الزهراء و آيه المباهله
قوله سبحانه و تعالى فى محكم كتابه المجيد: (فمن حاجك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل تعالوا فقل تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم و نساءنا و نساءكم و أنفسنا و أنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنه الله على الكاذبين) (آل عمران: 61).
نزلت هذه الآيه فى واقعه من أشهر الوقائع و الحوادث التى مرت على المسلمين فى حياه الرسول الأعظم، من يوم وقوعها الى يومنا هذا.
و لا أرانى بحاجه الى ذكر مصادرها، حيث أن جميع المفسرين و المحدثين، (الا من شذ و ندر) قد أتفقت كلمتهم على نزولها على رسول الله (صلى الله عليه و آله) فى واقعه المباهله مع نصارى نجران.
و قد قصدت الآيه من (أبناءنا) الحسن و الحسين (عليهماالسلام)، و (نساءنا) فاطمه الزهراء (عليهاالسلام)، و (أنفسنا) على بن أبى طالب (عليه السلام)، فجعله الله سبحانه و تعالى نفس محمد (صلى الله عليه و آله)، و المراد المساواه و المساوى الأكمل الا انه ليس ينبى.
و جاء فى تفسير الطبرسى لهذه الآيه- المباهله- ما يلى:
(... أجمع المفسرون على أن المراد ب- (أبناءنا): الحسن و الحسين، قال أبوبكر الرازى: هذا يدل على أن الحسن و الحسين أبناء رسول الله (صلى الله عليه و آله) و ان ولد الابنه هو ولد فى الحقيقه... ثم تابع تفسيره قائلا: و (نساءنا) اتفقوا على ان المراد بها فاطمه (عليهاالسلام) لأنه لم يحضر المباهله غيرها من النساء، هذا يدل على تفضيل الزهراء فاطمه (عليهاالسلام) على جميع النساء.
و يعضدها ما جاء فى الخبر ان النبى (صلى الله عليه و آله) قال: «فاطمه بضعه منى يريبنى ما رابها». و قال: «ان الله يغضب لغضب فاطمه و يرضى لرضاها».
و قد صح عن حذيفه انه قال: سمعت النبى يقول: «أتانى ملك فبشرنى ان فاطمه سيده نساء أهل الجنه، أو سيده نساء امتى»... ثم قال الطبرسى و أنفسنا يعنى على بن أبى طالب خاصه، و لا يجوز أن يكون المعنى به! أى النبى (صلى الله عليه و آله) لأنه هو الداعى، و لا يجوز أن يدعو الانسان نفسه انما يصح أن يدعوا غيره، و اذا كان قوله و أنفسنا لا بد أن يكون اشاره الى غيره الرسول، وجب أن يكون اشاره الى على، لأنه لا أحد يدعى دخول غير أميرالمؤمنين على (عليه السلام) و زوجته و ولديه المباهله، و هذا يدل على غايه الفضل، و علو الدرجه، و البلوغ منه الى حيث لا يبلغه أحد، اذ جعله الله نفس الرسول...).
و هكذا يتحدث القرآن الكريم عن مقام السيده فاطمه الزهراء (عليهاالسلام). و أهل البيت (عليهم السلام) و بأنهم هم المختارون للدعوه عند الله سبحانه و تعالى، و الصفوه فى امه محمد (صلى الله عليه و آله).
قصه المباهله [ و قد ذكرنا مصادر عده فى تفسير الآيه فى الجزء الأول من كتابنا على فى الكتاب و السنه ص 69 ط- بيروت.
]
قدم و فد نصارى نجران المدينه ليحاجوا الرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله) فى دينه لما دعاهم الى الاسلام أو دفع الجزيه، و كان فى مقدمه الوفد العاقب و السيد- و فى بعض الروايات فيهم الطيب و عبد المسيح- مع أصحابهم، و لما يؤنوا، نزلت الآيه المذكوره فقرأها (صلى الله عليه و آله) عليهم و دعاهم الى المباهله، و هى (الملاعنه).
قالوا: حتى نرجع و ننظر فى أمرنا، و نأتيك غدا. فخلا بعضهم الى بعض للتشاور.فقال لهم الأسقف: انظروا الى محمد فى غد، فان غدا بولده
و أهله فاحذروا مباهلته، و ان غدا بأصحابه فباهلوه فانه على غير شى ء.
و فى اليوم الثانى عادوا، و خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله)، محتضنا الحسن، و آخذا بيد الحسين، و فاطمه تمشى خلفه، و على بن أبى طالب خلفها، (صلوات الله عليهم)، و هو يقول لهم: «اذا أنا دعوت فأمنوا» و قال (صلى الله عليه و آله) لوفد نصارى نجران، «أباهلكم بخير أهل الأرض و أكرمهم عند الله» .
و سأل الأسقف عنهم، فقيل له: هؤلاء أعز الناس عليه، و أقربهم الى قبله. و تقدم رسول الله (صلى الله عليه و آله) فجثا على ركبتيه.
فلما نظر الأسقف، و هو العاقب، و كان رئيسهم، قال: لقد جثا، والله، كما جثا الأنبياء للمباهله. فرجع و لم يقدم على المباهله، بعد أن رأى تلك الوجوه النورانيه، و سمع كلام رسول الله (صلى الله عليه و آله) التفت الى أصحابه و قال: لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا، و لا يبقى على وجه الأرض نصرانى الى يوم القيامه، فقالوا: افعل ما تراه، فتوجه الأسقف الى رسول الله (صلى الله عليه و آله) و قال: يا أباالقاسم، انا لا نباهلك، و لكن نصاحك، فقال (صلى الله عليه و آله): «نعم». فصالحهم على أموال و حلل يؤدنها للدوله الاسلاميه ( سنويا).
فلما رجع الوفد، لم يلبث السيد و العاقب الا يسيرا حتى رجعا الى النبى (صلى الله عليه و آله) و أهدى العاقب له حله و عصاه و قدحا و نعلا، ثم أسلما على يد الرسول (صلى الله عليه و آله).
و أى فضل يدانى آل محمد (صلى الله عليه و آله) فحسن و حسين أبناء رسول الله (صلى الله عليه و آله) بنص القرآن، و فاطمه سيده نساء العالمين، و على نفس رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و هذا مما يكاد يقوم عليه اجماع المفسرين، ان رسول الله (صلى الله عليه و آله) بخروجه للمباهله لم يكن معه
غير أهل بيته، و هم على، و فاطمه، و الحسن، و الحسين (صلوات الله عليهم).
الله أكبر، لقد بهرت النصارى عظمه تلك الوجوه المقدسه النورانيه، و آمنوا بما لها من الكرامه و الشأن عند الله، و وقفوا خاضعين أمام عظمه الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله) و نفذوا طلباته، و قال (صلى الله عليه و آله):«والذى نفسى بيده، ان العذاب تولى أهل نجران، و لو لا عفوا لمسخوا قرده و خنازير، و لا ضطرم عليهم الوادى نارا، و لا ستأصل الله نجران أهلها حتى الطير على الشجر، و ما حال الحول على الانصارى كلهم».
و ما ذكرنا ملخصا يناسب ما يتطلبه بحثنا، و حديثنا- هنا- حول قوله تعالى: (و نساءنا و نساءكم) فقد أجمع المسلمون ان رسول الله (صلى الله عليه و آله)، لم يأخذ معه من الرجال الا عليا (عليه السلام)، و من الأبناء الا الحسن و الحسين (عليهماالسلام) و من النساء الا ابتنه فاطمه الزهراء (عليهاالسلام)، و لم يأخذ معه أحدا من بقيه بناته أو زوجاته، و هن فى حجراته، و لم يأخذ معه احدى عماته كصفيه بنت عبدالمطلب التى كانت شقيقه أبيه عبدالله، و لم يصطحب ام هانى بنت أبى طالب، و لا دعى غيرهن من الهاشميات و لا من نساء المهاجرين و الأنصار، فلو كانت فى النساء امراه كفاطمه الزهراء فى الجلاله و العظمه و القدر و القداسه و النزاهه لدعاها رسول الله (صلى الله عليه و آله) لترافقه للمباهله، مع العلم أن الله تبارك و تعالى أمر نبيه (صلى الله عليه و آله) أن يدعو نساءه بقوله: (و نساءنا) و لكنه (صلى الله عليه و آله) لم يجد امرأه تليق بالمباهله سوى ابنته الصديقه الطاهره فاطمه الزهراء ( عليهاالسلام)، لهذا انتخبها.
و بلفظ آخر أذكر القصه.
قدم على النبى (صلى الله عليه و آله) و فد نصارى نجران، يقدمهم العاقب، و محسن، و السيد، و الاسقف، و الطيب، و عبد المسيح، مع أصحابهم، و رافقهم رجلان من أحبار اليهود، لمحاججه الرسول (صلى الله
عليه و آله) تقدم الاسقف و هو رئيسهم و قال: يا أباالقاسم فذاك موسى من أبوه؟
قال النبى (صلى الله عليه و آله): «عمران». الاسقف: فيوسف من أبوه؟ قال النبى (صلى الله عليه و آله): «يعقوب». الاسقف: فداك أبى و امى: فأنت من أبوك؟ قال النبى (صلى الله عليه و آله): عبدالله بن عبدالمطلب». الاسقف: فعيسى من أبوه؟ فسكت النبى (صلى الله عليه و آله) برهه فنزل جيرئيل (عليه السلام) فقال: هو روح الله و كلمته. الاسقف: يكون روح بلا جسد فسكت النبى (صلى الله عليه و آله) برهه فأوحى الله اليه: (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم له كن فيكون) فوثب الاسقف و ثبه اعظام لعيسى أن يقال له من تراب ثم قال: ما نجد هذا- يا محمد- فى التواره و لا فى الانجيل و لا فى الزبور، و لا نجد هذا الا عندك فأوحى الله اليه: الآيه عندما لم يؤمنوا (فقل تعالوا ندع....) الى آخر الايه. فقالوا أنصفنا يا أباالقاسم فمتى موعدك؟ قال: الغداده ان شاءالله...... الى آخر القصه.
وروى نزول هذه الآيه فى أهل البيت (عليهم السلام)، جم غفير من علماء اخواننا أهل السنه فى تفاسيرهم، و صحاحهم، و مسانيدهم، منهم:
الحافظ أحمد بن حنبل امام الحنابله فى كتابه (المسند) ج 1 ص 185 ط مصر.
العلامه الطبرى فى تفسيره ج 2 ص 192 ط الميمنه مصر.
و العلامه أبوبكر الجصاص، المتوفى سنه 270 ه- فى كتابه (أحكام القرآن) ج 2 ص 16.
و العلامه الحافظ الحكام فى (المستدرك) ج 3 ص 150 ط حيدرآباد دكن.
و الحافظ أبونعيم الأصبهانى فى كتاب (دلائل النبوه) ص 297 ط حيدر
آباد دكن.
و العلامه الزمخشرى فى تفسيره (الكشاف) ج 1 ص 192 ط مصطفى محمد.
و العلامه الحافظ أبوبكر ابن العربى المعاقرى الاندلسى المالكى المتوفى سنه 542 ه- فى كتابه (أحام القرآن) ج 1 ص 115 مطبعه السعاده بمصر.
الحافظ الذهبى فى تلخيصه المطبوع فى ذيل مستدرك الحاكم ج 3 ص 150 ط حيدرآباد دكن.
العلامه الحافظ ابن الأثير فى كتابه (أسد الغابه) ج 4 ص 25 ط الأول مصر.
العلامه سبط ابن الجوزى فى (التذكره) ص 17 ط النجف.
العلامه البيضاوى فى تفسيره ج 2 ص 22 طبع مصطفى محمد بمصر.
العلامه القربطى فى (الجامع لاحكام القرآن) ج 2 ص 104 ط مصر سنه 1926 م.
العلامه الأديب ابن حيان الاندسى المغربى، المتوفى سنه 754 ه-، حيث أورد نزول الآيه الشريفه فى حق النبى، و على، و فاطمه، و الحسن، و الحسين (عليهم السلام) فى كتابه (البحر المحيط) ج 2 ص 479 ط مطبعه السعاده بمصر.
انتقينا ثلاثه عشر مصدرا من مصادر عديده ذكرها العلامه المرعشى النجفى فى موسوعه احقاق الحق و تعليقاته، و من مصادر اخرى، روما للاختصار، و لو قصدت الاستقصاء لطال بنا الحديث.
فاطمه الزهراء و سوره الانسان
قال الله تبارك و تعالى فى محكم كتابه المجيد، فى سوره الدهر.
بسم الله الرحمن الرحيم
(هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) الى ان قال: (ان الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عبادالله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر و يخافون يوما كان شره مستطيرا و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا) الى أن قال: (و جزاهم بما صبروا جنه و حريرا) الى أن قال: (ان هذا كان لكم جزاء و كان سعيكم مشكورا) الى آخر السوره.
اطبق المفسرون بمختلف مللهم و نحلهم، الا ما شذ و ندر، ان هذه السوره نزلت فى أهل بيت الرسول (صلى الله عليه و آله) و هم: على، و فاطمه، و ابناهما الامامين الحسن و الحسين (عليهم السلام)، حينما تصدقوا بطعام افطارهم على المسكين، و اليتيم، و الأسير، و فاء بالنذر لله الذى قطعوه على أنفسهم، صيام ثلاثه أيام ان شافى الله ولديهما الحسن و الحسين (عليهماالسلام)، و ترى فى هذا شاهدا و متحدثا بفضلهم، و عارضا هذا النموذج من طائع الايمان الفذه، و مثلا أعلى فى الايثار و الكرم، و سمو الأخلاق، و الرحمه بالمحتاجين، و داعيا للمسلمين الى الاقتداء بهم، و الاقتباس من سيرهم.
و قد ذكر أعلام القوم تفسير نزول هذه الآيات الباهرات من سوره الدهر و رووا هذه الفضيله فى صحاحهم و مسانيدهم، الى حد التواتر، عجز الكثيرون من أحصائهم، و سأذكر شذرات منها فيما يلى أن شاءالله.
قال الشيخ المفسر الفضل بن الحسن الطبرسى فى (مجمع البيان) ج 10/ 611 ط دار المعرفه- بيروت- قد روى الخاص و العام أن الآيات من هذه السوره، و هى قوله: (ان الابرار يشربون) الى قوله: (و كان سعيكم
مشكورا) نزلت فى على و فاطمه و الحسن و الحسين (عليهم السلام).
و قال الحافظ محمد بن طلحه الشافعى المتوفى سنه 652 ه- فى (مطالب السؤول) ص 31: (كفى بهذه عباده، و باطعام هذا الطعام مع شده حاجتهم اليه منقبه، و لو اليه منقبه، و لو لا ذلك لما عظمت هذه القصه شأنا، و علت مكانا، و لما أنزل الله تعالى فيها على رسول الله قرآنا).
و أفرد هذه الفضيله بالتأليف الشيخ أبومحمد أحمد بن محمد بن على العاصمى، و المولود سنه (378 ه-) فى كتاب فخم سماه (زين الفتى فى تفسير هل أتى) فى مجلدين.
أما موجز القصه فهى كالاتى:
مرض الحسن و الحسين (عليهماالسلام) مرضا شديدا، فعادهما رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و عادهما بعض الصاحبه المقربين، فقالوا: يا أباالحسن، لو نذرت على ولديك نذرا. فقال على (عليه السلام): «لو برءا صمت ثلاثه أيام شكرا لله».و سمعت فاطمه الزهراء (عليهاالسلام) فقالت: «ولله على مثل الذى ذكرت». و سمعه الامامان الحسن و الحسين (عليهماالسلام) فقالا: «يا أبه، ولله علينا مثل الذى ذكرت». و قالت جاريه لهم نوبيه يقال لها (فضه) كذلك، فألبس الله تعالى الغلامين لباس العافيه و برءا، و ليس عند آل محمد (صلى الله عليه و آله) قليل و لا كثير، فحصل أميرالمؤمنين على (عليه السلام) على ثلاثه أصوع من الشعير.
فطحنت فاطمه الزهراء منها صاعا، فخبزته خمسه أرغفه لكل واحد منهم رغيف، و صلى على (عليه السلام) المغرب، فلما أتى المنزل و وضع الطعام بين يديه للافطار، طرق الباب مسكين، و سألهم، فأعطاه كل واحد منهم قوته و مكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا شيئا غير الماء.
ثم صاموا اليوم الثانى، فطحنت و خبزت فاطمه (عليهاالسلام) الصاع الثانى كذلك، فلما قدم بين أيديهم للافطار، طرق الباب يتيم، و سألهم
القوت، و قال: انى جائع. فأعطاه كل واحد منهم قوته، و فطروا على الماء فقط.
فلما كان اليوم الثالث من صومهم، كذلك طحنت فاطمه الزهراء الصاع الثالث و خبزته، و قدم الطعام للافطار، فطرق عليهم هذا المره أسير، و سألهم شيئا من الطعام، فأعطاه كل واحد منهم رغيفه و طعامه، و باتوا تلك الليله طاوين كالليالى السابقه، و لم يذوقوا غير الماء.
فرآهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) فى اليوم الرابع، و هم يرتعشون من شده الجوع، و فاطمه الزهراء (عليهاالسلام)، قد التصق بطنها بظهرها من شده الجوع، و غارت عيناها، فقال (صلى الله عليه و آله):
«و اغوثاه، يا الله، أهل بيت محمد يموتون جوعا، فهبط جبرئيل فقال: خذ ما هناك الله تعالى به فى أهل بيتك. فقال: و ما آخذ يا جبرئيل؟» فأنزل الله عله سوره (هل أتى) و قرأها عليهم جبرئيل (عليهم السلام).
و قال أبواسحاق الثعلبى فى تفسيره:
(وزاد ابن مهران الباهلى فى حديثه: فوثب النبى (صلى الله عليه و آله) حتى دخل على فاطمه (عليهاالسلام) و رأى ما بهم أنكب عليهم يبكى، ثم قال لهم: «أنتم منذ ثلاث فيما أرى، و أنا غافل عنكم!». فهبط جبرئيل (عليه السلام) بهذه الآيات من سوره (هل أتى))
قال الحافظ ابن البطريق فى (العمده) ص 348 ط مؤسسه النشر الاسلامى- قم:
(وزاد محمد بن على صاحب الغزالى، على ما ذكره الثعلبى فى كتابه المعروف ب- (البلغه) أنهم (عليهم السلام) نزلت عليهم مائده من السماء، فأكلوا منها سبعه أيام).
و قال الحافظ أبوعبدالله الكنجى الشافعى فى (كفايه الطالب) ص 348:
(و قد سمعت الحافظ أباعمرو عثمان بن عبدالرحمن المعروف با بن
الصلاح فى درس التفسير فى سوره (هل أتى) و ذكر الحديث و قال فيه:
ان السؤال كانوا ملائكه من عند رب العالمين، و كان ذلك امتحانا من الله عز و جل لأهل بيت الرسول (صلى الله عليه و آله).
و سمعت بمكه حرسها الله تعالى من شيخ الحرم بشير التبريزى فى درس التفسير أن السائل الأول كان جبرئيل، و الثانى ميكائيل، و الثالث كان اسرافيل (عليهم السلام).
و نقرأ فى السوره قوله تعالى:
(و يطعمون الطعام على حبه مسكينا و يتيما و أسيرا انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء و لا شكورا).
و هكذا يعرض القرآن بيت النبوه نموذجا للشخصيته الاسلاميه المتفانيه فى ذات الله، المتجرده عن حب الدنيا و زخرف الحياه، المنتصره على شهوه القرص و مضغه الطعام.
يعرضهم قدوه فى الايثار و تقديم الغير على النفس، فيقدم درسا فريدا فى الانتصار على الذات و سمو الأخلاق، و التسامى السلوكى الذى يحلق بالطليعه المؤمنه الى مستوى المبادى و القيم الاسلاميه بل يقدمهم ليعرض التسجيد العملى للاسلام، من خلال عرض نموذج حى للمبادى و القيم، و تلك فلسفته و حكمته من عرض القصص و ضرب الأمثال و نقل الوقائع و الأحداث، لينقل الانسان من خلال هذا العرض، و ذلك الوصف من عالم الفكر و المعرفه و النظريه، الى ميدان العمل، و تجسيد الحدث أو الواقعه، ليتفاعل معها الانسان بحسه و وعيه و وجدانه فينفعل بها، و يستفيد الدرس و العبره و التجربه منها، لذلك يدوعنا الى موده أهل البيت (عليهم السلام)، و الالتزام بحبهم..
و ما كان القرآن ليقصد بالحب أو الموده الا الموده الا موده العقيده، و حب العمل و التعلق بشخصيات أهل البيت (عليهم السلام) التى جسدت الاسلام سلوكا فى