3668/ 8- و أمّا غصب أبي بكر و عمر فدكاً، بل و غير فدك؛ فقد رواه الهيثمي في مجمعه: عن عمر، قال: لمّا قبض رسول اللَّه صلى الله عليه و آله جئت أنا و أبوبكر إلى عليّ عليه السلام، فقلنا: ما تقول فيما ترك رسول اللَّه؟
قال: نحن أحقّ الناس برسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
قال: فقلت: والّذي بخيبر.
قال: والّذي بخيبر.
قلت: والّذي بفدك.
قال: والّذي بفدك.
فقلت: أما واللَّه؛ حتّى تحزّوا رقابنا بالمناشير، فلا.
(قال:) رواه الطبراني في الأوسط. [ مجمع الزوائد: 9/ 39.]
3669/ 9- ثمّ قال ابن أبي الحديد: و روى البخاري، و مسلم في الصحيحين بإسنادهما إلى عائشة: أنّ فاطمة عليهاالسلام والعبّاس أتيا أبابكر يلتمسان ميراثهما من النبيّ صلى الله عليه و آله و هما يطلبان أرضه من فدك وسهمه من خيبر.
فقال لهما أبوبكر: إنّي سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث، ما تركناه صدقة، إنّما يأكل آل محمّد من هذا المال، و إنّي واللَّه؛ لا أدع أمراً رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يصنعه إلّا صنعته.
فهجرته فاطمة عليهاالسلام و لم تكلّمه في ذلك حتّى ماتت، فدفنها عليّ عليه السلام ليلاً، و لم يؤذن بها أبابكر. [ أقول: وممّا يؤيّد إخفاء دفنها وجهالة قبرها والإختلاف فيه بين الناس إلى يومنا هذا، ولو كان بمحضر من الناس لما اشتبه على الخلق ولا اختلف فيه (البحار: 8/ 140 (ط حجريّة) أواخر باب نزول الآيات في أمر فدك).]
و كان لعليّ عليه السلام وجه من النّاس في حياة فاطمة عليهاالسلام، فلمّا توفّيت فاطمة عليهاالسلام انصرفت وجوه الناس عن عليّ عليه السلام.
فمكثت فاطمة عليهاالسلام ستّة أشهر، ثمّ توفّيت.
فقال رجل للزهري- و هو الراوي لهذا الخبر عن عائشة-: فلم يبايعه إلى ستّة أشهر؟
قال: ولا أحد من بني هاشم حتّى بايعه عليّ عليه السلام، الخبر. [ البحار: 28/ 353، و شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 6/ 46.]
ادّعاء أبي بكر حديث «لا نورث»
3670/ 1- عروة بن الزبير: أنّ عائشة- اُمّ المؤمنين !!- أخبرته:
انّ فاطمة عليهاالسلام ابنة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله سألت أبابكر بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ممّا أفاء اللَّه عليه.
فقال لها أبوبكر: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: لا نورّث ما تركنا صدقة.
فغضبت فاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فهجرت أبابكر فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت، و عاشت بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ستّة أشهر.
قالت: و كانت فاطمة عليهاالسلام تسأل أبابكر نصيبها ممّا ترك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من خيبر و فدك و صدقة بالمدينة، فأبى أبوبكر عليها ذلك، الحديث. [ صحيح البخاري:3/ 55، أقول: و رواه أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده 1/ 6، ورواه البيهقي أيضاً في سننه: 6/ 300، ورواه ابن سعد أيضاً في طبقاته: 8/ 18.]
3671/ 2- البخاري روى بسنده عن عروة، عن عائشة: أنّ فاطمة عليهاالسلام بنت النبيّ صلى الله عليه و آله أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ممّا أفاء اللَّه عليه بالمدينة، و فدك و ما بقي من خمس خيبر.
فقال أبوبكر: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: لا نورث ما تركنا صدقة.
... إلى أن قال: فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة عليهاالسلام منها شيئاً، فوجدت فاطمة عليهاالسلام على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت.
و عاشت بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليّ عليه السلام ليلاً،
و لم يؤذن بها أبابكر و صلّى عليها عليّ عليه السلام، الحديث. [ صحيح البخاري: 3/ 55 كتاب الخمس ج 2، كتاب بدؤ الخلق في باب غزوة خيبر (ط دارالمعرفة- بيروت).
أقول: و رواه مسلم أيضاً في صحيحه في كتاب الجهاد والسير في باب قول النبيّ صلى الله عليه و آله: لا نورث، و رواه البيهقي أيضاً في سننه: 6/ 300، و رواه الطحاوي أيضاً في مشكل الآثار: 1/ 47، و رواه ابن سعد أيضاً في طبقاته: 2/ 84 القسم 2، و لم يذكر قصّة دفنها ليلاً.
و ذكره المتّقي أيضاً في كنز العمّال: 3/ 129، و لم يذكر أيضاً قصّة دفنها ليلاً، و قال: رواه ابن الجارود و أبوعوانة و ابن حيان.]
3672/ 3- البخاري بسنده عن عروة، عن عائشة: أنّ فاطمة عليهاالسلام و العبّاس أتيا أبابكر يلتمسان ميراثهما من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، و هما حينئذ يطلبان أرضيهما من فدك وسهمها من خيبر.
فقال لهما أبوبكر: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: لا نورّث ما تركنا صدقة.
... إلى أن قال: فهجرته فاطمة عليهاالسلام فلم تكلّمه حتّى ماتت. [ صحيح البخاري: 4/ 164 كتاب الفرائض باب قول النبيّ صلى الله عليه و آله: لا نورث.
أقول: و رواه مسلم أيضاً في كتاب الجهاد في باب قول النبيّ صلى الله عليه و آله: لا نورث؛ و رواه أحمد بن حنبل أيضاً في مسنده: 1/ 9، ورواه البيهقي أيضاً في سننه: 2/ 300.]
3673/ 4- الترمذي روى بسنده عن أبي هريرة: أنّ فاطمة عليهاالسلام جاءت أبابكر و عمر تسأل ميراثها من رسول صلى الله عليه و آله اللَّه.
فقالا: سمعنا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: إنّي لا أورّث.
قالت: واللَّه؛ لا أكلّمكما أبداً، فماتت و لم تكلّمهما. [ صحيح الترمذي: 1/ باب 7 في تركة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.]
3674/ 5- قال ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) تحت عنوان كيف كانت بيعة عليّ بن أبي طالب عليه السلام: فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة عليهاالسلام فإنّا قد أغضبناها.
فانطلقا جميعاً، فاستأذنا على فاطمة عليهاالسلام، فلم تأذن لهما، فأتيا عليّاً عليه السلام
فكلّماه، فأدخلهما عليها، فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها فلم تردّ عليهماالسلام... إلى أن قال:
فقالت- يعني فاطمة عليهاالسلام-: أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله تعرفانه و تفعلان به؟
قالا: نعم.
فقالت: نشدتكما اللَّه ألم تسمعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول:
«رضى فاطمة عليهاالسلام من رضاي، وسخط فاطمة عليهاالسلام من سخطي، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني، و من أرضى فاطمة فقد أرضاني، و من أسخط فاطمة فقد أسخطني»؟
قالا: نعم، سمعناه من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
قالت: فإنّي اُشهد اللَّه و ملائكته أنّكما أسخطتماني، و ما أرضيتماني، ولئن لقيت النبيّ صلى الله عليه و آله لأشكونّكما إليه.
فقال أبوبكر: أنا عائذ باللَّه تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة! ثمّ انتحب أبوبكر يبكي حتّى كادت نفسه أن تزهق، و هي تقول: واللَّه؛ لأدعونّ اللَّه عليك في كلّ صلاة أصلّيها.
ثمّ خرج باكياً فاجتمع إليه الناس، فقال لهم: يبيت كلّ رجل منكم معانقاً حليلته مسروراً بأهله، و تركتموني و ما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم أقيلوني بيعتي، الحديث.
3675/ 6- روى الحميدي في (الجمع بين الصحيحين): (في الجزء) [ من المصدر.]
السادس، عن عمر عن أبي بكر المسند منه فقط، و هو: لا نورث ما تركنا صدقة، لمسلم من رواية جويرية بن أسماء عن مالك، و عن عائشة بطوله:
أنّ فاطمة عليهاالسلام سألت أبابكر أن يقسّم لها ميراثها...[ البحار:29/ 201 و 202، عن كشف الغمّة.]
3676/ 7- قال عمر: حدّثني أبوبكر- وحلف بأنّه لصادق- أنّه سمع النبيّ صلى الله عليه و آله يقول: إنّ النبيّ لا يورّث، و إنّما ميراثه في فقراء المسلمين والمساكين. [ فاطمة الزهراء عليهاالسلام بهجة قلب المصطفى صلى الله عليه و آله: 425.]
أقول: يستفاد من روايتي الاحتجاج؛ إقرار أبي بكر بأنّ بعض المهاجرين و الأنصار اختلقوا «أنّ الأنبياء لا يورثون» حين شاورهم أبوبكر في ضياع فدك بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فحديث «لا نورث ما تركناه صدقة» بأيّ صيغة نقله أبوبكر من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لا أصل له.
بل افتراء من المنافقين الّذين بايعوا أبابكر، و نسبه أبابكر إفتراءاً على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
و لذلك أدّاه في كلّ مرتبة من مراتب الإحتجاج بصيغة خاصّة، و كلّ صيغة مخالف للعقل والكتاب، و كلام غير فصيح لا يصدر عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مثل ذلك، فراجع كلام أبي بكر: إنّي شاورتكم في ضياع فدك... فقلتم: إنّ الأنبياء لا يورثون في «البحار». [ البحار: 29/ 142، ضمن ح 30، عن الإحتجاج: 1/ 89- 90.]
إنّ شهود حديث «لا نورث» مضطرب ومردود
3677/ 1- ابن عيسى، عن البزنطيّ، عن حنّان قال: سأل صدقة بن مسلم أباعبداللَّه عليه السلام- و أنا عنده- فقال: من الشاهد على فاطمة عليهاالسلام بأنّها لا ترث أباها؟
فقال: شهدت عليها عائشة وحفصة، و رجل من العرب- يقال له: أوس بن الحدثان من بني نضر- شهدوا عند أبي بكر بأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: «لا اُورّث»، فمنعوا فاطمة عليهاالسلام ميراثها من أبيها. [ البحار: 22/ 101 ح 59، و 29/ 156 ح31.]
أقول: أمّا رواية أبي بكر مضافاً إلى إنفراده في الرواية و أنّها خبرٌ واحد؛ فمردود من جهتين آخرين أيضاً:
الجهة الاُولى؛ عدم مطابقتها مع القرآن الكريم، بل مخالفتها مع آيات الإرث و...
و الجهة الثانية؛ عدم تصديق الصدّيقة الطاهرة عليهاالسلام لها، بل ردّتها أشدّ الردّ، و أنكرتها أشدّ الإنكار في إحتجاجاتها وخطبتها المعروفة.
فالحّق الواضح الّذي لا غبار عليه، أنّ رواية أبي بكر مختلقة كاذبة مردودة وضعها الوضّاعون في ضيق المجال، و في حين الإستيصال للتخلّص من ضرر شدّة احتجاجاتها المحكمة القويّة، وفراراً من الحقّ بالمكر والحيلة والخديعة.
و لذلك ندم بعدها وتقدّم إليها بالعذر والنّدامة، فلم تقبل العذر والندامة منه،
لعدم صداقته بعد إقامة الحجّة عليه بقول رسول اللَّه صلى الله عليه و آله:... من أذاها فقد أذاني... فقالت عليهاالسلام: اللهمّ إنّي اُشهدك أنّهما آذياني...
3678/ 2- أقول: و في «تفسير نور الثقلين» نقل الحديث عن تفسير عليّ بن إبراهيم، عن عثمان بن عيسى و حمّاد بن عثمان، عن أبي عبداللَّه عليه السلام بزيادة:
و قال: أوس بن الحدثان و عائشة وحفصة يشهدون أنّه قال: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة، و أنّ عليّاً زوجها يجرّ إلى نفسه، و اُمّ أيمن فهي امرأة صالحة، لو كان معها غيرها لنظرنا فيه، الحديث.
أقول: أوردت خبر حمّاد بن عثمان من «البحار» في عنوان «إخراج أبي بكر وكيل فاطمة عليهاالسلام من فدك» والبقيّة سواء إلّا يسيراً، فراجع المأخذ.
إنّ فدك كانت بيد فاطمة
3679/ 1- كتاب «الأربعين في قضاء حقوق المؤمنين» لابن أخ السيّد عزّالدّين أبي المكارم حمزة بن عليّ بن زهرة الحسيني، عن الشريف أبي الحارث محمّد بن الحسن الحسيني، عن الفقيه قطب الدين سعيد بن هبةاللَّه الراوندي، عن الشيخ محمّد بن عليّ بن محسن الحلبي، عن الشيخ الفقيه أبي الفتح محمّد بن عليّ الكراجكي، قال: و أخبرني الشيخ الفقيه أبوالفضل شاذان بن جبرئيل القمّي، عن الشيخين أبي محمّد عبداللَّه بن عبدالواحد؛ و أبي محمّد عبداللَّه بن عمر الطرابلسي،عن القاضي عبدالعزيز أبي كامل الطرابلسي، عن الكراجكيّ، عن الشيخ أبي عبداللَّه المفيد محمّد بن محمّد بن النّعمان، عن جعفر بن محمّد بن قولويه، عن أبيه (مثله).
أقول: المراد من «مثله» يعني: رواية- الشهيد الثاني قدّس اللَّه روحه- في كتاب «الغيبة» بإسناده عن شيخ الطائفة، عن المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه، عن سعد، عن ابن عيسى، عن أبيه، عن عبداللَّه بن سليمان النوفلي، قال: كنت عند جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام فإذا بمولى لعبداللَّه النّجاشي قد ورد عليه فسلّم وأوصل إيه كتابه... إلى آخره.
أقول: الحديث طويل و هذه القضيّة نقلها الإمام الصادق عن أبيه عليهماالسلام في ضمن بيانه المواعظ لعبداللَّه النّجاشي في جواب كتابه، و نقل «البحار» في المجلّد 74/ 189، عن كتاب الغيبة ح 11، و في ص 194 عن كتاب «الأربعين» مع
السندين الّذين ذكرتهما أوّلاً من كتاب «الأربعين»، والثاني بعد كلمة «مثله» عن كتاب الغيبة للشهيد رحمه الله؛ ونقله أيضاً عن رسالة الغيبة بالإسناد المذكور في مجلّد 72/ 360 أيضاً فراجع المصادر، ولكن أنا اُخرج الحديث عن كتاب الأربعين-.
بعد قوله عليه السلام: (و هو أنّ زخرفها على من مضى من السلف والتابعين، فقد حدّثني محمّد بن عليّ بن الحسين عليه السلام، قال:
لمّا تجهّز الحسين عليه السلام إلى الكوفة، فأتاه ابن عبّاس فناشده اللَّه والرحم أن يكون المقتول باللطّف.
فقال: أنا أعرف بمصرعي منك، وما كدّي من الدنيا إلّا فراقها، ألا اُخبرك يابن عبّاس! بحديث أميرالمؤمنين عليه السلام والدنيا؟
فقال: بلى لعمري إنّي لاُحبّ أن تحدّثني بأمرها.
فقال: قال عليّ بن الحسين عليهماالسلام: سمعت أباعبداللَّه الحسين عليه السلام يقول: حدّثني أميرالمؤمنين عليه السلام قال:
إنّي كنت بفدك في بعض حيطانها وقد صارت لفاطمة عليهاالسلام، قال: فإذا أنا بامرأة قد هجمت عليّ و في يدي مسحاة، و أنا أعمل بها، فلمّا نظرت إليها طار قلبي ممّا تداخلني من جمالها، فشبّهتها ببثينة بنت عامر الجمحي- وكانت من أجمل نساء قريش-.
فقالت: يا ابن أبي طالب! هل لك أن تتزوّج بي فأغنيك عن هذه المسحاة، و أدلّك على خزائن الأرض، فيكون لك الملك ما بقيت و لعقبك من بعدك؟
فقال لها عليه السلام: من أنت حتّى أخطبك من أهلك؟
قال: أنا الدّنيا.
قال: قلت لها: فارجعي واطلبي زوجاً غيري، فلست من شأني، وأقبلت على مسحاتي، وأنشأت أقول:
لقد خاب من غرّته دنيا دنيّة | و ما هي أن غرّت قرونا بطائل |
أتتنا على زيّ العزيز بثينة | وزينتها في مثل تلك الشّمائل |
فقلت لها: غرّي سواي فإنّني | عزوف عن الدّنيا ولست بجاهل |
و ما أنا والدّنيا فإنّ محمّداً | أحلّ صريعا بين تلك الجنادل |
وهبها أتتنا بالكنوز ودرّها | وأموال قارون و ملك القبائل |
أليس جميعا للفناء مصيرنا | ويطلب من خزّانها بالطّوائل |
فغرّي سواي إنّني غير راغب | بما فيك من عزّ وملك ونائل |
فقد قنّعت نفسي بما قد رزقته | فشأنك يا دنيا وأهل الغوائل |
فإنّي أخاف اللَّه يوم لقائه | وأخشى عذاباً دائماً غير زائل |
فخرج من الدنيا و ليس في عنقه تبعة لأحد، لقى اللَّه محموداً غير ملوم، ولا مذموم.
ثمّ اقتدت به الأئمّة من بعده بما قد بلغكم لم يخلطوا بشي ء من بوائقها عليهم السلام أجمعين، و أحسن مثواهم.
أقول: و إنّما تتمثّل الدنيا بتمام جمالها و زينتها و زخارفها و إقبالها على أميرالمؤمنين عليه السلام في أرض فدك و طلبها منه عليه السلام التزويج معها، فلم يقبل عليه السلام مسألتها و أمرها إلى الرجوع بغيره وإلى أبناء الدنيا، في هذه القضيّة نكات:
منها؛ أنّ الزهد بهذا المرتبة مختصّ به وبولده الأئمّة المعصومين عليهم السلام بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و بعد فاطمة الزهراء عليهاالسلام، فهم الّذين لم يميلوا إلى الدنيا وزخارفها طرفة عين.
و أمّا غيرهم لن يقدروا على مثل ذلك الزهد عن الدنيا أبداً، لأنّهم عليهم السلام عباد اللَّه المخلصين، وبأمره يعملون، و بما عنداللَّه من الخير الأبدية وحياة الطيّبة الاُخرويّة موقنون، وعلى حقيقة الدنيا من أنّها لعب ولهو وزينة و تفاخر وتكاثر...- كما قال اللَّه تعالى في آية 20 من سورة الحديد وغيرها- عارفون وكاملون، ولا يدانيهم في ذلك أحد.
هذا أبوالحسن أميرالمؤمنين عليه السلام يقول في شأن الدنيا:
«واللَّه؛ لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي اللَّه في نملة أسلبها جِلْبَ شعيرة ما فعلت، و إنّ دنياكم عندي لأهون من ورقةٍ في فم جرادة تقضمها...» [ نهج البلاغة: 2/ 218 في كلامه عليه السلام الّذي ذكر فيه حديدة المحمّى لأخيه عقيل...
.
و يقول عليه السلام: لابن عبّاس بذي قار- في وصفه نعله الّذي قال ابن عبّاس: لا قيمة لها- «واللَّه؛ لهي أحبّ إليّ من أمرتكم إلّا أنْ اُقيم حقّاً أو أدفع باطلاً...»[ نهج البلاغة: 1/ 80 في خطبته عليه السلام عند خروجه لقتال أهل البصرة.]
و يقول عليه السلام في كلامه في الحكمة الموعظة: (فإنّما مثل الدنيا مثل السمّ يأكله من لا يعرفه). [ البحار: 74/ 418.]
و يقول عليه السلام في موضع آخر:
«واللَّه؛ و ما دنياكم عندي إلّا كسفر على منهل حلّوا، إذ صاح بهم سائقهم فارتحلوا، ولا لذّاتها في عيني إلّا كحميم أشربه غسّاقاً، وعلقم أتجرّع به زعاقاً، وسمّ أفعاة أسقاه دهاقاً، وقلادة من نار أوهقها حناقاً.
و لقد رقّعت مدرعتي هذه حتّى استحييت من راقعها، و قال لي: اقذف بها قذف الاتن، لا يرتضيها ليرقعها.
فقلت: له اعزب عنّي.
فعند الصباح يحمد القوم السرى | و تنجليّ عنّي علالات (غلالات) الكرى» [ البحار: 74/ 392.] |
]
أقول: هذا شأن الدنيا و زخارفها عندهم، و أمّا شأنها عند غيرهم فكما ترى؟ فاللازم على المؤمنين أن يجتهدوا ويقتفوا أثرهم على قدر وسعهم.