و هذه كارثة من شأنها أن تذيق المصاب بها مرارة الموت، أو أن تظهر له الموت حلواً شهياً، وأملاً نيّراً.
و هكذا كانت الزهراء عليهاالسلام حينما لحق أبوها بالرفيق الأعلى، و طارت روحه الفرد إلى جنان ربّها راضية مرضيّة.
ثمّ لم تقف الحوادث المرّة عند هذا الحدّ الرهيب، بل عرضت الزهراء عليهاالسلام لخطب آخر قد لا يقلّ تأثيراً في نفسها الطهور، و إيقاداً لحزنها، و إذكاء لأساها عن الفاجعة الاُولى كثيراً، و هو خسارة المجد الّذي سجلته السماء لبيت النبوّة على طول التأريخ.
و أعني بهذا المجد العظيم سيادة الاُمّة و زعامتها الكبرى، فقد كان من تشريعات السماء أن يسوس آل محمّد صلى الله عليه و آله اُمّته و شيعته، لأنّهم مشتقاته و مصغراته، و إذا بالتقدير المعاكس يصرف مراكز الزعامة عن أهلها، و مناصب الحكم عن أصحابها، ويرتب لها خلفاء واُمراء من عند نفسه.
و بهذا و ذاك خسرت الزهراء عليهاالسلام أقدس النبوّات والاُبوّات، وأخلد الرئاسات والزعامات بين عشية وضحاها، فبعثتها نفسها المطوقة بآفاق من الحزن والأسف إلى المعركة ومجالاتها، ومباشرة الثورة والإستمرار عليها.
و الحقيقة الّتي لا شكّ فيها أنّ أحداً ممّن يوافقها على مبدئها ونهضتها لم يكن ليمكنه أن يقف موقفها، و يستبسل استبسالها في الجهاد إلّا و أن يكون أكلة باردة، وطعمة رخيصة للسلطات الحاكمة الّتي كانت قد بلغت يومذاك أوج الضغط والشدّة.
فعلى الإشارة عتاب، و على القول حساب، و على الفعل عتاب، فلم يكن ليختلف عمّا نصطلح عليه اليوم بالأحكام العرفية، و هو أمر ضروري للسلطات يومئذ في سبيل تدعيم أساسها، و تثبيت بنيانها.
أمّا إذا كان القائم المدافع بنت محمّد صلى الله عليه و آله و بضعته و صورته الناضرة، فهي محفوظة لا خوف عليها بلا شكّ، باعتبار هذه النبوّة المقدّسة، و لما للمرأة في الإسلام عموماً من حرمات وخصائص تمنعها وتحميها من الأذى.
مستمسكات الثورة
ارتفعت الزهراء عليهاالسلام بأجنحة من خيالها المطهّر إلى آفاق حياتها الماضية ودنيا أبيها العظيم الّتي استحالت حين لحق سيّد البشر بربّه إلى ذكرى في نفس الحوراء متألقة بالنور تمدّ الزهراء عليهاالسلام في كلّ حين بألوان من الشعور والعاطفة والتوجيه، و تشيع في نفسها ضروباً من البهجة والنعيم.
فهي و إن كانت قد تأخّرت عن أبيها في حساب الزمن أيّاماً أو شهوراً، ولكنّها لم تنفصل عنه في حساب الروح والذكرى لحظة واحدة.
و إذن ففي جنبيها معين من القوّة لا ينبض، وطاقة على ثورة كاسحة لاتخمد، وأضواء من نبوّة محمّد صلى الله عليه و آله و نفس محمّد صلى الله عليه و آله تنير لها الطريق، و تهديها سواء السبيل.
و تجرّدت الزهراء عليهاالسلام في اللحظة الّتي اختمرت فيها ثورة نفسها عن دنيا الناس، و اتّجهت بمشاعرها إلى تلك الذكرى الحية في نفسها لتستمد منها قبساً من نور في موقفها العصيب، و صارت تنادي:
إليّ يا صور السعادة الّتي أفقت منها على شقاء لا يصطبر عليه... إليّ يا أعز روح عليّ، وأحبّها إليّ... حدّثيني وأفيضي عليّ من نورك الإلهي، كما كنت تصنعين معي دائماً.
إليّ يا أبي أناجيك إن كانت المناجاة تلذ لك، وابثك همومي، كما اعتدت أن أفعل في كلّ حين، و أخبرك أنّ تلك الظلال الظليلة الّتي كانت تقيني من لهيب هذه الدنيا لم يعد لي منها شي ء.
قد كان بعدك أنباء و هنبثة | لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب |
إليّ يا ذكريات الماضي العزيز حدّثيني حديثك الجذاب، و ردّدي على
مسامعي كلّ شي ء لا تثيرها حرباً لا هوادة فيها على هؤلاء الّذين ارتفعوا- أو ارتفع الناس بهم- إلى منبر أبي و مقامه، و لم يعرفوا لآل محمّد عليهم السلام حقوقهم، و لا لبيتهم حرمة تصونه من الإحراق والتخريب.
ذكريني بمشاهد أبي وغزواته، ألم يكن يقصّ عليّ ألواناً من بطولة أخيه وصهره واستبساله في الجهاد، و تفوقه على سائر الأنداد، و وقوفه إلى صف رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في أشدّ الساعات، وأعنف المعارك الّتي فرّ فيها فلان وفلان، وتقاصر عن اقتحامها الشجعان؟
أيصحّ بعد هذا أن نضع أبابكر على منبر النبيّ صلى الله عليه و آله و ننزل بعليّ عليه السلام عمّا يستحق من مقام؟! خبريني يا ذكريات أبي العزيز! أليس أبوبكر هو الّذي لم يأتمنه الوحي على تبليغ آية إلى المشركين؟
و انتخب للمهمّة عليّاً عليه السلام، فماذا يكون معنى هذا إن لم يكن معناه أنّ عليّاً عليه السلام هو الممثل الطبيعي للإسلام الّذي يجب أن تستند إليه كلّ مهمّة لايتيسّر للنبيّ صلى الله عليه و آله مباشرتها؟
إنّي لأتذكر بوضوح ذلك اليوم العصيب الّذي أرجف فيه المرجفون لما استخلف أبي عليّاً عليه السلام على المدينة و خرج إلى الحرب، فوضعوا لهذا الإستخلاف ما شاؤوا من تفاسير، و كان عليّ عليه السلام ثابتاً كالطود لا تزعزعه مشاغبات المشاغبين.
و كنت أحاول أن يلتحق بأبي ليحدّثه بحديث الناس، و أخيراً لحق بالنبي صلى الله عليه و آله، ثمّ رجع متهلل الوجه، ضاحك الأسارير، تحمله الفرحة إلى قرينته الحبيبة ليزف إليها بشرى لا بمعنى من معاني الدنيا، بل بمعنى من معاني السماء.
فقصّ عليّ كيف استقبله النبيّ صلى الله عليه و آله و رحّب به، و قال له: «أنت منّي بمنزلة
هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي». [ ورد حديث المنزلة في صحيح البخاري و مسلم و خصائص النسائي و مستدرك الحاكم و جامع الترمذي و مروج الذهب.]
و هارون موسى كان شريكاً له في الحكم، و إماماً لاُمّته، و معدّاً لخلافته، فلا بدّ أن يكون هارون محمّد صلى الله عليه و آله وليّاً للمسلمين، و خليفته فيهم من بعده.
و لمّا وصلت إلى هذه النقطة من أفكارها المتدفقة صرخت أنّ هذا هو الإنقلاب الّذي أنذر اللَّه تعالى في كتابه، إذ قال: «وَ مَا مُحَمَّد إِلّا رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُسُلْ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انَلَبْتُمْ عَلى أعْقابِكُمْ».
فها هم الناس قد انقلبوا على أعقابهم، واستولى عليهم المنطق الجاهلي الّذي تبادله الحزبان في السقيفة، حين قال أحدهما: نحن أهل العزّة والمنعة، واُولوا العدد والكثرة، و أجابه الآخر: من ينازعنا سلطان محمّد صلى الله عليه و آله و نحن أولياؤه و عترته.
و سقط الكتاب والسنّة في تلك المقاييس.
ثمّ أخذت تقول:
يا مبادى ء محمّد صلى الله عليه و آله! الّتي جرت في عروقي منذ ولدت، كما يجري الدم في العصب، أنّ عمر الّذي هجم عليك في بيتك المكيّ الّذي أقامه النبيّ صلى الله عليه و آله مركزاً لدعوته، قد هجم على آل محمّد عليهم السلام في دارهم، و أشعل النار فيها أو كاد...
يا روح اُمّي العظيمة! إنّك ألقيت عليّ درساً خالداً في حياة النضال الإسلامي بجهادك الرائع في صف سيّد المرسلين صلى الله عليه و آله، و سوف أجعل من نفسي خديجة عليهاالسلام عليّ في محنته القائمة.
لبّيك لبّيك يا اُمّاه! إنّي أسمع صوتك في أعماق روحي يدفعني إلى مقاومة الحاكمين.
فسوف أذهب إلى أبي بكر لأقول له: لقد جئت شيئاً فريّاً، فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم اللَّه، والزعيم محمّد صلى الله عليه و آله، والموعد القيامة.
و لأنبّه المسلمين إلى عواقب فعلتهم، والمستقبل القائم الّذي بنوه بأيديهم، و أقول:
لقد لقحت فنظرة ريثما تحلب، ثمّ احتلبوها طلاع القعب دماً عبيطاً، و هناك يخسر المبطلون، و يعرف التالون، غبّ ما أسّس الأوّلون.
ثمّ اندفعت إلى ميدان العمل و في نفسها مبادى ء محمّد صلى الله عليه و آله و روح خديجة عليهاالسلام، و بطولة عليّ عليه السلام، و إشفاق عظيم على هذه الاُمّة من مستقبل مظلم.
طريق الثورة
لم يكن الطريق الّذي اجتازته الثائرة طويلاً، لأنّ البيت الّذي انبعث منه شرر الثورة ولهيبها هو بيت عليّ عليه السلام بالطبع الّذي كان يصطلح عليه رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بيت النبوّة، و هو جار المسجد لايفصل بينهما سوى جدار واحد، فلعلّها دخلته من الباب المتّصل به، و المؤدّي إليه من دارها مباشرة، كما يمكن أن يكون مدخلها الباب العام.
و لا يهمّنا تعيين أحد الطريقين، و إن كنت أرجح أنّها سلكت الباب العام، لأنّ سياق الرواية التأريخية الّتي حكت لنا هذه الحركة الدفاعيّة يشعر بهذا، فإنّ دخولها من الباب الخاصّ لايكلّفها سيراً في نفس المسجد، و لا اجتياز طريق بينه و بين بيتها.
فمن أين للراوي أن يصف مشيها و ينعته بأنّه لا يخرم مشية رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؟ و هو لم يكن معها بالطبع، و لو تصوّرنا أنّها سارت في نفس المسجد،فلا ينتهي سيرها بالدخول على الخليفة، و إنّما يبتدى ء بذلك، لأنّ من دخل المسجد صدق عليه أنّه دخل على من فيه، و إن سار في ساحته.
مع أنّ الراوي يجعل دخولها على أبي بكر متعقباً لمشيها، و هذا و غيره يكون قرينة على ما استقربناه.
النسوة
و تدلّنا الرواية على أنّ الزهراء عليهاالسلام كانت تصحبها معها نسوة من قومها و حفدتها، كما سبق ذكره و مرد هذه الصحبة، و ذلك الإختيار للباب العام إلى أمر واحد.
و هو تنبيه الناس، و كسب التفاتهم باجتيازها في الطريق مع تلك النسوة ليجتمعوا في المسجد، و يتهافتوا حيث ينتهي بها السير بقصد التعرف على ما تريده و تعزم عليه من قول أو فعل.
و بهذا تكون المحاكمة علنيّة تعيها أسماع عامّة المسلمين في ذلك الوسط المضطرب.
ظاهرة
سبق أنّ الرواية التأريخيّة جاءت تنص على أنّ الزهراء عليهاالسلام لم تكن لتخرم في مشيتها مشية أبيها صلى الله عليه و آله.
و يتسع لنا المجال لفلسفة هذا التقليد الدقيق، فلعلّه كان طبيعة قد جرت عليها في موقفها هذا بلا تكلّف و لا اعتناء خاص.
و ليس هذا ببعيد، فإنّها صلوات اللَّه عليها قد اعتادت أن تقلد أباها، و تحاكيه في سائر أفعالها وأقوالها.
و يحتمل أن يكون لهذه المشابهة المتقنة وجه آخر، بأن كانت الحوراء عليهاالسلام قد عمدت في موقفها يومذاك إلى تقليد أبيها في مشيه عن التفات و قصد، فأحكمت التمثيل وأجادت المحاكاة، فلم تكن لتخرم مشية النبيّ صلى الله عليه و آله، و أرادت بهذا أن تستولي على المشاعر و إحساس الناس، و عواطف الجمهور بهذا التقليد الباهر الّذي يدفع بأفكارهم إلى سفر قصير، و تجول لذيذ في الماضي القريب حيث عهد النبوة المقدّس، و الأيّام الضواحك الّتي قضوها تحت ظلال نبيّهم الأعظم صقلاً عاطفيّاً ما يمهد للزهراء عليهاالسلام الشروع في مقصودها، و يوطى ء القلوب لتقبل دعوتها الصارخة، واستجابة استنقاذها الحزين، و نجاح محاولتها اليائسة، أو شبه اليائسة.
و لذاترى أنّ الراوي نفسه أثرت عليه هذه الناحية أيضاً من حيث يشعر أو
لايشعر، و دفعه تأثّره هذا إلى تسجيلها فيما سجّل من تصوير الحركة الفاطميّة عليهاالسلام.
صرخة باركتها الزهراء عليهاالسلام، ورعتها السماء فكانت عند اندلاعها محط الثقل الّذي تركز عنده الحقّ المذبوح، و المحاولة اليائسة الّتي شاعت حولها ابتسامات أمل استحالت بعد انتهائها إلى عبوس مرير، و يأس ثابت، واستسلام فرضته حياة الناس الواقعة يومذاك.
ثورة لم تكن لتقصد بها الثائرة نتيجة لها على ما يطرد في الثورات الاُخرى بقدر ما كانت تستهدف إلى تثبيت الثورة لذاتها، و تسجيلها فيما يسجله التأريخ في سطوره البارزة، فكانت الثورة على هذا بنفسها تؤدّي الغرض كاملاً غير منقوص.
و هذا ما وقع بالفعل، و به نفسر الحكم بنجاحها، و إن فشلت، كما سنوضّحه في موقع آخر من هذا الكتاب.
تأريخ الثورة
إذا كان التجرّد عن المرتكزات والآناة في الحكم والحريّة في التفكير شروطاً للحياة الفكرّية المنتجة، وللبراعة الفنية في كلّ دراسة عقليّة مهما يكن نوعها،و مهما يكن موضوعها، فهي أهمّ الشروط الأساسيّة لإقامة بناء تأريخي محكم لقضايا أسلافنا ترتسم فيه خطوط حياتهم الّتي صارت ملكاً للتأريخ.
و يصوّر عناصر شخصيّاتهم الّتي عرفوها في أنفسهم، أو عرفها الناس يومئذ فيهم، و يتّسع لتأمّلات شاملة لكلّ موضوع من موضوعات ذلك الزمن المنصرم يتعرّف بها على لونه التأريخي والإجتماعي، ووزنه في حساب الحياة العامّة، أو في حساب الحياة الخاصّة الّتي يعني بها الباحث و تكون مداراً لبحثه، كالحياة الدينيّة و الأخلاقيّة والسياسيّة.
إلى غير ذلك من النواحي الّتي يأتلف منها المجتمع الإنساني على شرط أن تستمد هذه التأمّلات كيانها النظري من عالم الناس المنظور، لا من عالم تبتدعه العواطف والمرتكزات، و ينشأه التعبّد والتقليد، لا من خيال مجنح يرتفع بالتوافه والسفاسف إلى الذروة، و يبنى عليها ما شاء من تحقيق ونتائج، لا من قيود لم يستطع الكتاب أن يتحرر عنها ليتأمّل و يفكّر كما تشاء له أساليب البحث العلمي النزيه.
و أمّا إذا جئنا للتأريخ لا لنسجّل واقع الأمر- خيراً كان أو شرّاً- و لا لنحبس دراستنا في حدود من مناهج البحث العلمي الخالص، و لا لنجمع الإحتمالات والتقديرات الّتي يجوز افتراضها ليسقط منها على محك البحث ما يسقط و يبقى ما يليق بالتقدير والملاحظة.
بل لنستلهم عواطفنا و موروثاتنا و نستمد من وحيها الأخاذ تأريخ أجيالنا
السابقة، فليس ذلك تأريخاً لأولئك الأشخاص الّذين عاشوا على وجه الأرض يوماً ما، و كانوا بشراً من البشر تتنازعهم ضروب شتّى من الشعور والإحساس، و تختلج في ضمائرهم ألوان مختلفة من نوازع الخير ونزعات الشرّ، بل هو ترجمة لأشخاص عاشوا في ذهننا وطارت بهم نفوسنا إلى الآفاق العالية من الخيال.
فإذا كنت تريد أن تكون حرّاً في تفكيرك، و مؤرّخاً لدنيا الناس لا روائياً يستوحي من دنيا ذهنه ما يكتب، فضع عواطفك جانباً- أو إذا شئت فاملأ بها شعاب نفسك، فهي ملكك لا ينازعك فيها أحد- واستثن تفكيرك الّذي به تعالج البحث، فإنّه لم يعد ملكك بعد أن اضطلعت بمسؤوليّة التأريخ، و أخذت على نفسك أن تكون أميناً ليأتي البحث مستوفياً لشروطه قائماً على اُسس صحيحة من التفكير والإستنتاج.
كثيرة جدّاً هذه الأسباب الّتي تحول بين نقاد التأريخ و بين حرّيتهم فيما ينقدون، و قد اعتاد المؤرّخون- أو أكثر المؤرّخين بتعبير أصحّ- أن يقتصروا على ضروب معينة من هندسة الحياة الّتي يؤرّخونها، و أن يصوغوا التأريخ صياغة قد يظهر فيها الجمال الفنّي أحياناً حينما يتوسّع الباحث في انطباعاته عن الموضوع.
ولكنّها صورة باهتة في أكثر الأحايين ليس فيها ما في دنيا الناس الّتي تصوّرهم من معاني الحياة و شؤونها المتدفقة بألوان من النشاط والحركة والعمل.
و سوف تجد فيما يأتي أمثلة بمقدار ما يتّسع له موضوعنا من الزمن الدقيق الّذي ندرسه في هذه الفصول، أعني الظرف الّذي تلا وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله و تقررت فيه المسألة الأساسية في تأريخ الإسلام على شكل لا يتغيّر، و هي نوع السلطة الّتي ينبغي أن تتولّى اُمور المسلمين...
كلّنا نودّ أن يكون التأريخ الإسلامي في عصره الأوّل الزاهر طاهراً كلّ الطهر، بريئاً ممّا يخالط الحياة الإنسانيّة من مضاعفات الشرّ ومزالق الهوى، فقد