کوثر فی احوال فاطمة بنت النبی الطهر (ص)

سید محمد باقر موسوی؛ مصحح: محمدحسین رحیمیان

جلد 6 -صفحه : 44/ 6
نمايش فراداده

أدرس ما شئت من المستندات التأريخيّة الثابتة للمسألة فهل ترى نزاعاً ماديّاً؟ أو ترى اختلافاً حول فدك بمعناها المحدود و واقعها الضيّق؟ أو ترى تسابقاً على غلات أرض مهما صعد بها المبالغون وارتفعوها؟

فليست شيئاً يحسب له المتنازعون حساباً.

كلّا؛ بل هي الثورة على أسس الحكم والصرخة الّتي أرادت فاطمة عليهاالسلام أن تقتلع بها الحجر الأساسي الّذي بني عليه التأريخ بعد يوم السقيفة.

و يكفينا لإثبات ذلك أن نلقي نظرة على الخطبة الّتي خطبتها الزهراء عليهاالسلام في المسجد أمام الخليفة و بين يدي الجمع المحتشد من المهاجرين والأنصار، فإنّها دارت أكثر ما دارت حول امتداح عليّ عليه السلام والثناء على مواقفه الخالدة في الإسلام و تسجيل حق أهل البيت عليهم السلام...

فالمسألة إذن ليست مسألة ميراث و نحلة إلّا بالمقدار الّذي يتّصل بموضوع السياسة العليا، و ليست مطالبة بعقار أو دار، بل هي في نظر الزهراء عليهاالسلام مسألة إسلام و كفر، و مسأله إيمان و نفاق، و مسألة نصّ و شورى...

[ فدك في التأريخ: 48- 49.]

أقول: اختصرت وأخذت مقدار الحاجة، فراجع المأخذ.

ففدك تعبير ثاني عن الخلافة الإسلامية، والزهراء عليهاالسلام جعلت فدكاً مقدّمة للوصول إلى الخلافة، فأرادت استرداد الخلافة عن طريق استرداد فدك، فلم تبق فدك قرية زراعية محدودة بحدودها في عصر الرسول صلى الله عليه و آله، بل صار معناها الخلافة والرقعة الإسلاميّة بكاملها.

و ممّا يدلّ على هذا تحديد الأئمة عليهم السلام لفدك، فقد حدّها عليّ عليه السلام في زمانه:... حدّ منها جبل أحد، و حدّ منها عريش مصر، و حدّ منها سيف البحر، و حدّ منها دومة الجندل.

أمّا الإمام الكاظم عليه السلام؛ فقد حدّها للرشيد بعد أن ألحّ الرشيد أن يأخذ فدكاً... قال عليه السلام:

الحدّ الأوّل عدن، والحدّ الثاني سمرقند، والحدّ الثالث أفريقية، والحدّ الرابع سيف البحر ممّا يلي الخزر وأرمينية.

و هذه الحدود التقريبية للعالم الإسلامي آنذاك، و آنذاك.

و ممّا يدلّ على هذا تصريحات الزهراء عليهاالسلام في خطبتها بحقّ علىّ عليه السلام و كفاءته و جهاده.

[ فدك (ملحقاته): 167.]

و كذا خطبتها الثانية حين اجتمع عندها نساء من المهاجرين والأنصار.

أقول: و يحتمل في علّة ترك أميرالمؤمنين عليه السلام فدك و لم يأخذها لمّا ولّى الناس، لأنّه عليه السلام أخذ الخلافة والولاية، و وصل إلى ما طلبته الزهراء عليهاالسلام في الأيّام الماضية، فأخذ ما هو الهدف من مطالبتها فدك في تلك الأيّام.

و هذا حديث وجدته بخطّ بعض المشايخ رحمهم الله ذكر أنّه وجده في كتاب لأبي غانم الأعرج- و كان مسكنه بباب الشعير- وجد بخطّه على ظهر الكتاب له حين مات،و هو:

3641/ 1- أنّ عائشة بنت طلحة دخلت على فاطمة عليهاالسلام، فرأتها باكية، فقالت لها: بأبي أنت و اُمّي؛ ما الّذي يبكيك؟

فقالت لها: أتسأليني عن هنة حلّق بها الطائر، و خفي بها السائر، و رفعت إلى السماء أثراً، ورزئت في الأرض خبراً: إنّ قحيف تيم، وأُحَيْول عدي جاريا أباالحسن عليه السلام في السباق، حتّى إذا تفرّيا بالخناق، أسرّا له الشنان، وطوياه الإعلان.

فلمّا خبا نورالدين، و قبض النبيّ الأمين صلى الله عليه و آله نطقا بفورهما، ونفثا

بسورهما، و أدلّا بفدك، فيا لها كم من ملك ملك، أنّها عطيّة الربّ الأعلى لنجيّ الأوفى، و لقد نحلنيها للصبيّة السواغب من نجله و نسلي، و أنّها لبعلم اللَّه و شهادة أمينه. فإن انتزعا منّي البلغة و منعاني اللمظة فاحتسبها يوم الحشر زلفة، و ليجدنّها آكلوها ساعرة حميم في لظى جحيم.

[ البحار: 29/ 182 ح 38، عن أمالي الطوسي.]

أقول: وللعلّامة المجلسي رحمه الله توضيح للكلمات واللغات المشكلة للحديث، فراجع «البحار».

[ البحار: 29/ 183.]

أقول: اُنظر إلى هذا الخبر كيف تصرّح عليهاالسلام في كلامها:

«أنّ قحيف تيم وأحيول عدي جاريا أباالحسن عليه السلام في السباق».

و هذا الكلام صريح بأنّ هدفها مطالبة حقّ عليّ عليه السلام في ثورتها و صرختها، و أرادت فاطمة عليهاالسلام أن تقتلع بها الحجر الأساسي الّذي بني عليه التأريخ بعد يوم السقيفة.

إخراج أبي بكر وكيل فاطمة من فدك

3642/ 1- حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: لمّا بويع أبوبكر و استقام له الأمر على جميع المهاجرين و الأنصار بعث إلى فدك (أن) أخرج وكيل فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله منها.

فجاءت فاطمة عليهاالسلام إلى أبي بكر، فقالت: يا أبابكر! لم تمنعني ميراثي من أبي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و أخرجت وكيلي من فدك، و قد جعلها لي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بأمر اللَّه.

فقال: هاتي على ذلك بشهود.

فجاءت باُمّ أيمن، فقالت: لا أشهد يا أبابكر! حتّى احتجّ عليك بما قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، أنشدك باللَّه ألست تعلم أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: إنّ اُمّ أيمن امرأة من أهل الجنّة؟

فقال: بلى.

قالت: فأشهد أنّ اللَّه عزّ و جلّ أوحى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: (وَآتِ ذَا القُرْبى حَقَّه)، فجعل فدك لفاطمة عليهاالسلام بأمر اللَّه.

و جاء عليّ عليه السلام، فشهد بمثل ذلك.

فكتب لها كتاباً و دفعه إليها، فدخل عمر، فقال: ما هذا الكتاب؟

فقال: إنّ فاطمة عليهاالسلام ادّعت في فدك، و شهدت لها اُمّ أيمن و عليّ عليه السلام، فكتبته.

فأخذ عمر الكتاب من فاطمة عليهاالسلام، فمزّقه!!

فخرجت فاطمة عليهاالسلام تبكي.

فلمّا كان بعد ذلك جاء عليّ عليه السلام إلى أبي بكر، و هو في المسجد و حوله المهاجرون والأنصار.

فقال: يا أبابكر! لم منعت فاطمة عليهاالسلام ميراثها من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و قد ملكته في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟

فقال أبوبكر: إنّ هذا في ء للمسلمين، فإن أقامت شهوداً أنّ رسول اللَّه جعلها له، و إلّا فلا حقّ لها.

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: يا أبابكر! تحكم فينا بخلاف حكم اللَّه في المسلمين

قال: لا.

قال: فإن كان في يد المسلمين شي ء يملكونه، ثمّ ادّعيت أنا فيه من تسأل البيّنة؟

قال: إيّاك كنت أسأل البيّنة.

قال: فما بال فاطمة عليهاالسلام سألتها البيّنة على ما في يدها، و قد ملكته في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و بعده، و لم تسأل المسلمين البيّنة على ما ادّعوها شهوداً كما سئلتني على ما ادّعيت عليهم.

فسكت أبوبكر، فقال عمر: يا عليّ! دعنا من كلامك، فإنّا لا نقوي على حجّتك، فإن أتيت بشهود عدول و إلّا فهو في ء المسلمين لا حقّ لك، و لا لفاطمة فيه.

فقال عليّ عليه السلام: يا أبابكر! تقرأ كتاب اللَّه؟

قال: نعم.

قال: أخبرني عن قول اللَّه عزّ و جلّ (إِنَّما يُريدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرِجْس أَهْل

البَيْت وَيُطَهِّرَكُم تَطْهيراً)

[ الأحزاب: 33.]

فينا نزلت أو في غيرنا؟

قال: بل فيكم.

قال: فلو أنّ شهوداً شهدوا على فاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بفاحشة ما كنت صانعاً بها؟

قال: كنت اُقيم عليها الحدّ، كما اُقيم على سائر نساء العالمين (المسلمين).

قال: كنت إذاً عنداللَّه من الكافرين.

قال: ولِمَ؟

قال: لأنّك رددت شهادة اللَّه لها بالطهارة، و قبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم اللَّه و حكم رسوله أن جعل لها فدك و قبضته في حياته، ثمّ قبلت شهادة أعرابي بائل على عقبيه عليها، و أخذت منها فدك، و زعمت أنّه في ء المسلمين.

و قد قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: البيّنة على المدّعي، واليمين على من أنكر، فرددت قول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: البيّنة على من ادّعى، واليمين على من ادّعي عليه.

قال: فدمدم الناس وأنكر بعضهم، وقالوا: صدق واللَّه؛ عليّ، و رجع عليّ عليه السلام إلى منزله.

قال: ودخلت فاطمة عليهاالسلام المسجد، وطافت على قبر أبيها، وهي تقول:

قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها واختلّ قومك فاشهدهم فقد نكبوا
قد كان جبريل بالآيات يؤنسنا فغاب عنّا فكلّ الخير محتجب
قد كنت بدراً ونوراً يستضاء به عليك تنزل من ذي العزّة الكتب
تهجّمتنا رجال واستخفّ بنا إذ غبت عنّا فنحن اليوم نغتصب
فسوف نبكيك ما عشنا و ما بقيت منّا العيون بتهمال لها سكب

قال: فرجع أبوبكر و عمر إلى منزلهما، و بعث أبوبكر إلى عمر ثمّ دعاه، فقال: أما رأيت مجلس عليّ منّا في هذا اليوم؟ واللَّه؛ لئن قعد مقعداً مثله ليفسدنّ أمرنا، فما الرأي أن نأمر بقتله.

قال: فمن يقتله؟

قال: خالد بن الوليد.

فبعثا (فبعثوا) إلى خالد، فأتاهم، فقالا له: نريد أن نحملك على أمر عظيم.

فقال: احملوني على ما شئتم، ولو على قتل عليّ بن أبي طالب.

قالا: فهو ذلك.

قال خالد: متى أقتله.

قال أبوبكر: أحضر المسجد، و قم بجنبه في الصلاة، فإذا سلّمت قم إليه و اضرب عنقه.

قال: نعم.

فسمعت أسماء بنت عميس، و كانت تحت أبي بكر، فقال لجاريتها: اذهبي إلى منزل عليّ و فاطمة عليهماالسلام و أقرئيهما السلام، و قولي لعليّ عليه السلام: ( إِنَّ المَلأَ يأتَمِرونَ بِكَ لِيَقْتُلوكَ فَاخْرُجْ إنّي لَكَ مِنَ النَّاصِحينَ).

فجاءت الجارية إليهم، فقالت لعليّ عليه السلام: إنّ أسماء بنت عميس تقرء عليك السلام، و تقول: (إنَّ المَلأَ يَأتَمِرونَ بِكَ لِيَقْتُلوكَ فَاخرُجْ إنّي لَكَ مِنَ الناصِحينَ).

[ القصص: 20]

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام لها: إنّ اللَّه يحول بينهم و بين ما يريدون.

ثمّ قام وتهيّأ للصّلاة و حضر المسجد، و صلّى لنفسه خلف أبي بكر و خالد بن الوليد بجنبه، و معه السيف.

فلمّا جلس أبوبكر للتشّهد فلم يزل متفكّرا لا يجسر أن يسلّم حتّى ظنّ الناس أنّه سهى، ثمّ التفت إلى خالد، و قال: يا خالد! لا تفعلنّ ما أمرتك (السلام عليكم و رحمة اللَّه و بركاته).

فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: يا خالد! ما الّذي أمرك به؟

قال: أمرني بضرب عنقك.

قال: أو كنت فاعلاً؟

قال: إي واللَّه، لولا أنّه قال لي: لا تفعله قبل التسليم لقتلتك.

قال: فأخذه عليّ عليه السلام، فجلد (فضرب) به الأرض، فاجتمع الناس عليه، فقال عمر: يقتله وربّ الكعبة.

فقال الناس: يا أباالحسن! اللَّه اللَّه بحقّ صاحب القبر، فخلّى عنه.

ثمّ التفت إلى عمر، فأخذ بتلابيبه، فقال: يابن الصهّاك! واللَّه؛ لولا عهد من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و كتاب من اللَّه سبق لعلمت أيّنا أضعف ناصراً و أقلّ عدداً، و دخل منزله.

[ البحار: 29/ 127 ح 27، عن الإحتجاج.]

3643/ 2- عبداللَّه بن سنان، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: لمّا قبض رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و جلس أبوبكر مجلسه بعث إلى وكيل فاطمة عليهاالسلام فأخرجه من فدك.

فأتته فاطمة عليهاالسلام، فقالت: يا أبابكر! ادّعيت أنّك خليفة أبي، و جلست مجلسه، و أنت بعثت إلى وكيلي، فأخرجته من فدك، و قد تعلم أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله صدّق بها عليّ و أنّ لي بذلك شهوداً.

فقال: إنّ النبيّ لا يورث.

فرجعت إلى عليّ عليه السلام، فأخبرته.

فقال: ارجعي إليه، و قولي له: زعمت أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لا يورث، و ورث سليمان عليه السلام داوود عليه السلام، و ورث يحيى عليه السلام زكريّا عليه السلام، و كيف لا أرث أنا أبي؟

فقال عمر: أنت معلّمة.

قالت: و إن كنت معلّمة، فإنّها علّمني ابن عمّي و بعلي.

فقال أبوبكر: فإنّ عائشة تشهد و عمر أنّهما سمعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و هو يقول: النبيّ لا يورث.

فقالت: هذا أوّل شهادة زور شهدا بها في الإسلام.

ثمّ قالت: فإنّ فدك إنّما هي صدّق بها عليّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ولي بذلك بيّنة.

فقال لها: هلمّي ببيّنتك.

قال: فجاءت باُمّ أيمن و عليّ عليه السلام.

فقال أبوبكر: يا اُمّ أيمن! إنّك سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول في فاطمة؟

فقالا: سمعنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: إنّ فاطمة عليهاالسلام سيّدة نساء أهل الجنّة.

ثمّ قالت اُمّ أيمن: فمن كانت سيّدة نساء أهل الجنّة، تدّعي ما ليس لها، و أنا امرأة من أهل الجنّة ما كنت لأشهد بما لم أكن سمعت من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

فقال عمر: دعينا يا اُمّ أيمن! من هذه القصص بأيّ شي ء تشهدين؟

فقالت: كنت جالسة في بيت فاطمة عليهاالسلام و رسول اللَّه صلى الله عليه و آله جالس حتّى نزل عليه جبرئيل، فقال:

يا محمّد! (قم) فإنّ اللَّه تبارك و تعالى أمرني أن أخطّ لك فدكاً بجناحي.

فقام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مع جبرئيل، فما لبث أن رجع.

فقالت فاطمة عليهاالسلام: يا أبة! أين ذهبت؟

فقال: خطّ جبرئيل لي فدكاً بجناحه، وحدّها لي حدودها.

فقالت: يا أبة! إنّي أخاف العيلة والحاجة بعدك، فصدّق بها عليّ.

فقال: هي صدقة عليك، فقبضتها.

قالت: نعم.

فقال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: يا اُمّ أيمن! اشهدي، و يا عليّ! اشهد.

فقال عمر: أنت امرأة و لا نجيز شهادة امرأة وحدها، و أمّا عليّ؛ فيجرّ إلى نفسه.

قال: فقامت مبغضة، و قالت: اللهمّ إنّهما ظلما ابنة نبيّك حقّها، فاشدد وطأتك عليهما.

ثمّ خرجت، و حملها عليّ عليه السلام على أتان عليه كساء له خمل، فدار بها أربعين صباحاً في بيوت المهاجرين والأنصار والحسن والحسين عليهماالسلام معها،و هي تقول:

يا معشر المهاجرين والأنصار! انصروا اللَّه وابنة نبيّكم، و قد بايعتم رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يوم بايعتموه أن تمنعوه وذرّيته ممّا تمنعون منه أنفسكم وذراريكم، ففوا لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله ببيعتكم.

قال: فما أعانها أحد، و لا أجابها و لا نصرها.

قال: فانتهت إلى معاذ بن جبل، فقالت: يا معاذ بن جبل! إنّي قد جئتك مستنصرة و قد بايعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على أن تنصره و ذرّيته و تمنعه ممّا تمنع منه نفسك و ذرّيتك، و أنّ أبابكر قد غصبني على فدك، و أخرج وكيلي منها.

قال: فمعي غيري؟

قالت: لا؛ ما أجابني أحد.

قال: فأين أبلغ أنا من نصرك؟

قال: فخرجت من عنده و دخل ابنه، فقال: ما جاء بابنة محمّد صلى الله عليه و آله إليك؟

قال: جاءت تطلب نصرتي على أبي بكر، فإنّه أخذ منها فدكاً.

قال: فما أجبتها به؟

قال: قلت: و ما يبلغ نصرتي أنا وحدي.

قال: فأبيت أن تنصرها؟

قال: نعم.

قال: فأيّ شي ء قالت لك؟

قال: قالت لي: واللَّه؛ لاُ نازعنّك الفصيح من رأسي حتّى أرد على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.

قال: فقال: أنا واللَّه؛ لاُنازعنّك الفصيح من رأسي حتّى أرد على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إذ لم تجب ابنة محمّد صلى الله عليه و آله.

قال: وخرجت فاطمة صلوات اللَّه عليها من عنده، و هي تقول: واللَّه؛ لا اُكلّمك كلمة حتّى اجتمع أنا و أنت عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ثمّ انصرفت.

فقال عليّ عليه السلام لها: ايتي أبابكر وحده، فإنّه أرقّ من الآخر، و قولي له: ادّعيت مجلس أبي، و أنّك خليفته، و جلست مجلسه، و لو كان فدك لك ثمّ استوهبتها منك لوجب ردّها عليّ.

فلمّا أتته و قالت له ذلك، قال: صدقت.

قال: فدعا بكتاب، فكتبه لها بردّ فدك.

فخرجت والكتاب معها، فلقيها عمر، فقال: يا بنت محمّد! ما هذا الكتاب الّذي معك؟

فقالت: كتاب كتب لي أبوبكر بردّ فدك.

فقال: هلمّيه إليّ.

فأبت أن تدفعه إليه، فرفسها برجله، فكانت حاملة بابن اسمه المحسن عليه السلام، فأسقطت المحسن عليه السلام من بطنها، ثمّ لطمها، فكأنّي (فأنّي، خ ) أنظر إلى قرط في اُذنها حين نقفت.

ثمّ أخذ الكتاب، فخرقه.

فمضت و مكثت خمسة وسبعين يوماً مريضة ممّا ضربها عمر، ثمّ قبضت.