2625/ 2- محمّد بن عليّ بن محمّد بن حاتم، عن أحمد بن عيسى الوشّاء، عن أحمد بن طاهر القمّي، عن أبي الحسين محمّد بن يحيى الشيباني، قال: وردت كربلاء سنة ستّ و ثمانين و مائتين.
قال: وزرت قبر غريب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ثمّ انكفأت إلى مدينة السلام متوجّهاً إلى مقابر قريش، و قد تضرّمت الهواجر، و توقّدت السماء، و لمّا وصلت منها إلى مشهد الكاظم عليه السلام واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة المحفوفة بحدائق الغفران أكببت عليها بعبرات متقاطرة، و زفرات متتابعة، وقد حجب الدمع طرفي عن النّظر.
فلمّا رقأت العبرة، و انقطع النحيب، و فتحت بصري و إذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه، وتقوّس منكباه، و تثفنت جبهته و راحتاه، و هو يقول لآخر معه عند القبر: يا ابن أخ! فقد نال عمّك شرفاً بما حمّله السيّدان من غوامض الغيوب، و شرايف العلوم الّتي لم يحمل مثلها إلّا سلمان، و قد أشرف عمّك على استكمال المدّة و انقضاء العمر، و ليس يجد في أهل الولاية رجلاً يفضي إليه.
قلت: يا نفس! لا يزال العناء و المشقّة ينالان منك بإتعابي الخفّ و الحافر في طلب العلم، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدلّ على علم جسيم، و أمر عظيم.
فقلت: أيّها الشيخ! و من السيّدان؟
قال: النجمان المغيّبان في الثرى ب«سرّ من رآى».
فقلت: إنّي اُقسم بالمولاة، و شرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة و الوراثة أنّي خاطب علمهما، و طالب آثارهما، و باذل من نفسي الأيمان الموكّدة على حفظ أسرارهما.
قال: إن كنت صادقاً فيما تقول، فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم.
فلمّا فتّش الكتب، و تصفّح الرّوايات منها قال: صدقت أنا بشر بن سليمان النخّاس من ولد أبي أيّوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن و أبي محمّد عليهماالسلام و جارهما ب«سرّ من رآى».
قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما.
قال: كان مولاي أبوالحسن عليه السلام فقّهني في علم الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلّا بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتّى كملت معرفتي فيه، فأحسنت الفرق فيما بين الحلال و الحرام.
فبينا أنا ذات ليلة في منزلي ب«سرّ من رآى» و قد مضى هويٌّ من الليل إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعاً، فإذا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن عليّ بن محمّد عليهماالسلام يدعوني إليه.
فلبست ثيابي و دخلت عليه، فرأيته يحدّث ابنه أبامحمّد عليه السلام و اُخته حكيمة من وراء الستر.
فلمّا جلست قال: يا بشر! إنّك من ولد الأنصار و هذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، و أنتم ثقاتنا أهل البيت، و ساق الخبر نحواً ممّا رواه الشيخ... إلى آخره.
قال العلّامة المجلسي رحمه الله بيان: «يباري السماء»: أي يعارضها، و يقال: برّح به الأمر تبريحاً: جهّده و أضرّ به، و أوعز إليه في كذا، أي: تقدّم، وانكفأ أي: رجع.
البحار: 51/ 10 و 11 ح 13 عن اكمال الدين.