إقالة أبي بكر و ليست له الإقالة
اُنظر أيّها المنصف! إلى قول أبي بكر: أقيلوني، فإنّه ينبّى ء عن عجزه و عدم تمكّنه من إرضاء فاطمة عليهاالسلام فكيف بإدارته شؤون الاُمّة؟
فإنّه كان يرى من جانب أنّ تسليم فدك إلى عليّ و فاطمة عليهماالسلام خلاف السياسة و خلاف رضاء عمر، كما يشهد بذلك شقّ عمر كتاب أبي بكر في ردّ فدك.
و يرى من جانب آخر عدم تمكّنه من إرضاء فاطمة عليهاالسلام و أنّه صار مورداً لغضبها وسخطها عليه، فضاق به الأمر فاستقال من الإمارة ولا يجديه ذلك نفعاً بعد إغضابه فاطمة عليهاالسلام إلّا رفع يده عن فدك.
و لم يكن له أن يستقيل لو كان منصوباً من اللَّه تعالى، فإنّ استقالته حينئذ كاستقالة النبيّ صلى الله عليه و آله من النبوّة.
... إلى أن ذكر: و إنّي إلى الآن كلّما تأمّلت في قول أبي بكر: أقيلوني، سيّما مع انضمام قوله: فلست بخيركم إليه- رواه ابن حجر المكّي في صواعقه، و ابن قتيبة في «الإمامة والسياسة»، و ابن أبي الحديد في «الشرح» [ الصواعق المحرقة: 7، الإمامة والسياسة: 34، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/ 169.] - لم أعرف له وجهاً محصّلاً.
و كلام أبي بكر حين موته: لوددت أنّي لم أكشف عن بيت فاطمة عليهاالسلام، ينبى ء عن وقوعه في الندم.
ذكره في «منتخب كنز العّمال» المطبوع في حاشية المسند لأحمد في باب الإمارة وخلافة الصديق؛
و ذكره المسعودي في «مروج الذهب»: (2/ 194)؛
واليعقوبي في تأريخه: (2/ 195)؛
و ابن أبي الحديد في الشرح: (1/ 130)؛
و ابن تيمية الحراني في «منهاج السنة»: (4/ 220)؛
و فضل بن روزبهان في «إبطال الحقّ».
قال الشاعر:
حملوها يوم السقيفة أوزاراً | ثمّ جاؤوا من بعدها يستقيلون |
تزول الجبال و هي لا تزال | و هيهات عثرة لا تقال |
جواز إعطاء فدك من باب الولاية لو لا الغضاضة
ثمّ إنّ أبابكر لمّا كان والياً مطاعاً عند المسلمين لايتصوّر في حقّه الوقوع في المحذور حتّى يلتجى ء إلى الإستقالة من الخلافة، لأجل فدك.
فإنّه كان له أن يعطي فدك لفاطمة عليهاالسلام من باب الولاية، كما أنّه أعطى المنقول من تركة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله مثل السيف والعصا واللباس والبغلة، وأعطى الحجرات للنساء ووو...
فإعطاء فدك إلى فاطمة عليهاالسلام بعد هذه الإحتجاجات أولى من إعطاء غيرها لغيرها، و كان موافقاً للإحسان و مخالفاً للإساءة والسخط والبغضاء.
و لذا قال قاضي القضاة (أبوالحسن عبدالجبّار بن أحمد) حاكياً قول الشيعة: و قد كان الأجمل أن يمنعهم التكرّم ممّا ارتكبوا منها فضلاً عن الدين.
قال ابن أبي الحديد المعتزلي في «الشرح» عند بيان غزوة بدر:
قرأت على النقيب أبي جعفر يحيى بن أبي زيد البصري العلوي هذا الخبر
-أي قول النبيّ صلى الله عليه و آله للمسلمين بحقّ زينب فيما بعثته لفداء زوجها أبي العاص والتماس رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من المسلمين أن يردّوا إليها المال... و قال صلى الله عليه و آله: إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها ما بعثت به فافعلوا-.
فقال: أترى أبابكر و عمر لم يشهدا هذا المشهد؟
أما كان يقتضي التكرّم والإحسان أن يطيبا قلب فاطمة عليهاالسلام بفدك، و يستوهباها من المسلمين؟
أتقصر منزلتها عند رسول اللَّه صلى الله عليه و آله عن منزلة زينب اُختها و هي سيّدة نساء العالمين؟
هذا إذا لم يثبت لها حقّ لا بالنحلة و لا بالإرث.
قال شريف مكّة مشيراً إلى هذا المعنى:
جرّعاها من بعد والدها الغيظ | مراراً فبئسما جرّعاها |
ليت شعري ما كان ضرّهما | الحفظ لعهد النبيّ لو حفظاها |
كان إكرام خاتم الرسل الهادي | البشير النذير لو أكرماها |
إن فعل الجميل لم يأتياه | و حسان الأخلاق ما اعتمداها |
و لو ابتيع ذاك بالثمن الغالي | لما ضاع في إتباع هواها |
أترى المسلمين كانوا يلومونها | في العطاء لو أعطياها؟ |
كان تحت الخضراء بنت نبيّ | صادق ناطق أمين سواها؟ |
بنت من؟ اُمّ من؟ حليلة من؟ | ويل لمن سنّ ظلمها وأذاها |
(قال ابن أبي الحديد:) فقلت له: فدك بموجب الخبر الّذي رواه أبوبكر قد صار حقّاً من حقوق المسلمين، فلم يجز له أن يأخذه منهم.
فقال: وفداء أبي العاص قد صار حقّاً من حقوق المسلمين، و قد أخذه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله منهم... إلى آخر قوله مع النقيب المذكور.
... إلى أن قال ابن أبي الحديد: فقلت له: قد قال قاضي القضاة أبوالحسن
عبدالجبّار بن أحمد نحو هذا.
قال: إنّما لم يأتيا بحسن في شرح التكرّم، و إن كان ما أتياه عندنا حسناً في الدين.
قلت: إنّ ذلك لم يكن حسناً أيضاً في الدين، و ليس قوله: هذا إلّا لحسن ظنّه بهما،و إلّا فقواعد الشرع على الخلاف.
و ذلك لما روته العامّة في كتبهم المعتبرة إلى أن بلغت حدّ التواتر اليقيني من أنّ اللَّه تعالى يغضب لغضب فاطمة عليهاالسلام و يرضى لرضاها.
و هو من أحاديث الحاكم في «المستدرك»، والعلّامة المناوي في «كنوز الدقائق» في حرف الألف، و أبوبكر و عمر سمعا بالحديث من النبيّ صلى الله عليه و آله و شهدا بذلك عند فاطمة عليهاالسلام، حسبما عرفت من كتاب «الإمامة والسياسة» لابن قتيبة...
و في «صحيح البخاري» في باب مناقب فاطمة عليهاالسلام:
إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: «فاطمة بضعة منّي، فمن أغضبها فقد أغضبني».
و في «الصواعق المحرقة» لابن حجر الهيثمي أنّه أخرج أحمد والترمذي والحاكم، عن ابن الزبير: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال:
إنّما فاطمة عليهاالسلام بضعة منّي يؤذيني ما آذاها، و ينصبني ما أنصبها.
و رواه الحاكم في «المستدرك»، و ابن حنبل في مسنده. [ مستدرك الحاكم: 3/ 159، مسند أحمد بن حنبل: 4/ 5.]
و في صحيح مسلم باب مناقب الصحابة: إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما أذاها، و يسرّني ما أسرّها.
و في «الشفاء» للقاضي عياض: أنّها بضعة منّي يغضبني ما يغضبها.
و في الترمذي: أنّها بضعة منّي يريبني ما أرابها، و يؤذيني ما أذاها.
و رواه صحيحاً ابن تيميّة الحنبلي في «المنهاج» و محبّ الدين الطبري في «ذخائر العقبى»، والبخاري في كتاب النكاح، و مسلم في صحيحه في باب مناقب الصحابة...
جواب إشكال أو إثبات إعضال
و لقد تصدى كثير من الناس للجواب عن ذلك بما لا يكون جواباً، و إنّما هو تقرير للشبهة واقعاً.
أحدها؛ إنّ غضب فاطمة عليهاالسلام على أبي بكر لا يكون لأمر ديني، و إنّما هو غضب يحصل للإنسان قهراً عند عدم رعاية جانبه...
و هذا باطل، لأنّ هذا القسم من الغضب الّذي هو تألّم الخاطر لايصدر عن المؤمن، فضلاً عن فاطمة عليهاالسلام الممجدة بآية التطهير و آية المباهلة و سورة «هَلْ أَتى»، و كونها سيّدة نساء العالمين، و من الباطل أن يميل الإنسان إلى أن يحكم الحاكم له بغير حكم اللَّه تعالى...
فهذا غضب لأمر ديني، و لو كان لعوارض بشرية لزال عنها الغضب بعد الإسترضاء منها.
ثمّ أقول: لايجوز الحكم بخروج هذا الغضب عن عموم كلام رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و إغضابها إغضابه، أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله لا يغضب بالباطل، فإذا غضب كان غضبه حقّاً موجباً لغضب اللَّه و حكم المغضوب عليه من اللَّه الضلال البعيد والخلود في النار.
أقول: قد اختصرت ذكر الجواب، فراجع المأخذ.
كلام ابن تيميّة في هذه المسألة
قال ابن تيميّة الحنبلي في «منهاج السنة» [ منهاج السنة: 2/ 17.] مجيباً عن إشكال غضب فاطمة عليهاالسلام على أبي بكر و عمر: أنّ حديث: «فاطمة بضعة منيّ يريبني ما يريبها، و يؤذيني ما يؤذيها» وارد في مورد خطبة عليّ عليه السلام ابنة أبي جهل في حياة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، فأسخطه ذلك.
ففي الخبر المعتبر: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قال: إنّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم عليّ بن أبي طالب عليه السلام فلا أذن، ثمّ لا أذن ثمّ لا أذن لهم أن يحبّ ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي، و ينكح ابنتهم، فإنّما هي ابنتي بضعة منّي، يريبني ما يريبها، و يؤذيني ما يؤذيها.
من المؤسف حقّاً: أنّ واضعي هذه الرواية معاوية و أتباعه أساؤوا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله و فاطمة عليهاالسلام أكثر ممّا أساؤوا إلى عليّ عليه السلام، فإنّهم أنزلوا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله منزلة الجاهل العامي الّذي لا يربطه دين و لا عقل و لا علم، كما أنّهم لعنهم اللَّه اعتبروا الزهراء عليهاالسلام امرأة عادية، لاترتبط بدين و لا عقل و لا خلق، فهي تغار كما يغار غيرها من النساء، بينما هي و والدها و زوجها من أهل البيت الّذين أذهب اللَّه عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً.
إنّ رواية خطبة عليّ عليه السلام ابنة أبي جهل لا أصل لها، و لا هي مذكورة في كتب الإماميّة من طرقهم.
نعم؛ هذا الخبر موافق لمذهب النواصب الخوارج الّذين أرادوا بذلك القدح في عليّ عليه السلام.
و على تقدير صدور الخطبة من عليّ عليه السلام أنّ عليّاً عليه السلام لم يفعل محرماً، لأنّ التزويج أمر مشروع بالكتاب والسنّة و على اُصول أهل السنة، أنّ عليّاً عليه السلام قبل ذلك لم يعلم بأنّه مخالف لرضاء فاطمة عليهاالسلام، و موجب لسخط رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
فلو خطب عليّ عليه السلام ابنة أبي جهل، فقد فعل بمقتضى قوله تعالى: «فَانْكِحوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِساء»، إِلّا أنّه لمّا علم بسخط النبيّ صلى الله عليه و آله و توجّه النهي نحوه الّذي لم يكن متوجّهاً قبل ذلك ترك الخطبة من حينه طاعة للَّه و لرسوله وتحصيلاً لرضاء فاطمة عليهاالسلام.
و أين هذا من فعل أبي بكر و عمر و إغضابهما لفاطمة عليهاالسلام بعد علمهما بالتحريم، و كونه إثماً عظيماً فلا تصحّ المقايسة؟
ردّ فدك إلى أهل البيت
قال أهل السير والتواريخ: إنّ عمر بن عبدالعزيز لمّا استخلف قال: أيّها الناس! إنّي قد رددت فدك على ولد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، و ولد عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
فكان أوّل من ردّها، فلم تزل في أيديهم إلى أن مات عمر بن عبدالعزيز.
و قال ابن أبي الحديد- حاكياً عن أبي بكر الجوهري-: أنّه لمّا ولّى عمر بن عبدالعزيز الخلافة كانت أوّل ظلامة ردّها أنّه دعا حسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام- و قيل: بل دعا عليّ بن الحسين عليه السلام- فردّها عليه.
و كانت بيد أولاد فاطمة عليهاالسلام مدّة ولاية عمر بن عبدالعزيز.
خلاصة مقتبسة من ملحقات كتاب فدك والصحيح أنّ الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام و غيره من الأئمّة عليهم السلام لم يقبلوا فدكاً، بعد أن غصبت منهم،و إنّما أخذها غير الأئمّة من العلويّين.
قلت: كان الواجب على أبي بكر أن يعامل مثل ما عامل به عمر بن
عبدالعزيز، فيردّ إلى فاطمة عليهاالسلام فدك، إمّا من باب الولاية، و إمّا من باب الإستحقاق بموجب الشرع، و أقلّ ما يلزم عليه أن يستحلفها على دعواها لا ردّها بعد الشاهدين. [ فدك: 12- 140.]
أقول: إلى هنا تمّت خلاصة كتاب «فدك» واقتباسنا منه، تأليف آية اللَّه الفقيد السيّد محمّد حسن الموسوي القزويني، و لنشرع في خلاصة ملحق فدك؛ تحقيق الاُستاذ باقر المقدّسي، و نضمّه إليها كي يكمل الكتاب و يتمّ الفائدة إن شاءاللَّه تعالى، و هو وليّ التوفيق.
خلاصة مقتبسة من ملحقات كتاب فدك
ذكر الاُستاذ باقر المقدّسي أوّلاً خطبة الزهراء عليهاالسلام من نسخة «الإحتجاج»للشيخ الطبرسي رحمه الله، و ذكر في الهامش اختلاف النسخ في الكلمات، و بعض الجملات و معاني بعض اللغات المعضلة، و ذكر في آخر الخطبة شعراً مشيراً إلى رجوعها بعد خطبتها إلى أميرالمؤمنين عليه السلام.
و لمّا أوردت الخطبة من «الإحتجاج» لم أذكر هاهنا حذراً من التكرار، من أراد الإطّلاع إلى موارد اختلاف النسخ في بعض الكلمات والجملات فليراجع هناك، و أذكر الشعر تيمّناً:
لم أنسها يوم وافت قبر والدها | خير البريّة من عرب و من عجم |
وافت وقد غص بالأنصار مسجده | والبغي قام يجمع فيه مزدحم |
فأسدلوا دونها الأستار فابتدأت | للَّه تهدي بأفصاح من الكلم |
كأنّها هي بالآيات تفرغ عن | فم النبيّ أبيها في بيان فم |
لم يهضموا فاطماً إلّا و قد علموا | بأنّ حيدر منهم غير منتقم |
ثمّ انشئت عن خطاب القوم راجعة | لبيتها تطأ الأذيال بالقدم |
قالت: أبا حسن ماذا القعود فقم | و حكم السيف في الأعناق والقمم |
ترضى بأنّ طغاة البغي تهضمني | و أنت تعلم ليس الهضم من شيمي |
تبزّني نحلتي منّي بدين أبي قحافة | حيث لم يبصر لديّ حمى |
فقال: فاطم صبراً نهنهي شجنا | واطوى الجوانح أن تهجع على الكظم |
إنّ الكفيل لمأمون رزقك في | حكم الكتاب جلي غير منكتم |
و إرثك إن أضاعته العدا حنقا | فلم يضع لك أجرا باري النسم |
قال الشاعر مشيراً إلى موقف المسلمين من الزهراء عليهاالسلام و عدم نصرتها و موقفهم من عائشة يوم الجمل:
ما المسلمون باُمّة لمحمّد | كلّا ولكن اُمّة لعتيق |
جاءتهم الزهراء تطلب إرثها | فتقاعدوا عنها بكلّ طريق |
و تواثبوا لقتال آل محمّد | لمّا دعتهم ابنة الصديق |
فقعودهم عن هذه وقيامهم | مع هذه يغني عن التحقيق |
أقول: ذكر الأبيات الّتي ذكرت فاطمة عليهاالسلام مخاطبة إلى قبر أبيها صلى الله عليه و آله، و لمّا أوردت الأبيات في محلّ آخر مكرّراً، لم أذكر هنا للإختصار، و أوّل الأبيات هكذا:
قد كان بعدك أنباء و هنبثة | لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب |
الأهداف التي استهدفتها الزهراء من مواقفها الصلبة
هناك مجموعة أهداف لتصلب الزهراء عليهاالسلام في مواقفها:
أولاً: أرادت الزهراء عليهاالسلام استرجاع حقّها المغصوب، و هذا أمر طبيعي، لكلّ إنسان غصب حقّه أن يطالب به بالطرق المشروعة.
ثانياً: كان الحزب الحاكم قد استولى على جميع الحقوق السياسية و الإقتصادية لبني هاشم، وألغى جميع امتيازاتهم المادّية والمعنويّة.
فهذا عمر بن الخطّاب يقول لابن عبّاس: أتدري ما منع قومكم (قريش) منكم بعد محمّد؟ كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة، فتبجّحوا على قومكم بجحا بجحا، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت و وفقت.
و بالنسبة للأموال فقد منعوا بني هاشم فدك والميراث والخمس
و كان بنوهاشم و مقدّمتهم عليّ عليه السلام لايقدرون على المطالبة بحقوقهم المغصوبة، فجعلت الزهراء عليهاالسلام من نفسها مطالبة بحقّ بني هاشم و حقّها اعتماداً على فضلها و شرفها، و قربها من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
ثالثاً: استهدفت الزهراء عليهاالسلام من مطالبتها الحثيثة بفدك فسح المجال أمامها للمطالبة بحقّ زوجها المغلوب على أمره.
و الواقع أنّ فدك تتمشّى مع الخلافة جنباً إلى جنب، كما صار لها عنوان كبير وسعة في المعنى فلم تبق فدك قرية زراعية محدودة.
بل صار معناها الخلافة والرقعة الإسلاميّة بكاملها.
و ممّا يدلّ على هذا تحديد الأئمّة عليهم السلام لفدك، فقد حدّها عليّ عليه السلام في زمانه
بقوله: حدّ منها جبل اُحد، و حدّ منها عريش مصر، و حدّ منها سيف البحر، و حدّ منها دومة الجندل. [ مجمع البحرين: مادّة فدك.
.
أمّا الإمام الكاظم عليه السلام فقد حدّها للرشيد بعد أن ألحّ عليه الرشيد أن يأخذ فدكاً.
فقال الإمام عليه السلام: ما آخذها إلّا بحدودها.
قال الرشيد: و ما حدودها؟
قال: الحدّ الأوّل: عدن، والحدّ الثاني: سمرقند، والحدّ الثالث: إفريقية، والحدّ الرّابع: سيف البحر ممّا يلي الخزر وأرمينية.
فقال له الرشيد: فلم يبق لنا شي ء، فتحول في مجلسي، أي إنّك طالبت بالرقعة الإسلامية في العصر العبّاسي بكاملها.
فقال الإمام عليه السلام: قد أعلمتك إنّي إن حدّدتها لم تردّها.
ففدك تعبير ثاني عن الخلافة الإسلاميّة، والزهراء عليهاالسلام جعلت فدكاً مقدّمة للوصول إلى الخلافة، فأرادت استرداد الخلافة عن طريق استرداد فدك.
و ممّا يدلّ على هذا تصريحات الزهراء عليهاالسلام في خطبتها بحقّ عليّ عليه السلام و كفاءته وجهاده.
فاستشعر أبوبكر الخطر من هذه البادرة، و شقّ عليه مقالتها، فصعد المنبر و قال: أيّها الناس! ما هذه الرعة إلى كلّ قالة... إلى أن قال: إنّما هو ثعالة شهيده ذنبه مرب لكلّ فتنة.
هو الّذي يقول كروها جذعة بعد ما هرمت يستعينون بالضعفة، و يستنصرون بالنساء،كاُمّ طحال أحبّ أهلها إليها البغي!!! إلّا أنّي لو أشاء أن أقول لقلت، و لو قلت لبحت أنّي ساكت ما تركت.
ثمّ التفت إلى الأنصار، فقال: قد بلغني يا معاشر الأنصار! مقالة سفهائكم و أحقّ من لزم عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أنتم فقد جاءكم فآويتم و نصرتم إلّا أنّي لست باسطاً يداً و لا لساناً على من لم يستحق ذلك منّا، ثمّ نزل.
أقول: يحتمل احتمالاً قويّاً- كما يفهم من العبارات الأخيرة لأبي بكر- أنّه سلك طريق المماشات والإحتياط، و لاحظ جانب اللين من القول مع الزهراء سلام اللَّه عليها و عدم الإساءة عليها في الكلام ظاهراً، و عدم الشدّة معها في العمل.
كما أساء و تجاسر في الكلام والعمل مع أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام حتّى عزم على قتل عليّ عليه السلام، و أمر الخالد بن الوليد به في الصلاة؛ الفجر بعد السلام- أوردت الأخبار فيه في محلّه- و ندم بعده، فقال: يا خالد! لاتفعل ما أمرتك.
فكلّ هذه الملاحظات والإحتياطات لأجل خوفه من الأنصار الّذين عبّر أبابكر عنهم بالسفهاء في قوله، لئلّا ينقلبوا و لايهجموا عليه و على حزبه و تظهر الفتنة و تقتلوا جميعاً.
سيّما خوفه الأشدّ من بني هاشم مع الأنصار، و إلّا هو- يعني أبي بكر- كان شديد المكر، و ألدّ الخصام، له قلب قاسي وغلظة، بخلاف المشهور عنه أنّه ليّن رحيم.
و هو الّذي أذن لعمر أن يحرق باب فاطمة عليهاالسلام، و يحرق جميع من في الدار.
و هو الّذي قال في حقّ خالد بن الوليد بعد قتله مالك و تجاوزه على زوجة مالك المذكور ليلة قتله مالكاً: أنّه سيف اللَّه و...
فتنبّه و شواهد اُخرى كثيرة تدلّ على إثبات المطلب يجدها من تتبّع في مواردها.
قال ابن أبي الحديد: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري، و قلت له: بمن يعرض؟
فقال: بل يصرّح.
قلت: لو صرّح لم أسألك.
فضحك، و قال: بعليّ بن أبي طالب عليه السلام.
قلت: هذا الكلام كلّه لعليّ عليه السلام بقوله؟
قال: نعم؛ إنّه الملك يا بني!
قلت: فما مقالة الأنصار؟
قال: هتفوا بذكر عليّ عليه السلام فخاف من اضطراب الأمر عليهم.
و كذلك في خطبتها الثانية على معاتبتها للمهاجرين و الأنصار لابتعادهم عن عليّ عليه السلام مع كفاءته، و عدم لياقة الغير بالقيام بها.
ثمّ قدمت الشواهد والأدلّة وألقت الخطبة عند اجتماع نساء المهاجرين والأنصار، فقلن لها: كيف أصبحت من علّتك يا بنت رسول اللَّه؟
فحمدت اللَّه وصلّت على أبيها، ثمّ قالت: أصبحت واللَّه؛ عائفة لدنياكنّ، قالية لرجالكنّ، الخطبة.
رابعاً: أرادت الزهراء عليهاالسلام بمنازعة أبي بكر إظهار حاله، و حال أصحابه للناس، و كشفهم على حقيقتهم، ليهلك من هلك عن بيّنة، و يحيى من حيّ عن بيّنة، و إلّا فبضعة الرسول عليهاالسلام أجلّ قدراً، و أعلى شأناً من أن تقلب الدنيا على أبي بكر حرصاً على الدنيا، لاسيّما أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أخبرها بقرب موتها وسرعة لحاقها به.
و أيضاً هذا هو السبب في حمل عليّ الزهراء عليهماالسلام على بغلة، و المرور بها على دور المهاجرين والأنصار ومطالبتهم بنصرتها.
كلّ ذلك لاطّلاع الناس أبد الدهر على حقيقة الأمر، و إظهار حال الغاصبين و حال أصحابهم.
تصلب القوم أمام مطالب فاطمة
كان الحاكمون قد اغتصبوا الخلافة من أهلها الشرعيين واستولوا على مقاليد الاُمور، والّذي يغتصب الخلافة يسهل عليه أن يغتصب ما سواها، والّذي يتحدى اللَّه والرسول صلى الله عليه و آله لايصعب عليه أن يتحدى فاطمة و عليّاً عليهماالسلام والهاشميين.
فعملوا على تقوية حكمهم، و إضعاف الجبهة المعارضة و إرغامها بكلّ وسيلة، و إبعادها عن جميع الإمتيازات المادّية والمعنويّة.
-ثمّ ذكر سلب الإمتيازات المادّية والمعنويّة، و ذكر قصّة ابن أبي الحديد مع متكلّمي الإماميّة يعرف بعليّ بن تقي من بلدة النيل، أوردنا القصّة في محلّها فراجع- ... إلى أن قال:
و قال الإمام الصادق عليه السلام للمفضّل بن عمر:
لمّا بويع أبوبكر أشار عليه عمر أن يمنع عليّاً عليه السلام و أهل بيته الخمس والفي ء و فدكاً، فإنّ شيعته إذا علموا ذلك تركوه، وأقبلوا إليك رغبة في الدنيا، فصرفهم أبوبكر عن جميع ما هو لهم.
و ثمّة سبب آخر؛ و هو إرادة التظاهر بالقوّة أمام أهل البيت عليهم السلام و سدّ الطريق أمامهم، و قطع أيّ أمل في نفوسهم للوصول إلى غايتهم.
-ثمّ ذكر شاهداً آخر من ابن أبي الحديد و عليّ بن مهنّا [ ذكرنا الخبر في محلّه أيضاً.] ] ثمّ قال-:
و قال ابن أبي الحديد أيضاً: سألت عليّ بن الفارقي- مدرس المدرسة الغربية ببغداد- فقلت له: أكانت فاطمة عليهاالسلام صادقة؟
قال: نعم.