فأمّا العزّة . . . .
عوس : العين والواو والسين كلمةٌ قد ذكرها أهلُ اللُّغة ، وقياسُها قياسٌ صحيح بعيد . قالوا : العَواساء : الحامل من الخنافس ، وأنشدوا :
بِكراً عَواساءَ تَفاسَى مُقْرِبا
أي دنا أن تضع حَمْلها . ويقولون : العَوَسانُ والعَوْس : الطّوَفان باللّيل . ويقولون أيضاً : الأعوس : الصَّيْقَل . والأعوس : الوصّاف للشيء . وكلُّ هذا ممّا لا يكاد القلبُ يسكُن إلى صحَّته .
عوص : العين والواو والصاد أُصيلٌ يدلُّ على قِلّة الإمكان في الشَّيء . يقال : اعتاصَ الشَّيءُ ، إذا لم يُمكِنْ . والعَوَص مصدر الأعوص والعَويص . ومنه كلامٌ عويص ، وكلمةٌ عَوصاء . وقال :
أيُّها السّائلُ عن عوصائها
ويقال : أعْوصَ في المنطق وأعْوَص بالخَصْم ، إذا كلّمهُ بما لا يَفْطِن له . قال لبيد :
ومن الباب : اعتاصت الناقة ، إذا ضربها الفحلُ فلم تحمِل من غير عِلّة .
عوض : العين والواو والضاد كلمتان صحيحتان ، إحداهما تدلُّ على بدل للشيء ، والأُخرى على زمان .
فالأُولى : العِوَض ، والفعل منه العَوْض ، قال الخليل : عاضَ يَعُوضُ عَوْضاً وعِياضاً ، والاسم العِوَض ، والمستعمل التَّعويض ، تقول : عوّضتُه من هِبَتِه خيراً . واعتاضَنِي فلانٌ ، إذا جاء طالباً للعِوَض والصِّلَة . واستعاضني ، إذا سألك العِوَض . وقال رؤبة :
وتقول : اعتضت ممّا أعطيتُ فلاناً وعُضْت ، أصبت عِوَضاً . وقال :
في مئة يُسْئرُ منها القابضُ
ومعناه أنّه خَطَبها على مئة من الإبل ثمّ قال لها : وأنا آخُذُك فأنا عائض ، قد عُضْت؛ أَي صار الفَضْلُ لي والعِوَضُ بأخْذِيكِ .
والكلمة الأُخرى : قولهم عَوْضُ ، واختُلِفَ فيها ، فقال قوم : هي كلمةُ قَسم . وذُكر عن الخليل أنَّه قال : هو الدهر والزَّمان . يقول الرجلُ لصاحبه : عَوْضُ لا يكون ذلك؛ أَي أبداً . ثمّ قال الخليل : لو كان عَوْضُ اسماً للزَّمان لَجَرَى بالتنوين ، ولكنّه حرفٌ يراد بها القَسَم ، كما أنّ أجَلْ ونَعَمْ ونحوهما لمّا لم يتمكّن حُمِلَ على غير الإعراب . وقال الأعشى :
والله أعلم بالصواب .
عوى : العين والواو والياء أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على ليٍّ في الشَّيء وعطْف له .
قال الخليل : عَوَيت الحبل عَيّاً ، إذا لويتَه . وعَوَيت رأس النّاقة ، إذا عُجْتَه فانعوى . والناقة تَعْوِي بُرَتَها في سَيرها ، إذا لوَتْها بخَطْمها . قال رؤبة :
تَعوِي البُرَى مُستوفِضات وَفْضا
أي سريعات ، يصف النُّوقَ في سَيرها . قال : وتقول للرّجُل إذا دعا النّاسَ إلى الفتنة : عوى قوماً ، واستعوى . فأمّا عُواء الكلب وغيرِه من السباع فقريبٌ من هذا؛ لأنَّه يَلوِيه عن طريق النَّبْح . يقال : عَوَتِ السِّباع تَعوِي عُواءً . وأمّا الكَلْبة المستحرِمة فإنّها تسمّى المعاوِيَة ، وذلك من العُواء أيضاً ، كأنَّها مُفاعلة منه . والعَوَّاء : نجمٌ في السماء ، يؤنّث ، يقال لها : « عوّاء البَرْد » ، إذا طلعت جاءت بالبرد . وليس ببعيد أن تكون مشتقَّةً من العُواء أيضاً ، لأنّها تأتي ببرد تعوي له الكلاب . ويقولون في أسجاعهم : « إذا طلعت العَوَّاء ، جَثَمَ الشتاء ، وطابَ الصِّلاء » . وهي في هذا السَّجع ممدودة ، وهي تمدُّ وتقصر . ويقولون على معنى الاستعارة لسافِلَة الإنسان : العَوَّاء . وأنشد الخليل :
ويروى : « عوراتهم » . وقال أيضاً ، أنشده الخليل :
جمع قَليب .
ومن باب العُواء قولهم للراعي : قد عاعَى يُعاعِي عاعاةً . قال :
ولم أستعِرْها من مُعاع وناعِق
عيب : العين والياء والباء أصلٌ صحيحٌ ، وفيه كلمتان : إحداهما العَيب والأُخرى العَيْبة ، وهما متباعدتان .
فالعَيب في الشَّيء معروفٌ . تقول : عابَ فلانٌ فلاناً يَعيبُه . ورجلٌ عَيّابةٌ : وَقّاعٌ في الناس . وعابَ الحائطُ وغيرُه ، إذا ظهر فيه عَيب . والعاب : العيب .
والكلمة الأُخرى العَيْبَة : عَيْبَة الثيابِ وغيرِها ، وهي عربيّة صحيحة .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « الأنصارُ كَرِشي وعَيْبَتِي » ، ضربها لهم مثلاً ، كأنّهم موضعُ سِرّه والذين يأمَنُهم على أمره .
عيث : العين والياء والثاء أصلان صحيحان متقاربان ، أحدهما : الإسراع في الفساد ، والآخَر تطلُّب الشَّيء على غير بَصيرة .
فالأوّل قولهم : عاث يَعِيث ، إذا أسرع في الفساد . ويقولون : هو أعْيَثُ الناسِ في ماله . والذِّئب يَعيث في الغَنمِ ، لا يأخذ منها شيئاً إلاّ قتلَه . قال :
والأصل الآخر : التَّعييث ، قال الخليل : هو طلب الأعمى للشيء والرَّجُلِ في الظُّلمة . ومنه التعييث : إدخال اليد في الكِنانة تطلُب سهْماً . قال أبو ذؤيب :
وقال ابن أبي عائذ :
عيج : العين والياء والجيم أُصيلٌ صحيحٌ يدلُّ على إقبال واكتراث للشيء . يقولون : ما عِجْتُ بقول فلان؛ أَي لم أُصَدِّقْه ولم أُقْبِل عليه . وما أَعِيج بشيء يأتيني مِن قِبَلِه . قال النابغة :
عيد : العين والياء والدال قد مضى ذكره في محلِّه ، لأنّ ذلك هو الأصل .
عير : العين والياء والراء أصلانِ صحيحان ، يدلّ أحدُهما على نتوِّ الشيء وارتفاعه ، والآخر على مجيء وذَهاب .
فالأوَّل العَيْر ، وَهو العَظْم الناتئ وَسْط الكتِف ، والجمع عُيورة . وعير النَّصل : حرف في وَسَطه كأنّه شَظِيّة . وقال :
والغِرار : الحَدّ . والعَيْر في القَدَم : العظم النّاتئ في ظهر القَدَم . وحُكي عن الخليل : العَير : سَيِّد القوم . وهذا إن كان صحيحاً فهو القياس ، وذلك أنّه أرفَعُهم منزلةً وأنْتَأ . قال : ولو رأيتَ في صخرة نتوءاً؛ أَي حرفاً ناتئاً خِلقةً ، كان ذلك عَيْراً .
والأصل الآخر العَيْر : الحِمار الوحشي والأهليّ ، والجمع الأعيار والمعيوراء . وإنّما سمّي عَيْراً لتردُّده ومجيئِه وذَهابه . قال الخليل : وكلماتٌ جاءت في الجمع عن العرب في مفعولاء : المَعْيوراء ، والمَعْلوجاء ، والمَشيُوخاء . قال : ويقولون : مَشْيَخَة على مَفْعَلَة . ولم يقولوا مثلَه في شيء من الجمع . وممّا جاء من الأمثال في العَيْر : « إذا ذَهَبَ عَيْرٌ فَعَيْرٌ في الرِّباط » .
وإنسان العَينِ عَيرٌ ، يسمَّى لما قلناه من مجيئه وذَهابه واضطرابِه . وقال الخليل : في أمثالهم : « جاء فلانٌ قيل عَيْر وما جَرَى » يريدون به السُّرْعة؛ أَي قبل لحظِ العين . وَأنشد لتأبّط شرّاً :
وقال الحارث بن حِلّزة :
أي أنّ كلَّ من طرف جفنٌ له على عَير ، وَهو إنسان العين والعِيار : فِعلُ الفرس العائِر . يقال : عار يَعير ، وهو ذَهابُه كأنّهُ متفلِّتٌ من صاحبه يتردّد . وقصيدةٌ عائرة : سائرة . وما قالت العربُ بيتاً أعيَرَ من قوله :
يعني بيتاً أسيَرَ .
عيس : العين والياء والسين كلمتان : إحداهما لونٌ أبيض مُشْرَبٌ ، والأُخرى عَسْب الفحل .
قال الخليل : العَيَس والعِيسَة : لونٌ أبيضٌ مشربٌ صفاءً في ظلمة خفيَّة . جملٌ أعْيَسُ وناقةٌ عيساء؛ والجمع عِيس . قال أبو دُواد :
وقال آخر في وصف الثَّور :
وعانَقَ الظِّلَّ الشَّبُوبُ الأعْيَسُ
قال : والعرب قد خصّت بالعَيَس الإبل العِراب البيضَ خاصّة . والعِيسَة في أصل البناء الفُعْلة ، على قياس الصُّهْبَة والكُمْتة ، ولكن كسرت العين لأجل الياء بعدها . ويقولون : ظبيٌ أعْيَسٌ . وفي الذي ذكره في الظَّبي والشّبوب الأعيس ، خلافٌ لما قالَه من أنّ العرب خَصّت بالعَيَسِ الإبلَ العِرابَ البيضَ خاصّة .
والكلمة الأُخرى العَيْس : ماء الفحل . قال الخليل : العَيْس : عَسْب الفحل ، وهو ضِرابُه . يقال : لا تأخُذْ على عَيْس جملِك أجراً . وهذا الذي ذكره الخليلُ أصحُّ .
عيش : العين والياء والشين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على حياة وبقاء . قال الخليل : العيش : الحياة . والمعيشة : الذي يعيش بها الإنسان : من مطعم ومشرب وما تكون به الحياة . والمعيشة : اسمٌ لما يعاش به . وهو في عِيشة ومَعيشة صالحة . والعِيشة مثل الجِلْسة والمِشْية . والعَيْش : المصدر الجامع . والمعاش يجري مجرى العَيْش . تقول عاشَ يَعِيشُ عَيْشاً ومعاشاً . وكلُّ شيء يُعاش به أو فيه فهو مَعاشٌ . قال الله تعالى : ) وَجَعَلْنا النَّهارَ مَعاشاً ( النبأ : 11 . والأرضُ مَعاشٌ للخلق ، فيها يلتمسون معايِشَهم . وذكر الخليل أنّ المعيشَ بطرح الهاء يقوم في الشِّعر مقامَ المَعيشة ، وأنشد لحُميد :
والناس يروونه : « إزاءُ مَعاش » . وقال بعضهم : عاش فلانٌ عَيْشُوشةً صالحة ، وإنّهم لمتعيِّشون ، إذا كانت لهم بُلْغةٌ من عَيش . ورجل عائِشٌ ، إذا كانت حالُه حسنةً .
عيص : العين والياء والصاد أصلٌ صحيحٌ ، وهو المَنْبِت . قال الخليل . العِيص : مَنْبِت خِيارِ الشَّجر . قال : وأعياص قُريش : كرامهم يتناسبون إلى عِيص . وأعياصٌ وعيصٌ في آبائهم . وذكَر أيضاً المَعيص ، وقال : هو كالمَنْبِت . وقال العجّاج في العِيص :
من عِيصِ مَرْوانَ إلى عِيص غِطَمّْ
وقال جرير :
عيط : العين والياء والطاء أصلان صحيحان ، يدلُّ أحدُهما على ارتفاع ، والآخَر على تتبُّع شيء .
فالأوّل العَيَط ، وهو مصدر الأعْيَط ، وهو الطَّويل الرأسِ والعُنق . ويقال ناقة عيطاءُ وجملٌ أعيط ، والجمع العِيط . قال الخليل : وتُوصَف به حُمُر الوَحْش . قال العجّاجُ يصفُ الفرسَ بأنّه يَعْقِر عِيطاً :
والأرَنّ : النَّشاط حَتّى يكون كالمجنون . ويقال للقارَةِ المستطيلة في السّماء جدّاً : إنّها لَعَيطاء . وكذلك القَصْر المُنيف أعيطُ . قال أُميّة :
وممّا يجوز أن يُقاسَ على هذا النّاقةُ التي لم تَحمِل سنوات من غير عُقْر ، يقال قد اعتاطت ، وذلك أنّها تَرَفَّعُ وتتعالَى عن الحمل . قالوا : وربَّما كان اعتياطُها من كثرة شَحْمها . وتعتاطُ المرأةُ أيضاً . ويقال : ناقةٌ عائط ، وقد عاطت تَعِيط عِياطاً في معنى حائل ، في نوق عِيط وعوائط . وقال :
والمصدر أيضاً عُوطَطٌ وعُوطة .
والأصل الآخَر التعيُّط : نَتْعُ الشَّيءِ من حَجر أو عود ، يخرج منه شِبهُ ماء فيُصمِّغ أو يَسِيل . وذِفْرَى الجمل يتعيَّط بالعرق . قال :
عيف : العين والياء والفاء أصلٌ صحيحٌ واحد يدلُّ على كراهة . من ذلك قولُهم : عافَ الشَّيء يَعافه عِيافاً ، إذا كره ، من طعام أو شراب . والعُيوف من الإبل : الذي يَشَمّ الماءَ وهو عطشانُ فيدعُه ، وذلك لأنَّه يتكرّهُه . وربّما جُهِد فشرِبَه . قال ابن أبي ربيعة :
ومن هذا القياس عِيافةُ الطَّير ، وهو زَجْرُها . وهو من الكراهة أيضاً ، وذلك أن يرى غُراباً أو طائراً غيرَه أو غير ذلك فيتطيَّر به . وربّما قالوا للمتكهِّن عائف . قال الأعشى :
وقـال :
لقَدْ عَيْثَرْتَ طيْرَكَ لو تعيفُ
عيق : العين والياء والقاف لم يذكر الخليل فيه شيئاً ، وهو صحيح . يقولون : العَيقة : ساحل البحر . قال الهذليّ :
وقد أومأ الخليل إلى أنَّ هذا مستعمل ، وليس من المهمل ، فقال في كتابه : عَيُّوق فَيْعُول ، يحتمل أن يكون بناؤه من عَوق ومن عيق ، لأنّ الياء والواو في ذلك سواء . فقد أعْلَمَ أنّ البناءَ مستعملٌ ، أعني العين والياء والقاف .
عيك : العين والياء والكاف . لم يذكر الخليل فيه شيئاً ، وهو بناء جيِّد وإن لم يجئْ فيه كلامٌ ، لكنّ العَيكَتين : موضعٌ في بلاد العرب معروف .
عيل : العين والياء واللام ، ليس فيه إلاّ ما هو منقلب عن واو . العيْلة : الفاقة والحاجة ، يقال عالَ يَعِيل عَيْلةً ، إذا احتاج . قال الله تعالى : ) وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ( التوبة : 28 . وفي الحديث : « ما عالَ مقتصد » . وقال :
مَن عال مِنّا بَعدها فَلاَ انْجَبَر
وعَيْلان : اسم .
عيم : العين والياء والميم كلمةٌ واحدة صحيحة ، وهي شهوةُ اللَّبَن : يقال للذي اشْتَهَى اللّبَن عَيْمانُ ، والمرأة عَيْمَى . تقول : عِمْتُ إلى اللبن عَيْمَة وعَيَماً شديداً . قال الخليل : وكلُّ مصدر مثلِ هذا ممّا يكون لِفَعْلان وفَعْلَى ، فإذا أنّثت المصدر قلته على فَعْلة خفيفة ، وإذا ثقّلتَ فَعَلَى فَعَل ، نحو الحَيَر والحَيْرة . وجمع العَيْمان عَيامَى وَعِيام .
عين : العين والياء والنون أصلٌ واحد صحيح يدلُّ على عُضو به يُبْصَر ويُنظَر ، ثمّ يشتقُّ منه ، والأصلُ في جميعه ما ذكرنا .
قال الخليل : العين النّاظرة لكلِّ ذي بَصَر . والعين تجمع على أعيُن وعُيون وأعيان . قال الشّاعر :
وقال :
فقد قرَّ أعيانَ الشَّوامِتِ أنّهم
وربّما جمعوا أعيُنا على أعينات . قال :
بأعيُنات لم يخالطها قَذَى
وعَيْنُ القَلْب مثَل على معنى التشبيه . ومن أمثال العرب في العين ، قولهم : « لا أفعَلُه ما حَمَلتْ عيني الماء »؛ أَي لا أفعله أبداً . ويقولون : « عَينٌ بها كلُّ داء » للكثير العيوب . ويقال : رجلٌ شديد جَفْنِ العين ، إذا كان صبوراً على السَّهَر . ويقال : عِنْتُ الرّجلَ ، إذا أصبتَه بعينك ، فأنا أعينُه عَيْناً ، وهو مَعْيون . قال :
ورجل عَيُونٌ ومِعيانٌ : خبيث العين . والعائن : الذي يَعِين ، ورأيت الشَّيء عِياناً؛ أَي معايَنة . ويقولون : لقيتُه عَيْنَ عُنَّة؛ أَي عِياناً . وصنعت ذاك عَمْدَ عَيْن ، إذا تعمّدتَه . والأصل فيه العين الناظرة؛ أَي إنّه صنع ذلك بعينِ كلِّ مَن رآه . وهو عَبْدُ عين؛ أَي يَخدُم ما دام مولاه يراه . ويقال للأمر يَضِحُ : « بيَّنَ الصُّبحُ لذي عَينَين » .
ومن الباب العين : الذي تبعثُه يتجسَّس الخبرَ ، كأنَّه شيءٌ تَرَى به ما يَغِيب عنك . ويقال : رأيتُهم أدنى عائنة؛ أَي قَبْلَ كلِّ أحد ، يريد ـ والله أعلم ـ قبل كلِّ نَفْس ناظرة . ويقال : اذهَبْ فاعتَنْ لنا؛ أَي انظُرْ . ويقال : ما بها عَيَنٌ ، متحركة الياء ، تريد أحداً له عين ، فحرّكت الياء فرقاً . قـال :
ولا عَيَناً إلاّ نَعاماً مشمِّراً
فأمّا قولهم : اعتانَ لنا منزلاً؛ أَي ارتادَه ، فإنَّهم لم يفسِّروه . والمعنى أنّه نظر إلى المنازل بعينه ثمّ اختار .
ومن الباب العين الجاريةُ النّابعة من عيون الماء ، وإنّما سمِّيت عيناً تشبيهاً لها بالعين النّاظرةِ لصفائها ومائها . ويقال : قد عانَت الصّخرةُ ، وذلك إذا كانَ بها صَدعٌ يخرج منه الماء . ويقال : حَفَر فأعْيَن وأعان .
ومن الباب العين : السَّحاب ما جاءَ من ناحية القبلة ، وهذا مشبَّه بمشبَّه ، لأنَّه شُبِّه بعين الماء التي شبِّهت بعين الإنسان . يقولون : إذا نشأ السَّحاب من قِبَل العين فلا يَكاد يُخلف .
قال ابن الأعرابيّ : يقال هذا مطَر العين ، ولا يقال مُطِرنا بالعَين . وعَين الشَّمس مشبه بعين الإنسان . قال الخليل : عين الشَّمس : صَيْخَدُها المستدير .
ومن الباب ماءٌ عائن؛ أَي سائل . ومن الباب عَيْنُ السِّقاء . قال الخليل : يقال للسِّقاء إذا بَلِي ورقَّ موضعٌ منه : قد تعيَّن . وهذا أيضاً من العَين ، لأنَّه إذا رقّ قرُب من التخرُّق فصار السِّقاء كأنّه يُنظر به . وأنشد ثعلب :
بذات لَوث عينُها في جيدها
أراد قربةً قد تعيَّنت في جِيدها . ويقال : سِقاء عَيَّنٌ ، إذا كانت فيه كالعُيون ، وهو الذي قد ذكرناه . وأنشد :
ما بالُ عينِي كالشَّعيب العَيَّنِ
وقالوا في قول الطرِمّاح :
إنّ العيِّن الجَديد بلغة طيٍّ . وهذا عندنا ممّا لا معنَى له ، إنّما العيِّن الذي به عُيون ، وهي التي ذكرناها من عيون السِّقاء . وإنّما غَلِط القومُ لأنّهم رأوا بالِياً وعيّناً ، فذهبوا إلى أنّ الشاعر أراد كلَّ جديد وبال . وهذا خطأ ، لأنّ البالي الذي بليَ ، والعيِّن : الذي يكون به عُيون . وقد تكون القربةُ الجديدُ ذاتَ عيُون لعيب في الجلد . والدَّليل على ما قلناه قولُ القطاميّ :
ومن باقي كلامهم في العَين العِينُ : البَقَر ، وتوصف البقرة بسَعَة العين فيقال : بقرة عيناءُ . والرّجُل أعين . قال الخليل : ولا يقال ثورٌ أعْين . وقال غيره : يقال ثورٌ أعين . قال ذو الرُّمّة :
قال الخليل : الأعيَن : اسمُ الثور ، ويقال مُعَيَّنٌ أيضاً . قال :
ويقال قواف عِينٌ . وسئل الأصمعيُّ عن تفسيرها فقال : لا أعرِفُه . وهذا من الورَع الذي كان يستعمله في تركه تفسيرَ القرآن ، فكأنّه لم يفسِّر العِينَ كما لم يفسِّر الحُور لأنّهما لفظتان في القرآن . قال الله تعالى : ) وَحُورٌ عِينٌ * كأَمْثال اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ ( . إنَّما المعنى في القوافي العِينِ أنّها نافذةٌ كالشَّيء النافذ البصر . قال الهُذَليّ :
ومن الباب قولهم : أعيان القَوم؛ أَي أشرافهم ، وهمْ قياسُ ما ذكرناه ، كأنّهم عيونُهم التي بها ينظرون ، وكذلك الإخوة ، قال الخليل : تقول لكلِّ إخوة يكونون لأب وأُمٍّ ولهم إخوةٌ من أُمّهات شتّى : هؤلاء أعيانُ إخوتهم . وهذا أيضاً مقيسٌ على ما ذكرناه . وعِينَةُ كلِّ شيء : خيارُه ، يستوي فيه الذكر والأُنثى ، كما يقال هذا عَيْنُ الشَّيء وعِينَتُه؛ أَي أجودُه؛ لأنّ أصفَى ما في وجه الإنسان عينُه .
ومن الباب : ابنا عِيان : خطّانِ يخُطُّهما الزاجر ويقول : ابنَيْ عِيان ، أسرِعا البيان ! كأنّه بهما ينظر إلى ما يريد أنْ يعلمَه . وقال الرّاعي يصف قِدْحاً :
جَرَى ابنا عِيان بالشِّواء المُضَهَّبِ
ويقال : نظَرَت البلادُ بعين أو بعينَين ، إذا طَلَعَ النّبتُ . وكلُّ هذا محمولٌ واستعارةٌ وتشبيه . قال الشّاعر :
رميناهُمْ بكلِّ أقَبَّ نَهْد وفتيانِ العَشِيَّة والصّباحِ
ومن الباب : العَين ، وهو المال العَتِيد الحاضر؛ يقال هو عَينٌ غير دَين؛ أَي هو مال حاضرٌ تراه العيونُ . وعينُ الشَّيء : نفسُه . تقول : خذ دِرْهمَك بعينه ، فأمّا قولهم للمَيْل في الميزان عين فهو من هذا أيضاً؛ لأنَّ العَيْن كالزِّيادة في الميزان .
وقال الخليل : العِينَة : السَّلَف ، يقال : تعيَّنَ فلانٌ من فلان عِينةً ، وعيَّنَهُ تعييناً . قال الخليل : واشتقّت من عين الميزان ، وهي زيادتُه . وهذا الذي ذكره الخليلُ صحيحٌ؛ لأنّ العِينة لا بدّ أن تجرّ زيادة .
ويقال من العِينة : اعتانَ . وأنشد :
فكيف لنا بالشُّرب إنْ لم تكن لنا دراهمُ عند الحانَوِيِّ ولا نَقْدُ
أنَدَّانُ أم نعتانُ أمْ ينبري لنا فتىً مثل نَصْل السَّيف أبرزَه الغِمْدُ
ومن الباب عَين الرَّكِيَّة ، وهما عينانِ كأنّهما نُقرتانِ في مقدَّمها .
عيهر : العَيْهَرَة : المرأة الفاجرة ، والزائدة في ذلك الياء ، وإنّما هو من العَهْر .