لاجرم لقد قلدتهم ربقتها، و حملتهم أوقتها، [ أوقتها: ثقلها.] و شننت عليهم غاراتها، [ شننت الغارة عليهم: وجّهتها عليهم من كلّ جهة.] فجدعا وعقرا وبعدا للقوم الظالمين.
ويحهم! أنى زعزعوها عن رواسي الرسالة، و قواعد النبوة و الدلالة، و مهبط الروح الأمين، و الطبين [ الطبين: الفطن الحاذق العالم بكلّ شي ء.] بامور الدنيا والدين؟ ألا ذلك هو الخسران المبين!
و ما الذي نقموا من أبي الحسن عليه السلام؟ نقموا والله؛ منه نكير سيفه، و قلة مبالاته لحتفه، و شدة و طأته، و نكال [ النكال: ما نكلت به غيرك كائناً ما كان.] وقعته، و تنمره [ تنمّر: عبس و غضب.] في ذات الله.
وتالله؛ لو مالوا عن المحجة اللائحة، و زالوا عن قبول الحجة الواضحة، لردهم إليها، و حملهم عليها، ولسار بهم سيرا سجحا، [ سجحاً: سهلاً.] لا يكلم [ كلّمه: جرحه.] حشاشه، و لا يكل [ يكل: يتعب.] سائره، و لايمل راكبه، و لأوردهم منهلا نميرا، صافيا، رويا، تطفح ضفتاه، و لايترنق جانباه، و لأصدرهم بطانا، ونصح لهم سرا وأعلانا.
و لم يكن يتحلى من الدنيا بطائل، و لايحظى منها بنائل، غير ري الناهل، و شبعة الكافل، و لبان لهم: الزاهد من الراغب و الصادق من الكاذب.
«و لو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون»، [ الأعراف: 96.] «والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين». [ الزمر: 51.]
ألا هلم فاسمع!! و ما عشت أراك الدهر عجبا!! و إن تعجب فعجب قولهم!!
ليت شعري إلى أي إسناد استندوا؟!
و إلى أي عماد اعتمدوا؟!
و بأية عروة تمسكوا؟!
و على أية ذرية أقدموا واحتنكوا؟! [ احتنكه: استولى عليه.]
لبئس المولى و لبئس العشير، و بئس للظالمين بدلا، استبدلوا والله؛ الذنابي بالقوادم، [ الذنابي: ذنب الطائر، وقوادمه: مقادم ريشه.] والعجز بالكاهل، [ الذنابي: ذنب الطائر، وقوادمه: مقادم ريشه.] فرغما لمعاطس [ المعطس: الأنف.] قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون.
و يحهم! «أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون»؟! [ يونس: 35.]
أما لعمري لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملاء القعب دما
عبيطا، [ القعب: القدح. والدم العبيط: الخالص الطري.] وزعافا مبيدا، هنالك يخسر المبطلون، و يعرف البطالون غب [ الغب: العاقبة.] ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا، واطمأنوا للفتنة جاشا.
و ابشروا بسيف صارم، وسطوة معتد غاشم، وبهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم حصيدا.
فيا حسرة لكم! و أنى بكم و قد عميت عليكم! أنلزمكموها و أنتم لها كارهون؟ قال سويد بن غفلة: فأعادت النساء قولها عليهاالسلام على رجالهن.
فجاء إليها قوم من المهاجرين والأنصار معتذرين، و قالوا: يا سيدة النساء! لو كان أبوالحسن ذكر لنا هذا الأمر قبل أن يبرم العهد، و يحكم العقد، لما عدلنا عنه إلى غيره!!
فقالت عليهاالسلام: إليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم، و لا أمر بعد تقصيركم. [ البحار: 43/ 159 ح 9، عن الإحتجاج.]
3687/ 2 - دخلت ام سلمة على فاطمة عليهاالسلام فقالت لها: كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله صلى الله عليه و آله؟
قالت: أصبحت بين كمد و كرب، فقد النبي صلى الله عليه و آله، و ظلم الوصي عليه السلام، هتك والله؛ حجابه، من أصبحت إمامته مقبضة (مقتبضة، خ ل) على غير ما شرع الله في التنزيل، و سنها النبي صلى الله عليه و آله في التأويل.
ولكنها أحقاد بدرية، و ترات احدية، كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة لا مكان الوشاة.
فلما استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الآثار من مخيلة الشقاق، فيقطع وتر الإيمان من قسي صدورها، و لبئس على ما وعد الله من حفظ الرسالة و كفالة المؤمنين.
أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد استنصار (انتصار، خ ل) ممن فتك بآبائهم في مواطن الكرب و مناز الشهادات.
قال العلامة المجلسي رحمه الله: كان الخبر في المأخوذ منه مصحفا محرفا، و لم أجده في موضع آخر اصححه به، فأوردته على ما وجدته. [ المأخذ.]
3688/ 3- حدثنا أحمد بن الحسن القطان، قال: حدثنا عبدالرحمان بن محمد الحسيني، قال: حدثنا أبوالطيب محمد بن الحسين بن حميد اللخمي، قال: حدثنا أبوعبدالله محمد بن زكريا، قال: حدثنا محمد بن عبدالرحمان المهلبي، قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن عبدالله بن الحسن، عن امه فاطمة بنت الحسين عليه السلام قالت:
لما اشتدت علة فاطمة عليهاالسلام بنت رسول الله صلى الله عليه و آله و غلبها،اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار، فقلن لها: يا بنت رسول الله! كيف أصبحت عن علتك؟ فقالت عليهاالسلام: أصبحت والله؛ عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم قبل أن عجمتهم، و شنئتهم بعد أن سبرتهم، فقبحا لفلول الحد، وخور القناة، وخطل الرأي، و بئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم و في العذاب هم خالدون.
لا جرم لقد قلدتهم ربقتها، وشننت عليهم غارها، فجدعا وعقرا وسحقا للقوم الظالمين.
ويحهم! أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، و قواعد النبوة، و مهبط الوحي الأمين،والطبين بأمر الدنيا والدين؟ ألا ذلك هو الخسران المبين.
و ما نقموا من أبي الحسن عليه السلام؟ نقموا والله؛ منه نكير سيفه، وشدة وطئه،و نكال وقعته، وتنمره في ذات الله عز و جل.
والله؛ لو تكافوا عن زمام نبذه رسول الله صلى الله عليه و آله إليه لاعتلقه، و لسار بهم سيرا
سحيحا لا يكلم خشاشه، و لايتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا فضفاضا تطفح ضفتاه، ولأصدرهم بطانا، قد تحير بهم الري غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء، وردعة شررة الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء، والأرض وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون.
ألا هلم فاسمع! و ما عشت أراك الدهر العجب، و إن تعجب فقد أعجبك الحادث إلى أي سناد استندوا؟ و بأي عروة تمسكوا؟
استبدلوا الذنابي، والله؛ بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ألا إنهم هم المفسدون، ولكن لا يشعرون «أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهد فما لكم كيف تحكمون». [ يونس: 35.]
أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريث ما تنتج ثم احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا،وذعافا ممقرا، هنالك يخسر المبطلون، و يعرف التالون، غب ما سن الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم أنفساً وطأمنوا للفتنة جأشاً، وابشروا بسيفٍ صارم، و هرج شامل،واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيداً، وزرعكم حصيداً. فيا حسرتى لكم، وأنّى بكم و قد عميت (قلوبكم) عليكم، أنلزمكموها وأنتم لها كارهون؟
ثمّ قال: وحدّثنا بهذا الحديث (أبوالحسن) عليّ بن محمّد بن الحسن- المعروف بابن مقبرة القزويني- قال: أخبرنا أبوعبداللَّه جعفر بن محمّد بن حسن بن جعفر بن حسن بن حسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: حدّثنا محمّد بن عليّ الهاشميّ، قال: حدّثنا عيسى بن عبداللَّه بن محمّد بن عمر بن عليّ بن
أبي طالب عليه السلام، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال:
لمّا حضرت فاطمة عليهاالسلام الوفاة دعتني فقالت: أمنفذ أنت وصيّتي وعهدي؟
قال: قلت: بلى أنفذها.
فأوصت إليه، وقالت: إذا أنا متّ فادفنّي ليلاً، ولا تؤذننّ رجلين ذكرتهما.
قال: فلمّا اشتدّت علّتها اجتمع إليها نساء المهاجرين والأنصار فقلن: كيف أصبحت يا بنت رسول اللَّه! من علّتك؟
فقالت: أصبحت واللَّه؛ عائفة لدنياكم، و ذكر الحديث (نحوه).
قال الصدوق رحمه الله: سألت أباأحمد الحسين بن عبداللَّه بن سعيد العسكري، عن معنى هذا الحديث.
فقال: أمّا قولها صلوات اللَّه عليها: عائفة... إلى آخر ما ذكره، و سنوردها في تضاعيف ما سنذكره في شرح الخطبة على اختلاف رواياتها. [ البحار: 43/ 159 ح 9، عن الإحتجاج.]
أقول: وجملة سنوردها... إلى آخره، من كلام العلّامة المجلسي رحمه الله.
أمالي الطوسي: الحفّار، عن إسماعيل بن عليّ الدعبليّ، عن أحمد بن علي الخزّاز، عن أبي سهل الدقّاق، عن عبدالرزّاق.
و قال الدعبليّ: وحدّثنا إسحاق بن إبراهيم الديريّ، عن عبدالرزّاق، عن معمر، عن الزّهريّ، عن عبيداللَّه بن عبداللَّه بن عتبة بن مسعود، عن ابن عبّاس قال:
دخلن نسوة من المهاجرين والأنصار على فاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يعدنها في علّتها، فقلن: السلام عليك يا بنت رسول اللَّه! كيف أصبحت؟
فقالت: أصبحت واللَّه؛ عائفة لدنياكنّ، قالية لرجالكنّ، لفظتهم، و ذكر الحديث (نحوه). [ البحار: 43/ 161 ح 10.]
قال العلّامة المجلسي رحمه الله: بيان: أقول: روى صاحب «كشف الغمّة» الروايتين اللتين أوردهما الصدوق عن كتاب «السقيفة» بحذف الإسناد.
و رواه ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة» عن أحمد بن عبدالعزيز الجوهريّ، عن محمّد بن زكريّا، عن محمّد بن عبدالرحمان... إلى آخر ما أورده الصّدوق.
و إنّما أوردتها مكرّرة لإختلاف الكثير بين رواياتها و شدّة الإعتناء بشأنها و لنشرحها، لاحتياج جلّ فقراتها إلى الشرح و البيان زيادة على ما أورده الصدوق، واللَّه المستعان. [ البحار: 43/ 162 ح 10.]
أقول: ثمّ شرع العلّامة المجلسي رحمه الله في شرحها مفصّلاً، فراجع «البحار»، و لم أذكرها، لأنّ مقصودنا إيراد الروايات و الأحاديث و إحصاؤها و جمعها و تبوبيها، و لا نذكر معانيها و شرحها حذراً من الإطالة والخروج عمّا نعني إيرادها.
و حينما نذكر بعض المواقع والموارد بياناً أو اعتقاداً لفائدة مستطردة، و خروج عن مقصد الكتاب، و نرجو من اللَّه الصواب والهداية.
طلب عليّ و فاطمة النصرة من المهاجرين والأنصار ليلاً
3689/ 1- روى من كتاب «السقيفة» لأحمد بن عبدالعزيز الجوهريّ، عن أحمد بن إسحاق، عن ابن عفير، عن عبداللَّه بن عبدالرحمان، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ عليهماالسلام:
أنّ عليّاً عليه السلام حمل فاطمة صلوات اللَّه عليها على حمار و سار بها ليلاً إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة، و تسألهم فاطمة عليهاالسلام الإنتصار له.
فكانوا يقولون: يا بنت رسول اللَّه! قد مضت بيعتنا لهذا الرّجل، لو كان ابن عمّك سبق إلينا أبابكر ما عدلناه به.
فقال عليّ عليه السلام: أكنت أترك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ميّتاً في بيته لا اُجهّزه و أخرج إلى الناس اُنازعهم في سلطانه؟
و قالت فاطمة عليهاالسلام: ما صنع أبوالحسن عليه السلام إلّا ما كان ينبغي له،وصنعوا هم ما اللَّه حسيبهم عليه. [ البحار: 28/ 351 و352.]
3690/ 2- في كتاب معاوية إلى عليّ عليه السلام: والدليل على صدق ما أتوني به ورقّوه إليّ؛ أن قد رأيناك بأعيننا فلا نحتاج أن نسأل عن ذلك غيرنا، و إلّا فلم حملت امرأتك فاطمة عليهاالسلام على حمار، وأخذت بيد ابنيك الحسن والحسين عليهماالسلام، إذبويع أبوبكر، فلم تدع أحداً من أهل بدر والسابقة إلّا و قد دعوتهم واستنفرتهم عليه، فلم تجد منهم إنساناً غير أربعة: سلمان وأبوذر والمقداد والزّبير.
لعمري لو كنت محقّاً لأجابوك ساعدوك ونصروك، ولكن ادّعيت باطلاً و ما لايقرّون به وسمعتك اُذناي، و أنت تقول لأبي سفيان حين قال لك: غلبك عليه أذلّ أحياء قريش تيم وعدي ودعاك إلى أن ينصرك.
فقلت: لو وجدت أعواناً أربعين رجلاً من المهاجرين والأنصار من أهل السابقة لناهضت الرجل، فإنّا لم نجد غير أربعة رهط بايعت مكرهاً.
أقول: أجاب أميرالمؤمنين عليه السلام عن كتاب معاوية. و فيه:
و من البلاء العظيم، والخطب الجليل على هذه الاُمّة أن يكون مثلك يتكلّم أو ينظر في عامّة أمرهم أو خاصّته، و أنت من تعلم و ابن من قد علمت، و أنا من قد علمت و ابن من تعلم...
و الجواب طويل جداً و كثير الفائدة قد اختصرت الكتاب، و أخذت منه موضع الحاجة، و نقلت من الجواب من أوّله ليكون إشارةً إليه، و في آخر الجواب هكذا:
فكتب معاوية: هنيئاً لك يا أبا الحسن! تملّك الآخرة، وهنيئاً لنا تملّك الدنيا، فراجع المصدر. [ البحار 33/ 151- 158.]
إنّ عمر روّع فاطمة
3691/ 1 - قال محمّد بن إسحاق: كان أبوالعاص بن الربيع ختن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله زوج ابنته زينب، و كان أبوالعاص من رجال مكّة المعدودين مالاً و أمانةً و تجارة، و كانت خديجة عليهاالسلام خالته.
فسألت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن يزوّجه زينب، و كان صلى الله عليه و آله لايخالف خديجة عليهاالسلام، و ذلك قبل أن ينزل عليه الوحي، فزوّجه إيّاها،فكان أبوالعاص من خديجة عليهاالسلام بمنزلة ولدها.
فلمّا أكرم اللَّه رسوله بنبوّته آمنت به خديجة عليهاالسلام و بناته كلّهن، و صدّقنه، و شهدن أنّ ما جاء به حقّ، ودنّ بدينه، و ثبت أبوالعاص على شركه.
و كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قد زوّج عتبة بن أبي لهب إحدى ابنتيه رقيّة - أو اُمّ كلثوم-، و ذلك قبل أن ينزل عليه، فلمّا اُنزل عليه الوحي و بارى [ في المصدر: و نادى.] قومه بأمر اللَّه باعدوه.
فقال بعضهم لبعض: إنّكم قد فرغتم محمّداً من همّه، أخذتم عنه بناته و أخرجتموهنّ من عياله، فردّوا عليه بناته فأشغلوه بهنّ.
فمشوا إلى أبي العاص، فقالوا: فارق صاحبتك بنت محمّد و نحن ننكحك أيّ امرأة شئت من قريش.
فقال: لاها اللَّه، إذن لا اُراق صاحبتي، و ما اُحبّ أنَّ لي بها امرأة من قريش.