إنّ أبابكر عند موته ودّ أنّه لم يكشف عن بيت عليّ و فاطمة
3709/ 1- ابن جرير روى بسنده عن عمر بن عبدالرحمان بن عوف، عن أبيه: أنّه دخل على أبي بكر في مرضه الّذي توفّي فيه، فأصابه... إلى أن قال:
قال أبوبكر: أجل إنّي لا آسى على شي ء من الدنيا إلّا على ثلاث فعلتهنّ، وددت أنّي تركتهنّ...
إلى أن قال: فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شي ء، و إن كانوا قد غلّقوه على الحرب، الحديث. [ رواه ابن جرير في تأريخه: 2/ 619.]
3710/ 2- ذكر الذهبي عن العقيلي حديثاً مسنداً قد اعترف هو بصحّته عن عبدالرحمان بن عوف قال:
دخلت على أبي بكر أعوده، فاستوى جالساً، فقلت: أصبحت بحمد اللَّه بارئاً... إلى أن قال: ما أرى بك بأساً، والحمد للَّه فلا تأس على الدنيا.
... إلى أن قال: فقال أبوبكر: إنّي لا آسى على شي ء إلّا على ثلاث: وددت أنّي لم أفعلهنّ، وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة و تركته، و إن أعلن على الحرب، الحديث. [ ميزا الإعتدال: 2/ 215.]
3711/ 3- ابن قتيبة في «الإمامة والسياسة» تحت عنوان مرض أبي بكر و استخلافه عمر (قال:)
ثمّ إنّ أبابكر عمل سنتين و شهوراً، ثمّ مرض مرضه الّذي مات فيه، فدخل عليه أناس من أصحاب النبيّ صلى الله عليه و آله فيهم عبدالرحمان بن عوف، فقال له: كيف أصبحت يا خليفة رسول اللَّه!! فإني أرجو أن تكون بارئاً.
قال: أترى ذلك؟
قال: نعم.
قال أبوبكر: واللَّه؛ إنّي لشديد الوجع... إلى أن قال: قال أبوبكر: أجل واللَّه؛ ما آسى إلّا على ثلاث فعلتهنّ: ليتني كنت تركتهنّ...
فليتني تركت بيت عليّ، و إن كان أعلن عليّ الحرب، الحديث.
العلّة الّتي من أجلها ترك أميرالمؤمنين فدك لمّا ولي
3712/ 1- القطان، عن أحمد الهمداني، عن عليّ بن الحسن بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن أميرالمؤمنين عليه السلام لِمَ لم يسترجع فدك لمّا ولي الناس؟ فقال: لأنّا أهل البيت وليّنا اللَّه عزّ و جلّ لا يأخذ لنا حقوقنا ممّن يظلمنا إلّا هو، و نحن أولياء المؤمنين، إنّما نحكم لهم، و نأخذ حقوقهم ممّن يظلمهم، و لا نأخذ لأنفسنا. [ البحار: 29/ 396، عن عيون أخبار الرضا عليه السلام والعلل.]
3713/ 2- الدقاق، عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن عليّ بن سالم، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال: قلت له: لِمَ لَمْ يأخذ أميرالمؤمنين عليه السلام فدك لمّا ولي الناس؟ و لأيّ علّة تركها؟
فقال له: لأنّ الظالم والمظلومة قد كانا قدما على اللَّه عزّ و جلّ، و أثاب اللَّه المظلومة، و عاقب الظالم، فكره أن يسترجع شيئاً قد عاقب اللَّه عليه غاصبه، و أثاب عليه المغصوبة. [ البحار: 29/ 395 ح 1، عن العلل.]
3714/ 3- ابن هاشم، عن أبيه، عن جدّه، عن ابن أبي عمير، عن إبراهيم الكرخي، قال: سألت أباعبداللَّه عليه السلام فقلت له: لأيّ علّة ترك أميرالمؤمنين عليه السلام فدكاً لمّا ولي الناس؟
فقال: للإقتداء برسول اللَّه صلى الله عليه و آله لمّا فتح مكّة و قد باع عقيل بن أبي طالب داره، فقيل له: يا رسول اللَّه! ألا ترجع إلى دارك؟
فقال صلى الله عليه و آله: و هل ترك عقيل لنا داراً، إنّا أهل البيت لا نسترجع شيئاً يؤخذ منّا ظلماً، فلذلك لم يسترجع فدكاً لمّا ولي. [ 29/ 397- 415.]
أقول: وللعلّامة المجلسي أعلى اللَّه مقامه تبيين بعد الروايات المذكورة في ردّ كلام القوم في التمسّك بعدم استرداد أميرالمؤمنين عليه السلام فدك، و أثبت أنّ عدم استرداده عليه السلام فدك لا يكون معناها إمضاء حديث أبي بكر: لا نورث.
والشاهد في ذلك أيضاً كلام أميرالمؤمنين عليه السلام في «نهج البلاغة»: و كانت في أيدينا فدك.
و نقل كلام قاضي القضاة في ذلك، ثمّ تمّ البحث بأنّ أميرالمؤمنين عليه السلام كان في التقيّة، و أثبت المطلب بأنّ عدم الاسترداد كان لأجل التقيّة.
فراجع «البحار»، فإنّ البحث طويل و مفيد، لم أذكره حذراً من التفصيل والتطويل.
ثمّ ذكر العلّامة المجلسي رحمه الله من العلّه التقيّة، و ذكر رواياتاً وأقوالاً في التقيّة من أقوال الشهيد رحمه الله، والشيخ الطبرسي في «مجمع البيان»، والشيخ أبي جعفر الطوسي رحمه الله، و ذكر رواياتاً من طريق أهل السنّة من البخاري و مسلم، فراجع «البحار». [ 29/ 397- 415.]
3715/ 4- عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عثمان، عن سليم بن قيس الهلالي، قال:
خطب أميرالمؤمنين عليه السلام فحمد اللَّه وأثنى عليه، ثمّ صلّى على النبيّ صلى الله عليه و آله،
ثمّ قال: ألا إنّ أخوف ما أخاف عليكم خلّتان: اتّباع الهوى و طول الأمل...
-ثمّ ساق الكلام-... إلى أن قال عليه السلام:
قد عملت الولاة قبلي أعمالاً خالفوا فيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنّته.
و لو حملت الناس على تركتها وحوّلتها إلى مواضعها، و إلى ما كانت في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لتفرّق عنّي جندي حتّى أبقي وحدي، أو قليل من شيعتي الّذين عرفوا فضلي، و فرض إمامتي من كتاب اللَّه عزّوجلّ و سنّة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام فرددته إلى الموضع الّذي وضعه فيه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟
ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليهاالسلام؟
ورددت صاع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كما كان، وأمضيت قطائع أقطعها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لأقوام لم تمض لهم، و لم تنفذ.
و رددت دار جعفر إلى ورثته، وهدمتها من المسجد.
ورددت قضايا من الجور قضي بها... الخطبة. [ روضة الكافي: 184- 186 ح 21.]
أقول: الخطبة طويلة أخذت من أوّلها ووسطها مواضع الحاجة إليها، فراجع المأخذ .
ردّ الخلفاء فدك لورثة فاطمة
فدك قرية في الحجاز بينها و بين المدينة يومان- و قيل: ثلاثة- و هي أرض يهودية في مطلع تأريخها المأثور، و في السنة السابعة قذف اللَّه بالرعب في قلوبهم أهليها، فصالحوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على النصف من فدك.
و روي: أنّه صالحهم عليها كلّها.
و ابتدأ بذلك تأريخها الإسلامي، فكانت ملكاً لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله،لأنّها ممّا لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.
ثمّ قدّمها لابنتها الزهراء عليهاالسلام و بقيت عندها حتّى توفّي أبوها صلى الله عليه و آله.
فانتزعها الخليفة الأوّل- على حدّ تعبير «الصواعق المحرقة»- و أصبحت من مصادر الماليّة العامّة، و موارد ثروة الدولة يومذاك.
حتّى تولّى عمر الخلافة، فدفع فدكاً إلى ورثة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، و بقيت فدك عند آل محمّد عليهم السلام، إلى أن تولّى الخلافة عثمان بن عفان، فأقطعها مروان بن الحكم- على ما قيل-.
ثمّ يهمل التأريخ أمر فدك بعد عثمان فلا يصرّح عنها بشي ء، ولكن الشي ء الثابت هو أنّ أميرالمؤمنين عليّاً عليه السلام انتزعها من مروان- على تقدير كونها عنده- كسائر ما نهبه بنواُميّة في أيّام خلافة عثمان.
و التأريخ يصرّح بأنّ أميرالمؤمنين عليه السلام كان يرى فدكاً لأهل البيت عليهم السلام، و قد سجّل هذا الرأي بوضوح في رسالته إلى عثمان بن حنيف.
فمن الممكن أنّه كان يخصّ ورثة الزهراء عليهاالسلام- و هم أولادها و زوجها- بحاصلات فدك و... و لمّا ولّى معاوية بن أبي سفيان الخلافة أمعن في السخرية، و أكثر من الإستخفاف بالحقّ المهضوم، فأقطع مروان بن الحكم ثلث فدك، و عمر بن عثمان ثلثها، و يزيد ابنه ثلثها الآخر.
فلم يزالوا يتداولونها حتّى خلصت كلّها لمروان بن الحكم أيّام ملكه.
ثمّ صفت لعمر بن عبدالعزيز بن مروان.
فلمّا تولّى هذا الأمر ردّ فدكاً على ولد فاطمة عليهاالسلام، و كتب إلى واليه على المدينة أبي بكر بن عمر و بن حزم يأمره بذلك.
فكتب إليه: إنّ فاطمة عليهاالسلام قد ولدت في آل عثمان و آل فلان و فلان، فعلى من أردّ منهم؟
فكتب إليه: أمّا بعد؛ فإنّي لو كتبت إليك آمرك أن تذبح بقرة لسألتني ما لونها،فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقسمها في ولد فاطمة عليهاالسلام من عليّ عليه السلام.
فنقمت بنواُميّة ذلك على عمر بن عبدالعزيز، و عاتبوه فيه، و قالوا له: هجنت فعل الشيخين.
-و قيل: إنّه خرج إليه عمر بن قيس في جماعة من أهل الكوفة-.
فلمّا عاتبوه على فعله قال لهم: إنّكم جهلتم ونسيتم، و ذكرت أنّ أبابكر بن محمّد بن عمرو بن حزم حدّثني عن أبيه، عن جدّه: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال:
فاطمة بضعة منّي، يسخطها ما يسخطني، و يرضيني ما أرضاها.
و أنّ فدك كانت صافية على عهد أبي بكر و عمر، ثمّ صار أمرها إلى مروان، فوهبها لعبدالعزيز أبي، فورثتها أنا و إخوتي عنه، فسألتهم أن يبيعوني حصّتهم منها، فمن بائع و واهب حتّى استجمعت لي، فرأيت أن أردّها على ولد فاطمة عليهاالسلام.
فقالوا له: فإن أبيت إلّا هذا، فأمسك الأصل واقسم الغلة، ففعل.
ثمّ انتزعها يزيد بن عبدالملك من أولاد فاطمة عليهاالسلام، فصارت في أيدي بني مروان حتّى انقرضت دولتهم.
فلمّا قام أبوالعبّاس السفاح بالأمر، و تقلّد الخلافة ردّها على عبداللَّه بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
ثمّ قبضها أبوجعفر المنصور في خلافته من بني الحسن.
وردّها المهدي بن المنصور على الفاطميين.
ثمّ قبضها موسى بن المهدي من أيديهم.
و لم تزل في أيدي العبّاسيين حتّى تولّى المأمون الخلافة، فردّها على الفاطميين سنة 210، و كتب بذلك إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة:
أمّا بعد؛ فإنّ أميرالمؤمنين!! بمكانه من دين اللَّه و خلافة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله والقرابة!! به أولى من استنّ بسنّته، و سلم لمن منحه منحة، و تصدّق عليه بصدقة منحته و صدقته، و باللَّه توفيق أميرالمؤمنين!! و عصمته و إليه في العمل بما يقرّبه إليه رغبته.
و قد كان رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أعطى فاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله فدك و تصدّق بها عليها.
و كان ذلك أمراً ظاهراً معروفاً لا اختلاف فيه بين آل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و لم تدع منه ما هو أولى به من صدق عليه، فرآى أميرالمؤمنين!! أن يردّها إلى ورثتها، ويسلّمها إليهم تقرّباً إلى اللَّه تعالى بإقامة حقّه و عدله، و إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بتنفيذ أمره وصدقته!!
فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب إلى عمّاله، فلئن كان ينادى في كلّ موسم بعد أن قبض نبيّه أن يذكر كلّ من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك، فيقبل قوله،وتنفذ عدته، أنّ فاطمة رضي اللَّه عنها لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل
رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لها.
و قد كتب أميرالمؤمنين!! إلى المبارك الطبري - مولى أميرالمؤمنين - يأمره بردّ فدك على ورثة فاطمة بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بحدودها، و جميع حقوقها المنسوبة إليها و ما فيها من الرقيق والغلّات، و غير ذلك.
و تسلّمها إلى محمّد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، و محمّد بن عبداللَّه بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام لتولية أميرالمؤمنين!! إيّاهما القيام بها لأهلها، فأعلم ذلك من راي أميرالمؤمنين!! و ما ألهمه اللَّه من طاعته و وفّقه له من التقرب إليه و إلى رسوله صلى الله عليه و آله.
و أعلمه من قبلك و عامل محمّد بن يحيى و محمّد بن عبداللَّه بما كنت تعامل به المبارك الطبري، و أعنهما على ما فيه عمارتها و مصلحتها و وفور غلّاتها إن شاءاللَّه، والسلام.
و لمّا بويع المتوكّل انتزعها من الفاطميّين، و أقطعها عبداللَّه بن عمر البازيار.
و كان فيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيده الكريمة.
فوجّه عبداللَّه بن عمر البازيار رجلاً- يقال له: بشران بن أبي اُميّة الثقفي- إلى المدينة، فصرم تلك النخيل، ثمّ عاد، ففلج.
و ينتهي آخر عهد الفاطميّين بفدك بخلافة المتوكّل، و منحه إيّاها عبداللَّه بن عمر البازيار.
هذه المامة مختصرة بتأريخ فدك المضطرب الّذي لا يستقيم على خط، و لايجمع على قاعدة، و إنّما حاكت أكثره الأهواء، و صاغته الشهوات على ما اقتضته المطامع والسياسات الوقتية...
و يلاحظ أنّ مشكلة فدك كانت قد حازت أهميّة كبرى بنظر المجتمع الإسلامي و أسياده.
و يدلّنا على مدى ما بلغته فدك من القيمة المعنوية في النظر الإسلامي قصيدة دعبل الخزاعي الّتي أنشأها حينما ردّ المأمون فدكاً و مطلعها:
أصبح وجه الزمان قد ضحكا | بردّ مأمون هاشم فدكا |
أقول: اقتبست هذه العبارات من كتاب «فدك في التأريخ» [ فدك في التأريخ: 26
لكي يعرف تاريخ فدك بالإختصار في عنوان مستقلّ، و إن كنت قد أوردته في مطاوي الروايات والأبواب، فراجع.
3716/ 1
.
3717/ 2- عن عليّ بن الحسين عليه السلام- في حديث طويل- يقول فيه لبعض الشاميّين:
أما قرأت هذه الآية: «وَآتِ ذَا القُرْبى حَقَّه»؟
قال: نعم.
قال عليه السلام: فنحن اُولئك الّذين أمر اللَّه عزّ و جلّ نبيّه صلى الله عليه و آله أن يؤتيهم حقّهم. [ نورالثقلين: 3/ 155، عن الإحتجاج.] ]
قال العلّامة المجلسي رحمه الله: بيان: نزول الآيات في فدك رواه كثير من المفسّرين، و وردت به الأخبار من طرق الخاصّة والعامّة.
قال الشيخ الطبرسيّ رحمه الله: قيل: إنّ المراد قرابة الرسول صلى الله عليه و آله.
عن السدّي قال: إنّ عليّ بن الحسين عليه السلام قال لرجل من أهل الشام- حين بعث به عبيداللَّه بن زياد إلى يزيد بن معاوية عليهما اللعنة: أقرأت القرآن؟
قال: نعم.
قال: أقرأت: «وآتِ ذَا القُرْبى حَقَّه»؟