فتبسّم، و قال كلاماً لطيفاً مستحسناً... لو أعطاها اليوم فدك بمجرّد دعواها لجاءت إليه غداً، و ادّعت لزوجها الخلافة...
ثمّ قال ابن أبي الحديد: و هذا كلام صحيح، و إن كان أخرجه مخرج الدعابة و الهزل.
-أقول: هذا الكلام صحيح، و لم يكن من الدعابة والهزل، بل كان من الجدّ كلّ الجد، لكن ابن أبي الحديد توهّمه كذلك-.
الغاية الّتي من أجلها أوصت الزهراء بدفنها ليلاً
كان المسلمون قد سمعوا النبيّ صلى الله عليه و آله يتحدّث عن فاطمة الزهراء عليهاالسلام و فضلها و قربها من اللَّه وورعها، و أنّها بضعة منه، و أنّها سيّدة نساء العالمين، و هي ممّن باهل النبيّ صلى الله عليه و آله بها نصارى نجران، و ممّن أذهب اللَّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً، و ممّن وجبت مودّتهم، و ممّن نزل في حقّهم سورة «هَلْ أَتى» و جميع الأحاديث الّتي وردت في فضل أهل البيت تشملها.
منها؛ قوله صلى الله عليه و آله لعليّ و فاطمة والحسنين عليهم السلام: «أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم».
و قال في حقّ فاطمة عليهاالسلام خاصّة: «إنّ اللَّه يغضب لغضبك، و يرضى لرضاك».
و قال: «فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها، و يريبني ما رابها».
و قال: «فاطمة بضعة منّي يغضبني ما يغضبها».
و قال: «رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحبّ
ابنتي فاطمة فقد أحبّني، و من أرضى فاطمة فقد أرضاني، و من أسخط فاطمة فقد أسخطني».
و إنّ اللَّه تعالى يقول: «إِنَّ الَّذينَ يُؤذونَ اللَّهَ وَ رَسولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُنيا وَ الآخِرة وَأَعدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهيناً». [ الأحزاب: 57.]
والّذي يؤذي فاطمة عليهاالسلام يؤذي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، والّذي يؤذي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يؤذي اللَّه.
و اشتهر بين الناس غضب الزهراء عليهاالسلام و سخطها على الرجلين، و أنّهما آذياها، فهجرتهما، حتّى قال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة فإنّا قد أغضبناها.
كلّ ذلك بغية كسب رضاها، وإسكات الجماهير عن التحدّث عن غضب الزهراء عليهاالسلام على الرجلين، و بعد محاولات كثيرة تمكّنوا من الدخول عليها، ولكنّهم لم يستطيعوا كسب رضاها، فخرجوا منها خائبين.
ولكن الزهراء عليهاالسلام خافت أن يذيعا بأنّهما دخلا عليها، و أرضياها وارتفع عن نفسها ما كان من الغضب عليهما.
فأرادت أن تؤكّد غضبها وسخطها عليهما، فعهدت إلى عليّ عليه السلام أن لا يصلّيا على جنازتها، و لا يحضرا تشييعها، ولا يقدما على قبرها، كما أوصت بدفنها ليلاً، فقالت في وصيّتها:
«و اُوصيك أن لا يشهد جنازتي أحد من هؤلاء الّذين ظلموني، و لاتترك أحداً يصلّي عليّ منهم، و لا من أتباعهم، و ادفنّي ليلاً إذا هدأت العيون، و نامت الأبصار» .
و نفذ عليّ عليه السلام وصاياها، و لم يعلمهما بوفاتها، فعاتباه على ترك إعلامهما
بشأنها، و عدم إحضارهما الصلاة عليها، فأخبرهما بأنّه فعل ذلك بوصيّة منها.
و هذا الإحتجاج صريح منها على فعل الرجلين، و تأكيد منها على استمرار غضبها عليهما.
و إخفاء قبرها، مع عظم شأنها دليل آخر على سخطها، و عدم رضاها.
-ثمّ حكى حكاية نظام العلماء التبريزي مع الرجل المدني، و بحثه معه في سبب دفنها ليلاً و إخفاء قبرها لذلك العلّة-.
و أشار إلى هذا المعنى شريف مكّة بقوله:
قل لنا أيّها المجادل في القول | عن الغاصبين إذ غصباها |
أهما تعمداها كما قلت بظلم | كلّا و لا اهتضماها |
فلماذا إذ جهّزت للقاء اللَّه | عند الممات لم يحضراها |
شيّعت نعشها ملائكة الرحمان | رفقاً بها وما شيّعاها |
كان زهداً في أجرها أم عناداً | لأبيها النبيّ لم يتبعاها |
أم لأنّ البتول أوصت بأن لا | يشهدا دفنها فما شهداها |
أم أبوها أسرّ ذاك إليها | فأطاعت بنت النبيّ أباها |
كيف ما شئت قل كفاك فهذي | فرية قد بلغت أقصى مداها |
أغضباها وأغضبا عند ذاك | اللَّه ربّ السماء إذ أغضباها |
و كذا أخبر النبيّ بأنّ اللَّه | يرضى سبحانه لرضاها |
لا نبيّ الهدى أطيع و لا | فاطمة أكرمت و لا حسناها |
و حقوق الوصيّ ضيّع منها | ما تسامى في فضله و تناهى |
تلك كانت حزازة ليس تبرا | حين ردّا عنها وقد خطباها |
و تأكيداً لغرض الزهراء فاطمة عليهاالسلام في إظهار سخطها، و عدم رضاها على الرجلين بإخفاء قبرها استمرّ الأئمّة عليهم السلام على عدم إظهار قبرها من عهد الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام إلى عهدنا الحاضر، و إلّا فالإمام أميرالمؤمنين والحسن
والحسين عليهم السلام و عقيل و عمّار و أبوذر والعبّاس كانوا ممّن حضروا دفنها في جوف الليل.
و قد التجأوا إلى الكذب والتلفيق بعض القائلين بصحّة خلافة الشيخين للدفاع عنهما في هذه القضيّة.
فمنهم قاضي القضاة عبدالجبّار، فقال: و أمّا أمر الصلاة؛ فقد روي: أنّ أبابكر هو الّذي صلّى على فاطمة عليهاالسلام و كبّر عليها أربعاً...!!!
و قد ردّ عليه السيّد المرتضى علم الهدى رحمه الله بقوله: و أمّا قوله: إنّ أبابكر صلّى على فاطمة عليهاالسلام...؛ و هو شي ء ما سمع إلّا منه، و إن كان تلقاه عن غيره، ممّن يجري مجراه في العصبة، و إلّا فالروايات المشهورة و كتب الآثار والسير خالية من ذلك، و لم يختلف أهل النقل في أنّ عليّاً عليه السلام هو الّذي صلّى على فاطمة عليهاالسلام إلّا رواية نادرة شاذّة وردت بأنّ العبّاس رحمه الله صلّى عليها.
و روى الواقدي بإسناده في تأريخه عن الزهري، قال: سألت ابن عبّاس متى دفنتم فاطمة عليهاالسلام؟
قال: دفناها بليل بعد هدأة.
قال: قلت: فمن صلّى عليها؟
قال: عليّ عليه السلام.
و روى الطبري، عن الحارث بن أبي أسامة، عن المدائني، عن أبي زكريّا العجلاني:
أنّ فاطمة عليهاالسلام عمل لها نعش قبل وفاتها، فنظرت إليه، فقالت: سترتموني ستركم اللَّه.
قال أبوجعفر محمّد بن جرير الطبري: والخبت في ذلك أنّها زينب- أي بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله- لأنّ فاطمة عليهاالسلام دفنت ليلاً، و لم يحضرها إلّا عليّ عليه السلام والعبّاس والمقداد والزبير.
و روى القاضي أبوبكر أحمد بن كامل بإسناده في تأريخه عن الزهري، قال: حدّثني عروة بن الزبير: أنّ عائشة:
أخبرته أنّ فاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عاشت بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ستّة أشهر، فلمّا توفّيت دفنها عليّ عليه السلام ليلاً، و صلّى عليها.
و ذكر في كتابه هذا: أنّ عليّاً والحسن والحسين عليهم السلام دفنوها ليلاً، وغيّبوا قبرها.
و روى سفيان بن عيينة، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن بن الحنفية:
أنّ فاطمة عليهاالسلام دفنت ليلاً.
و روى عبداللَّه بن أبي شيبة، عن يحيى بن سعيد القطان، عن معمر، عن الزهري مثل ذلك.
و قال البلاذري في تأريخه:
إنّ فاطمة عليهاالسلام لم تر متبسّمة بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله، و لم يعلم أبوبكر و عمر بموتها.
والأمر في هذا أوضح و أشهر من أن نطنب في الإستشهاد عليه، ونذكر الروايات فيه.
و أمّا دفنها ليلاً في الصحّة أظهر من الشمس، و أنّ منكر ذلك كالدافع للمشاهدات،ووردت به الروايات المستفيضة الظاهرة الّتي هي كالتواتر أنّها أوصت بأن تدفن ليلاً، حتّى لا يصلّي الرجلان عليها، و صرحت بذلك وعهدت فيه عهداً.
قالت عليهاالسلام: فهل أنت صانع ما آمرك به؟
قال عليه السلام: نعم.
قالت عليهاالسلام: فإنّي اُنشدك اللَّه ألّا يصلّيا على جنازتي، و لايقوما على قبري.
و روي: أنّه عفى قبرها، و علّم عليه، ورشّ أربعين قبراً في البقيع، و لم
يرش على قبرها حتّى لا يهتدي إليه، و أنّهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها وإحضارهما الصلاة عليها.
قال ابن أبي الحديد مؤيّداً للسيّد المرتضى رحمه الله بما قال في ردّه على قاضي القضاة قائلاً: و أمّا إخفاء القبر، و كتمان الموت و عدم الصلاة و كلّ ما ذكره المرتضى رحمه الله فيه، فهو الّذي يظهر ويقوي عندي، لأنّ الروايات به أكثر وأصحّ من غيرها.
و قال: لست أعتقد أنّها انصرفت راضية، كما قال قاضي القضاة، بل أعلم أنّها انصرفت ساخطة، و ماتت و هي على أبي بكر واجدة...». [ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 253.]
قال عبداللَّه بن الحسن بن الحسن جواباً عن هذه المسألة: كانت اُمّي صدّيقة بنت نبيّ مرسل، فماتت و هي غضبى على إنسان، فنحن غضاب لغضبها، و إذا رضيت رضينا.
-أقول: فلن ترضى فلن نرضى-.
تأريخ فدك في عصر الخلفاء و عصر الاُمويّين والعبّاسيين
لمّا توفّي النبيّ صلى الله عليه و آله قبض أبوبكر فدكاً و انتزعها من يد الزهراء عليهاالسلام.
و لمّا تولّى عمر بن الخطّاب أمسك فدك، و عمل فيها عمل أبي بكر. [ روى البخاري و مسلم و أحمد: إنّ عمر أمسك خيبر و فدك، و قال: هما صدقة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كانتا لحقوقه الّتي تعروه و أمرهما إلى من ولي الأمر.]
تحدث ياقوت الحموي في «معجم البلدان» عن فدك و مطالبة الزهراء عليهاالسلام بها... إلى أن قال: ثمّ أدّى اجتهاده- أي عمر بن الخطّاب- بعده- أي بعد أبي بكر -لمّا ولّى الخلافة وفتحت الفتوح، واتّسعت على المسلمين أن يردها إلى ورثة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
فكان عليّ بن أبي طالب عليه السلام والعبّاس يتنازعان فيها، فكان عليّ عليه السلام يقول: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله جعلها في حياته لفاطمة عليهاالسلام، و كان العبّاس يأبى ذلك و يقول: هي ملك لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و أنا وارثه.
فكان يتخاصمان إلى عمر، فيأبى أن يحكم بينهما، و يقول: أنتما أعرف بشأنكما، أمّا أنا فقد سلمتها إليكما.
و مثله في «لسان العرب» لابن منظور، قال: و كان عليّ عليه السلام والعبّاس يتنازعانها، و سلّمها عمر إليهما.
فذكر عليّ عليه السلام: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان جعلها في حياته لفاطمة عليهاالسلام و ولدها، و أبى العبّاس ذلك.
فالّذي يظهر من كلام ياقوت الحموي و ابن منظور: أنّ عمر ردّ فدكاً على عليّ عليه السلام والعبّاس.
ولكن لدى التحقيق يتبيّن أنّ الّذي ردّه عمر عليهما، و كانا يتنازعان فيها هو: الحوائط السبعة الّتي وهبها مخيريق اليهودي من بني النضير لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله- و هي المعبّر عنها بصدقة النبيّ صلى الله عليه و آله- بالمدينة، و ما أفاء اللَّه على رسوله بالمدينة، لا فدك، و ذلك بدلائل:
1- كان النزاع المزعوم بين عليّ عليه السلام والعبّاس في الصوافي الّتي أفاءها اللَّه على رسوله من بني النضير، لا في فدك، وإليك الرواية الّتي ذكرها ابن أبي الحديد في «الشرح»، والسمهودي في «وفاء الوفاء»، عن مالك بن أوس بن الحدثان:
أنّ عليّاً عليه السلام والعبّاس استأذنا بالدخول على عمر، فأذن لهما، فلمّا دخلا قال عبّاس: يا أميرالمؤمنين!! إقض بيني و بين هذا- يعني عليّاً عليه السلام- و هما يخصمان في الصوافي الّتي أفاء اللَّه على رسوله من أموال بني النضير... [ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 221، وفاء الوفاء: 2/ 158.] و ذكره البخاري في صحيحه.
2- ذكر الفخر الرازي والشيخ الطبرسي في تفسيريهما [ في تفسير آية «وَ مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلى رَسولِه فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ».] و غيرهما:
أنّ أموال بني النضير الّتي حصل عليها النبيّ صلى الله عليه و آله في حربه معهم قسمها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بين المهاجرين، و لم يعط الأنصار منها شيئاً إلّا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة، و هم: أبودجانة سماك بن خرشة، و سهل بن حنيف، و الحارث بن الصمة.
و لم يبق من أموال بني النضير الّتي حصل عليها في حربه معهم شي ء في يد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
3- قال السمهودي في «وفاء الوفا» قال المجد: قال الواقدي:
كان مخيريق من بني النضير حبراً عالماً، فآمن بالنبي صلى الله عليه و آله و جعل ماله و هو سبع حوائط لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
ثمّ قال: و روى ابن زبالة، عن محمّد بن كعب: أنّ صدقات رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كانت أموال لمخيريق اليهودي... و كان ذا مال فهي عامّة صدقات النبيّ صلى الله عليه و آله...
... إلى أن قال: و أوقفها النبيّ صلى الله عليه و آله على خصوص فاطمة عليهاالسلام، و كان يأخذ منها لأضيافه وحوائجه، و عند وفاتها أوصت بهذه البساتين، و كلّ ما كان لها من مال إلى أميرالمؤمنين عليه السلام. [ وفاء الوفاء: 2/ 153.]
و قال الشيخ الطريحي في «مجمع البحرين» في مادّة حسن: الحسنى: أحد الحيطان الموقوفة على فاطمة عليهاالسلام، فالحوائط السبعة هي من أموال بني النضير- أي من أموال مخيريق الّذي وهبها للنبيّ صلى الله عليه و آله-.
ثمّ إنّها عامّة صدقات النبيّ صلى الله عليه و آله، و أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أوقفها على خصوص فاطمة عليهاالسلام.
4- إنّ بعض الروايات تصرح بأنّ أبابكر و عمر أمسكا فدكاً، و أموال خيبر و لم يعطيا إلى أحد، و دفع عمر صدقة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالمدينة إلى عليّ عليه السلام و العبّاس.
و روى مسلم في باب قول النبيّ صلى الله عليه و آله: «لا نورث، ما تركناه صدقة» من كتاب الجهاد:
أنّ فاطمة عليهاالسلام سألت أبابكر بعد وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أن يقسم لها ميراثها ممّا ترك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ممّا أفاء اللَّه عليه.
فقال لها أبوبكر: إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: لا نورّث، ما تركناه صدقة.
و كانت فاطمة عليهاالسلام تسأل نصيبها ممّا ترك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من خيبر، و فدك، و صدقته بالمدينة.
فأبى أبوبكر عليها ذلك، و قال: لست تاركاً شيئاً كان رسول اللَّه يعمل به إلّا عملت به، إنّي أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ!! فأمّا صدقته بالمدينة؛ [ أي: الحوائط السبعة.] فدفعها عمر إلى عليّ عليه السلام والعبّاس، فغلبه عليها عليّ عليه السلام.
و أمّا خيبر؛ و فدك فأمسكهما عمر، و قال: هما صدقة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، كانتا لحقوقه الّتي تعروه و نوائبه و أمرهما إلى من ولي الأمر.
قال: فهما على ذلك إلى اليوم. [ و ذكره البخاري في صحيحه في باب فرض الخمس من كتاب الجهاد، و أحمد في مسنده: 1/ 6 و 9.]
و قد صرّح الفضل بن روزبهان بأنّ الّذي ردّه عمر على عليّ عليه السلام والعبّاس هو سهم بني النضير.
قال: فلمّا انتهى أمر الخلافة إلى عمر بن الخطّاب حصل في الفي ء سعة، و كثرت خمس الغنائم و أموال الفي ء والخراج، فجعل عمر لكلّ واحدة من أزواج النبيّ صلى الله عليه و آله عطاءاً من بيت المال، وردّ سهم بني النضير إلى عليّ عليه السلام والعبّاس، و جعلها فيهم ليعلموا بها كيف شاؤوا.
ثمّ قال: و قد ذكر في «صحيح البخاري»: أنّ عليّاً عليه السلام وعبّاساً تنازعا في سهم بني النضير، و رفعا أمرها إلى عمر بن الخطّاب. [ دلائل الصدق: 3/ 23.]
فتبيّن ممّا سبق أنّ المال الّذي ردَّه عمر إلى عليّ عليه السلام والعبّاس كان من أموال بني النضير، و كان صدقة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالمدينة.
و كان عليّ عليه السلام يقول: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قد جعلها في حياته لفاطمة عليهاالسلام، و لم يقل: أنحلها و لا أعطاها لفاطمة عليهاالسلام .
و هذه الصفات الثلاثة تجتمع في الحوائط السبعة، بالإضافة إلى رواية
البخاري و مسلم و أحمد الّتي تؤكّد على أنّ خيبر و فدك أمسكهما عمر، و قال: هما صدقة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و أمرهما إلى من ولي الأمر.
و يؤكّده قول السيّد المرتضى رحمه الله: لمّا وصل الأمر إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام كلّم في ردّ فدك، فقال: إنّي لأستحيي من اللَّه أن أردّ شيئاً منع منه أبوبكر وأمضاه عمر- أي أمضى المنع عمر-. [ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 252، عن الشافي للسيّد المرتضى رحمه الله.]
5- ذكر بعض المؤرخين: أنّ فدك أقطعها عثمان بن عفان لمروان بن الحكم، و لم يذكر أحد من المؤرّخين و لا أحد من أئمّة أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم: أنّ عثمان أخذ فدك من عليّ عليه السلام ثمّ أقطعها عثمان.
فلابدّ أنّها انتقلت إليه من أبي بكر و عمر، و عثمان أضيق إستاً من أن يأخذ فدكاً من عليّ عليه السلام، و يعطيها لمروان.
6- قول عليّ عليه السلام في رسالته إلى ابن حنيف:
«بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء، فشحّت عليها نفوس قوم، و سخت عنها نفوس قومٍ آخرين، و نعم الحكم اللَّه».
و هذا القول يناسب ما نذهب إليه بأنّ فدكاً غُصبت من أهل البيت عليهم السلام بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، و لم ترد إليهم أيّام الخلفاء الثلاثة.
7- قال السيّد المرتضى رحمه الله: روى محمّد بن زكريّا الغلابي، عن شيوخه، عن أبي المقدام هشام بن زياد- مولى آل عثمان- قال: لمّا ولّى عمر بن عبدالعزيز ردَّ فدك على ولد فاطمة عليهاالسلام، و كتب إلى واليه على المدينة أبي بكر بن عمرو بن حزم يأمره بذلك...
ثمّ قال: قال أبوالمقدام: فنقمت بنواُميّة ذلك على عمر بن عبدالعزيز و عاتبوه فيه، و قالوا له: هجنت فعل الشيخين.
و خرج إليه عمر بن قيس في جماعة من أهل الكوفة، فلمّا عاتبوه على فعله.
قال: إنّكم جهلتم وعلمت، و نسيتم و ذكرت: إنّ أبابكر محمّد بن عمرو بن حزم حدّثني عن أبيه عن جدّه: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال:
فاطمة بضعة منّي يسخطها ما يسخطني [ أعتقد أنّ الجملة فيها تقديم و تأخير، والصحيح: يسخطني ما يسخطها، و يرضيني ما أرضاها.] و يرضيني ما أرضاها.
و إنّ فدك كانت صافية على عهد أبي بكر و عمر.
ثمّ صار أمرها إلى مروان، فوهبها لعبدالعزيز أبي، فورثتها أنا و إخوتي عنه، فسألتهم أن يبيعوني حصّتهم منها، فمن بائع وواهب حتّى استجمعت لي، فرأيت أن أردّها على ولد فاطمة عليهاالسلام.
قالوا: فإن أبيت إلّا هذا فأمسك الأصل واقسم الغلّة، ففعل.
فنقمة بني اُميّة على عمر بن عبدالعزيز وعتابهم له وقولهم له: هجنت فعل الشيخين، دليل على أنّه خرج على فعل الشيخين، و أنّ الشيخين طول حياتهما لم يردّا فدكاً على أهل البيت عليهم السلام.
و لو أنّ عمر ردَّها عليهم لاستدلّ بفعله عمر بن عبدالعزيز على صحّة ردّها على ولد فاطمة عليهاالسلام.
ثمّ قول عمر بن عبدالعزيز: إنّ فدك كانت صافية على عهد أبي بكر و عمر، ثمّ صار أمرها إلى مروان، دليل على عدم وصولها بيد أهل البيت عليهم السلام في عهد الشيخين.
و بالإضافة إلى هذا فقد تخلّص عمر بن عبدالعزيز من لومهم وعتابهم بأن ادّعى أنّها استجمعت له وملكها، ثمّ رآى أن يردّها على ولد فاطمة عليهاالسلام.
فظهر من مجموع ما تقدّم: أنّ الشيخين أمسكا فدك، و لم يردّاها إلى أحد