، وَيَسْمَعُ لاَ بِخُرُوق وَأَدَوَات . يَقُولُ وَلاَ يَلْفِظُ ، وَيَحْفَظُ وَلاَ يَتَحَفَّظُ [2486] ، وَيُرِيدُ وَلاَ يُضْمِرُ . يُحِبُّ وَيَرْضَى مِنْ غَيْرِ رِقَّة ، وَيُبْغِضُ وَيَغْضَبُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّة . يَقُولُ لِمَنْ أَرَادَ كَوْنَهُ : «كُنْ فَيَكُونُ» ، لاَ بِصَوْت يَقْرَعُ ، وَلاَ بِنِدَاء يُسْمَعُ ; وَإِنَّمَا كَلاَمُهُ سُبْحَانَهُ فِعْلٌ مِنْهُ أَنْشَأَهُ ، وَمِثْلُهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبْلِ ذلِكَ كَائِناً ، وَلَوْ كَانَ قَدِيماً لَكَانَ إِلهاً ثَانِياً .

لاَ يُقَالُ : كَانَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ ، فَتَجْرِيَ عَلَيْهِ الصِّفَاتُ الْمُحْدَثَاتُ ، وَلاَ يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَصْلٌ ، وَلاَ لَهُ عَلَيْهَا فَضْلٌ ، فَيَسْتَوِيَ الصَّانِعُ وَالْمَصْنُوعُ ، وَيَتَكَافَأَ الْمُبْتَدَعُ وَالْبَدِيعُ . خَلَقَ الْخَـلاَئِقَ عَلَى غَيْرِ مِثَال خَـلاَ مِنْ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَسْتَعِنْ عَلَى خَلْقِهَا بِأَحَد مِنْ خَلْقِهِ . وَأَنْشَأَ الاَْرْضَ فَأَمْسَكَهَا مِنْ غَيْرِ اشْتِغَال ، وَأَرْسَاهَا عَلَى غَيْرِ قَرَار ، وَأَقَامَهَا بِغَيْرِ قَوَائِمَ ، وَرَفَعَهَا بِغَيْرِ دَعائِمَ ، وَحَصَّنَهَا مِنَ الاَْوَدِ [2487] وَالاِْعْوِجَاجِ ، وَمَنَعَهَا مِنَ التَّهَافُتِ [2488] وَالاِنْفِرَاجِ [2489] . أَرْسَى أَوْتَادَهَا [2490] ، وَضَرَبَ أَسْدَادَهَا [2491] ، وَاسْتَفَاضَ عُيُونَهَا ، وَخَدَّ [2492] أَوْدِيَتَهَا ; فَلَمْ يَهِنْ [2493] مَا بَنَاهُ ، وَلاَ ضَعُفَ مَا قَوَّاهُ . هُوَ الظَّاهِرُ عَلَيْهَا بِسُلْطَانِهِ وَعَظَمَتِهِ ، وَهُوَ الْبَاطِنُ لَهَا بِعِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ ، وَالْعَالِي عَلَى كُلِّ شَيْء مِنْهَا بِجَـلاَلِهِ وَعِزَّتِهِ . لاَ يُعْجِزُهُ شَيْءٌ مِنْهَا طَلَبَهُ ، وَلاَ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فَيَغْلِبَهُ ، وَلاَ يَفُوتُهُ السَّرِيعُ مِنْهَا فَيْسْبِقَهُ ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى ذِي مَال فَيَرْزُقَهُ . خَضَعَتِ الاَْشْيَاءُ لَهُ ، وَذَلَّتْ مُسْتَكِينَةً لِعَظَمَتِهِ ، لاَ تَسْتَطِعُ الْهَرَبَ مِنْ سُلْطَانِهِ إِلَى غَيْرِهِ فَتَمْتَنِعَ مِنْ نَفْعِهِ وَضَرِّهِ ، وَلاَ كُفْءَ لَهُ فَيُكَافِئَهُ ، وَلاَ نَظِيرَ لَهُ فَيُسَاوِيَهُ . هُوَ الْمُفْنِي لَهَا بَعْدَ وُجُودِهَا ، حَتَّى يَصِيرَ مَوْجُودُهَا كَمَفْقُودِهَا .

وَلَيْسَ فَنَاءُ الدُّنْيَا بَعْدَ ابْتِدَاعِهَا بِأَعْجَبَ مِنْ إِنْشَائِهَا وَاخْتِرَاعِهَا . وَكَيْفَ وَلَوِ اجْتَمَعَ جَمِيعُ حَيَوَانِهَا مِنْ طَيْرِهَا وَبَهَائِمِهَا ، وَمَا كَانَ مِنْ مُرَاحِهَا [2494] وَسَائِمِهَا [2495] ، وَأَصْنَافِ أَسْنَاخِهَا [2496] وَأَجْنَاسِهَا ، وَمُتَبَلِّدَةِ [2497] أُمَمِهَا وَأَكْيَاسِهَا [2498] ، عَلَى إِحْدَاثِ بَعُوضَة ، مَا قَدَرَتْ عَلَى إِحْدَاثِهَا ، وَلاَ عَرَفَتْ كَيْفَ السَّبِيلُ إِلَى إِيجَادِهَا ، وَلَتَحَيَّرَتْ عُقُولُهَا فِي عِلْمِ ذلِكَ وَتاهَتْ ، وَعَجَزَتْ قُوَاهَا وَتَنَاهَتْ ، وَرَجَعَتْ خَاسِئَةً [2499] حَسِيرَةً [2500] ، عَارِفَةً بِأَنَّهَا مَقْهُورَةٌ ، مُقِرَّةً بِالْعَجْزِ عَنْ إِنْشَائِهَا ، مُذْعِنَةً بِالضَّعْفِ عَنْ إِفْنَائِهَا !

وَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ ، يَعُودُ بَعْدَ فَنَاءِ الدُّنْيَا وَحْدَهُ لاَ شَيْءَ مَعَهُ . كَمَا كَانَ قَبْلَ ابْتِدَائِهَا ، كَذلِكَ يَكُونُ بَعْدَ فَنَائِهَا ، بِلاَ وَقْت وَلاَ مَكَان ، وَلاَ حِين وَلاَ زَمَان . عُدِمَتْ عِنْدَ ذلِكَ الاجَالُ وَالاوْقَاتُ ، وَزَالَتِ السِّنُونَ وَالسَّاعَاتُ . فَـلاَ شَيْءَ إِلاَّ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ الَّذِي إِلَيْهِ مَصِيرُ جَمِيعِ الاُْمُورِ . بِلاَ قُدْرَة مِنْهَا كَانَ ابْتِدَاءُ خَلْقِهَا ، وَبِغَيْرِ امْتِنَاع مِنْهَا كَانَ فَنَاؤُهَا ، وَلَوْ قَدَرَتْ عَلَى الاِمْتِنَاعِ لَدَامَ بَقَاؤُهَا . لَمْ يَتَكَاءَدْهُ [2501] صُنْعُ شَيْء مِنْهَا إِذْ صَنَعَهُ ، وَلَمْ يَؤُدْهُ [2502] مِنْهَا خَلْقُ مَا خَلَقَهُ وَبَرَأَهُ [2503] ، وَلَمْ يُكَوِّنْهَا لِتَشْدِيدِ سُلْطَان ، وَلاَ لِخَوْف مِنْ زَوَال وَنُقْصَان ، وَلاَ لِلاْسْتِعَانَةِ بِهَا عَلَى نِدٍّ [2504] مُكَاثِر [2505] ، وَلاَ لِلاحْتِرَازِ بِهَا مِنْ ضِدٍّ مُثَاوِر [2506] ، وَلاَ لِلازْدِيَادِ بِهَا فِي مُلْكِهِ ، وَلاَ لِمُكَاثَرَةِ شَرِيك فِي شِرْكِهِ ، وَلاَ لِوَحْشَة كَانَتْ مِنْهُ ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَأْنِسَ إِلَيْهَا .

ثُمَّ هُوَ يُفْنِيهَا بَعْدَ تَكْوِينِهَا ، لاَ لِسَأَم دَخَلَ عَلَيْهِ فِي تَصْرِيفِهَا وَتَدْبِيرِهَا ، وَلاَ لِرَاحَة وَاصِلَة إِلَيْهِ ، وَلاَ لِثِقْلِ شَيْء مِنْهَا عَلَيْهِ . لاَ يُمِلُّهُ طُولُ بَقَائِهَا فَيَدْعُوهُ إِلَى سُرْعَةِ إِفْنَائِهَا ، وَلكِنَّهُ سُبْحَانَهُ دَبَّرَهَا بِلُطْفِهِ ، وَأَمسَكَهَا بِأَمْرِهِ ، وَأَتْقَنَهَا بِقُدْرَتِهِ ، ثُمَّ يُعِيْدُهَا بَعْدَ الْفَنَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَة مِنْهُ إِلَيْهَا ، وَلاَ اسْتِعَانَة بَشَيْء مِنْهَا عَلَيْهَا ، وَلاَ لانْصِرَاف مِنْ حَال وَحْشَة إِلَى حَالِ اسْتِـئْنَاس ، وَلاَمِنْ حَالِ جَهْل وَعَمىً إِلَى حَال عِلْم وَالِْتمَاس ، وَلاَ مِنْ فَقْر وَحَاجَة إِلَى غِنىً وَكَثْرَة ، وَلاَ مِنْ ذُلٍّ وَضَعَة إِلَى عِزٍّ وَقُدْرَة .

ومن خطبة له عليه السلام

تختصّ بذكر الملاحم

أَلاَ بِأَبِي وَأُمِّي ، هُمْ مِنْ عِدَّة أَسْمَاؤُهُمْ فِي السَّمَاءِ مَعْرُوفَةٌ وَفِي الاَْرْض مَجْهُولَةٌ . أَلاَ فَتَوَقَّعُوا مَا يَكُونُ مِنْ إِدَبارِ أُمُورِكُمْ ، وَانْقِطَاعِ وُصَلِكُمْ ، وَاسْتِعْمَالِ صِغَارِكُمْ . ذاكَ حَيْثُ تَكُونُ ضَرْبَةُ السَّيْفِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَهْوَنَ مِنَ الدِّرْهَمِ مِنْ حِلِّهِ . ذَاكَ حَيْثُ يَكُونُ المُعْطَى أَعْظَمَ أَجْراً مِنَ الْمُعْطِي . ذَاكَ حَيْثُ تَسْكُرُونَ مِنْ غَيْرِ شَرَاب ، بَلْ مِنَ النِّعْمَةِ والنَّعِيمِ ، وَتَحْلِفُونَ مِنْ غَيْرِ اضْطِرَار ، وَتَكْذِبُونَ مِنْ غَيْرِ إِحْرَاج [2507] . ذَاكَ إِذَا عَضَّكُمُ الْبَلاَءُ كَمَا يَعَضُّ الْقَتَبُ [2508] غَارِبَ الْبَعِيرِ [2509] . مَا أَطْوَلَ هذَا الْعَنَاءَ ، وَأَبْعَدَ هذَا الرَّجَاءَ !

أَيُّهَا النَّاسُ ، أَلْقُوا هذِهِ الاَْزِمَّةَ [2510] الَّتِي تَحْمِلُ ظُهُورُهَا الاَْثْقَالَ مِنْ أَيْدِيكُمْ ، وَلاَ تَصَدَّعُوا [2511] عَلَى سُلْطَانِكُمْ فَتَذُمُّوا غِبَّ فِعَالِكُمْ . وَلاَ تَقْتَحِمُوا مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ فَوْرِ نَارِ [2512] الْفِتْنَةِ ، وَأَمِيطُوا عَنْ سَنَنِهَا [2513] ، وَخَلُّوا قَصْدَ السَّبِيلِ [2514] لَهَا فَقَدْ لَعَمْرِي يَهْلِكُ فِي لَهَبِهَا الْمُؤْمِنُ ، وَيَسْلَمُ فِيهَا غَيْرُ الْمُسْلِمِ .

إِنَّمَا مَثَلِي بَيْنَكُمْ كَمَثَلِ )

مثلُ( السِّرَاجِ فِي الظُّلْمَةِ ، يَسْتَضِيءُ )

ليستضيء (بِهِ مَنْ وَلَجَهَا . فَاسْمَعُوا أَيُّهَا النَّاسُ وَعُوا ، وَأَحْضِرُوا آذَانَ قُلُوبِكُمْ تَفْهَمُوا .

ومن خطبة له عليه السلام

في الوصية بالتقوى وذكر الموت

أُوصِيكُمْ ، أَيُّهَا النَّاسُ ، بِتَقْوَى اللهِ وَكَثْرَةِ حَمْدِهِ عَلَى آلاَئِهِ إِلَيْكُمْ ، وَنَعْمَائِهِ عَلَيْكُمْ ، وَبَـلاَئِهِ [2515] لَدَيْكُمْ . فَكُمْ خَصَّكُمْ بِنِعْمَة ، وَتَدَارَكَكُمْ بِرَحْمَة ! أَعْوَرْتُمْ [2516] لَهُ فَسَتَرَكُمْ ، وَتَعَرَّضْتُمْ لاَِخْذِهِ [2517] فَأَمْهَلَكُمْ !

وَأُوصِيكُمْ بِذِكْرِ الْمَوْتِ وَإِقْـلاَلِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ . وَكَيْفَ غَفْلَتُكُمْ عَمَّا لَيْسَ يُغْفِلُكُمْ [2518] ، وَطَمَعُكُمْ فِيمَنْ لَيْسَ يُمْهِلُكُمْ ؟ فَكَفَى وَاعِظاً بِمَوْتَى عَايَنْتُمُوهُمْ ، حُمِلُوا إِلَى قُبُورِهِمْ غَيْرَ رَاكِبِينَ ، وَاُنـْزِلُوا فِيهَا غَيْرَ نَازِلِينَ ، فَكأنـّهُمْ لَمْ يَكُونُوا لِلدُّنْيَا عُمَّاراً ، وَكَأَنَّ الاخِرَةَ لَمْ تَزَلْ لَهُمْ دَاراً . أَوْ حَشُوا مَا كَانُوا يُوطِنُونَ [2519] ، وَأَوْطَنُوا مَا كَانُوا يُوحِشُونَ [2520] ، وَاشْتَغَلُوا بِمَا فَارَقُوا ، وَأَضَاعُوا مَا إِلَيْهِ انْتَقَلُوا . لاَ عَنْ قَبِيح يَسْتَطِيعُونَ انْتِقَالاً ، وَلاَ فِي حَسَن يَسْتَطِيعُونَ ازْدِيَاداً .أَنِسُوا بِالدُّنْيَا فَغرَّتْهُمْ ، وَوَثِقُوا بِهَا فَصَرَعَتْهُمْ .

فَسَابِقُوا ـ رَحِمَكُمُ اللهُ إِلَى مَنَازِلِكُمْ الَّتِي أُمِرْتُمْ أَنْ تَعْمُرُوهَا ، وَالَّتِي رُغِّبْتُمْ فِيهَا ، وَدُعِيتُمْ إِلَيْهَا . وَاسْتَتِمُّوا نِعَمَ اللهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَتِهِ ، وَالْمُجَانَبَةِ لِمَعْصِيَتِهِ ، فَإِنَّ غَداً مِنَ الْيَوْمِ قَرِيبٌ . مَا أَسْرَعَ السَّاعَاتِ فِي الْيَوْمِ ، وَأَسْرَعَ الاَْيَّامَ فِي الشَّهْرِ ، وَأَسْرَعَ الشُّهُورَ فِي السَّنَةِ ، وَأَسْرَعَ السِّنِينَ فِي الْعُمُرِ !

ومن كلام له عليه السلام

في أقسام الايمان

فَمِنَ الاِْيمَانِ مَا يَكُونُ ثَابِتاً مُسْتَقِرّاً فِي الْقُلُوبِ ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ عَوَارِيَ [2521] بَيْنَ الْقُلُوبِ وَالصُّدُورِ ، إِلَى أَجَل مَعْلُوم . فَإِذَا كَانَتْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ مِنْ أَحَد فَقِفُوهُ حَتَّى يَحْضُرَهُ الْمَوْتُ ، فَعِنْدَ ذلِكَ يَقَعُ حَدُّ الْبَرَاءَةِ .

وَالْهِجْرَةُ قَائِمَةٌ عَلَى حَدِّهَا الاَْوَّلِ [2522] . مَا كَانَ لله فِي أَهْلِ الاَْرْض حَاجَةٌ مِنْ مُسْتَسِرِّ [2523] الامَّةِ [2524] وَمُعْلِنِهَا . لاَ يَقَعُ اسْمُ الْهِجْرَةِ عَلَى أَحَد إلاّ بِمَعْرِفَةِ الْحُجَّةِ فِي الاَْرْض . فَمَنْ عَرَفَهَا وَأَقَرَّ بِهَا فَهُوَ مُهَاجِرٌ . وَلاَ يَقَعُ اسْمُ الاِسْتِضْعَافِ عَلَى مَنْ بَلَغَتْهُ الْحُجَّةُ فَسَمِعَتْهَا اُذُنـُهُ وَوَعَاهَا قَلْبُهُ .

إِنَّ أَمْرَنا صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ ، لاَ يَحْمِلُهُ إِلاَّ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللهُ قَلْبَهُ لِلاِْيمَانِ ، وَلاَ يَعِي حَدِيثَنَا إِلاَّ صُدُورٌ أَمِينَةٌ ، وَأَحْـلاَمٌ [2525] رَزِينَةٌ .

علم الوصي

أَيُّهَا النَّاسُ ، سَلُوني قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُوني ، فَـلاَنـَا بِطُرُقِ السَّمَاءِ أَعْلَمُ مِنِّي بِطُرُقِ الاَْرْض ، قَبْلَ أَنْ تَشْغَرَ [2526] بِرِجْلِهَا فِتْنَةٌ تَطَأُ فِي خِطَامِهَا [2527] وَتَذْهَبُ بِأَحْـلاَمِ قَوْمِهَا .

ومن خطبة له عليه السلام

العظة بالتقوى وعدم الركون الى الدنيا وذكر الموت :

أَحْمَدُهُ شُكْراً لاِِنْعَامِهِ ، وَأَسْتَعِينُهُ عَلَى وَظَائِفِ حُقُوقِهِ ، عَزِيزُ الْجُنْدِ ، عَظِيمُ الْمَجْدِ . وَأَشهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، دَعَا إِلَى طَاعَتِهِ ، وَقَاهَرَ أَعْدَاءَهُ جِهَاداً عَنْ دِينِهِ ; لاَ يَثْنِيهِ عَنْ ذلِكَ اجْتَِماعٌ عَلَى تَكْذِيبِهِ ، وَالِْتمَاسٌ لاِِطْفَاءِ نُورِهِ .

فَاعْتَصِمُوا بِتَقْوَى اللهِ ، فَإِنَّ لَهَا حَبْلاً وَثِيقاً عُرْوَتُهُ ، وَمَعْقِلاً [2528] مَنِيعاً ذِرْوَتُهُ [2529] . وَبَادِرُوا [2530] الْمَوْتَ وَغَمَرَاتِهِ [2531] ، وَامْهَدُوا [2532] لَهُ قَبْلَ حُلُولِهِ ، وأَعِدُّوا لَهُ قَبْلَ نُزُولِهِ ; فَإِنَّ الْغَايَةَ الْقِيَامَةُ ; وَكَفَى بِذلِكَ وَاعِظاً لِمَنْ عَقَلَ ، وَمُعْتَبَراً لِمَنْ جَهِلَ ! وَقَبْلَ بُلُوغِ الْغَايَةِ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ ضِيقِ الاَْرْمَاس [2533] ، وَشِدَّةِ الاِْبْلاَس [2534] ، وَهَوْلِ الْمُطَّلَعِ [2535] ، وَرَوْعَاتِ الْفَزَعِ ، وَاخْتِلاَفِ الاَْضْلاَعِ [2536] ، وَاسْتِكَاكِ الاَْسْمَاعِ [2537] ، وَظُلْمَةِ اللَّحْدِ ، وَخِيفَةِ الْوَعْدِ ، وغَمِّ الضَّرِيحِ [2538] ، وَرَدْمِ الصَّفِيحِ [2539] .

فاللهَ اللهَ عِبَادَ اللهِ ! فَإِنَّ الْدُّنْيَا مَاضِيَةٌ بكُمْ عَلَى سَنَن [2540] ، وَأَنْتُمْ وَالسَّاعَةُ فِي قَرَن [2541] . وَكَأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ بِأَشْرَاطِهَا [2542] ، وَأَزِفَتْ [2543] بِأَفْرَاطِهَا [2544] ، وَوَقَفَتْ بِكُمْ عَلَى صِرَاطِهَا . وَكَأنَّهَا قَدْ أَشْرَفَتْ بِزَلاَزِلِهَا ، وَأَنَاخَتْ بِكَـلاَكِلِهَا [2545] ، وَانْصَرَمَتِ [2546] الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا ، وَأَخْرَجَتْهُمْ مَنْ حِضْنِهَا ، فَكَانَتْ كَيَوْم مَضَى ، أَوْ شَهْر انْقَضَى ، وَصَارَ جَدِيدُهَا رَثّاً [2547] ، وَسَمِينُهَا غَثّاً [2548] . فِي مَوْقِف ضَنْكِ الْمَقَامِ ، وَأُمُور مُشْتَبِهَة عِظَام ، وَنَار شَدِيد كَلَبُهَا [2549] ، عَال لَجَبُهَا [2550] ، سَاطِع لَهَبُهَا ، مُتَغَيِّظ [2551] زَفِيرُهَا [2552] ، مُتَأَجِّج سَعِيرُهَا ، بَعِيد خُمُودُهَا ، ذَاك [2553] وُقُودُهَا ، مَخُوف وعِيدُهَا ، غَمّ قَرَارُهَا [2554] ، مُظْلِمَة أَقْطَارُهَا ، حَامِيَة قُدُورُهَا ، فَظِيعَة أُمُورُهَا . (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً)

[2555] . قَدْ أُمِنَ الْعَذَابُ ، وَانْقَطَعَ الْعِتَابُ ; وَزُحْزِحُوا عَنِ النَّارِ ، وَاطْمَأَنَّتْ بِهِمُ الدَّارُ ، وَرَضُوا الْمَثْوَى وَالْقَرَارَ . الَّذِينَ كَانَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا زَاكِيَةً ، وَأَعْيُنُهُمْ بَاكِيَةً ، وَكَانَ لَيْلُهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ نَهَاراً ، تَخَشُّعاً وَاسْتِغفَاراً ; وَكَانَ نَهَارُهُمْ لَيْلاً تَوَحُشّاً [2556] وَانْقَطَاعاً . فَجَعَلَ اللهُ لَهُمُ الْجَنَّةَ مَآباً ، وَالْجَزَاءَ ثَوَاباً ، (وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا)

[2557] فِي مُلْك دَائِم ، وَنَعِيم قَائِم .

فَارْعَوْا عِبَادَ اللهِ مَا بِرِعَايَتِهِ يَفُوزُ فَائِزُكُمْ ، وَبِإِضَاعَتِهِ يَخْسَرُ مُبْطِلُكُمْ . وَبَادِرُوا آجَالَكُمْ بأَعْمَالِكُمْ ; فَإِنَّكُمْ مُرْتَهَنُونَ بِمَا أَسْلَفْتُمْ ، وَمَدِينُونَ بِمَا قَدَّمْتُمْ . وَكَأَنْ قَدْ نَزَلَ بِكُمُ الَْمخُوفُ ، فَـلاَ رَجْعَةً تَنَالُونَ ، وَلاَ عَثْرَةً تُقَالُونَ . اسْتَعْمَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ بِطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ ، وعَفَا عَنَّا وَعَنْكُمْ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ .

إلْزَمُوا الاَْرْضَ [2558] ، وَاصْبِرُوا عَلَى الْبَـلاَءِ . وَلاَ تُحَرِّكُوا بأَيْدِيكُمْ وَسُيُوفِكُمْ فِي هَوَى أَلْسِنَتِكُمْ ، وَلاَ تَسْتَعْجِلُوا بِمَا لَمْ يُعَجِّلْهُ اللهُ لَكُمْ . فَإِنَّهُ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ عَلَى فِرَاشِهِ وَهُوَ عَلَى مَعْرِفَةِ حَقِّ رَبِّهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ مَاتَ شَهِيداً ، وَوَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ ، واسْتَوْجَبَ ثَوَابَ مَا نَوَى مِنْ صَالِحِ عَمَلِهِ ، وَقَامَتِ النِّيَّةُ مَقَامَ إِصْلاَتِهِ [2559] لِسَيْفِهِ ; فَإِنَّ لِكُلِّ شَيْء مُدَّةً وَأَجَلاً .

ومن خطبة له عليه السلام

في الوصية بالزهد والتقوى :

الْحَمْدُ لله الْفَاشِي [2560] فِي الْخَلْقِ حَمْدُهُ ، وَالْغَالِبِ جُنْدُهُ ، وَالْمُتَعَالِي جَدُّهُ [2561] . أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ التُّؤَامِ [2562] ، وَآلاَئِهِ الْعِظَامِ . الَّذِي عَظُمَ حِلْمُهُ فَعَفَا ، وَعَدَلَ فِي كُلِّ مَا قَضَى ، وَعَلِمَ مَا يَمْضِي وَمَا مَضَى ، مُبْتَدِعِ الْخَـلاَئِقِ بِعِلْمِهِ ، وَمُنْشِئِهمْ بِحُكْمِهِ [2563] ، بِلاَ اقْتِدَاء وَلاَ تَعْلِيمِ ، وَلاَ احْتِذَاء لِمِثَالِ صَانِع حَكِيم ، وَلاَ إِصَابَةِ خَطَأ ، وَلاَ حَضْرَةِ مَلاَ . وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، ابْتَعَثَهُ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَة [2564] ، وَيَمُوجُونَ فِي حَيْرَة . قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّةُ [2565] الْحَيْنِ [2566] ، وَاسْتَغَلَقَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ الرَّيْنِ [2567] .

عِبَادَ اللهِ ! أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ فَإِنَّهَا حَقُّ اللهِ عَلَيْكُمْ ، وَالْمُوجِبَةُ عَلَى اللهِ حَقَّكُمْ ، وَأَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللهِ ، وَتَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اللهِ ; فَإِنَّ الْتَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ وَالْجُنَّةُ ، وَفِي غَد الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ . مَسْلَكُهَا وَاضِحٌ ، وَسَالِكُهَا رَابِحٌ ، وَمُسْتَوْدَعُهَا [2568] حَافِظٌ . لَمْ تَبْرَحْ عَارِضَةً نَفْسَهَا عَلَى الاُْمَمِ الْمَاضِينَ مِنْكُمْ ، وَالْغَابِرينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا غَداً ، إِذَا أَعَادَ اللهُ مَا أَبْدَى ، وَأَخَذَ مَا أَعْطَى ، وَسَأَلَ عَمَّا أَسْدَى [2569] . فَمَا أَقَلَّ مَنْ قَبِلَهَا ، وَحَمَلَهَا حَقَّ حَمْلِهَا ! أُولئِكَ الاَْقَلُّونَ عَدَداً ، وَهُمْ أَهْلُ صِفَةِ اللهِ سُبْحَانَهُ إِذْ يَقُولُ : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)

[2570] . فَأَهْطِعُوا [2571] بِأَسْمَاعِكُمْ إِلَيْهَا ، وَأَلِظُّوا [2572] )

وواكظوا (بِجِدِّكُمْ عَلَيْهَا ، وَاعْتَاضُوهَا مِنْ كُلِّ سَلَف خَلَفاً ، وَمِنْ كُلِّ مُخَالِف مُوَافِقاً . أَيْقِظُوا بِهَا نَوْمَكُمْ ، واقْطَعُوا بِهَا يَوْمَكُمْ ، وَأَشْعِرُوهَا قُلُوبَكُمْ ، وَارْحَضُوا [2573] بِهَا ذُنُوبَكُمْ ، وَدَاوُوا بِهَا الاَْسْقَامَ ، وَبَادِرُوا بِهَا الْحِمَامَ ، وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا ، وَلاَ يَعْتَبِرَنَّ بِكُمْ مَنْ أَطَاعَهَا . أَلاَ فَصُونُوهَا وَتَصَوَّنُوا [2574] بِهَا ، وَكُونُوا عَنِ الدُّنْيَا نُزَّاهاً [2575] وَإِلَى الاْخِرَةِ وُلاَّهاً [2576] . وَلاَتَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَى ، وَلاَ تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْيَا . وَلاَ تَشِيمُوا [2577] بَارِقَهَا [2578] ، وَلاَ تَسْمَعُوا نَاطِقَهَا ، وَلاَ تُجِيبُوا نَاعِقَهَا ، وَلاَ تَسْتَضِيئُوا بِإِشْرَاقِهَا ، وَلاَ تُفْتَنُوا بِأَعْـلاَقِهَا [2579] ، فَإِنَّ بَرْقَهَا خَالِبٌ [2580] ، وَنُطْقَهَا كَاذِبٌ ، وَأَمْوَالَهَا مَحْرُوبَةٌ [2581] ، وَأَعْـلاَقَهَا مَسْلُوبَةٌ . أَلاَ وَهِيَ الْمُتَصَدِّيَةُ [2582] الْعَنُونُ [2583] ، وَالْجَامِحَةُ الْحَرُونُ [2584] ، وَالْمَائِنَةُ الْخَؤُونُ [2585] ، وَالْجَحُودُ الْكَنُودُ [2586] ، وَالْعَنُودُ الصَّدُودُ [2587] ، وَالْحَيُودُ الْمَيُودُ [2588] . حَالُهَا انْتِقَالٌ ، وَوَطْأَتُهَا زِلْزَالٌ ، وَعِزُّهَا ذُلٌّ ، وَجِدُّهَا هَزْلٌ ، وَعُلْوُهَا سُفْلٌ . دَارُ حَرَب [2589] وَسَلَب ، وَنَهْب وَعَطَب . أَهْلُهَا عَلَى سَاق وَسِيَاق [2590] ، وَلِحَاق وَفِرَاق [2591] .قَدْ تَحْيَّرَتْ مَذَاهِبُهَا [2592] ، وَأَعْجَزَتْ مَهَارِبُهَا [2593] ، وَخَابَتْ مَطَالِبُهَا ; فَأَسْلَمَتْهُمُ الْمَعَاقِلُ ، وَلَفَظَتْهُمُ الْمَنَازِلُ ، وَأَعْيَتْهُمُ الَمحَاوِلُ [2594] : فَمِنْ نَاج مَعْقُور [2595] ، وَلَحْم مَجْزُور [2596] ، وَشِلْو [2597] مَذْبُوح ، وَدَم مَسْفُوح [2598] ، وَعَاضّ عَلَى يَدَيْهِ ، وَصَافِق بِكَفَّيْهِ ، وَمُرْتَفِق بِخَدَّيْهِ [2599] ، وَزَار [2600] عَلَى رَأْيِهِ ، وَرَاجِع عَنْ عَزْمِهِ ; وَقَدْ أدبـَرَتِ الْحِيلَةُ ، وَأَقْبَلَتِ الْغِيلَةُ [2601] ، وَلاَتَ حِينَ مَنَاص [2602] . هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ! قَدْ فَاتَ مَا فَاتَ ، وَذَهَبَ مَا ذَهَبَ ، ومَضَتِ الدُّنْيَا لِحَالِ بَالِهَا [2603] ، (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالارْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ [2604] )

[2605] .

[2470] صَمَدَه: قصَدَه .

[2471] «كل معروف بنفسه مصنوع»: أي كل معروف الذات بالكُنْه مصنوع ، لان معرفة الكُنْه إنّما تكون بمعرفة أجزاء الحقيقة فمعروف الكنه مركب . والمركب مفتقر في الوجود لغيره ، فهو مصنوع .

[2472] تَرْفِدُهُ: أي تعينه .

[2473] المَشْعَر ـ كمقعد ـ: محلّ الشعور أي الاحساس ، فهو الحاسّة . وتَشْعِيرها: إعدادها للانفعال المخصوص الذي يعرض لها من المواد ، وهو مايسمى بالاحساس ، فالمَشْعَر ، من حيث هو مَشْعر ، منفعل دائمـاً . ولو كان لله مشعر لكان منفعلاً ، والمنفعل لا يكون فاعلاً .

[2474] الصَرَد ـ محركاً ـ: البرد ، أصلها فارسية .

[2475] مُتَدَانِياتها: متقارباتها كالجزئين من عنصر واحد في جسمين مختلفي المزاج .

[2476] كل مخلوق يقال فيه «قد وجد» ووجد منذ كذا ، وهذا مانع للقدم والازلية ، وكل مخلوق يقال فيه «لولا» خالقه ما وجد ، فهو ناقص لذاته محتاج للتكملة بغيره .

[2477] لَتَفَاوَتَتْ ذاته: أي لاختلفت باختلاف الاعراض عليهـا ولتجزّأت حقيقته ، فان الحركـة والسكون من خواصّ الجسم وهو منقسم .

[2478] سلطان الامتناع: هو سلطان العزّة الازلية .

[2479] الاُفُول: من «أفَلَ النجمُ» إذا غاب .

[2480] المراد «بالمولود»: المتولّد عن غيره ، سواء أكان بطريق التناسل المعروف أم بطريق النشوء كتولد النبات عن العناصر ، ومن ولد له كان متولداً بإحدى الطريقتين .

[2481] لا يوصف بشيء من الاجزاء: أي لا يقال: ذو جزء كذا ولا ذو عضو كذا .

[2482] تُقلّة: أي ترفعه .

[2483] تُهْويه: أي تحطه وتسقطه .

[2484] والِج: أي داخل .

[2485] اللَهَوات ـ بفتح الهاء ـ جمع لهَاة: اللحمة في سقف أقصى الفم .

[2486] لا يتحفّظ : أي لا يتكلف الحفظ ولا يؤودُهُ حفْظُهُما وهو العليّ العظيم البقرة : 255 .

[2487] الاَوَد: الاعْوِجاج .

[2488] التَهَافُت: التساقط قطعةً قطعة .

[2489] الانفراج: الانشقاق .

[2490] الاوتاد: جمع وَتِد ، ويراد به هنا الحبل .

[2491] الاَسْداد: جمع سَدّ ، والمراد بها الجبال أيضاً .

[2492] خَدّ : أي شقّ .

[2493] يَهِن ـ من الوَهْن ـ بمعنى الضعف .

[2494] مُرَاحها ـ بضم الميم ـ : اسم مفعول من أراح الابلَ ، رَدّها إلى المُراح ـ بالضم كالمُناخ ـ أي المأوى .

[2495] السائم: الراعي يريد ما كان في مأواه وما كان في مرعاه .

[2496] الاسناخ: الاصول . والمراد منها الانواع ، أي الاصناف الداخلة في أنواعها .

[2497] المتبلِّدة: أي الغبية .

[2498] الاكياس: جمع كيِّس ـ بالتشديد ـ العاقل الحاذق .

[2499] الخاسيء: الذليل .

[2500] الحَسيِر: الكالّ المُعْيي .

[2501] لم يَتَكَاءَدْهُ: لم يشق عليه .

[2502] لم يَؤُدْه: لم يُثْقِلْه .

[2503] بَرَأهُ: مرادف لخلقه .

[2504] النِّد ـ بكسر النون ـ: المِثْل .

[2505] المكاثَرة: المغالبة بالكثرة ، يقال: كاثره فكثره أي غلبه .

[2506] المُثاوِر: المواثب المهاجم .

[2507] الاحراج: التضييق .

[2508] القَتَب ـ محركاً ـ: الاكاف .

[2509] الغَارِب: ما بين العُنُق والسَنام .

[2510] الازِمّة ـ كأئمة ـ جمع زِمام . والمراد بظهورها ظهور المَزْمُومات بها .

[2511] «لا تصدّعوا»: بتخفيف إحدى التائين: لا تتفرقوا .

[2512] فَوْر النار: ارتفاع لَهَبِها .

[2513] أميطوا عن سَنَنِها: أي تَنَحّوا عن طريقها وميلوا عن وجهة سيرها .

[2514] قصد السبيل: الطريق المستقيمة .

[2515] البَلاء: الاحسان ، وأصله للخير والشر ، ولكنه هنا بمعنى الخير .

[2516] أعْوَرْتم له: أي أظهرتم له عوراتكم وعيوبكم .

[2517] أخْذِهِ: أي أن يأخذكم بالعقاب .

[2518] أغفله: سها عنه وتركه .

[2519] أوطَنَ المكانَ: اتخذه وطناً .

[2520] أوحشه: هجره ، حتى لا أنيس منه به .

[2521] عَوَاري - جمع عارية -: والكلام كناية عن كونه زعماً بغير فهم .

[2522] «على حدها الاول»: أي لم يزل حكمها الوجوب على من بلغته دعوة الاسلام ورضي الاسلام ديناً .

[2523] استسر الامر: كتمه .

[2524] الامّة ـ بكسر الهمزة ـ: الحالة .

[2525] أحلام: عقول .

[2526] شَغَرَ بِرِجْله: رفعها . ثم الجملة كناية عن كثرة مداخل الفساد فيها . من قولهم: بلدة شاغرة برجلها أي معرّضة للغارة لا تمتنع عنها .

[2527] تَطأ في خطامها : أي تتعثر فيه ، كناية عن إرسالها وطيشها وعدم قائد لها .

[2528] المَعْقِل: كمسجد ـ: الملجأ .

[2529] ذِرْوَة كل شيء: أعلاه .

[2530] مبادرة الموت: سبقه بالاعمال الصالحة .

[2531] الغَمَرات: الشدائد .

[2532] مَهَدَ ـ كمنع ـ: معناه هنا عَمِلَ .

[2533] الارماس: القبور ـ جمع رَمْس ـ: وأصله اسم للتراب .

[2534] الابْلاس: حزن في خذلان ويأس .

[2535] المُطَّلَع: بضم فتشديد مع فتح: المنزلة التي منها يشرف الانسان على أمور الاخرة ، وهي منزلة البرزخ . وأصل المُطّلَع: موضع الاطلاع من ارتفاع إلى انحدار .

[2536] اختلاف الاضلاع: دخول بعضها في موضع الاخر من شدة الضغط .

[2537] استكاك الاسماع: صممها من التراب أو الاصوات الهائلة .

[2538] الضريح: اللحد .

[2539] الرَدْم: السد . والصَفِيح: الحجر العريض . والمراد ما يسدّ به القبر .

[2540] سَنَن: طريق معروف . والمراد: أن الدنيا تفعل بكم فعلها بمن سبقكم .

[2541] القَرَن ـ محركاً ـ ما يقرن به البعيران .

[2542] الاشراط: العلامات .

[2543] أزِفَتْ: قرُبت .

[2544] الافْراط: ـ جمع فَرْط: بسكون الراء ، وهو العَلَم المستقيم يهتدى به أي بدلائلها .

[2545] الكَلاكِل: الصدور ، كناية عن الاثقال .

[2546] انصرمت: تقطعت .

[2547] الرَثّ: البالي .

[2548] الغَثّ: المهزول .

[2549] الكَلَب ـ محركاً ـ: أكلٌ بلا شبع .

[2550] اللَجَب: الصياح أو الاضطراب .

[2551] التغيظ: الهيجان .

[2552] الزَفِير: صوت توقّد النار .

[2553] ذَكَتِ النارُ: اشتد لهيبها .

[2554] «عَم قرارها»: أي لا يهتدى فيه لظلمته ، ولانه عميق جداً .

[2555] الزمر: 73 .

[2556] «التوحش»: عدم الاستئناس بشؤون الدنيا والركون اليها .

[2557] الفتح: 26 .

[2558] لزوم الارض: كناية عن السكون . ينصحهم به عند عدم توفر أسباب المغالبة ، وينهاهم عن التعجل بحمل السلاح .

[2559] إصْلاتُ السيف: سَلّه .

[2560] الفاشي: المنتشر الذائع .

[2561] الجَدّ ـ بالفتح ـ: العظمة .

[2562] توأم: جمع تَوْأم - كجعفر ـ وهو المولـود مع غيره في بطـن . وهو مجـاز عن الكثير أو المتواصل . والالاء: النِعمَ .

[2563] الحُكْم: هنا بمعنى «الحِكْمة» .

[2564] ضَرَبَ في الماء: سبح . وضرب في الارض: سار بسرعة وأبعد . والغَمْرة: الماء الكثير والشدّة وما يغمر العقل من الجهل . والمراد هنا شدّة الفتن وبلاياها .

[2565] الازِمّة : جمع زِمام ، ما تقاد به الدّابّة .

[2566] الحَيْن: بفتح الحاء ـ: الهلاك .

[2567] الرَّيْن ـ بفتح الراء ـ: التغطية والحجاب ، وهو هنا حجاب الضلال .

[2568] مُسْتَوْدَع التقوى: هو الذي تكون التقوى وديعة عنده وهو الله .

[2569] أسدَى: منح وأعطى وأرسل معروفه .

[2570] سبأ: 13 .

[2571] الاهْطاع: الاسراع ، أهْطَعَ البعيرُ: مدّ عنقه وصوّب رأسه .

[2572] «ألِظُّوا بجدِّكم»: أي ألِحّوا ، والالْظَاظ: الالحاح في الامر . والجِدّ بكسر الجيم: الاجتهاد .

[2573] رَحَضَ ـ كمنع ـ : غسل . والحِمام ـ ككتاب ـ : الموت .

[2574] تَصَوّنوا: تَحَفّظُوا .

[2575] النُزّاه ـ جمع نَازِه ـ: العفيف النفس .

[2576] الوِلاهُ ـ جمع وَالِه ـ : الحزين على الشيء حتى يناله ، أي المشتاق .

[2577] شامَ البرقَ: نظر إليه أين يمطر .

[2578] البارق: السحاب .

[2579] الاعلاق ـ جمع عِلْق ـ : بكسر العين بمعنى النفيس .

[2580] خالب: خادع .

[2581] المحروبة: المنهوبة .

[2582] المتصدّية: المرأة تتعرض للرجال تُميلهم اليها ، ومن الدوابّ ما تمشي معترضة خابطة .

[2583] العَنُون ـ بفتح فضم ـ: مبالغة من عنّ إذا ظهر ، ومن الدواب المتقدمة في السير .

[2584] الجامحة: الصعبة على راكبها . والحَرُون : التي إذا طلب بها السير وقفت .

[2585] المائنة: الكاذبة . والخَؤون: مبالغة في الخائنة .

[2586] الكَـنُود ـ من كَنَدَ - كنصر: كفر النعمة . و جحد الحق : أنكره وهو به عالم .

[2587] العَنُود: شديدة العناد . والصَدُود: كثيرة الصد والهجر .

[2588] الحَيُود : مبالغة في الحيد : بمعنى الميل . والمَيُود - من ماد ـ إذا اضطرب .

[2589] الحَرَب ـ بالتحريك ـ: سلب المال ، والعَطَب: الهلاك .

[2590] «على ساق وسِياق»: أي قائمون على ساق استعداداً لما ينتظرون من آجالهم . والسِّياق مصدر ساق فلاناً إذا أصاب ساقه ، أي لا يلبثون أن يضربوا على سُوقهم فينكبّوا للموت على وجوههم .

[2591] اللَحاق للماضين ، والفِرَاق عن الباقين .

[2592] تحير المذاهب: حيرة الناس فيها .

[2593] «المَهَارب»: جمع مَهْرَب . مكان الهروب ، والمراد بقوله: «أعْجَزَت مهاربها» أنها ليست كما يرونها مهارب بل هي مهالك ، فقد أعْجَزَتهم عن الهروب .

[2594] المَحَاول ـ جمع محالَة ـ بمعنى الحذق وجَوْدة النظر ، أي لم يُفِدْهم ذلك خلاصاً .

[2595] مَعْقور: مجروح .

[2596] الَمجْزُور: المسلوخ أُخِذ عنه جلده .

[2597] الشِلْو ـ بالكسر -: هنا البدن كله .

[2598] المَسْفوح: المسفوك .

[2599] المُرْتَفق بخدّيه: واضع خَدّيْه على مرفقَيْه ومرفقيه على ركبتَيْه منصوبتين وهو جالس على ألْيتيه .

[2600] الزاري على رأيه: المُقَبِّح له اللائم لنفسه عليه .

[2601] الغِيلة: الشر الذي أضمرته الدنيا في خداعها .

[2602] «لاتَ حينَ مناص»: أي ليس الوقت وقتَ التملص والفرار .

[2603] البال: القلب والخاطر . والمراد ذهبت الدنيا على ما تهواه لا على ما يريد أهلها .

[2604] مُنْظَرين : مؤخّرِين ، من أنْظَره إذا أخّرَه وأمهله .

[2605] الدخان: 29 .