إنّ فاطمه وجدت على أبي بكر حتّى ماتت
دلّت الكتب المعتبرة عند أهل السنّة والجماعة حسبما ذكر جملة منها، على أنّ فاطمة عليهاالسلام أتت إلى أبي بكر مراراً، والتمست من ميراثها فدكاً، واحتجّت عليه، حتّى أنّها لمّا رأت الإصرار من أبي بكر و عمر على أخذ فدك وهضمها حقّها هجرتهما و غضبت عليهما، و قالت: لا كلّمتكما، إلى أن ماتت.
و هذا موافق لما في «الصواعق المحرقة»: (ص 9)، و صحيح البخاري باب فرض الخمس، و مسلم: (الجزء الأوّل ص 154)، والجمع بين الصحيحين، و كتاب الإمامة: (ص 14)، و كتاب تأريخ المدينة: (2/ 157)، و غير ذلك من الكتب التأريخيّة، كشرح ابن أبي الحديد: (4/ 104)، و تأريخ البلاذري، و كتاب أبي بكر الجوهري.
و في ذلك كلّه دلالة واضحة على أنّ فاطمة عليهاالسلام لم تقنع بكلام أبي بكر، و لذا أصرّت في الإنكار عليه... وغضبت عليه و هجرته بعد أن أغلظت عليه الخطاب إلى أن ماتت لستّة أشهر من وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
و أمّا قول الرازي، و قبله قاضي القضاة عبدالجبّار المعتزلي:... إنّ فاطمة عليهاالسلام لمّا سمعت حديث: لا نورث، كفّت عن الطلب.
فجوابه قال السيّد المرتضى رحمه الله... فلعمري أنّها كفّت عن المنازعة والمشاجرة، لكنّها انصرفت مغضبة متظلّمة متألّمة. [ ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 49.]
قال ابن أبي الحديد: و لست أعتقد أنّها انصرفت راضية- كما قال قاضي
القضاة- بل أعلم أنّها انصرفت ساخطة، و ماتت و هي على أبي بكر واجدة. [ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 16/ 253.]
-أقول: صدور مثل هذا القول- مع وضوح خلافه- يدلّ على قلّة الحياء والعناد والتعصّب العمياء، وحبّ السادات والكبراء، و عدم الإنصاف من هؤلاء إن لم يدلّ على النصب و...-.
ترك النكير على أبي بكر لا يدلّ على حقّية كلامه
قيل: إنّه إذا كان أبوبكر مصرّاً على الإنكار على فاطمة عليهاالسلام في منعها عن الإرث بلا حجّة قاطعة فما بال الصحابة و ما الموجب لترك النكير عليه و رضاهم بما حكم به مع خطئه عن الحقّ؟
قلت: إنّا نقتصر فعلاً في الجواب على ما حكاه ابن أبي الحديد في «الشرح» عن أبي عثمان الجاحظ... في كتاب «العبّاسية»:
... لئن كان ترك النكير دليلاً على صدقهما، ليكوننّ ترك النكير على المتظلّمين و المحتجّين عليهما... دليلاً على صدق دعواهم.
و لا سيّما و قد طالت المناجاة و كثرت المراجعة... و ظهرت الشكية و اشتدّت الموجدة، و قد بلغ ذلك من فاطمة عليهاالسلام حتّى أنّها أوصت ألّا يصلّي عليهاأبوبكر و...
و قالت- بعد قلّة الناصر و آيست من التورع-: واللَّه؛ لأدعونّ اللَّه عليك.
قال: واللَّه؛ لادعونّ اللَّه لك.
قالت: واللَّه؛ لا اُكلّمك أبداً.
قال: واللَّه؛ لا أهجرك أبداً... إنّ في ترك النكير على فاطمة عليهاالسلام دليلاً على صواب طلبها...
و قد يبلغ من مكر الظالم ودهاء الماكر إذا كان أديباً... أن يظهر كلام المظلوم و... و كيف جعلتم ترك النكير حجّة قاطعة؟...
و قد زعمتم أنّ عمر قال على منبره: متعتان كانتا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله: متعة النساء و متعة الحجّ، أنا أنهى عنهما واُعاقب عليهما. فما وجدتم أحداً أنكر قوله و كيف تقضون؟...
و قد شهد عمر يوم السقيفة، و بعد ذلك أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال: الأئمّة من قريش.
ثمّ قال عمر في شكاته: لو كان سالم حيّاً ما تخالجني، فيه شكّ حين أظهر الشكّ في استحقاق كلّ واحد من الستّة الّذين جعلهم شورى، و سالم عبد لامرأة من الأنصار، و هي اعتقته و حازت ميراثه، ثمّ لم ينكر ذلك من قوله منكر: إنّما ترك النكير على من لا رغبة و لا رهبة عنده دليلاً على صدق قوله وصواب عمله.
فأمّا ترك النكير على من يملك الأمر والنهي والقتل والإستحياء والحبس والإطلاق فليس بحجّة و...
-أقول: قد اختصرت، فراجع المأخذ-.
إنّ عليّاً عليه السلام والعبّاس لم يعتنيا بحديث أبي بكر في نفي الإرث، (و) إنّ عليّاً عليه السلام والعبّاس لم يقبلا من أبي بكر حديث: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث.
و لذا تخاصما في فدك وحضرا عند عمر ومن بعده عند عثمان...
-ذكر رواية الشيخ ملّا عليّ المتّقي الحنفي، واستدلّ به والرّواية غامضة، فراجع المأخذ-.
إنكار الزوجات حديث «لا نورث»...
أورد البخاري في صحيحه و غيره في غيره: أنّ عائشة قالت: أرسلت أزواج النبيّ صلى الله عليه و آله عثمان إلى أبي بكر يسألنه ثمنهنّ ممّا أفاء اللَّه على رسوله.
فكنت أنا أردّهن، فقلت لهن: ألا تتّقين اللَّه؟
ألم تعلمن أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان يقول: لا نورث ما تركناه صدقة.
و روى ابن حجر حديث البخاري في «الصواعق المحرقة». [ الصواعق المحرقة: 23.]
و أقول: إرسال زوجات النبيّ صلى الله عليه و آله عثمان و قبوله منهنّ الرواح و عدم ردعه لهنّ صريح في أنّ عثمان أيضاً أنكر على أبي بكر رواية نفي الميراث.
و كذلك حكاية إقطاع عثمان فدكاً، لمروان كما في «تأريخ المدينة» و «المرقاة» و «تأريخ أبي الفداء» و غيرها.
كتاب أبي بكر بردّ فدك إلى فاطمة
ذكر صاحب كتاب «سيرة الحلبي» في تأريخه:
إنّ فاطمة عليهاالسلام بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله جاءت إلى أبي بكر- و هو على منبر- فقالت: يا أبابكر! أفي كتاب اللَّه أن ترثك ابنتك و لا أرث أبي؟
فاستعبرأبوبكر باكياً، ثمّ نزل، فكتب لها بفدك، و دخل عليه عمر، فقال: ما هذا؟
فقال: كتاب كتبته لفاطمة بميراثها من أبيها.
قال: فماذا تنفق على المسلمين و قد حاربتك العرب كما ترى؟
ثمّ أخذ عمر الكتاب فشقّه!! [ سيرة الحلبي: 3/ 391.]
و نحو ذلك ما رواه ابن أبي الحديد في «الشرح» على طريق له إلى عليّ عليه السلام، قال: جاءت فاطمة عليهاالسلام إلى أبي بكر، و قالت: إنّ أبي أعطاني فدك، و عليّ عليه السلام و اُمّ أيمن يشهدان لي.
فقال: ما كنت لتقولي على أبيك إلّا الحقّ، قد أعطيتكها، و دعا بصحيفة من أدم، فكتب لها فيها.
فخرجت فلقيت عمر، فقال: من أين جئت يا فاطمة؟
قالت: جئت من عند أبي بكر أخبرته أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أعطاني فدك، و أنّ عليّاً عليه السلام و اُمّ أيمن يشهدان لي بذلك، فأعطانيها و كتب لي بها.
فأخذ عمر منها الكتاب، ثمّ رجع إلى أبي بكر، فقال: أعطيت فاطمة فدك، و كتبت بها لها؟
قال: نعم.
قال: إنّ عليّاً يجرّ إلى نفسه، و اُمّ أيمن امرأة، و بصق في الكتاب، فمحاه و خرقه!!!
أقول: هذا التجاسر من عمر على أبي بكر بشقّ كتابه ليست بأوّل مرّة، بل تجاسر عليه في موارد اُخرى كقضيّة عينية بن حصين والأقرع أبي حابس في أرض سبخة ليس فيها كلاء، أقطعها لهما أبوبكر، فكتب لهما بها كتاباً، فانطلقا إلى عمر ليشهد لهما فيه، فأخذه منهما ثمّ تفل فيه، فمحاه.
و كذا في قضيّة المؤلّفة قلوبهم، فكتب أبوبكر لهم بذلك، فذهبوا بالكتاب
إلى عمر ليأخذوا خطّه... فمزّقه، و قال: لا حاجة لنا بكم، فقد أعزّ اللَّه الإسلام وأغنى عنكم.
(كما ذكر) العسقلاني في كتاب «الإصابة» في ترجمة عينية، و ذكر صاحب كتاب «الجوهرة المنيرة».
و أعظم من ذلك تجاسره على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في مرضه، إذ قال: إيتوني بدواة و قرطاس لأكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً.
فقال عمر: إنّ رسول اللَّه قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب اللَّه.
قال القاضي عياض في «الشفاء»:
و في بعض طرق الخبر: إنّ النبيّ يهجر.
و في رواية: هجر.
و يروى: أهَجَرَ.
و يروى: أهُجُرُ.
و جميع ذلك مرويّ في كتاب البخاري و مسلم و غيرهما من كتب الحديث.
مع أنّ عصمته صلى الله عليه و آله مانعة عن نسبة الهجر إليه، قال سبحانه: « وَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوى إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يوحى».
قال الشاعر:
أوصى النبيّ فقال قائلهم | قد ظلّ يهجر سيّد البشر |
و أرى أبابكر أصاب ولم | يهجر و قد أوصى إلى عمر |
إنكار أبي بكر و عمر سهم ذي القربى المنصوص عليه في القرآن
قال ابن أبي الحديد... في «الشرح»: إنّه قال أبوبكر الجوهري: أخبرني أبوزيد عمر بن شبة... عن يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك: إنّ فاطمة عليهاالسلام أتت أبابكر، فقالت: لقد علمت الّذي ظلفتنا عنه أهل البيت من الصدقات، و ما أفاء اللَّه... فانصرفت إلى عمر... فقال لها مثل ما قاله لها أبوبكر... و ظنّت أنّهما كانا قد تذاكرا ذلك واجتمعا عليه.
-أقول: أوردت تمام الخبر من «شرح النهج»: (16/ 230) في محلّه، فراجع-.
قلت: هذا الحديث فيه شواهد على مطالب: أوّلها: أنّ أبابكر إنّما منع فاطمة عليهاالسلام سهمها و... لرأي رآه لقوله: و لم يبلغ علمي... و هذا خطأ منه في الرأي...
ثانياً: يدلّ على أنّ أبابكر و عمر كانا متّهمين عند فاطمة عليهاالسلام، و إنّهما اجتمعا على منعها و... و يشهد على ذلك قول عمر في رواية مالك بن أوس المرويّة في «الصواعق» [ الصواعق المحرقة: 23.] و غيرها.
ثالثاً: أنّ أبابكر و عمر أسقطا سهم ذي القربى، والحال أنّ اللَّه تعالى أثبته في القرآن بقوله: «وَاعْلَموا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَي ء فَأنَّ للَّه خُمُسَهُ وَللرَسولِ وَلِذي
القُرْبى وَاليَتامى...». [ الأنفال: 41.]
قلت: العجب من أبي بكر و عمر أنّهما مع صراحة الآية... كيف يسألانها إقامة الحجّة...
و أيّ ذنب أعظم من ترك الحكم بما أنزل اللَّه على رسوله...؟
فالمرويّ في «جامع الاُصول» من سنن أبي داود: (3/ 146)، والنسائي عن يزيد بن هرمز، قال: إنّ نجدة الحروري حين حجّ في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عبّاس يسأله عن سهم ذي القربى لمن يراه؟
فقال له: لقربى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله قسمه لهم، و قد كان عمر عرض علينا من ذلك عرضاً رأيناه دون حقّنا، فرددناه عليه و أبينا أن نقبله.
روى الحديث أحمد بن حنبل في مسنده: (1/ 320)، و مسلم في صحيحه: (5/ 197)، والسيوطي في «الدر المنثور»: (3/ 186).
فالرواية- مع أنّها صحيحة عندهم- صريحة في أنّ عمر منع عن ذي القربى حقّهم...
ولكن في صحيح النسائي في أوائل كتاب الفي ء: أنّ عمر بن عبدالعزيز بعث سهم الرسول صلى الله عليه و آله و سهم ذي القربى إلى بني هاشم... إلى آخره.
و هذا صريح في أنّ عمر بن عبد العزيز لم يرض بحكم أبي بكر و عمر.
و في الصحيح المذكور: أنّه كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عمر بن الوليد: و قسم أبوك لك الخمس كلّه، و إنّما سهم أبيك كسهم رجل من المسلمين، و فيه حقّ اللَّه و حقّ رسوله، و حقّ ذاالقربى واليتامى والمساكين و ابن السبيل.
غضب فاطمة على أبي بكر و عمر و استمرارها على الغضب
روى العلماء: أنّ أبابكر أغضب فاطمة عليهاالسلام وأذاها إلى أن هجرته و صاحبه عمر حتّى ماتت، بل الأخبار في ذلك بلغت حدّ التواتر...
و من صحاح أخبارهم في كتاب «الإمامة والسياسة» لابن قتيبة:
أنّ فاطمة عليهاالسلام قالت لهما: إنّي أشهد اللَّه و ملائكته أنّكما أسخطتماني و ما أرضيتماني، و لئن لقيت النبيّ صلى الله عليه و آله لأشكونّكما إليه.
و في «سيرة الحلبي»: غضبت فاطمة عليهاالسلام من أبي بكر، و هجرته إلى أن ماتت، فإنّها عاشت بعد رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ستّة أشهر. [ سيرة الحلبي: 3/ 399.]
و في رواية البخاري في باب فرض الخمس من صحيحه، و مسلم في صحيحه: أنّ أبابكر أبى أن يدفع إلى فاطمة عليهاالسلام شيئاً.
فوجدت على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلمه، حتّى توفّيت.
و عاشت بعد النبيّ صلى الله عليه و آله ستّة أشهر.
فلمّا توفّيت دفنها زوجها عليّ عليه السلام ليلاً، و لم يؤذن بها أبابكر. [ صحيح مسلم: 5/ 154.]
و مثل ذلك ما رواه العلّامة السمهودي في «وفاء الوفاء» و نحو ما ذكرنا، أخبار «كنز العمّال»، و منتخبه، و روايات «جامع الاُصول» و مسند أبي داود، و ما أخرجه ابن أبي الحديد في «شرح نهج البلاغة». [ وفاء الوفاء: 2/ 157، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 4/ 104.]
ثمّ ذكر عن ابن قتيبة من كتاب «الإمامة والسياسة»: أنّه قال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة، فإنّا قد أغضبناها.
فانطلقا جميعاً، فاستأذنا على فاطمة عليهاالسلام، فلم تأذن لهما.
فأتيا عليّاً عليه السلام فكلّماه، فأدخلهما عليها.
فلمّا قعدا عندها حوّلت وجهها إلى الحائط، فسلّما عليها، فلم تردّ عليهماالسلام.
فتكلّم أبوبكر فقال: يا حبيبة رسول اللَّه! واللَّه؛ إنّ قرابة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أحب إليّ من قرابتي، و إنّك لأحبّ إليّ من عائشة ابنتي، و لوددت يوم مات أبوك أنّي ميّت و لا أبقى بعده أفتريني أعرفك، و أعرف فضلك و شرفك و أمنعك حقّك و ميراثك من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إلّا أنّي سمعت أباك رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: لا نورث ما تركناه صدقة!!!
فقالت: أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله تعرفناه وتعقلانه؟
قالا: نعم.
فقالت: نشدتكما اللَّه، ألم تسمعا رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول:
«رضا فاطمة من، رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحبّ ابنتي فاطمة فقد أحبّني، و من أرضى فاطمة فقد أرضاني، و من أسخط فاطمة فقد أسخطني»؟
قالا: نعم؛ سمعناه من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله.
قالت: فإنّي اُشهد اللَّه و ملائكته أنّكما أسخطتماني و ما أرضيتماني، و لئن لقيت النبيّ صلى الله عليه و آله لأشكونّكما إليه.
فقال أبوبكر: أنا عائذ باللَّه تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة!
ثمّ انتحب أبوبكر يبكي حتّى كادت نفسه أن تزهق، و هي تقول: لأدعونّ عليك في كلّ صلاة اُصلّيها.
ثمّ خرج باكياً فاجتمع إليه الناس، فقال لهم: يبيت كلّ رجل منكم معانقاً
حليلته مسروراً بأهله، و تركتموني وما أنا فيه، لا حاجة لي في بيعتكم، أقيلوني بيعتي... [ الإمامة والسياسة: 14.]
-أقول: إن كان منع أبي بكر فاطمة عليهاالسلام من إرثها ونحلة الّتي أنحلها أبيها حقّاً وعملاً بحديث رسول اللَّه صلى الله عليه و آله لم تسخط فاطمة عليهاالسلام قطّ أوّلاً، و لايحتاج إلى استرضائها ثانياً، لأنّ سخطها حينئذ على خلاف الحقّ فرضاً.
فمن انطلاقهما إليها واعتذارهما وانتحاب أبي بكر وبكائه وعويله وخوف زهاق روحه وكلامه مع القوم بعده؛ يعلم علماً يقيناً أنّ جزعمها كان من مكرهما، لما ظلماها وأذاها وأغضباها وأسخطاها.
و علما أنّ المسلمين سمعوا من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في حقّها أنّ رضاها رضى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، و أنّ سخطها سخط رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كما أخذت عليهاالسلام منهما الإقرار بأنّهما سمعا من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقول: «رضا فاطمة من رضاي» الحديث...
و أقرّا و قالا: نعم، سمعناه من رسول اللَّه صلى الله عليه و آله، ورأوا أنّهما افتضحا بين الناس من ظلمهما وإسائتهما وإيذائهما لها فمكرا مكراً باسترضائها عليهاالسلام بأن يقولا: إنّا أرضيناها واعتذرناها، فقبلت اعتذارنا و رضيت عنّا، ليكونا بعد ذلك ذا وجهة و تقديس بين الناس، و يمحو آثار ظلمهما عن أذهان الناس.
لكن اللَّه تعالى ورسوله وحبيبته يأبى ذلك، وردّ كيدهما ومكرهما عليهما، واللَّه خير الماكرين.
و الدليل على أنّهما لم يندما من ظلمهما، بل كان اعتذارهما من دهاء و مكر مكراهما؛ أنّ أبابكر أصرّ على افتعاله و كذبه على رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في حديث «لا نورث ما تركناه صدقة» في حين اعتذاره منها عليهاالسلام.
و الصدّيقة الطاهرة لاتغفر و لاتتجاوز عن ذنب من افترى على أبيها رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أبداً، فلن يغفراللَّه لهما أبداً-.