فقال عليّ عليه السلام: أنا أضمن وصيّتك يا بنت محمّد صلى الله عليه و آله!
فقالت: سألتك بحقّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إذا أنا متّ أن لا يشهداني و لايصلّيا عليّ.
قال: فلك ذلك.
فلمّا قبضت صلوات اللَّه عليها دفنها ليلاً في بيتها، وأصبح أهل المدينة يريدون حضور جنازتها، و أبوبكر و عمر كذلك.
فخرج إليها عليّ عليه السلام، فقالا له: ما فعلت بابنة محمّد؟ أخذت في جهازها يا أباالحسن؟
فقال عليّ عليه السلام: قد واللَّه دفنتها.
قالا: فما حملك على أن دفنتها ولم تعلمنا بموتها؟
قال: هي أمرتني.
فقال عمر: واللَّه؛ لقد هممت بنبشها والصلاة عليها.
فقال عليّ صلوات اللَّه عليه: أما واللَّه؛ مادام قلبي بين جوانحي، وذوالفقار في يدي، فإنّك لا تصل إلى نبشها، فأنت أعلم.
فقال أبوبكر: إذهب، فإنّه أحقّ بها منّا، وانصرف الناس. [ البحار: 29/ 189- 193، عن الإختصاص: 183- 185.]
3644/ 3- أبي، عن عليّ، عن ابن أبي عمير، عمّن ذكره، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال:
لمّا منع أبوبكر لعنه اللَّه فاطمة عليهاالسلام فدكاً وأخرج وكيلها جاء أميرالمؤمنين عليه السلام إلى المسجد و أبوبكر جالس، و حوله المهاجرون والأنصار.
فقال: يا أبابكر! لِمَ منعت فاطمة عليهاالسلام ما جعله رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لها، و وكيلها فيه منذ سنين؟
فقال أبوبكر: هذا في ء للمسلمين، فإن أتت بشهود عدول وإلّا فلا حقّ لها فيه.
قال: يا أبابكر! تحكم فينا بخلاف ما تحكم في المسلمين؟
قال: لا. قال: أخبرني لو كان في يد المسلمين شي ء، فادّعيت أنا فيه من كنت تسأل البيّنة؟
قال: إيّاك كنت أسأل.
قال: فإذا كان في يدي شي ء فادّعى فيه المسلمون تسألني فيه البيّنة؟
قال: فسكت أبوبكر، فقال عمر: هذا في ء للمسلمين، ولسنا في خصومتك في شي ء.
فقال أميرالمؤمنين عليه السلام لأبي بكر: يا أبابكر! تقرّ بالقرآن؟
قال: بلى.
قال: أخبرني عن قول اللَّه عزّ و جلّ: (إِنَّما يُريدُ اللَّه لِيُذْهِبَ عَنْكُم الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهيراً) [ الأحزاب: 33.] فينا أو في غيرنا نزلت؟
قال: فيكم.
قال: أخبرني لو أنّ شاهدين من المسلمين شهدا على فاطمة عليهاالسلام بفاحشة ما كنت صانعاً؟
قال: كنت اُقيم عليها الحدّ كما اُقيم على نساء المسلمين.
قال: كنت إذاً عند اللَّه من الكافرين.
قال: ولِمَ؟
قال: لأنّك كنت تردّ شهادة اللَّه، و تقبل شهادة غيره، لأنّ اللَّه عزّ و جلّ قد شهد لها بالطهارة، فإذا رددت شهادة اللَّه و قبلت شهادة غيره كنت عنداللَّه من الكافرين.
قال: فبكى الناس، وتفرّقوا ودمدموا.
فلمّا رجع أبوبكر إلى منزله بعث إلى عمر، فقال: ويحك يابن الخطّاب! أما رأيت عليّاً عليه السلام، و ما فعل بنا، واللَّه؛ لئن قعد مقعداً آخر ليفسدنّ هذا الأمر علينا، ولا نتهنّأ بشي ء مادام حيّاً.
قال عمر: ما له إلّا خالد بن الوليد.
فبعثوا إليه فقال له أبوبكر: نريد أن نحملك على أمر عظيم.
قال: احملني على ما شئت، ولو على قتل عليّ.
قال: فهو قتل عليّ.
قال: فصر بجنبه، فإذا أنا سلّمت فاضرب عنقه.
فبعثت أسماء بنت عميس- و هي اُمّ محمّد بن أبي بكر- خادمها، فقالت: إذهبي إلى فاطمة عليهاالسلام فاقرأيها السلام، فإذا دخلت من الباب فقولي: (إنَّ المَلأَ يَأتَمِرونَ بِكَ لِيَقْتُلوكَ، فَاخْرُجْ إنّي لَكَ مِنَ الناصِحينَ)، فإن فهمتها، وإلّا فاُعيديها مرّة اُخرى.
فجاءت فدخلت، و قالت: إنّ مولاتي تقول: يا بنت رسول اللَّه! كيف أنتم، ثمّ قرأت هذه الآية: (إِنَّ المَلأَ يَأتَمرونَ بِكَ لِيَقْتلوك)[ القصص: 20.] الآية، فلمّا أرادت أن تخرج، قرأتها.
فقال لها أميرالمؤمنين عليه السلام: إقرأيها السلام، و قولي لها: إنّ اللَّه عزّ و جلّ يحول بينهم و بين ما يريدون إن شاءاللَّه.
فوقف خالد بن الوليد بجنبه، فلمّا أراد أن يسلّم لم يسلّم، قال: يا خالد! لا تفعل ما أمرتك «السلام عليكم».
فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: ما هذا الّذي أمرك به، ثمّ نهاك قبل أن يسلّم؟
قال: أمرني بضرب عنقك، و إنّما أمرني بعد التسليم.
فقال: و كنت فاعلاً؟
فقال: إي واللَّه؛ لو لم ينهني لفعلت.
قال: فقام أميرالمؤمنين عليه السلام فأخذ بمجامع ثوب خالد، ثمّ ضربه الحائط، و قال لعمر: يابن الصهّاك! واللَّه؛ لولا عهد من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله،و كتاب من اللَّه سبق لعلمت أيّنا أضعف جنداً و أقلّ عدداً. [ البحار: 29/ 124 ح26، عن العلل.]
و روى في «تفسير القمّي» بإسناده عن ابن أبي عمير، عن عثمان بن عيسى، و حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللَّه عليه السلام (مثله)، و فيه: فأخذ عمر الكتاب من فاطمة عليهاالسلام فمزّقه، و قال: هذا في ء المسلمين.
و قال: أوس بن الحدثان و عائشة و حفصة يشهدون على رسول اللَّه بأنّه قال: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة، و أنّ عليّاً زوجها يجرّ إلى نفسه، و اُمّ أيمن فهي امرأة صالحة، لو كان معها غيرها لنظرنا فيه.
فخرجت فاطمة صلوات اللَّه عليها من عندهما باكية حزينة، فلمّا كان بعد هذا جاء عليّ عليه السلام.
و فيه بعد قوله: «قولها»: نغتصب
فكلّ أهل له قربى و منزلة | عند الإله على الأدنين يقترب |
أبدت رجال لنا نجوى صدورهم | لمّا مضيت و حالت دونك الكتب |
فقد رزينا بما لم يرزه أحد | من البريّة لا عجم و لا عرب |
و قد رزينا به محضا خليقته | صافي الضرائب والأعراق والنسب |
فأنت خير عباد اللَّه كلّهم | وأصدق النّاس حين الصدق والكذب |
و فيه بعد البيت الأخير:
سيعلم المتولّى ظلم حامتنا | يوم القيامة إنّا كيف ننقلب [ البحار: 29/ 134، عن تفسير القمّي. |
]
أقول: هذا الخبر كان في المأخذ بعد خبر حمّاد بن عثمان عن أبي عبداللَّه عليه السلام بعد رمز «ج»
و أوردت خبر حمّاد بن عثمان في أوّل هذا عنوان من عناويننا.
علّة غصب فدك من فاطمة
3645/ 1- و روى العلّامة في كشكوله المنسوب إليه: عن المفضّل بن عمر، قال: قال مولاي جعفر الصّادق عليه السلام:
لمّا ولّى أبوبكر بن أبي قحافة، قال له عمر: إنّ الناس عبيد هذه الدنيا، لا يريدون غيرها، فامنع عن عليّ و أهل بيته الخمس و الفي ء و فدكاً، فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوا عليّاً، و أقبلوا إليك رغبة في الدنيا، و إيثاراً و محاماة عليها.
ففعل أبوبكر ذلك و صرف عنهم جميع ذلك.
فلمّا قام أبوبكر بن أبي قحافة مناديه: من كان له عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله دين أو عدة، فليأتني حتّى أقضيه، وأنجز لجابر بن عبداللَّه، و لجرير بن عبداللَّه البجلي.
قال عليّ عليه السلام لفاطمة عليهاالسلام: صيري إلى أبي بكر وذكّريه فدكاً.
فصارت فاطمة عليهاالسلام إليه، و ذكرت له فدكاً مع الخمس و الفي ء.
فقال: هاتي بيّنة يا بنت رسول اللَّه!
فقالت: أمّا فدك؛ فإنّ اللَّه عزّ و جلّ أنزل على نبيّه قرآناً يأمر فيه بأن يؤتيني وولدي حقّي، قال اللَّه تعالى (وَآتِ ذَا القُرْبى حَقَّه) فكنت أنا و ولدي أقرب الخلائق إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فنحلني و ولدي فدكاً.
فلمّا تلى عليه جبرئيل عليه السلام (وَالمِسْكينَ وَابنِ السَّبيلِ) قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: ما حقّ المسكين وابن السبيل؟
فأنزل اللَّه تعالى: (وَاعْلَموا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَي ءٍ فَأَنَّ للَّه خُمُسَهُ وَلِلرَسول
وَلِذِي القُرْبى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَابنِ السَّبيلِ)؛
فقسم الخمس على خمسة أقسام: فقال: (مَا أَفَاء اللَّه عَلى رَسولِه مِنْ أَهْلِ القُرى فَلِلّه وَلِلرَسولِ وَلِذِي القُربى وَاليَتامى وَالمَساكينِ وَابنِ السَبيلِ كَيلا يَكونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِياءِ). [ التوبة: 60.]
فما للَّه، فهو لرسوله، و ما لرسول اللَّه فهو لذي القربى، و نحن ذوا القربى، قال اللَّه تعالى: (قُلْ لا أَسأَلُكُمْ عَلَيْه أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ في القُرْبى).
فنظر أبوبكر ابن أبي قحافة إلى عمر بن الخطّاب، و قال: ما تقول؟
فقال عمر: و من اليتامى والمساكين وأبناء السبيل؟
فقالت فاطمة عليهاالسلام: اليتامى الّذين يأتمون باللَّه و برسوله، و بذي القربى، والمساكين الّذين أسكنوا معهم في الدنيا والآخرة، و ابن السبيل الّذي يسلك مسلكهم.
قال عمر: فإذاً الخمس والفي ء كلّه لكم و لمواليكم و أشياعكم.
فقالت فاطمة عليهاالسلام: أمّا فدك؛ فأوجبها اللَّه لي ولولدي دون موالينا و شيعتنا، و أمّا الخمس؛ فقسّمه اللَّه لنا و لموالينا و أشياعنا، كما يقرأ في كتاب اللَّه.
قال عمر: فما لسائر المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان؟
قالت فاطمة عليهاالسلام: إن كانوا موالينا و من أشياعنا فلهم الصدقات الّتي قسمها اللَّه وأوجبها في كتابه، فقال عزّ و جلّ: (إِنَّما الصَّدقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكين وَالعامِلينَ عَلَيها وَالمُؤلِّفَةِ قُلوبُهُمْ وَفِي الرِقابِ)... إلى آخر القصّة.
قال عمر: فدك لك خاصّة، والفي ء لكم ولأوليائكم ما أحسب أصحاب محمّد صلى الله عليه و آله يرضون بهذا.
قالت فاطمة عليهاالسلام: فإنّ اللَّه عزّ و جلّ رضي بذلك ورسوله رضي، و به قسم
الموالات والمتابعة، لا على المعادات والمخالفة، و من عادانا فقد عاد اللَّه، و من خالفنا فقد خالف اللَّه، و من خالف اللَّه فقد استوجب من اللَّه العذاب الأليم والعقاب الشديد في الدنيا و الآخرة.
فقال عمر: هاتي بيّنة يا بنت محمّد! على ما تدّعين.
فقالت فاطمة عليهاالسلام: قد صدّقتم جابر بن عبداللَّه و جرير بن عبداللَّه، و لم تسألوهما البيّنة، و بيّنتي في كتاب اللَّه.
فقال عمر: إنّ جابراً و جريراً ذاكرا أمراً هيّناً، و أنت تدّعين أمراً عظيماً يقع به الردّة من المهاجرين و الأنصار.
فقالت عليهاالسلام: إنّ المهاجرين برسول اللَّه صلى الله عليه و آله و أهل بيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله هاجروا إلى دينه، والأنصار بالإيمان باللَّه و برسوله و بذي القربى أحسنوا، فلا هجرة إلّا إلينا، و لا نصرة إلّا لنا، و لا اتّباع بإحسان إلّا بنا، و من ارتدّ عنّا فإلى الجاهليّة.
فقال لها عمر: دعينا من أباطيلك و احضرينا من يشهد لك بما تقولين.
فبعثت إلى عليّ والحسن والحسين عليهم السلام و اُمّ أيمن وأسماء بنت عميس- و كانت تحت أبي بكر بن أبي قحافة- فأقبلوا إلى أبي بكر وشهدوا لها بجميع ما قالت،وادّعته.
فقال: أمّا عليّ؛ فزوجها، و أمّا الحسن والحسين؛ ابناها، و أمّا اُمّ أيمن مولاتها،و أمّا أسماء بنت عميس؛ فقد كانت تحبّ جعفر بن أبي طالب فهي تشهد لبني هاشم، و قد كانت تخدم فاطمة، و كلّ هؤلاء يجرّون إلى أنفسهم.
فقال عليّ عليه السلام: أمّا فاطمة عليهاالسلام؛ فبضعة من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، و من آذاها فقد آذى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، و من كذّبها فقد كذّب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
و أمّا الحسن والحسين عليهماالسلام؛ فابنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و سيّدا شباب أهل الجنّة، من كذّبهما فقد كذّب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إذ كان أهل الجنّة صادقين.
و أمّا أنا؛ فقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: أنت منّي و أنا منك، و أنت أخي في الدنيا و الآخرة، والرادّ عليك هو الرادّ عليّ، من أطاعك فقد أطاعني، و من عصاك فقد عصاني.
و أمّا اُمّ أيمن؛ فقد شهد لها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالجنّة، و دعا لأسماء بنت عميس و ذرّيتها.
قال عمر: أنتم كما وصفتم به أنفسكم، ولكن شهادة الجار إلى نفسه لا يقبل.
فقال عليّ عليه السلام: إذا كنّا نحن كما تعرفون و لا تنكرون، و شهادتنا لأنفسنا لا تقبل، و شهادة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لا تقبل، فإنّا للَّه و إنّا إليه راجعون.
إذا ادّعينا لأنفسنا تسألنا البيّنة، فما من معين يعين، و قد و ثبتم على سلطان اللَّه و سلطان رسوله، فأخرجتموه من بيته إلى بيت غيره من غير بيّنة و لا حجّة (وَسَيَعْلَمُ الّذينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [ الشعراء: 227.] ثمّ قال لفاطمة عليهاالسلام: انصرفي حتّى يحكم اللَّه بيننا و هو خير الحاكمين.
قال المفضّل: قال مولاي جعفر عليه السلام:
كلّ ظلامة حدثت في الإسلام، أو تحدث، و كلّ دم مسفوك حرام، و منكر مشهور، و أمر غير محمود، فوزره في أعناقهما و أعناق من شايعهما أو تابعهما، و رضي بولايتهما إلى يوم القيامة. [ البحار: 29/ 194- 199، عن الكشكول فيما جرى على آل الرسول عليهم السلام: 203- 205.]
أقول: اُنظر إلى قول عمر ما أعرفه بشأن أبناء الدنيا، حيث قال: الناس عبيد الدنيا، لقد تفطّن بما هو الواقع من شأن أكثر الناس، لأنّ أبناء الدنيا أعرف بأمثالهم.
و هذا الخبر يكشف الغطاء عن وجه المرام من الطرفين بأوضح ما كشف، و يعلم منه أنّه لماذا منعوا حقّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام من فدك؟ عزّ و جلّ و لماذا منعوا الفي ء والخمس من بني هاشم، يعني من عليّ عليه السلام و أولياءه و أخصّائه؟و قول عمر لفاطمة عليهاالسلام: إنّ جابر بن عبداللَّه و جرير بن عبداللَّه ذاكرا أمراً هيّناً، و أنت ادّعيت أمراً عظيماً؛
و جواب عليّ عليه السلام من أباطيله، يدلّ على أنّ المحور والهدف إثبات غاصبيّتهما فدك و حقّ فاطمة عليهاالسلام، والهدف الأساسي إثبات غصبهما حقّ عليّ عليه السلام يعني الولاية والخلافة، لكن هما خاضا الباطل حتّى ارتدّا وصارا سبباً لارتداد النّاس، وضلّا وأضلّا الناس، فبعداً للقوم الظالمين.
3646/ 2- قال في شرح النهج: و ما قصد أبوبكر و عمر بمنع فاطمة عليهاالسلام عنها إلّا ألّا يتقوّى عليٌّ عليه السلام بحاصلها و غلّتها على المنازعة في الخلافة، و لهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة و عليّ عليهماالسلام و سائر بني هاشم و بني المطلب حقّهم في الخمس...
و قال لي علويّ من الحلّة- يعرف بعلي بن مهنّأ ذكيّ ذوفضائل-: ما تظنّ قصد أبي بكر و عمر بمنع فاطمة عليهاالسلام فدك عزّ و جلّ قلت: ما قصدا عزّ و جلّ قال: أرادا ألّا يظهرا لعليّ عليه السلام- و قد اغتصباه الخلافة- رقّة و ليناً وخذلاناً، و لايرى عندهما خوراً. [ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 236.]
فإذا كان أبوبكر لا يطلب أحداً من الصحابة بالبيّنة على الدين أو العدة، فكيف طلب من الزهراء عليهاالسلام بيّنة على النحلة؟
و هل كان النظام القضائي يخصّ الزهراء عليهاالسلام وحدها بذلك، أو أنّ الظروف
السياسيّة الخاصّة هي الّتي جعلت لها هذا الاختصاص؟ [ فدك في التأريخ:150.]
و قد افترضنا- (على فرض المحال)- أنّ أبابكر هو الخليفة الشرعي للمسلمين يومئذ، و إذن فهو وليّهم المكلّف بحفظ حقوقهم و أموالهم، فإذا كانت الزّهراء عليهاالسلام صادقة في رأيه، و لم يكن في الناس من ينازعها، فليس للخليفة أن ينتزع فدكاً منها، و تحديد الحكم بالبيّنة خاصّة إنّما يحرم الحكم و لايجيز انتزاع الملك من صاحبه. [ فدك في التأريخ: 152.]
و لا ننس أن نلاحظ أنّ الظروف الاقتصادية العامّة كانت تدعو إلى الإرتفاع بماليّة الدولة، والإهتمام بإكثارها إستعداداً للطواري المترقبة، فلعلّ هذا حدى بالحاكمين إلى انتزاع فدك.
كما يتبيّن ذلك بوضوح من حديث لعمر مع أبي بكر يمنعه فيه عن تسليم فدك إلى الزهراء عليهاالسلام، و يعلّل ذلك بأنّ الدولة في حاجة إلى المال، لإنفاقه في توطيد الحكم و تأديب العصاة و القضاء على الحركات الإنفصاليّة الّتي قد يقوم بها المرتدّون.
و نخرج من البحث بنتيجة، و هي: أنّ تأميم أبوبكر لفدك يمكن تفسيره:
1- بأنّ الظروف الإقتصادي دعى إلى ذلك.
2- بأنّ أبابكر خشي أن يصرف عليّ ثروة قرينته في سبيل التوصّل إلى السلطان.
- أقول: كما أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله صرف ثروة خديجة عليهاالسلام في سبيل دعوته إلى الإسلام-.
و إنّ موقفه من دعاوي الزهراء عليهاالسلام بعد ذلك و استبساله في رفضها قد يكون
مردّه إلى هذين السبيلين:
1- إلى مشاعر عاطفيّة كانت تنطوي عليها نفس الخليفة...
2- وحدة سياسيّة عامّة بنى عليها أبوبكر سيرته مع الهاشميين...
لأنّ الدواعي الّتي بعثته إلى انتزاع فدك كانت تدعوه إلى الإستمرار على تلك الخطّة ليسلب بذلك من خصمه الثروة الّتي كانت سلاحاً قويّاً في عرف الحاكمين يومذاك و يعزز بها سلطانه... [ فدك في التأريخ: 68- 73.]
أقول: وللإمام عليه السلام أن ينقذ حقّه الّذي جعله اللَّه له بأيّ طريق ممكن، ولكن المؤتمرين صدّوا كلّ الطرق الممكنة عليه.
3647/ 3- و عمر نفسه يشهد لأبي بكر بأنّه كان مداوراً سياسيّاً بارعاً في يوم السقيفة، في حديث طويل له يصفه فيه بأنّه أحسد قريش. [ فدك في التأريخ: 61.]
أقول: هذه قليلة من كثير تدلّ على نفسيات الخليفة يجدها المتتبّع في الروايات و العبارات المأثورة قبل سلطته و بعدها، و أدلّ العبارات كلام أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام حيث يقول: «فشحّت عليها نفوس قوم...» [ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 208.] ] و هكذا عبارات خطبة الشقشقيّة.
3648/ 4- رسالة أميرالمؤمنين عليه السلام إلى أبي بكر لمّا بلغه عنه كلام بعد منع الزهراء عليهاالسلام فدك:
شقّوا متلاطمات أمواج الفتن بحيازيم سفن النجاة... و اقتسموا مواريث الطاهرات الأبرار، و احتقبوا ثقل الأوزار بغصبهم نحلة النبيّ المختار...
أما واللَّه؛ لو أذن لي بما ليس لكم به علم لحصدت رؤوسكم عن أجسادكم كحبّ الحصيد بقواضب من حديد...