و من الجدير ذكره، ان من شده حب الله لفاطمه الزهراء (عليهاالسلام) و الحرص على عدم خدش شعورها و كرامتها، أن ذكر سبحانه فى سوره (هل أتى) المباركه الكثير الكثير من نعيم الجنه، و حتى (الولدان المخلدون) و لكنه لم يتطرق و لم يذكر الحور العين، لا من قريب و لا من بعيد، كرامه لحبيبه حبيبه (صلى الله عليه و آله) لأن الآيه نزلت فى حق على، و فاطمه، و الحسن و الحسين (عليهم السلام)، فحفظ الله تعالى لفاطمه الزهراء جلاتها، اذ لم يذكر- عز و جل-الحور العين، كرامه لسيده نساء العالمين.
و نحن حين نعرض هذه اللوحات السلوكيه الفذه، انما يهمنا منها أمران:
الأول: ان الاسلام ليس قيما نظريه مثاليه محضه.. و انما هو تنظيم منهجى للحياه يحقق أسمى المراتب الحضاريه للانسان.. كل حين.
الثانى: ان أهل البيت (عليهم السلام) ليسوا أصحاب نطريات و اجتهادات و مذاهب.. و انما هم التجسيد الحى الصادق للرساله... شاء الله تعالى أن يكون كذلك، فكانوا كما أراد جل شأنه.
و قد حازت هذه الفضيله جانبا كبيرا، و اهتماما ملحوظا عند الشعراء على مر السنين، لو جمعت أشعارهم و قصائدهم لأصحبت كتابا فخما ضخما بديعا، يضم بين طياته نماذج رائعه من فنون الأدب و الشعر القصصى و الملحمى:
قال امام الشافعيه محمد بن ادريس الشافعى:
و قال الحافظ المفسر أبواسحاق الثعلبى:
أخرجه ابن البطريق فى (العمده) ص 349 عن تفسير الثعلبى.
قال الحافظ محمد بن طلحه الشافعى المتوفى سنه (652 ه-) فى (مطلب السؤول) ص 8:
قوله (فى الشورى) آيه الموده، و بينهما فى البيت الثالث.
و قوله (فى سوره الأحزاب) آيه التطهير، و قد أفردت لكل من هاتين الآيتين بابا خاصا، فراجع.
و للملك الصالح أبى الغارات نصير الدين طائع بن رزيك بن صالح الأرمنى، صاحب مصر، المولود سنه (495 ه-) و المستشهد سنه (556 ه-)، عده فصائد فى السوره، أذكر منها قوله:
أى ب- (هل أتى....)
و قال أيضا:
و للسيد الحميرى- كما فى مناقب ابن شهر آشوب 3/ 329:
و للبعدى:
أما المصادر التى ذكرت نزول هذه الآيات الباهرات من سوره (هل أتى) فلا تحصى كثره، و العلماء و الحفاظ و المفسرون الذين رووا هذه الفضيله فكثيرون، اذكر منهم أكثر من عشرين مصدرا:
المحدث المفسر الحسين بن الحكم الحبرى، المتوفى سنه (286 ه-) فى كتاب (ما نزل من القرآن فى على عليه السلام) ص 326 ج 69 ط مؤسسه آل البيت- بيروت.
الحافظ الفقيه ابن المغازلى فى (مناقب على بن أبى طالب عليه السلام) ص 272 ج 320 ط دار الأضواء- بيروت.
الحافظ أبوعبدالله محمد بن يوسف الكنجى الشافعى فى (كفايه الطالب) ص 345- 349 ط طهران.
الحافظ موفق بن أحمد الخوارزمى فى (المناقب) ص 188- 194 ط النجف الأشرف.
الحافظ ابراهيم بن محمد الجوينى فى (فرائد السمطين) ج 1/ 53 ح 383 الباب الحادى عشر، و عنوانه: فضائل تنقاد بذكرها كل شامسه، و تشرق من نورها ليالى الأزمان الدامسه.
الحافظ الحاكم الحسكانى فى (شواهد التنزيل) ج 2/ 298- 310 ح 1042- 1061 بعده طرق، ط الأعلمى- بيروت.
العلامه شهاب الدين الحسينى الشافعى فى (توضيح الدلائل) ص 169 مخطوطه مكتبه ملى بفارس، عن الحسن و قتاده و الطبرى و الواحدى، و عن فرائد
التفسير.
و فى ص 322 عن الواحدى، و عن الامام الصالحانى عن شيخه أبى موسى المدينى.
العلامه المفسر ناصر الدين محمد بن عبدالله فى (فتح الرحمان فى تفسير القرآن) ص 167 نسخه مكتبه جستر بيتى- ايرلنده.
الشيخ أبوالمعالى محمد بن الحسن بن حمدون فى (التذكره الحمدونيه) ص 70 ط- بيروت.
العلامه السيد خير الدين الآلوسى فى (غاليه المواعظ و مصباح المتعظ و الواعظ) ج 2/ 96 ط- القاهره.
العلامه أبوالحسن الواحدى فى (أسباب النزول) ص 331 ط- القاهره.
العلامه محب الدين الطبرى فى (الرياض النضره) ج 2/ 207 ط- مصر.
و فى (ذخائر العقبى) ص 102 ط مصر.
العلامه أبوالفرج ابن الجوزى فى (التبصره) ص 449 ط الحلبى- مصر.
المورخ ابن الأثير الجزرى فى (أسد الغابه) ج 5/ 530 ط- مصر.
العلامه جار الله الزمخشى فى (ربيع الأبرار) ص 209 مخطوط.
الحافظ ابن حجر العسقلانى فى (الاصابه) ج 4/ 376 ط- دار الكتب المصريه.
و فى (الكاف الشاف) ص 80 ط- مصر.
الحافظ البغوى الشافعى فى تفسيره (معالم التنزيل) ج 7/ 159 ط- القاهره.
العلامه العارف الشيخ محيى الدين ابن عربى فى (محاضره الأبرار
و مسامره الأخيار) ج 1/ 103 ط- مطبعه الشعرواى.
الشيخ عبدالرحمن الصفورى فى (نزهه المجالس) ج 1 ص 213 ط- القاهره.
الشيخ سليمان الحنفى القندوزى فى (ينابيع الموده) ص 212 ط- اسطنبول.
و لمزيد من التفاصيل راجع المصادر التاليه:
(تأويل الآيات) ج 2 ص 741- 752.
(بحارالأنوار) ج 35 ص 237- 257.
التفسير البرهان) ج 4 ص 411- 414.
(احقاق الحق) ج 3 ص 158، 169- 583، ج 8 ص 576، و ج 9 ص 110- 123 و ج 14 ص 446- 457، و ج 18 ص 339- 343، و ج 20 ص 153- 170.
كما ذكر ذلك الواحدى فى كتابه البسيط، و الثعلبى فى تفسيره الكبير و أبوالمؤيد موفق فى كتابه (الفضائل)، و الزمخشرى فى تفسيره (الكشاف) و غيرهم و لو أردت الاستقصاء لطال البحث و خرجت من الاختصار، و لكنى اكتفيت بالنزر اليسير.
قال سبحانه و تعالى فى محكم كتابه المجيد: (قل لا أسئلكم عليه أجرا الا الموده فى القربى و من يقترف حسنه نزد له فيها حسنا ان الله غفور شكور)
[ سوره الشورى: 23.] ]
تفسير الآيه واضح و هو خطابه تبارك و تعالى الى رسوله الكريم (صلى الله عليه و آله) (قل) يا محمد لأمتك: (لا أسئلكم عليه) أى على أداء الرساله (أجرا) شيئا من الأجر (الا الموده فى القربى) أى الا أن تودوا قرابتى، و قد اتفقت كلمات أئمه أهل البيت (عليهم السلام) و كلمات العلماء أن المقصود من القربى هم آل النبى (صلى الله عليه و آله).
و هناك أحاديث متواتره فى كتب الشيعه و السنه حول تعيين القربى بأفرادهم و أسمائهم، و من جمله الأحاديث التى ذكرها علماء العامه فى صحاحهم و تفاسيرهم هذا الحديث:
لما نزلت هذه الآيه قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين تجب علينا مودتهم؟ فقال (صلى الله عليه و آله):؛ يا على و فاطمه و ابناهما... الخ».
ذكر هذا الحديث طائفه من العلماء، منهم:
ابن حجر فى الصواعق المحرقه.
السيوطى فى الدر المنثور.
أبونعيم فى حيله الاولياء.
الحموينى الشافعى فى فرائد السمطين.
و حديث آخر رواه الطبرى و ابن حجر أيضا: أن رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال: «ان الله جعل أجرى عليكم الموده فى أهل بيتى، و انى سائلكم
غدا عنهم».
هؤلاء بعض الرواه الذين ذكروا و نقلوا هذا الحديث بصوره اجماليه.
و اليك بعض الأحاديث التى تصرح باحتجاج أئمه أهل البيت (عليهم السلام) بهذه الآيه على من المقصود من القربى، منها:
فى الصواعق المحرقه لا بن حجر: عن على (عليه السلام): «فينا فى آل حم، لا يحفظ مودتنا الا كل مؤمن ثم قرأ: (قل لا أسئلكم عليه أجرا الا الموده فى القربى و من يقترف حسنه نزد له فيها حسنا) و اقتراف الحسنه مودتنا أهل البيت... و الى هذا أشار الشاعر الكميت الأسدى بقوله:
و عن جابر بن عبدالله قال: جاء اعرابى الى النبى (صلى الله عليه و آله) قال:يا محمد اعرض على الاسلام.
فقال: «تشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له. و ان محمدا عبده و رسوله» .
قال: تسألنى عليه أجرا؟
قال: «لا، الا الموده فى القربى».
قال: قرابتى أو قرابتك؟
قال: «قرابتى».
قال: هات ابايعك، فعلى من لا يحبك و لا يحب قرابتك لعنه الله.
فقال النبى (صلى الله عليه و آله): «آمين».
رواه الكنجى فى (كفايه الطالب) ص 31.
و ذكر ابن حجر فى الصواعق المحرقه ص 101 هذين البيتين لا بن العربى:
و هذين البيتين للامام الشافعى:
و قد ذكر شيخنا العلاه الأمينى (عليه الرحمه) فى الجزء الثالث من كتابه الغدير خمسه و أربعين مصدرا حول نزول هذه الآيه فى شأن على، و فاطمه، و الحسن، و الحسين (عليهم السلام).
و الآيات فى على، و فاطمه، و الحسن، و الحسين (عليهم السلام) كثيره، و كلها توضيح و تؤكد بمعانيها، و سبب نزولها مقام أهل البيت (عليهم السلام)، و علو مكانتهم، و من جمله ما نزل فيهم من القرآن آيه الموده، فعن ابن عباس قال: لما نزلت... (قل لا أسئلكم عليه أجرا الا الموده فى القربى).
قالوا: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟
قال: «على، و فاطمه، و ابناهما». أخرجه أحمد فى المناقب
[ الطبرى، ذخائر العقبى ص 25.] .
الى هذا الحد أقف عن الاسترسال تاركا للمتتبع مراجه المصادر و الغوص فى بطون امهات الكتب.
فى بيوت أذن الله أن ترفع
فى تفسير هذه الآيه، و الحديث الشريف، يقودنى البحث الى أن اشرح بصوره موجزه ماهيه البيوت بصوره عامه، لا سيما بيوت الأنبياء التى خصها الله سبحانه بالآيه و أفضلها بيت على و فاطمه (عليهاالسلام).
ان البيت الذى كانت السيده فاطمه الزهراء تسكن و تعيش فيه مع زوجها و ابنيهما (عليهم السلام)، كان محاطا بهاله نورانيه من القدسيه
و الروحانيه، و كان ذلك البيت مبينا على أساس مكارم الاخلاق و الاحترام المتبادل، و ربما لا يعرف حقيقه ذلك البيت الا من عرف حقيقه فاطمه و أبيها و بعلها و بنيها (صلوات الله عليهم).
و قد روى شيخنا المجلسى (قدس سره) عن أنس بن مالك، و عن بريده قال: قرأ رسول الله (صلى الله عليه و آله): (فى بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الأصال رجال لا تلهيهم تجاره و لا بيع عن ذكر الله...) الآيه
[ سوره النور 36- 37.] ] فقام رجل فقال: أى بيوت هذه يا رسول الله؟
فقال: «بيوت الأنبياء».
فقام اليه أبوبكر، فقال: يا رسول الله! هذا البيت منها؟ و أشار الى بيت على و فاطمه (عليهماالسلام).
فقال: «نعم، من أفضلها!!».
رواه جماعه من أعلام القوم، منهم:
الحاكم الحسكانى فى (شواهد التنزيل) ج 1 ص 409 و 410 ط- بيروت، بثلاث طرق.
العلامه البدخشى فى (مفتاح النجا) ص 12 مخطوط.
العلامه الآلوسى فى تفسيره (روح المعانى) ج 18 ص 157 ط المنيريه بمصر قال ما لفظه: أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك و بريده الى آخر ما ذكرنا أعلاه.
و العلامه شهاب الدين الشافعى فى (توضيح الدلائل) ص 163 مخطوط، (مكتبه ملى بفارس)، و قال: رواه الامام الصالحانى.
و الحافظ المفسر الثعلبى فى (الكشف و البيان) مخطوط.
و العلامه جلال الدين السيوطى فى (الدر المنثور) ج 5 ط مصر ص 50.
و المحدث العارف ابن حسنويه فى (در بحر المناقب) ص 18 مخطوط.
و للمزيد راجع، (تأويل الآيات) ج 1 ص 361- 363.
تفسير البرهان ج 3 ص 137- 139.
احقاق الحق ج 3 ص 558، ج 9 ص 137، ج 14 ص 421 و 422 و ج 18 ص 515 و ج 20 ص 72.
و عن ابن عباس قال: كنت فى مسجد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و قد قرأ القارى: (فى بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه...) الآيه فقلت: يا رسول الله؟ ما البيوت؟
فقال: «بيوت الأنبياء». و أم الى منزل فاطمه!
و الآن ننقلك عزيزى القارى الى البيت الذى أذن الله سبحانه و تعالى أن يرفع و يذكر فيه اسمه، بيت الامام أميرالمؤمنين، و بيت السيده فاطمه الزهراء (عليهماالسلام) ذلك البيت البسيط المتواضع فى الظاهر، و العظيم عند الله و رسوله، لترى أجنحه السعاده و السمو ترفرف على كل جانب من جوانبه، أساسه الايثار و التضحيه.
فقد علمها أبوها (صلى الله عليه و آله) معنى الحياه، و أوحى لها بأن الانسانيه هى جوهر الحياه، و ان السعاده الزوجيه القائمه على الخلق و القيم الاسلاميه عى أسمى من المال، و القصور، و الزخارف، و قطع الآثاث، و تحف الفن المزخرقه.. و تعيش فاطمه الزهراء فى كنف زوجها، قريره العين، سعيده المثاليه، زوجه على بطل المسلمين، و رجل الاقدام، و الفداء، و حامل لواء النصر و الجهاد... و عليها أن تكون بمستوى المسؤوليه و هذه المهه الخطيره...و ان تكون لعلى كما كانت امها خديجه لرسول الله (صلى الله عليه و آله) يتصدرها ببطوله و بساله.. فكانت كذلك.. و كانت حقا بمستوى مهمتها التى
أختارها الله تعالى لها..
و لم يكن رسول الله (صلى الله عليه و آله) ليترك هذا الغرس النبوى، دون أن يرعاه و يحتضنه... فمحمد رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و رعايته، أحاط فاطمه و عليا (عليهماالسلام) بتوجيهه و عنايته، فعاش الزوجان فى ظل رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و تحت كنفه و رعايته.. و منح (صلى الله عليه و آله) فاطمه بعد زواجها ما لم يمنحه لأحد، حتى بلغ من شده عنايته بفاطمه، و تعلق قلبه بها: انه اذا أراد الخروج فى سفره أو غزوه، كانت فاطمه آخر انسان يودعه، و اذا عاد من سفره أو غزوه، كان أول انسان يلقى به هو فاطمه.
(فعن ثوبان) قال: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) اذا سافر آخر عهده اتيان فاطمه، و أول من يدخل عليه اذا قدم: فاطمه (عليهاالسلام)- أخرجه أحمد
[ الطبرى، ذخائر العقبى ص 37. أخرجه عمر.]
و عن أبى ثعلبه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) اذا قدم من غزوه أو سفر بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين، ثم أتى فاطمه، ثم أتى أزواجه
[ الطبرى، ذخائر العقبى ص 37. أخرجه عمر.]
فأيه علاقه هذه؟ و أيه رابطه تربط رسول الله (صلى الله عليه و آله) بابنته الحبيبه فاطمه، انها علاقه الروح و المبدأ، و جامعه الغايه و الهدف.
و تعيش فاطمه فى بيتها، تعتنى بشؤون منزلها، و تدبر حاجاتها بالاعتماد على جهودها... فلم يكن يساعدها أحد لا عبيد، و لا اماء، فكل حياتها كدح و جهاد...
كانت فاطمه تطحن الشعير و تدير الرحى بيدها، و تصنع أقراص الخبز بنفسها، و تكنس البيت، و تدبر مستلزمات الاسره... و قد كان رسول الله (صلى الله عليه و آله) و على (عليه السلام) يريان ذلك من فاطمه فيشاركانها
العناء، و يهونان عليها متاعب الحياه... بل و كان على (عليه السلام) و ربما النبى (صلى الله عليه و آله) يساعدانها فى أعمال المنزل، و تدبير شؤون البيت.
فقد صور لنا التاريخ و دون كتاب السير و الأثر، صوره الحياه العائليه الفريده التى كانت تعايشها فاطمه مع زوجها و أبنائها، أهل بيت النبوه تحت ظل أبيها رسول الله (صلى الله عليهم أجمعين).
و فى المناقب لابن شهر آشوب: تفسير الثعلبى، عن الامام الصادق (عليه السلام)،و تفسير القشرى، عن جابر الانصارى: انه رأى النبى (صلى الله عليه و آله) فاطمه و عليها كساء من أجله الابل، و هى تطحن بيديها و ترضع ولدها، فدمعت عيناه (صلى الله عليه و آله) و قال: «يا بنتاه تعجلى مراره الدنيا بحلاوه الآخره»، فقالت: «يا رسول الله، الحمدلله على نعمائه، و الشكر لله على آلائله، فأنزل الله تعالى آيه: (و لسوف يعطيك ربك فترضى)
[ المناقب ج 3 ص 120، البحار ج 43 ص 85، سوره الضحى: 5.]
قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «جهاد المرأه حسن التبعل».
وروى المجلسى فى البحار ج 43 ص 50- 51 بلفظ آخر، مماثل فى المعنى، فراجع.
و عن الامام أبى جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «ان فاطمه ضمنت لعلى (عليه السلام) عمل البيت و العجن و الخبز، و قم البيت، و ضمن على (عليه السلام)ما كان خلف الباب، (خارج البيت) نقل الحطب و ان يجيى بالطعام، فقال لها يوما، يا فاطمه هل عندك شى ء؟ قالت: والذى حقك ما كان عندنا منذ ثلاثه أيام شى ء نقريك به، قال: أفلا أخبرتنى؟ قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه و آله)نهانى أن أسألك شيئا فقال: لا تسألين ابن عمك شيئا ان جاءك بشى ء و الا فلا تسألين»
[ البحار ج 43 ص 31.]
و قال على (عليه السلام): «فوالله ما أغضبتها- خلال الحياه المشركه مع فاطمه (عليهاالسلام)- و لا أكرهتها على أمر و لا عصيت لى أمرا حتى قبضها الله، كنت أنظر اليها فتنكشف عنى الهوم و الاحزان».
هذه الصوره العائليه، و اللقطه الفذه من حياه المجتمع الاسلامى، و الحياه النبويه الكريمه، توضح لنا صوره الحياه التعاونيه و علاقه الرجل بالمرأه، و عظمه التواضع عند قاده الاسلام، و عظماء البشريه، فمحمد الرسول الأعظم ( صلى الله عليه و آله) يساعد فاطمه و يعينها على طحن طعامها، و على يشاطرها العمل فى المنزل.. انها الصوره المثاليه لحياه العائله المثاليه فى السلام، و لمكانه المرأه و علاقتها بالزوج و الاسره فى هذه الرساله الالهيه الخالده...
فرسول الله و على و فاطمه (صلى الله عليهم) مثال الأب و الزوج و البنت و الزوجه فى الاسلام، و على شاكله هذه الاسره يجب أن تبنى الاسره المسلمه... و بمثل هذه العلاقه يجب أن تشاد العلاقات بين أفرادها...
فرسول الله (صلى الله عليه و آله) و على و فاطمه قدوه و اسوه، و كان بامكان رسول الله أن يتخذ العبيد و الخدم لفاطمه، و أن يوفر لها المال و الثروه و متع الحياه. الا ان الرسول القائد و القدوه، الداعى الى العدل و المساواه،و الرافض لمتع الحياه و عرضها يرد أن يجسد مبادئه سلوكا و حياه لامته، بل يريد من المصلح، و المربى، و الحاكم، و القائد، أن يعلم، و يقود، و يربى، بسلوكه و سيرته، قبل أن يدعو الناس بلسانه و مواعظه.
و تأتى المواقف و الشواهد دليلا... و العمل لسانا بليغ التعبير، قوى الوقع و الاثر.
روى عن الامام الصادق (عليه السلام): «... كان على (عليه السلام) يستقى و يحطب، و كانت فاطمه (عليهاالسلام) تطحن و تعجن و تخبز و ترقع، و كانت من أحسن الناس و جها كأن وجنتيها وردتان» صلى الله عليها