كلمة الختام - کوثر فی احوال فاطمة بنت النبی الطهر (ص) جلد 6

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کوثر فی احوال فاطمة بنت النبی الطهر (ص) - جلد 6

سید محمد باقر موسوی؛ مصحح: محمدحسین رحیمیان

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

من أهل البيت عليهم السلام لا وراثة ولا تولية.

و أنّ الّذي ردّه عمر على عليّ عليه السلام والعبّاس هو صدقة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بالمدينة، والمعبّر عنها بما أفاء اللَّه على رسوله في المدينة- أي:الحوائط السبعة- لا فدك.

كما قال الحموي و ابن منظور: و هي الّتي كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام والعبّاس يتنازعان فيها، فكان عليّ عليه السلام يقول: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله جعلها في حياته لفاطمة عليهاالسلام.

[ و قول الإمام عليه السلام: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله جعلها في حياته لفاطمة عليهاالسلام يُشعر بأنّها غير فدك، و إلّا لقال: أنحلها أو أعطاها.]


كما سبق في رواية السمهودي، عن ابن زبالة، عن محمّد بن كعب: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أوقفها على خصوص فاطمة عليهاالسلام.

و كان العبّاس يأبى ذلك، و يقول: هي ملك لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله و أنا وارثه.

فكانا يتخاصمان إلى عمر، فيأبى أن يحكم بينهما و يقول: أنتما أعرف بشأنكما، أمّا أنا فقد سلمتها إليكما.

[ معجم البلدان ولسان العرب.]


و كان نزاع عليّ عليه السلام والعبّاس صورياً أرادا من عمر أن يحكم لأحدهما على الآخر حتّى يحتجّا عليه بما حكم.

فإن حكم لعليّ عليه السلام فقد أقرّ بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله جعلها لفاطمة عليهاالسلام في حياته فكيف غصبها منها أبوبكر و أعانه عمر على ذلك؟!

و إن حكم للعبّاس أقرّ بالميراث، و قد أنكره أبوبكر برواية: لا نورّث، و ساعده عمر على ذلك، و لذا لم يحكم بينهما عمر، لئلّا يقع في أحد المحذورين.

و تخاصم عليّ عليه السلام والعبّاس عند عمر يشبه تخاصم الملكية عند داود في

النعاج، و طلب الحكم بينهما بالحقّ، و إنّما أرادا أن يفهما داود وجوب التثبت في الحكم، و عدم التسريع فيه.

فعلى ما تحقّق كانت فدك بيد الشيخين و لم يردّاها على أهل البيت عليهم السلام، و كان أبوبكر يأخذ نحلتها، فيدفع إليهم ما يكفيهم و يقسم الباقي، و كان عمر كذلك، ثمّ كان عثمان كذلك، ثمّ كان عليّ عليه السلام كذلك.

[ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 216.]


و يروى: أنّ عثمان بن عفان لمّا استخلف أقطعها لمروان بن الحكم.

قال الحافظ ابن حجر في «الصواعق المحرقة»: إنّما أقطع عثمان فدك لمروان، لأنّه تأوّل أنّ الّذي يختصّ بالنبي صلى الله عليه و آله يكون للخليفة بعده، فاستغنى عثمان عنها بأمواله فوصل بها بعض قرابته.

و أمّا عليّ عليه السلام؛ فلم يسترجع فدك إلى أهل البيت عليهم السلام أيّام خلافته، و كان الإمام عليه السلام لمّا وصل الأمر إليه قد كلّم في ردّ فدك، فقال: «إنّي لأستحيي من اللَّه تعالى أن أردّ شيئاً منع منه أبوبكر وأمضاه عمر!!».

[ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 252.]


و هو القائل: «بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء، فشحَّت عليها نفوس قوم، و سخت عنها نفوس قوم آخرين، و نعم الحكم اللَّه».

و أجاب السيّد المرتضى رحمه الله قاضي القضاة عن هذا الأمر قائلاً: الوجه في تركه عليه السلام ردّ فدك هو الوجه في إقراره أحكام القوم، وكفّه عن نقضها وتغييرها، لأنّه كان في انتهاء الأمر إليه في بقيّة من التقيّة قوية.

[ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 278، و قال ابن أبي الحديد: قال أبوبكر الجوهري، و أخبرنا أبوزيد محمّد بن إسحاق، قال: سألت أباجعفر محمّد بن عليّ عليه السلام قلت: أرأيت عليّاً عليه السلام حين ولى العراق و ما ولّى من أمر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى؟ قال: سلك بهم طريق أبي بكر و عمر.

قلت: و كيف؟ و لم؟ و أنتم تقولون ما تقولون.

قال: أما واللَّه؛ ما كان أهله يصدرون إلّا عن رأيه.

فقلت: فما منعه؟ قال: كان يكره أن يدعى عليه مخالفة أبي بكر و عمر.

أقول: فإذا كان الإمام عليه السلام في خلافته يحذر من إعطاء سهم ذي القربى إلى أهله، مع أنّه منصوص عليه في القرآن فكيف يردّ فدكاً.]


و أجاب الكاظم عليه السلام عن عدم استرجاع عليّ عليه السلام فدكاً، قال:

لأنّا أهل البيت لا يأخذ لنا حقوقنا ممّن ظلمنا إلّا هو- يعني الباري عزّ و جلّ- و نحن أولياء المؤمنين، إنّما نحكم لهم ونأخذ حقوقهم ممّن ظلمهم، و لا نأخذ لأنفسنا.

[ العلل: باب العلل الّتي من أجلها ترك عليّ عليه السلام فدكاً.]


و أجاب الصادق عليه السلام: «لأنّ الظالم و المظلومة قد كانا قدما على اللَّه وأثاب اللَّه المظلومة و عاقب الظالم، فكره أن يسترجع شيئاً قد عاقب اللَّه عليه غاصبه، و أثاب عليه المغصوب منه».

[ العلل و مجمع البحرين.]


و إذا لم يردّها أميرالمؤمنين عليه السلام أيّام خلافته على أهل البيت عليهم السلام، فمن المستبعد أن يبقيها في يد مروان على تقدير وجودها عنده، لأنّ الإمام قد خطب في اليوم الثاني من خلافته قائلا: «ألا إنّ كلّ قطيعة أقطعها عثمان، و كلّ مال أعطاه من مال اللَّه، فهو مردود في بيت المال، فإنّ الحقّ القديم لا يبطله شي ء، و لو وجدته قد تزوّج به النساء و ملك به الإمام لرددته، فإنّ في العدل سعة، و من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق».

[ نهج البلاغة شرح الشيخ محمّد عبده: 1/ 46.]


و هذه من جملة قطائع عثمان، فكيف يستبقيها في يد مروان؟ و إذا كان الإمام عليه السلام قد أخذها من مروان و لم يردّها إلى أهل البيت عليهم السلام فماذا فعل بها؟

1- يحتمل أنّه عمل بها عمل الشيخين.

[ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 217.]


2- يحتمل أنّه كان ينفق غلاتها في مصالح المسلمين برضى منه و من أولاده.

فلمّا ولي الأمر معاوية بن أبي سفيان أقطعها مروان بن الحكم،

[ معجم البلدان والروض المعطار.]

ثمّ ارتجعها منه لموجدة وجدها عليه.

[ قال في صبح الأعشى: (4/ 290): قال في «الروض المعطار»: و كان معاوية قد وهبها لمروان، ثمّ ارتجعها منه لموجدة وجدها عليه، و كانت تغل في أيّام إمرته عشرة آلاف دينار.

أقول: ربّما بعد ما ارتجعها منه جعلها لمروان و عمرو بن عثمان وابنه يزيد.]


و روي: أنّ معاوية أقطع مروان بن الحكم ثلثها، و أقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها، و أقطع يزيد بن معاوية ثلثها.

و ذلك بعد موت الحسن بن عليّ عليهماالسلام، فلم يزالوا يتداولونها حتّى خلصت كلّها لمروان بن الحكم أيّام خلافته، فوهبها لعبدالعزيز ابنه، فوهبها عبدالعزيز لابنه عمر بن عبدالعزيز.

فلمّا ولي عمر بن عبدالعزيز الخلافة كانت أوّل ظلامة ردّها، دعا حسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام- و قيل: بل دعا عليّ بن الحسين عليه السلام- فردّها عليه.

و قيل: إنّ مروان وهبها لعبدالعزيز ابنه، فورثها عمر بن عبدالعزيز وإخوته، فسألهم أن يبيعوه حصّتهم منها، فمن بائع و واهب حتّى استجمعت لعمر بن عبدالعزيز؛ فردّها على ولد فاطمة عليهاالسلام.

و كانت بيد أولاد فاطمة عليهاالسلام مدّة ولاية عمر بن عبدالعزيز.

فلمّا ولى يزيد بن عاتكة- أي ابن عبدالملك- قبضها منهم، فصارت في أيدي بني مروان، كما كانت يتداولونها، حتّى انتقلت الخلافة عنهم.

فلمّا ولى أبوالعبّاس السفاح ردّها على عبداللَّه بن الحسن بن الحسن.

ثمّ قبضها أبوجعفر لمّا حدث من بني الحسن ما حدث.

ثمّ ردّها محمّد المهدي ابنه على ولد فاطمة عليهاالسلام.

ثمّ قبضها موسى الهادي بن المهدي و هارون أخوه.

فلم تزل في أيديهم حتّى ولي المأمون فردّها على الفاطميين.

[ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 217.]


فلم تزل في أيدي الفاطميين، حتّى كان في أيّام المتوكّل، فأقطعها عبداللَّه ابن عمر البازيار.

و كان فيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيده، فكان بنو فاطمة عليهاالسلام يأخذون تمرها.

فإذا قدم الحجاج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم، فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل، فصرم عبداللَّه بن عمر البازيار ذلك التمر، و وجه رجلاً- يقال له: بشران بن أبي اُمية الثقفي- إلى المدينة فصرمه، ثمّ عاد إلى البصرة، ففلج.

و لمّا استخلف المنتصر بن المتوكّل أمر بردّ فدك إلى ولد الحسن والحسين عليهماالسلام.

[ تأريخ كربلاء: 156، عن مروج الذهب للمسعودي. ]


و انتهى تأريخ فدك بعد مدّ و جزر، و بعد أخذ وردّ حتّى صارت قاعاً صفصفاً و قطع آخر غرس فيها، و معلوم أنّ الأرض غير المستقرّة لا يعتني بتعميرها و لاتشجيرها.

و قد صارت لفدك أهميّة كبيرة في تأريخ المسلمين فهي تتمشّى مع الخلافة الإسلاميّة جنباً إلى جنب، ونستطيع أن نعرف اتّجاه الخلفاء و موقفهم من العلويين بموقفهم من فدك.

كلمة الختام


كانت هذه جولة بين الروايات والأخبار لمعرفة أسباب النزاع المحتدم بين الزهراء عليهاالسلام من جهة، و بين أبي بكر و عمر من جهة اُخرى، و ذلك للتعرف على ملابساته و غاياته.

و لا نهدف من وراء هذه الجولة سوى معرفة الحقّ و كشف الإلتباس، و إلّا فليست فدك موجودة حالياً بين أيدينا كي ندفعها إلى من يستحقّها، كما أنّ أطراف النزاع قد وفدوا على ربّهم، و هو أعرف بحالهم.

و إنّ غرضنا من هذا العرض هو التأكيد على مذهب أهل البيت عليهم السلام و أتباعهم القائلين بعدم عصمة الصحابي من الذنب و عدم نزاهته من الخطأ.

و إذا ثبت خطأهم مع الزهراء عليهاالسلام في فدك فقد يثبت خطأهم مع عليّ عليه السلام في أمر الخلافة الّتي صارت سبباً لانقسام المسلمين واختلافهم ممّا سبب إضعافهم أمام خصومهم...

أقول: إنتهى إلى هنا الخلاصة؛ اقتباسي واستنساخي من كتاب «فدك»، والحمد للَّه ربّ العالمين.

خاتمة


أقول: جعلت في خاتمة كتابنا هذا ليصير «ختامه مسك» دراسات الدقيقة لآية اللَّه الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر من كتابه «فدك في التأريخ» و انتخبت منها ثلاثة أبحاث-:

1- على مسرح الثورة.

2- و تأريخ الثورة.

3- محكمة الكتاب-.

بعينها مع هامشها لكي لا يخلو كتابنا من الدلائل والبراهين العلميّة، و ليتمّ الفائدة بعون اللَّه تعالى.

و لعمري ما رأيت بياناً و دراستاً أعلى و أجمل و أوجز و أنفذ و أجمع كمالاً و أحسن من حيث إقامة البراهين، و أوضح شكلاً في هذا الصدد منها.

فهي أرفع صوت لنصرة الحقّ في إسماع السامعين من الأدنين والمبعدين، و القريب والأقاصي.

و رأيت إيرادها في الخاتمة أصلح و أنفع لبُلغة المرام، لأنّ المقصد واحد، و هو نصرة جانب الحقّ، و معاونة المظلوم الّذي غصب حقّه، وردّ جانب الغاصبين والظالمين عن مشروعيّة الخلافة الإسلاميّة لهم.

على مسرح الثورة تكلّم السيّد الشهيد في هذه الدراسات عن أعماق قلبه الزّكي المهيّج والمتلاطم، كلامه وبيانه نبع عن قلب صافي المحترق مثل العسل المصفّى يشفي صدور قوم من الموالين والمنصفين، و يهدي من يطلب الحقّ، و هو من المتحيّرين، لأنّه اتّصل بينبوع الحكمة، و صاحب الولاية، و تفرّع اقتباساً عن روح خطبة الصدّيقة الطاهرة عليهاالسلام.

و مع هذا إنّها كالقنابل الذريّة يتساقط على رؤوس المريبين والمرتابين المنافقين، أو أنّها مثل الصواعق على مسامع الّذين يجعلون أصابعهم في آذانهم حذر الموت، يكاد البرق يخطف أبصارهم، كلّما أضاء لهم مشوا فيه و إذا أظلم عليهم قاموا... والحمد للَّه، فهذه عين دراساته وبيانه أمامك.

على مسرح الثورة


وقفت لا يخالجها شكّ فيما تقدّم عليه، و لايطفح عليها موقفها الرهيب بصبابة من خوف أو ذعر، و لايمرّ على خيالها الّذي كان جدّياً بل كلّ الجّد، تردّد في تصميمها، و لاتساورها هاجسة من هواجس القلق الإرتباك.

و ها هي الآن في أعلى القمة من استعدادها النبيل، و ثباتها الشجاع على خطتها الطموح، وأسلوبها الدفاعي، فقد كانت بين بابين يتسعان لتردّد طويل، و درس عريض.

فلا بدّ لها من اختيار أحدهما قد اختارت الطريق المتعب من الطريقين الّذي يشقّ سلوكه على المرأة بطبيعتها الضعيفة لما يكتنفه من شدائد ومصاعب تتطلب جرأة أدبية، ملكة بيانية مؤثرة، و قدرة على صب معاني الثورة كلّها في كلمات، وبراعة و في تصوير النقمة، و نقد الأوضاع القائمة تصويراً و نقداً يجعلان في ألفاظ معنى من حياة، وحظاً من خلود، لتكون الحروف جنود الثورة، و سندها الخالد في تأريخ العقيدة.

ولكنّه الإيمان والإستبسال سبيل الحقّ الّذي يبعث في النفوس الضعيفة نقائضها، و يفجر في الطبائع المخذولة قوّة لا تتعرّض لضعف و لاتردّد.

و لذا كان اختيار الثائرة لهذا الطريق ممّا يوافق طبعها، ويلتئم مع شخصيّتها

المركزة على الإنتصار للحقّ، والإندفاع في سبيله.

و كانت حولها نسوة متعددات من حفدتها، و نساء قومها كالنجوم المتناثرة يلتففن بها بغير انتظام، وهنّ جميعاً سواسية في هذا الإندفاع والإلتياع، وقائدتهن بينهنّ تستعرض ما ستقدم عليه من وثبة كريمة تهيى ء لها العدة والذخيرة.

و هي كلّما استرسلت في استعراضها ازدادت رباطة جأش، وقوّة جنان، و تضاعفت قوّة الحقّ الّتي تعمل في نفسها، واشتدّت صلابة في الحركة، و انبعاثاً نحو الدفاع عن الحقوق المسلوبة، ونشاطاً في الإندفاع، و بسالة في الموقف الرهيب.

كأنّها قد استعارت في لحظتها هذه قلب رجلها العظيم، لتواجه به ظروفها القاسية، و ما حاكت لها يد القدر أستغفراللَّه، بل ما قدر لها المقدّر الحكيم من مأساة مروعة تهدّ الجبل وتزلزل الصعب الشامخ.

و كانت في لحظتها الرهيبة الّتي قامت فيها بدور الجندي المدافع شبحاً قائماً ترتسم عليه سحابة حزن مرير، و هي شاحبة اللون، عابسة الوجه، مفجوعة القلب، كاسفة البال، منهدّة العمد، ضعيفة الجانب، مائعة الجسم، و في صميم نفسها، و عميق فكرها المتأمّلة إشعاعة بهجة، و إثارة طمأنينة.

و ليس هذا و لا ذاك استعذاباً لأمل باسم، أو سكوناً إلى حلم لذيذ، أو استقبالاً لنتيجة حسنة مترقبة، بل كانت الإشعاعة؛ إشعاعة رضاً بالفكرة، و الإستبشار بالثورة، و كانت الطمأنينة ثقة بنجاح، لا هذا الّذي نفيناه.

بل على وجه آخر، و إنّ في بعض الفشل الآجل إيجاباً لنجاح عظيم و كذلك وقع، فقد قامت اُمة برمتها تقدس هذه الثورة الفائزة، بل تستمد منها ثباتها واستبسالها في هذا الثياب.

و دفعتها أفكارها في وقفتها تلك إلى الماضي القريب يوم كانت موجات السعادة تلعب بحياتها السعيدة، و يوم كانت نفس أبيها يصعد، و نسمه يهبط،

و كان بيتها قطب الدولة العتيد، و دعامة المجد الراسخة المهيمنة على الزمن الخاشع المطيع.

و لعلّ أفكارها هذه ساقتها إلى تصوّر أبيها صلى الله عليه و آله، و هو يضمّها إلى صدره الرحيب، و يحوطها بحنانه العبقري، و يطبع على فمها الطاهر قبلاته الّتي اعتادتها منه، و كانت غذاءها صباحاً ومساءاً.

ثمّ وصلت إلى حيث بلغت سلسلة الزمن فيواجهها الواقع العابس، و إذا بالزمان غير الزمان، و ها هو بيتها مشكاة النور، و رمز النبوّة والإشعاعة المتألقة المحلقة بالسماء مهدد بين الفينة والفينة.

وها هو ابن عمّها الرجل الثاني في دنيا الإسلام باب علم النبوّة، و وزيرها المخلص، وهارونها المرجى، الّذي لم يكن لينفصل ببدايته الطاهرة عن بداية النبوّة المباركة فهو ناصرها في البداية، و أملها الكبير في النهاية، يخسر أخيراً خلافة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، و تقوّض معنوياته النوريّة الّتي شهدت لها السماء والأرض جميعاً، و تسقط سوابقه الفذة عن الإعتبار ببعض المقاييس الّتي تمّ اصطلاحها في تلك الأحايين.

و هنا بكت بكاء شقياً ما شاءاللَّه لها أن تبكي، و لم يكن بكاء بمعناه الّذي يظهر على الأسارير، و يخيم على المظاهر، بل كان لوعة الضمير، و ارتياع النفس، و انتفاضة الحسرات في أعماق القلب، و ختمت طوافها الأليم هذا بعبرتين نضتا من مقلتيها.

ثمّ لم تطل وقفتها، بل اندفعت كالشرارة الملتهبة وحولها صويحباتها حتّى وصلت إلى ميدان الصراع، فوقفت وقفتها الخالدة، وأثارت حربها الّذي استعملت فيه ما يمكن مباشرته للمرأة في الإسلام، وكادت ثورتها البكر أن تلتهم الخلافة لولا أن عاكسها شذوذ الظرف، وتناثرت أمامها العقبات.

/ 44